ماذا لو أن الفراشات المتواشجة في فستان المرأة التي تمشي الهوينى أمامي في الشارع الفارع اندلعت فجأة لتندلق في كل جهات المدينة ؟
يا ما اقترفت أصابع يدي المشينة اصطياد شقيقات لها على الربى والتلال في القرية الصغيرة التي بددت فيها أيامي الأولى في حب العالم . تلك المضرجة بالألوان منذورة لصبيات يرن لهن ناقوس معزاة تركض في صدري . والبيضاء منها لصالح دعك العانة الصلعاء وأنا دون السابعة بأمل أن تنبت لي غابة سوداء أو شقراء ، كما أشيع لي من لدن رعاة الجبل ، وشيوخ الحكاية على سفح الجامع الطيني الأحمر المشوب باصفرار التبن المندمغ .
ربما يتعلق الأمر بمهرجان للفراشات هذا اليوم الغريب الذي وجدتني فيه بعد أن ضيعتني طويلا في سهوب الليلة ، أصحو قبل الثامنة وهو ما لم أعهده من جذوة يقظتي التي أدمنت رماد النعاس الملكي صباحا ، ها يقظتي الطائشة نكشت بمخالب قطة منطقة مهملة في انتباهي فأشرقت باكتشاف مذاق صباح آخر وأنا أرفو بنظرتي الشهلاء فراشة الساعة فوق التلفاز وقد تعودتها سابقا دجاجة تنقر حبات قمح في ساعة العائلة والجيران ... وفوقي على الحائط تنتصب لوحة لفراشة زرقاء مطروزة في قماش أبيض علقتها امرأة صخب بلهاثها هواء البيت وضاع بزهر أنوثتها أرق الغرف وسهر الملاءات المثخن . كيف لم أتساءل في غبار كل هذه المدة الموجعة لغيابها المثلوم عن السبب وراء الإحتفاظ باللوحة في الجدار دون باقي الجدران الشاحبة . في حوض الحمام تذكرت كيف انتحر سرب فراشات في مياه دلو البئر ، بئر جدي التي ارتوت منها القبائل لحظة وئامها ولحظة تناحرها ، والحيوانات لحظة إجفالها ولحظة ألفتها ، قبل أن تلقي أختي بجسدها في قعرها ليلة عرسها وتلقى حتفها فيردمها خالي مساء تشييع جنازتها . حيث هبت فراشات سوداء من جهة غامضة ورافقت موكب نعشها إلى حفرة قبرها في فج البلدة الشمالي .
لا أذكر في أي ربيع موسم ركضت وراء هذه الفراشات النائمة في فستان المرأة أمامي ، لابد أن يكون في قاع ظهيرة فائرة صعدت بي أكثر من ربوة و أنا أطاردها بنبات " بوحمو" اقتلعته من حافة متاخمة لحقل الخرطال وفي رؤوسه تألقت زهرات صفراء ، ما من أم في القرية لم تجعل من النبات هذا مكنسة أيام الصيف النحاسي لعتبات البيوت المرصوصة حجرا وكرافيطا ، و تتعثر قدمي بكتلة لحمية عند سفح الربوة الأخيرة المطلة على الوادي جنوبا وكانت كتلة جسم خالي وهو يضاجع أخت العريس المقيت الذي كان سببا وراء انتحار أختي في البئر المردومة . وبينما أقفلت راجعا لتوي مصعوقا بحمى البياض الذي وقعت عليه نظرتي السائبة تناهى إلى مسمعي صفير مهموس وكان مصدره شفاه بنت فقيه الجامع الطيني المشوب باصفرار التبن المندمغ وهي تشير إلي بلهفة راشحة أن أقترب بتوجس لأنام بجانبها على الربوة الأخرى المطلة على بستان شيخ القرية ، لأشهد معها كيف يركب راعي جدي أتان زوجة الشيخ وهو يلهث ويحمحم والحمارة منهمكة بالتهام النخالة التي وضعها لها إغراء و إكراما في سطل فضي مهترئ ... ملتصقة بي أخذت تفح كأفعى وهي تبصم فمها الحار في فمي موقظة رعشة رهيبة في دمي و على أهبة أن تلقي بي في هاوية سديم اللذة الأولى سيعكر صفو المغامرة هدير أخذ يتفاقم قريبا منا وكان لدراجة أخي القادم من المدينة المجاورة فقفزت من سرير عشبها وسنابله راكضا