لاسم الشركة رنينٌ صينيٌّ ما، قد يوحي لمن يسمعه لأول مرة بأنها تُنتج ألعابًا رخيصة، لكن هواة الجمع ذوي الخبرة يعرفون جيدًا أن مجسمات "هُوت تُويز" هي دائمًا تجسيدات حية لأفضل ما وصل إليه الإبداع البشري في محاكاة شخصيات عالم الخيال.
ويعرفون بالطبع أنها تُدعَى "مجسمات قابلة للتحريك" لا "تماثيل". فالتماثيل -مهما بلغت روعة محاكاتها للأصل- تبقى جامدة على وضع واحد. أما هذه المجسمات فتأتي مزودةً بالعديد من المفاصل التي تتيح اتخاذ أوضاع الحركة، وكلما زاد عدد المفاصل اقتربت حرية التحريك من آفاق اللاحدود، واقترب سعر المجسم من حدود اللامعقول.
وأسعار مجسمات "هوت تويز" معروفة بهذا. لكن ليس بسبب عدد مفاصل التحريك فقط، وإنما أيضًا لجهود المحاكاة المذهلة المبذولة في إخراج تفاصيل المجسم الصغير -سُدس الحجم الطبيعي غالبا- من قمة الرأس حتى أخمص القدمين بصورةٍ تتحدى المنافسة.
لهذا وجدتُ نفسي في جحيم الاختيار بين عشرات أبطال الخيال المفضلين عندي. فالراجح أن فرصة -أو نزوة- شراء مجسم من "هوت تويز" لن تعاودني مرة أخرى. أحب الكثير من الأبطال الخارقين لكن "الرجال إكس" كانوا أكثر ما فتنني في الطفولة بقدراتهم الفريدة. وعلى عكس معظم الأبطال الخارقين، امتلَكَ كلُّ واحدٍ من هؤلاء المتحولين موهبةً واحدة محدودة -ولهذا كانت مغامراتهم دائمًا أقرب إلى البطولات الجماعية- وامتلكتُ أنا أملًا طفوليًا بأن أكتشف موهبتي الخاصة يومًا ما، وعندها سيزورني البروفيسور "زافيير" ويعرض عليَّ الانضمام للفريق، وهو يعرف مسبقًا -من قراءة أفكاري- أنني سأوافق على الفور.
هكذا وقع اختياري على مجسم "جين جراي" أقرب "الرجال إكس" إلى قلبي -رغم أنها ليست رجلًا أصلا- وأقوى المتحولين، حسب العديد من آراء أهل الرأي، بالنظر إلى قدرتها الهائلة على تحريك الأشياء عن بُعد، لأدفع ثمنه من راتب ثلاثة أشهر كاملة.
وحين فتحت العلبة الفاخرة ألمَّ بي الذهول رغم كل ما كنت قد رأيته من صورِ المجسم على الإنترنت. كانت الملابس من أنسجةٍ واقعيةٍ تماما، وكانت خيوط الشعر الأحمر مزروعة في الرأس شعرةً شعرة، وفي العينين التمعَت تلك النظرة الزجاجية المبهمة، أما البشرة فلم تنجح أي صورةٍ رأيتُها في التعبير عن دقة محاكاتها لمظهر وملمس الجلد البشري.
تفصيلةٌ واحدةٌ فقط وسط كل هذا الإتقان كان يمكن وصفها بأنها عيبٌ طفيفٌ في الصناعة، وهي ذلك الخط البرتقالي الرفيع تحت الأذن اليسرى بالضبط. لكن هذه الهفوات تحدث طوال الوقت، ولم أكن لأسمح لشيءٍ كهذا بالتأثير على بهجتي باقتناء تلك التحفة الفريدة التي وضعتُها على رف المكتبة الأول حيث أحتفظ بمجموعتي الصغيرة من القصص المصورة.
