عندما تموت، عاجلاً أم آجلاً، ستحظى في الآخرة بفرصة سخية: سيكون بإمكانك أن تختار ما تريد أن تكون عليه في الحياة التالية. هل تريد أن تكون من الجنس الآخر؟ أو أن تولد في عائلة مَلَكية؟ أو تكون فيلسوفاً ألمعياً عميقاً لا قَرار لبصيرته؟ أو جندي مقدام يواجه معارك ضارية ويحقّق انتصارات مظفّرة؟
ولكن يُحتَمَل أن تكون قد عُدتَ للتو من حياة مريرة وصعبة. ربمّا أثقل كاهلك ثقل القرارات والخيارات والمسؤوليات التي أحاطت بك طوال حياتك، والآن بات هناك شيء واحد تتوق إليه في الآخرة وهو: حياة البساطة، هذا جائز. لذلك في الجولة التالية تختار أن تكون حصاناً. تتوق إلى نعمة تلك الحياة البسيطة: قضاء فترة الظهر بالرعي في المراعي العشبية الخضراء، زوايا وتقاطيع هيكلك العظمي ومنحنيات عضلاتك المفتولة، الذيل المنساب ببطء أو البخار المنبعث من منخريك، وأنت تتقافز بمرح فوق السهول المغطاة بالثلوج.
تعبّر عن رغبتك هذه وتعلن قرارك. تُطلَق التعويذات، ويُلَوّحُ بالعصا، ويبدأ جسمك بالتحوّل إلى حصان. تبدأ عضلاتك في الانتفاخ، وينبثق غطاء من الشعر القوي الذي يغطّيك كبطّانية مريحة ودافئة في الشتاء. تبدو رقبتك طبيعية في طولها وسماكتها على الفور بمجرّد حدوث ذلك. تنمو الشرايين السباتية ويزداد طولها، وتمتزج أصابعك إلى حوافر، وتتصلّب رُكّبك، يقوى وركك، وفي هذه الأثناء، مع استطالة جمجمتك إلى شكلها الجديد، تطرأ تغيّرات سريعة على دماغك: تتراجع قشرتك الدماغية مع ازدياد حجم المُخَيخ، أنَيسان القشرة الدماغية يذوب ويحوّل الرجل إلى حصان، تعاد برمجة الخلايا العصبية، والمشابك تعيد توصيلاتها من جديد كما المشابك العصبية في الأحصنة، وينهار حلمك في فهم ما يعنيه أن تكون حصاناً رعوياً مرّةً وإلى الأبد.
فجأةً، وللحظة واحدة فقط، تدرك المشكلة التي أوقعتَ نفسك فيها. كلّما تحوّلتَ إلى حصان، تنسى رغبتك الأصلية. تنسى ماذا كان يعني ان تكون إنساناً يتسائل ما معنى أن يكون المرء حصاناً.
لكنّ لحظة الوضوح هذه لاتدوم طويلاً. بل هي بمثابة عقاب على خطاياك. انت مثل بروميثيوس والنسر ينقر كبده، تزحف على الأرض ببلاهة نصف إنسان-نصف حصان، مع العلم أنك لن تستطيع تقدير وجهتك دون أن تعرف نقطة البداية، لايمكنك الاستمتاع بالبساطة ما لم تتذكّر جميع البدائل الأخرى.
وكل هذا ليس أسوأ ما في عملية تحوّلك. بل تدرك أنك في المرة القادمة التي تعود فيها إلى الآخرة، بدماغ الحصان، لن تمتلك القدرة أبداً على طلب أن تعود إنساناً مرّةً أخرى. أنت لم تفهم ماهية الإنسان وجوهره. إنّ اختيارك وقرارك بالانحدار في سلم الذكاء لارجعة فيه. وقبل أن تفقد جميع مَلَكَاتك وخصائصك البشرية الأخيرة، تدرك ماهية كيف أنّ مخلوق فضائي متطور ورائع، مفتون بفكرة البحث عن حياة أبسط، يختار في اللحظة الأخيرة أن يُمسَخَ إنساناً.
