المداس
كنت صغير، مُطيعاً محبوباً من أسرتي ومن الغرباء ومن الأقارب، وكنت هادئاً جداً حتي أن بعض الظرفاء كانوا يطلقون علياٌ فعلياً لقب “الشيخ جمال” كنت أغتاظ لأني كنت أتصوره استهزاءً وليس تكبيراً أو إحتراماً. كنت أقوم بدور جيد في خدمة والدي الطيب الذي كان رحمه الله يعشق مشروب “الشاي”. ولما كنا نعتمد في احتياجتنا من السكر على التموين الحكومي الذي كان لا يكفينا سوى عشرة أيام فقط، وكانت تشتعل المعركة الباردة بين والدتي ووالدي بسبب هذه الاشكالية لأننا كنا نكمل باقي الشهر في الشراء من “السوق السوداء” كما كانت تسمى قديماً، وكان السكر بثلاثة أضعاف ثمنه، هنا كانت والدتي تستاء وتعتقد أن الحياة ستتوقف بسبب شراء الشاي والسكر من السوق السوداء.
كانت أم أصيلة ”لم تقل ابدا “ وأنا مالي“، الرجل هو المسئول عن البيت، أو لم تقل “يكش تولع” كما تقول بعض سيدات تلك الأيام. كنا نسكن في حارة صغيرة على شكل مثلث قائم الزاوية، لا تتضمن سوي سبعة منازل من أولها حتى آخرها..نقطن نحن المنزل رقم أربعة، كنت في ذهابي وإيابي أمر على ثلاثة منازل، وكانت الحارة مغلقة من النهاية كما الاستبيان مغلق النهاية. تقيم في المنزل رقم واحد سيدة عجوز تعيش وحيدة، نادراً ما يزورها أحداً من أقاربها.
كان منزلها نظيفاً جداً من الداخل رغم انه كان من الطوب اللبن. هذه السيدة رغم وحدتها الا أنني كنت أشعر أنها غنية بنفسها، كنت في ذهابي وعودتي اراها تجلس بباب منزلها لا تتجاوزه سنتيمتر واحد الى حرم الشارع الذي عرضه “متران”. كنت اساعدها كثيرا في طلباتها واحتياجاتها اثناء ذهابي لشراء طلبات منزلنا دون أن يعلم والدي أو والدتي، كنت ادرك انهم لو علموا بذلك لحدثت مشكلة معي. وفي نفس الوقت كانت السيدة تُغدق عليّا مما أعطاها الله. يوماً تعطيني نقودا، ويوماً تعطيني مخبوزات رائعة جداً، وبوماً تعطيني ثمرة فاكهة. هكذا كانت الأمور تسير على مايرام بلا مشكلات.كنت في منتهى السعادة الى ان علمت والدتي من مصدر لا اعرفه ربما وشاية من احد اخوتي.
السيدة جارتي العجوز لا تعبأ بوجودي حولها، تعتبرني مجرد طفل، لكن طفل هادئ ونابه. بقية اعتادت السيدات في الحارة اللجوء الى هذه السيدة وتلمس النصيحة منها على اعتبار انها “بيت خبرة” في معاملة الرجال، فقد تزوجت مرتين وتوفيا الزوجين. كانت كل سيدة لديها مشكلة تلجأ اليها، تستشيرها حتى لو مشكلة خاصة بينها وبين زوجها .وبما اني طفل صغير كن كن لا لا يلتفتن الي أو يعبئن أو يشعرن بوجودي بوجودى بينهم أو التحفظ امامي فيما يتبادلنه من أحاديث خاصة جداً.
ذات يوم سمعتها وهي تقول لإمرأة تشكو لها من الحياة مع زوجها القوي (شوفي الراجل يا بنتي لا مؤاخذة ذي المداس تلبيسه وتدوسي عليه في الأرض تلاقيه مريح رجلك، تخلعيه من رجلك وتريحيه شوية وتيجي تلبسيه تاني يعور رجلك ويخليها تجيب دم”.