ورغم المخاطرة بإتلاف خشونة المفاصل قليلًا مع الاستخدام، كنت أحب تعديل وقفة "جين جراي" بين حينٍ وآخر من باب تذكير نفسي بأنني لم أنفق كل هذا المال على مجرد تمثال. ولهذا لاحظتُ مرةً أن أبعاد الخط البرتقالي قد اتسعَت -طولًا وعرضًا وعُمقا- بقدرٍ ضئيل جدًا، لكنَّ مهووسًا بالتفاصيل مثلي لا تفوته ملاحظةٌ كهذه.
بحثتُ سريعًا على الإنترنت لأجد بعض الشكاوي من هواةٍ يقولون إن جلود بعض مجسمات الشركة تتحلل مع مرور الزمن، وأن استعمال القليل من بودرة الأطفال قد يؤخر هذا التحلل لكنه لا يوقفه تمامًا. قررتُ -مُغتمًّا- أن أُبعد "جين جراي" بأكبر قدر ممكن عن التعرض للضوء والحرارة بإخفائها في دولاب الملابس الشتوية حيث أحتفظ بالسُّترات الثقيلة التي لا أستعملها كثيرا، لكنني حين كنتُ أتفقدها بين وقتٍ وآخر كنتُ أرى الخط البرتقالي يتحول سريعًا إلى ندبةٍ ناريةٍ تزحف حول وجهها الجميل، وتنعكس في عينيها الزجاجيتين بطريقةٍ جعلَتني أستحضر على الفور لقب "جين جراي" الآخر الذي لم أكن أعرف عنه شيئًا حين أحببتها أيام الطفولة.
وهكذا حبستُ "عنقاء الظلام" في ظلمات الدولاب، لكنها كانت تأتيني في منامي وقد تحلَّلَ جلدُها البشري واضطرمَت من تحته النيران التي لفحت كوابيسي طويلا. ولم أكن أعرف إن كانت الارتجاجات المكتومة التي أسمعها كثيرًا تأتي من داخل الدولاب امتدادًا لرؤى النوم أم غزوًا لحدود اليقظة، لكنني أوصدتُ الباب بالمفتاح على سبيل الاحتياط.
ولا زلتُ إلى اليوم أُفضِّل الارتجاف من البرد في ليالي الشتاء على أن أفتح باب دولاب معاطفي الشتوية فأرى ما حدث لـ"جين جراي" التي تنتظرني خلفه.
31/8/2019
ويعرفون بالطبع أنها تُدعَى "مجسمات قابلة للتحريك" لا "تماثيل". فالتماثيل -مهما بلغت روعة محاكاتها للأصل- تبقى جامدة على وضع واحد. أما هذه المجسمات فتأتي مزودةً بالعديد من المفاصل التي تتيح اتخاذ أوضاع الحركة، وكلما زاد عدد المفاصل اقتربت حرية التحريك من آفاق اللاحدود، واقترب سعر المجسم من حدود اللامعقول.
وأسعار مجسمات "هوت تويز" معروفة بهذا. لكن ليس بسبب عدد مفاصل التحريك فقط، وإنما أيضًا لجهود المحاكاة المذهلة المبذولة في إخراج تفاصيل المجسم الصغير -سُدس الحجم الطبيعي غالبا- من قمة الرأس حتى أخمص القدمين بصورةٍ تتحدى المنافسة.
لهذا وجدتُ نفسي في جحيم الاختيار بين عشرات أبطال الخيال المفضلين عندي. فالراجح أن فرصة -أو نزوة- شراء مجسم من "هوت تويز" لن تعاودني مرة أخرى. أحب الكثير من الأبطال الخارقين لكن "الرجال إكس" كانوا أكثر ما فتنني في الطفولة بقدراتهم الفريدة. وعلى عكس معظم الأبطال الخارقين، امتلَكَ كلُّ واحدٍ من هؤلاء المتحولين موهبةً واحدة محدودة -ولهذا كانت مغامراتهم دائمًا أقرب إلى البطولات الجماعية- وامتلكتُ أنا أملًا طفوليًا بأن أكتشف موهبتي الخاصة يومًا ما، وعندها سيزورني البروفيسور "زافيير" ويعرض عليَّ الانضمام للفريق، وهو يعرف مسبقًا -من قراءة أفكاري- أنني سأوافق على الفور.
