إلى أين تذهبين؟
لم يكن عليك الابتعاد كثيراً عن البيت! لم يطلب منك والدك سوى كأس ماء أو حفنةٍ من الملح، أو ربما سكين. لقد أراد أن يضع القليل من الملح فوق البصلة البنفسجية في صحنه، كي يستطيع ابتلاعها. وأنت كالعادة وبعد عدة خطوات تصابين بفقدان الذاكرة، يلفك النسيان. فمالذي كان يريده! الملح! أم السكين؟
لم يكن عليك الابتعاد عن البيت!
فأمك تخاف من الظلمة والرجال الذين يبولون على أطراف الماعز التي يضاجعونها في الظلام، وهي تطلب منك عدم الاقتراب من الآبار والرجال المبتسمين. ذات مرة سقطت في البئر، لكنك لست يوسف كي ينقذك الرعاة! كنت مجرد طفلة بلهاء هزيلة وقعت في بئر جاف، غمرتك رطوبة المكان وراحت تلك الديدان الصغيرة تزحف فوق جسدك سعيدة بصيدها الوفير؛ تستكشف يديك وقدميك وبعضها بدت متعجلة وتوغلت عميقاً بين طيات ثيابك.
في الأعلى كانت أنوار مشاعلهم وظلالهم المتكسرة تنحدر على وجهك، فتعمي عينيك، وكان الرجل الذي أنقذك نحيل كشبح، سيبرر هذا ولعك بالأشباح فيما بعد! عانقته وغرست وجهك في صدره العاري؛ كان يمكنك دس أصبعك في تجاويف قفصه الصدري بل ربما لمست بأناملك شغاف قلبه الذي ينبض بقوة ما يزال هذا النبض عالقاً بأناملك حتى الآن. كانت أمك تبكي، قالت وهي تتنهد أن عليك النظر جيداً تحت قدميك، واشتكت للعابرين من تحديقك الدائم للأفق.
– مالذي ترينه هناك. ها أجيبي؟ مالذي ترينه. ومالذي دفعك لمتابعة السير!
لقد طلب والدك حفنة من الملح، أو كأس ماء، -أياً كان-لقد أرسلك لأمر بسيط فلماذا ابتعدت؟ كانت كلماته محددة بدقة، عليك أن تحضري شيئا من المطبخ الفارغ.
تقول أمك: يوجد كيس بصل وخبز يابس.
تهدل صورة جدتك من مكانها خلف عقارب الساعة: هذا من خير الحكومة.
لقد اختفت القطة التي تختبئ عادة بين الأكياس، والتي كانت تثير ذعرك. لا بد أن أحدهم اصطادها وأكلها، يداعبون رأسها في البداية ثم يحكمون القبض على عنقها. يسلخون فروها. فيحفظ هذا التكشيرة الأخيرة بين أسنانها.
الأمر بمنتهى البساطة، أن تحضري لوالدك شيئاً ما وأن تعودي عبر الممر المرصوف بالحصى نحو الغرفة الطينية؛ وأن تتجنبي أغصان الرمان والزيتون ذات المزاج الرائق، والتي تدب الحياة فيها ليلاً، وتبدأ بمداعبة ظهرك، أو لمس وجنتيك، وكنت تعرفين حيلها. لكن أمك لا تصدق أن الأشجار تداعبك وأنها تشكو لبعضها البعض من لسعة نحلة، أو ثرثرة غراب، أو نظرات بوم. حتى أنك انتظرت ليلة كاملة واكتشفت أن الأوراق المتساقطة ليست بفعل الريح بل يحدثها تشابك الأغصان أثناء الحب أو العراك…
قبل هذه اللحظة لم يكن النسيان ليكلفك سوى توبيخ، كان والدك يطلب منك شيئاً فتعودين بآخر، يطلب صحناً فتحضرين ملعقة. يطلب سكيناً فتحضرين الكأس! تحلق الأخيرة مع صراخه في سماء الغرفة ثم تهوي بين الأحذية (لكني طلبت السكين)
المسافة بين باب الغرفة والمطبخ ليست بعيدة، لا كلاب تعوي، ولا ظلام مطبق. فلماذا ابتعدت؟ لم يكن عليك الابتعاد!