باتجاه الربوة المحاذية التي ينتصب عليها بيت الجد ، آملا أن يرشقني الأخ الغشيم بهدية ولو قرص حلوى متعفن ولا يتردد في أن يصفعني كما كل مرة صفعة مشفوعة بوابل من الشتائم الفادحة لأنه أفسد كل ماله في مقهى القمار في مدينة الخسارات المجاورة . لم يغب عن بالي كل هذه السنوات الغبراء بنطال بنت فقيه الجامع الطيني الفضفاض كلما نمت مع امرأة غير أن الذي ألهب غربة خيالي الآن هو فراشات بنطالها ذات الحجم الكبير ، المزركش بألوانها الصفراء والحمراء والخضراء وكأنه أحد لوحات الشعيبية المسروقة ، هو الآن مشرق في صحو ذاكرتي وهي تنضوه لتتبول أمامي دون خجل تنتشي بخيط نافورتها المهرق وهي تحاول أن تستنبت الرجولة والفحولة في طفل كنته قبل الأوان وأنا دون السابعة .
على الرصيف أوغلت خطواتي المقتفية وقع حذاء المرأة ذات الفستان المترف بالفراشات دون أن يخطر لي الأمر الطارئ الذي خرجت لإنجازه في هذه الظهيرة الشهباء ولا الوجهة التي كنت أرومها وتستهدفها مآربي ولا لماذا أتعقب الآن هذه المرأة التي لم أكتشف وجهها بعد ولا حاولت أن أرسمه في مخيلتي حتى ، لأن فراشات الفستان استأثرت بانتباه ورغبة الطفل الذاهل في داخلي وهو يلح على أن يصطاد إحدى فراشاتها إن لم يكن الصعلوك الذي ينتفض لمرأى كل لحم مبتهج وهو أنا في كل الأحوال من يرغب في اصطيادها هي كما يوقع بغزال طاعن في الانفلات نمر مدرب على برق الإنقضاض ؟
أي طفل مكدوم كنته لم يتلق ولا هدية يتيمة في تاريخ بياضه ليستأنس بها كوردة ذكرى طيبة ، ربما لأن أبي خرج لإصطياد أرنب في الغابة المتاخمة للقرية شرقا ولم يعد إلى الآن من وشم هذه الطفولة بوجع الغياب الغائر فتحول الغياب إلى لعنة أخذت تتهاطل صورها مدرارا وتتكرر بشكل فظيع جعل زجاج الأشياء يتشظى في صدري ويعلق في ذاكرتي المشبوهة . فإن توفق رجال الدرك بالعثور على أخي الذي اختطف بنت شيخ القرية وشط بها بعيدا في دراجته النارية سيختفي من جديد بعد شهر من اقترانه بهذه البنت المعسولة إذ وجد رجال القرية دراجته النارية غارقة في نهر الضاحية ولم يعثر على أثر له يدل على يقين موته أو احتمال بقائه على قيد الحياة . وبعد شهر ثان ستجن البنت العسولة وهي مهووسة بأكل الفراشات والعقارب والزجاج والقفز فوق الحيطان وركوب الثيران والنوم مع الكلاب . وفي الشهر الثالث بالذات تنتقل عدوى الجنون إلى حصان جدي الأبيض بينما كان يلتهم برسيمه في عرصة البيت الوارف حيث حطت فراشة حمراء على أنفه الأفطس ثم تطايرت بهدأة ملائكية لتستقر على أذنه وكأنها همست له بسر وخيم فصهل صهيلا حادا تردد صداه في جبال البلدة الزرقاء ورفع قائمتيه الأماميتين كما يحدث في أفلام رعاة البقر ثم قفز كما لو طار حقا وراء جدار البيت وركض في السهول والتلال منخرطا في غياب مر لم يستسغ الجد مذاقه جرعاته ليلقى حتفه في الشهر الرابع ، وفي الشهر الخامس سيقتل الخال الراعي عاشق إتان القرية الذي تجرأ وتقدم بالزواج من الأم وفي الشهر السادس ستنتفخ بطن بنت الفقيه الذي سيرحل عن المكان بوجه أسدل عليه قب جلباب لم يكشفه حرجا لثقل العار الذي لطخ عرضه ، أما الفاعل فهو العريس المقيت الذي كان السبب في انتحار أختي ليلة زفافها القسري . وفي الشهر السابع ستوقظني الأم فجرا وتهرب بي إلى المدينة ...