هكذا وقع اختياري على مجسم "جين جراي" أقرب "الرجال إكس" إلى قلبي -رغم أنها ليست رجلًا أصلا- وأقوى المتحولين، حسب العديد من آراء أهل الرأي، بالنظر إلى قدرتها الهائلة على تحريك الأشياء عن بُعد، لأدفع ثمنه من راتب ثلاثة أشهر كاملة.
وحين فتحت العلبة الفاخرة ألمَّ بي الذهول رغم كل ما كنت قد رأيته من صورِ المجسم على الإنترنت. كانت الملابس من أنسجةٍ واقعيةٍ تماما، وكانت خيوط الشعر الأحمر مزروعة في الرأس شعرةً شعرة، وفي العينين التمعَت تلك النظرة الزجاجية المبهمة، أما البشرة فلم تنجح أي صورةٍ رأيتُها في التعبير عن دقة محاكاتها لمظهر وملمس الجلد البشري.
تفصيلةٌ واحدةٌ فقط وسط كل هذا الإتقان كان يمكن وصفها بأنها عيبٌ طفيفٌ في الصناعة، وهي ذلك الخط البرتقالي الرفيع تحت الأذن اليسرى بالضبط. لكن هذه الهفوات تحدث طوال الوقت، ولم أكن لأسمح لشيءٍ كهذا بالتأثير على بهجتي باقتناء تلك التحفة الفريدة التي وضعتُها على رف المكتبة الأول حيث أحتفظ بمجموعتي الصغيرة من القصص المصورة.
ورغم المخاطرة بإتلاف خشونة المفاصل قليلًا مع الاستخدام، كنت أحب تعديل وقفة "جين جراي" بين حينٍ وآخر من باب تذكير نفسي بأنني لم أنفق كل هذا المال على مجرد تمثال. ولهذا لاحظتُ مرةً أن أبعاد الخط البرتقالي قد اتسعَت -طولًا وعرضًا وعُمقا- بقدرٍ ضئيل جدًا، لكنَّ مهووسًا بالتفاصيل مثلي لا تفوته ملاحظةٌ كهذه.
بحثتُ سريعًا على الإنترنت لأجد بعض الشكاوي من هواةٍ يقولون إن جلود بعض مجسمات الشركة تتحلل مع مرور الزمن، وأن استعمال القليل من بودرة الأطفال قد يؤخر هذا التحلل لكنه لا يوقفه تمامًا. قررتُ -مُغتمًّا- أن أُبعد "جين جراي" بأكبر قدر ممكن عن التعرض للضوء والحرارة بإخفائها في دولاب الملابس الشتوية حيث أحتفظ بالسُّترات الثقيلة التي لا أستعملها كثيرا، لكنني حين كنتُ أتفقدها بين وقتٍ وآخر كنتُ أرى الخط البرتقالي يتحول سريعًا إلى ندبةٍ ناريةٍ تزحف حول وجهها الجميل، وتنعكس في عينيها الزجاجيتين بطريقةٍ جعلَتني أستحضر على الفور لقب "جين جراي" الآخر الذي لم أكن أعرف عنه شيئًا حين أحببتها أيام الطفولة.
وهكذا حبستُ "عنقاء الظلام" في ظلمات الدولاب، لكنها كانت تأتيني في منامي وقد تحلَّلَ جلدُها البشري واضطرمَت من تحته النيران التي لفحت كوابيسي طويلا. ولم أكن أعرف إن كانت الارتجاجات المكتومة التي أسمعها كثيرًا تأتي من داخل الدولاب امتدادًا لرؤى النوم أم غزوًا لحدود اليقظة، لكنني أوصدتُ الباب بالمفتاح على سبيل الاحتياط.
ولا زلتُ إلى اليوم أُفضِّل الارتجاف من البرد في ليالي الشتاء على أن أفتح باب دولاب معاطفي الشتوية فأرى ما حدث لـ"جين جراي" التي تنتظرني خلفه.
31/8/2019