لقد عبرت ثلاثة دروب مظلمة ثم بدأت تلك الأشياء تظهر لك، ء (الأشياء المخفيّة نهاراً تظهر في الليل). التقيت بطفل له فم سمكة، كانت تطير من فمه تلك الفقاعات الدائرية المتوهجة. سألك عما تفعلينه في هذا الظلام؟ قال: أنه كان سمكة، وأمام نظرتك الذاهلة خلع قميصه فظهرت زعنفتان في ظهره.
تحاولين أن تتذكري، مالذي كنت قد ذهبت لإحضاره؟ وتتابعين السير في الظلام، يمر كلب يتشمم الأرض ويردد: إنّ البرد فظيع.
القطة التي كانت تفزعك بخير، فقد كانت تنام فوق كومة أنقاض قالت حين لمحتك: أن الجنود سيأتون من الجهة الشرقية للمدينة.
صاح الغراب “عليها أن تهرب”
تابعتِ السير بين الأشجار المستلقية على جانبي الطريق، كان بعضها يشخر بصوت عال، الأشجار الأكبر سناً تتحدث أثناء نومها، كانت مستلقية على جنبها وقد ارتفعت جذورها للأعلى.
قال بوم صغير: -إنها ضائعة…يا للمسكينة…
ردت البومة: ضيّعها الحب.
لكن كيف عرفا؟ إذا كنت أنت لا تعرفين سبب ضياعك!
من منعطف غريب ظهرت امرأة وهي تركض باتجاهك مذعورة، تلوح بثوب مهترئ. وتنادي أولادها. حاولت إيقافها لكنها لا تراك، تتابع الركض وهي تنادي عليهم. عالمك هادئ، لا حروب ولا جنود، جاف وقاس. قريتك متعفنة نسيها الحب ونسيها الجنود فلماذا يتحدثون عن الحرب!
تابعت المشي بينما كان يفترض بك التوقف والسؤال عن طريق العودة. وحين وصلت إلى ضفة النهر، عرفتِ أنك ذهبت بعيداً. كان الرجال يسبحون وقد برزت رؤوسهم، كانوا ينظرون نحو جسدك ويبتسمون، صاح أحدهم: -هيه، تعالي اسبحي يا حلوة، هيا اخلعي الثياب وانزلي للمرح. هيا اخلعي ثيابك.
تقافزت الرؤوس بمرح على سطح الماء. وظهرت جراح عميقة يسيل منها الدم. كانوا يملؤون أفواههم ثم ينفخون الماء القاني على عيون بعضهم.
“بعض العيون كانت منزوعة”
(تعالي، انتهت الحرب بالنسبة لنا)
تتخبطين بين الدروب، والأشجار النائمة تعيقك تمد أغصانها المفرودة كي تتعثري وهي تضحك من مشيتك البلهاء. الأشجار الأكبر سناً نهرت الأشجار الصغيرة وأمرتها بالتزام الصمت…
تطلبين من السماء إشارة.
أين أنا؟
هناك بيت، بيتٌ دافئ، ومضيئ، تتقدمين نحوه، فيطالعك “الوجه الذي سيعذبك“ إنه لطيف، وحنون. طلبت منه أن يساعدك على التذكر، فقال: (التذكر سهل النسيان هو الأصعب)
أعطاك كوب ماء من أجل جفاف حلقك ثم عرّاك بأصابعه المرتجفة (مرة واحدة ولن تشعري بعدها بالألم)
مددك وبدأ بتقطيعك. قال: أن أشهى قطعة في النساء هي آذانهن، مضغها بتلذذ وبيدين مغبّرتين ومدماتين، كان جائعاً، وكنت جائعة للمنح.
– تركتُ لكِ الوجه، كي تراقبي جيداً ما أنا فاعل بك.
أغلق الباب وراءك فهبت ريح، التفت فسقط وجهك، حاولت البحث عنه لكن الظلمة كانت تملأ المكان.
تابعت المشي عند تقاطع صغير جلس طفل يبيع البوالين الملونّة والخرائط الصفراء. ويحمل بيده شمعة
رفعها وسأل: أين أضعت وجهك؟
(هناك!)
غرست أصبعك في بطن العتمة.
-ضعي قدمك هنا، لا، ليس هنا سوف تضيعين في مقبرة فرعونية.
وضعت قدمك، فغاصت في ماء بارد. دوامة مائية كانت تشدك.
-هذا دجلة عليك العودة.