Sum: Forty Tales from the Afterlives
Eagleman, David
ترجمة إبراهيم قيس جركس
ولكن يُحتَمَل أن تكون قد عُدتَ للتو من حياة مريرة وصعبة. ربمّا أثقل كاهلك ثقل القرارات والخيارات والمسؤوليات التي أحاطت بك طوال حياتك، والآن بات هناك شيء واحد تتوق إليه في الآخرة وهو: حياة البساطة، هذا جائز. لذلك في الجولة التالية تختار أن تكون حصاناً. تتوق إلى نعمة تلك الحياة البسيطة: قضاء فترة الظهر بالرعي في المراعي العشبية الخضراء، زوايا وتقاطيع هيكلك العظمي ومنحنيات عضلاتك المفتولة، الذيل المنساب ببطء أو البخار المنبعث من منخريك، وأنت تتقافز بمرح فوق السهول المغطاة بالثلوج.
تعبّر عن رغبتك هذه وتعلن قرارك. تُطلَق التعويذات، ويُلَوّحُ بالعصا، ويبدأ جسمك بالتحوّل إلى حصان. تبدأ عضلاتك في الانتفاخ، وينبثق غطاء من الشعر القوي الذي يغطّيك كبطّانية مريحة ودافئة في الشتاء. تبدو رقبتك طبيعية في طولها وسماكتها على الفور بمجرّد حدوث ذلك. تنمو الشرايين السباتية ويزداد طولها، وتمتزج أصابعك إلى حوافر، وتتصلّب رُكّبك، يقوى وركك، وفي هذه الأثناء، مع استطالة جمجمتك إلى شكلها الجديد، تطرأ تغيّرات سريعة على دماغك: تتراجع قشرتك الدماغية مع ازدياد حجم المُخَيخ، أنَيسان القشرة الدماغية يذوب ويحوّل الرجل إلى حصان، تعاد برمجة الخلايا العصبية، والمشابك تعيد توصيلاتها من جديد كما المشابك العصبية في الأحصنة، وينهار حلمك في فهم ما يعنيه أن تكون حصاناً رعوياً مرّةً وإلى الأبد.
فجأةً، وللحظة واحدة فقط، تدرك المشكلة التي أوقعتَ نفسك فيها. كلّما تحوّلتَ إلى حصان، تنسى رغبتك الأصلية. تنسى ماذا كان يعني ان تكون إنساناً يتسائل ما معنى أن يكون المرء حصاناً.
لكنّ لحظة الوضوح هذه لاتدوم طويلاً. بل هي بمثابة عقاب على خطاياك. انت مثل بروميثيوس والنسر ينقر كبده، تزحف على الأرض ببلاهة نصف إنسان-نصف حصان، مع العلم أنك لن تستطيع تقدير وجهتك دون أن تعرف نقطة البداية، لايمكنك الاستمتاع بالبساطة ما لم تتذكّر جميع البدائل الأخرى.
وكل هذا ليس أسوأ ما في عملية تحوّلك. بل تدرك أنك في المرة القادمة التي تعود فيها إلى الآخرة، بدماغ الحصان، لن تمتلك القدرة أبداً على طلب أن تعود إنساناً مرّةً أخرى. أنت لم تفهم ماهية الإنسان وجوهره. إنّ اختيارك وقرارك بالانحدار في سلم الذكاء لارجعة فيه. وقبل أن تفقد جميع مَلَكَاتك وخصائصك البشرية الأخيرة، تدرك ماهية كيف أنّ مخلوق فضائي متطور ورائع، مفتون بفكرة البحث عن حياة أبسط، يختار في اللحظة الأخيرة أن يُمسَخَ إنساناً.
Sum: Forty Tales from the Afterlives
Eagleman, David
ترجمة إبراهيم قيس جركس