هذه الجملة علقت في ذاكرتي سنوات، ظللت خلالها أستكشف وأبحث وأقرأ وأكتب وأفكر في دهاليز العلاقات بين الرجل والمرأة . كلما تذكرت هذه الجملة من هذه المرأة من قاع الريف المصري العتيد أفهم كثيراً من الدهاليز والمتاهات التي تحيط بهذه العلاقة.
www.shomosnews.com
كنت صغير، مُطيعاً محبوباً من أسرتي ومن الغرباء ومن الأقارب، وكنت هادئاً جداً حتي أن بعض الظرفاء كانوا يطلقون علياٌ فعلياً لقب “الشيخ جمال” كنت أغتاظ لأني كنت أتصوره استهزاءً وليس تكبيراً أو إحتراماً. كنت أقوم بدور جيد في خدمة والدي الطيب الذي كان رحمه الله يعشق مشروب “الشاي”. ولما كنا نعتمد في احتياجتنا من السكر على التموين الحكومي الذي كان لا يكفينا سوى عشرة أيام فقط، وكانت تشتعل المعركة الباردة بين والدتي ووالدي بسبب هذه الاشكالية لأننا كنا نكمل باقي الشهر في الشراء من “السوق السوداء” كما كانت تسمى قديماً، وكان السكر بثلاثة أضعاف ثمنه، هنا كانت والدتي تستاء وتعتقد أن الحياة ستتوقف بسبب شراء الشاي والسكر من السوق السوداء.
كانت أم أصيلة ”لم تقل ابدا “ وأنا مالي“، الرجل هو المسئول عن البيت، أو لم تقل “يكش تولع” كما تقول بعض سيدات تلك الأيام. كنا نسكن في حارة صغيرة على شكل مثلث قائم الزاوية، لا تتضمن سوي سبعة منازل من أولها حتى آخرها..نقطن نحن المنزل رقم أربعة، كنت في ذهابي وإيابي أمر على ثلاثة منازل، وكانت الحارة مغلقة من النهاية كما الاستبيان مغلق النهاية. تقيم في المنزل رقم واحد سيدة عجوز تعيش وحيدة، نادراً ما يزورها أحداً من أقاربها.
كان منزلها نظيفاً جداً من الداخل رغم انه كان من الطوب اللبن. هذه السيدة رغم وحدتها الا أنني كنت أشعر أنها غنية بنفسها، كنت في ذهابي وعودتي اراها تجلس بباب منزلها لا تتجاوزه سنتيمتر واحد الى حرم الشارع الذي عرضه “متران”. كنت اساعدها كثيرا في طلباتها واحتياجاتها اثناء ذهابي لشراء طلبات منزلنا دون أن يعلم والدي أو والدتي، كنت ادرك انهم لو علموا بذلك لحدثت مشكلة معي. وفي نفس الوقت كانت السيدة تُغدق عليّا مما أعطاها الله. يوماً تعطيني نقودا، ويوماً تعطيني مخبوزات رائعة جداً، وبوماً تعطيني ثمرة فاكهة. هكذا كانت الأمور تسير على مايرام بلا مشكلات.كنت في منتهى السعادة الى ان علمت والدتي من مصدر لا اعرفه ربما وشاية من احد اخوتي.
السيدة جارتي العجوز لا تعبأ بوجودي حولها، تعتبرني مجرد طفل، لكن طفل هادئ ونابه. بقية اعتادت السيدات في الحارة اللجوء الى هذه السيدة وتلمس النصيحة منها على اعتبار انها “بيت خبرة” في معاملة الرجال، فقد تزوجت مرتين وتوفيا الزوجين. كانت كل سيدة لديها مشكلة تلجأ اليها، تستشيرها حتى لو مشكلة خاصة بينها وبين زوجها .وبما اني طفل صغير كن كن لا لا يلتفتن الي أو يعبئن أو يشعرن بوجودي بوجودى بينهم أو التحفظ امامي فيما يتبادلنه من أحاديث خاصة جداً.
ذات يوم سمعتها وهي تقول لإمرأة تشكو لها من الحياة مع زوجها القوي (شوفي الراجل يا بنتي لا مؤاخذة ذي المداس تلبيسه وتدوسي عليه في الأرض تلاقيه مريح رجلك، تخلعيه من رجلك وتريحيه شوية وتيجي تلبسيه تاني يعور رجلك ويخليها تجيب دم”.
هذه الجملة علقت في ذاكرتي سنوات، ظللت خلالها أستكشف وأبحث وأقرأ وأكتب وأفكر في دهاليز العلاقات بين الرجل والمرأة . كلما تذكرت هذه الجملة من هذه المرأة من قاع الريف المصري العتيد أفهم كثيراً من الدهاليز والمتاهات التي تحيط بهذه العلاقة.
يوميات عالم نفساني (1) - بوابة شموس نيوز
بقلم الاستاذ الدكتور جمال فايد المداس كنت صغير، مُطيعاً محبوباً من أسرتي ومن الغرباء ومن...