وغرقت في محيط هائل، كانت هناك سفينة ضخمة تغرق ببطء، حاولت التشبث بلوح جليدي فانزلقت، استسلمت للغرق، فانتشلتك يده.
(قلت لك) صاح الطفل غاضباً: (هنا، هنا يالك من بلهاء هنا ضعي قدمك هنا…-) أنت عمياء ومن الصعب عليّ مساعدتك. عليك أن تعثري على البيت بنفسك.
حملك من إبطيك ووضعك فوق الخريطة الصفراء، وجدت نفسك أمام بيت ترابي وعرفته إنه البيت!
ووالدك مازال في مكانه ينتظر وأمامه بصلة محززة وسكين صغيرة فوقها شبكة عنكبوت.
-تأخرتِ -قال والدك -لقد أرسلتك لأجل حفنة من الملح. وأشار لقطعة البصل التي تعفنت
رفع رأسه فظهر شق عميق في رقبته، ورأيت غضاريفها الزهرية المبقعّة بالدم.
من مزق يديك ووجهك؟ سألت أمك.
لا تجرؤين على البوح باسم حبيبك، فتقولين: الكلاب.
-كان عليك أن لا تبتعدي كثيرا عن البيت، لقد حدثت الأشياء في غيابك. لو رأيت كان الرعب أبيضاَ، وقتلوا أباك أولاً …
– لكني كنت أحضر علبة الملح
-كان عليك ألا تلتقي ذاك الرجل…. وعليك أن تستعيدي وجهك الآن…
-وكيف سأفعل بدون وجه؟
-عودي من حيث أتيت، ستدلك الوجوه المتساقطة في طريقك إليه.
-لكن يا أمي الدرب طويل، وأخاف الضيَاع من جديد. وأخشى ألاّ يعرفني؟
-عليك أن تستردي وجهك. هل تستطيعين العيش بدون وجه؟ إذهبي الآن قبل أن يعود الرجال ويأخذوا عينيك عندها لن تعرفي كيف تستردين وجهك، ولن يكون لك أي بيت .. أي بيت….
sadazakera.wordpress.com
لم يكن عليك الابتعاد كثيراً عن البيت! لم يطلب منك والدك سوى كأس ماء أو حفنةٍ من الملح، أو ربما سكين. لقد أراد أن يضع القليل من الملح فوق البصلة البنفسجية في صحنه، كي يستطيع ابتلاعها. وأنت كالعادة وبعد عدة خطوات تصابين بفقدان الذاكرة، يلفك النسيان. فمالذي كان يريده! الملح! أم السكين؟
لم يكن عليك الابتعاد عن البيت!
فأمك تخاف من الظلمة والرجال الذين يبولون على أطراف الماعز التي يضاجعونها في الظلام، وهي تطلب منك عدم الاقتراب من الآبار والرجال المبتسمين. ذات مرة سقطت في البئر، لكنك لست يوسف كي ينقذك الرعاة! كنت مجرد طفلة بلهاء هزيلة وقعت في بئر جاف، غمرتك رطوبة المكان وراحت تلك الديدان الصغيرة تزحف فوق جسدك سعيدة بصيدها الوفير؛ تستكشف يديك وقدميك وبعضها بدت متعجلة وتوغلت عميقاً بين طيات ثيابك.
في الأعلى كانت أنوار مشاعلهم وظلالهم المتكسرة تنحدر على وجهك، فتعمي عينيك، وكان الرجل الذي أنقذك نحيل كشبح، سيبرر هذا ولعك بالأشباح فيما بعد! عانقته وغرست وجهك في صدره العاري؛ كان يمكنك دس أصبعك في تجاويف قفصه الصدري بل ربما لمست بأناملك شغاف قلبه الذي ينبض بقوة ما يزال هذا النبض عالقاً بأناملك حتى الآن. كانت أمك تبكي، قالت وهي تتنهد أن عليك النظر جيداً تحت قدميك، واشتكت للعابرين من تحديقك الدائم للأفق.
– مالذي ترينه هناك. ها أجيبي؟ مالذي ترينه. ومالذي دفعك لمتابعة السير!
لقد طلب والدك حفنة من الملح، أو كأس ماء، -أياً كان-لقد أرسلك لأمر بسيط فلماذا ابتعدت؟ كانت كلماته محددة بدقة، عليك أن تحضري شيئا من المطبخ الفارغ.
تقول أمك: يوجد كيس بصل وخبز يابس.
تهدل صورة جدتك من مكانها خلف عقارب الساعة: هذا من خير الحكومة.
لقد اختفت القطة التي تختبئ عادة بين الأكياس، والتي كانت تثير ذعرك. لا بد أن أحدهم اصطادها وأكلها، يداعبون رأسها في البداية ثم يحكمون القبض على عنقها. يسلخون فروها. فيحفظ هذا التكشيرة الأخيرة بين أسنانها.
الأمر بمنتهى البساطة، أن تحضري لوالدك شيئاً ما وأن تعودي عبر الممر المرصوف بالحصى نحو الغرفة الطينية؛ وأن تتجنبي أغصان الرمان والزيتون ذات المزاج الرائق، والتي تدب الحياة فيها ليلاً، وتبدأ بمداعبة ظهرك، أو لمس وجنتيك، وكنت تعرفين حيلها. لكن أمك لا تصدق أن الأشجار تداعبك وأنها تشكو لبعضها البعض من لسعة نحلة، أو ثرثرة غراب، أو نظرات بوم. حتى أنك انتظرت ليلة كاملة واكتشفت أن الأوراق المتساقطة ليست بفعل الريح بل يحدثها تشابك الأغصان أثناء الحب أو العراك…
قبل هذه اللحظة لم يكن النسيان ليكلفك سوى توبيخ، كان والدك يطلب منك شيئاً فتعودين بآخر، يطلب صحناً فتحضرين ملعقة. يطلب سكيناً فتحضرين الكأس! تحلق الأخيرة مع صراخه في سماء الغرفة ثم تهوي بين الأحذية (لكني طلبت السكين)
المسافة بين باب الغرفة والمطبخ ليست بعيدة، لا كلاب تعوي، ولا ظلام مطبق. فلماذا ابتعدت؟ لم يكن عليك الابتعاد!
لقد عبرت ثلاثة دروب مظلمة ثم بدأت تلك الأشياء تظهر لك، ء (الأشياء المخفيّة نهاراً تظهر في الليل). التقيت بطفل له فم سمكة، كانت تطير من فمه تلك الفقاعات الدائرية المتوهجة. سألك عما تفعلينه في هذا الظلام؟ قال: أنه كان سمكة، وأمام نظرتك الذاهلة خلع قميصه فظهرت زعنفتان في ظهره.
تحاولين أن تتذكري، مالذي كنت قد ذهبت لإحضاره؟ وتتابعين السير في الظلام، يمر كلب يتشمم الأرض ويردد: إنّ البرد فظيع.
القطة التي كانت تفزعك بخير، فقد كانت تنام فوق كومة أنقاض قالت حين لمحتك: أن الجنود سيأتون من الجهة الشرقية للمدينة.
صاح الغراب “عليها أن تهرب”
تابعتِ السير بين الأشجار المستلقية على جانبي الطريق، كان بعضها يشخر بصوت عال، الأشجار الأكبر سناً تتحدث أثناء نومها، كانت مستلقية على جنبها وقد ارتفعت جذورها للأعلى.
قال بوم صغير: -إنها ضائعة…يا للمسكينة…
ردت البومة: ضيّعها الحب.
لكن كيف عرفا؟ إذا كنت أنت لا تعرفين سبب ضياعك!
من منعطف غريب ظهرت امرأة وهي تركض باتجاهك مذعورة، تلوح بثوب مهترئ. وتنادي أولادها. حاولت إيقافها لكنها لا تراك، تتابع الركض وهي تنادي عليهم. عالمك هادئ، لا حروب ولا جنود، جاف وقاس. قريتك متعفنة نسيها الحب ونسيها الجنود فلماذا يتحدثون عن الحرب!
تابعت المشي بينما كان يفترض بك التوقف والسؤال عن طريق العودة. وحين وصلت إلى ضفة النهر، عرفتِ أنك ذهبت بعيداً. كان الرجال يسبحون وقد برزت رؤوسهم، كانوا ينظرون نحو جسدك ويبتسمون، صاح أحدهم: -هيه، تعالي اسبحي يا حلوة، هيا اخلعي الثياب وانزلي للمرح. هيا اخلعي ثيابك.
تقافزت الرؤوس بمرح على سطح الماء. وظهرت جراح عميقة يسيل منها الدم. كانوا يملؤون أفواههم ثم ينفخون الماء القاني على عيون بعضهم.
“بعض العيون كانت منزوعة”
(تعالي، انتهت الحرب بالنسبة لنا)
تتخبطين بين الدروب، والأشجار النائمة تعيقك تمد أغصانها المفرودة كي تتعثري وهي تضحك من مشيتك البلهاء. الأشجار الأكبر سناً نهرت الأشجار الصغيرة وأمرتها بالتزام الصمت…
تطلبين من السماء إشارة.
أين أنا؟
هناك بيت، بيتٌ دافئ، ومضيئ، تتقدمين نحوه، فيطالعك “الوجه الذي سيعذبك“ إنه لطيف، وحنون. طلبت منه أن يساعدك على التذكر، فقال: (التذكر سهل النسيان هو الأصعب)
أعطاك كوب ماء من أجل جفاف حلقك ثم عرّاك بأصابعه المرتجفة (مرة واحدة ولن تشعري بعدها بالألم)
مددك وبدأ بتقطيعك. قال: أن أشهى قطعة في النساء هي آذانهن، مضغها بتلذذ وبيدين مغبّرتين ومدماتين، كان جائعاً، وكنت جائعة للمنح.
– تركتُ لكِ الوجه، كي تراقبي جيداً ما أنا فاعل بك.
أغلق الباب وراءك فهبت ريح، التفت فسقط وجهك، حاولت البحث عنه لكن الظلمة كانت تملأ المكان.
تابعت المشي عند تقاطع صغير جلس طفل يبيع البوالين الملونّة والخرائط الصفراء. ويحمل بيده شمعة
رفعها وسأل: أين أضعت وجهك؟
(هناك!)
غرست أصبعك في بطن العتمة.
-ضعي قدمك هنا، لا، ليس هنا سوف تضيعين في مقبرة فرعونية.
وضعت قدمك، فغاصت في ماء بارد. دوامة مائية كانت تشدك.
-هذا دجلة عليك العودة.
وغرقت في محيط هائل، كانت هناك سفينة ضخمة تغرق ببطء، حاولت التشبث بلوح جليدي فانزلقت، استسلمت للغرق، فانتشلتك يده.
(قلت لك) صاح الطفل غاضباً: (هنا، هنا يالك من بلهاء هنا ضعي قدمك هنا…-) أنت عمياء ومن الصعب عليّ مساعدتك. عليك أن تعثري على البيت بنفسك.
حملك من إبطيك ووضعك فوق الخريطة الصفراء، وجدت نفسك أمام بيت ترابي وعرفته إنه البيت!
ووالدك مازال في مكانه ينتظر وأمامه بصلة محززة وسكين صغيرة فوقها شبكة عنكبوت.
-تأخرتِ -قال والدك -لقد أرسلتك لأجل حفنة من الملح. وأشار لقطعة البصل التي تعفنت
رفع رأسه فظهر شق عميق في رقبته، ورأيت غضاريفها الزهرية المبقعّة بالدم.
من مزق يديك ووجهك؟ سألت أمك.
لا تجرؤين على البوح باسم حبيبك، فتقولين: الكلاب.
-كان عليك أن لا تبتعدي كثيرا عن البيت، لقد حدثت الأشياء في غيابك. لو رأيت كان الرعب أبيضاَ، وقتلوا أباك أولاً …
– لكني كنت أحضر علبة الملح
-كان عليك ألا تلتقي ذاك الرجل…. وعليك أن تستعيدي وجهك الآن…
-وكيف سأفعل بدون وجه؟
-عودي من حيث أتيت، ستدلك الوجوه المتساقطة في طريقك إليه.
-لكن يا أمي الدرب طويل، وأخاف الضيَاع من جديد. وأخشى ألاّ يعرفني؟
-عليك أن تستردي وجهك. هل تستطيعين العيش بدون وجه؟ إذهبي الآن قبل أن يعود الرجال ويأخذوا عينيك عندها لن تعرفي كيف تستردين وجهك، ولن يكون لك أي بيت .. أي بيت….
حين أضعـــــــتُ طريــــــقَ البيتْ…قصة : فدوى العبود/ سوريا
إلى أين تذهبين؟ لم يكن عليك الابتعاد كثيراً عن البيت! لم يطلب منك والدك سوى كأس ماء أو حفنةٍ من الملح، أو ربما سكين. لقد أراد أن يضع القليل من الملح فوق البصلة البنفسجية في صحنه، كي يستطيع ابتلاعها…