قريبا من المرأة ذات الفستان الذي يحتكر مهرجان الفراشات ، سأضع يدي على كتفها مستميحا إياها عذرا في كلمة أو سؤال وقبل أن تلتفت إلي حال بيني وبينها هدير دراجة نارية تشبه إلى حد بعيد دراجة أخي التي عثر عليها في نهر الضاحية ولم يعثر على صاحبها إلى الآن واتضح أن الدراجة وصاحبها كانا يستهدفانني حيث انحشرت في المسافة الضئيلة بيني وبين المرأة صاحبة الفراشات ويرفع راكبها الخوذة عن وجه رصاصي كأرض لا تنبت إلا عدسا وشد على قميصي جهة منكبي صارخا :ماذا تريد من هذه الأنثى ؟ هل تمت لك بصلة قرابة ... ؟استسمحته عذرا أيضا في أن ينزل يده الخشنة التي تشبه رسو غراب على منكبي و أنا أهتف له باضطراب وهلع :كنت أريد أن ألفت انتباهها إلى أن فراشة سقطت من فستانها هناك حيث حلقت إلى ورد الحديقة الجانبية ...اندلع منه ضحك هستيري قبل أن تؤول ملامح وجهه إلى عبوس مدلهم وهو يصرخ أكثر :اذهب بعيدا قبل أن أسقط أسنانك الآن بل سأردم وجهك إن فكرت بالإقتراب منها بعد الآن ...يقبلها بسماجة نكاية بي . يشير إليها كي تركب خلفه وهو يضغط بحذائه البوليسي على الدواسة ، على أهبة إقلاع جاحد ، تلتفت إلي المرأة بوجه منذور للحلم وترشقني بابتسامة أيقظت عشب كل ربى وتلال القرية في دمي ، تغمزني بعينها اليسرى الشهلاء وتقبلني همسا في الهواء الذي تضرج بإقحوان أنفاسها المهيبة ... يضغط صاحب الوجه الرصاصي المنقوع عدسا على الدواسة أكثر و أكثر و ينطلق بسحابة دخان ودوي زعيق ما بدد وجه المرأة المألوف لدى شعاع حلمي وكأسي ، حاولت تذكر أين التقينا سابقا ولم أتوفق في صدوع تلك اللحظة ...
متسمرا كنخلة في مكاني على الرصيف وقفت أرصد إقلاع الدراجة بسرعة خارقة والفستان يتطاير من ورائها كاشفا عن عجيزة وارفة بدون تبان ، لكن الذي جعل ضوء الدهشة يغمرني بهول أشد ذهولا هو اندلاع الفراشات من فستانها وهي تتطاير بكثافة في الشارع والشرفات وعلى السطوح مستفحلة أكثر وأكثر وأكثر إلى أن غطت السماء وأخفت كما قبعة ساحر كل المدينة ...
*قاص من المغرب.
يا ما اقترفت أصابع يدي المشينة اصطياد شقيقات لها على الربى والتلال في القرية الصغيرة التي بددت فيها أيامي الأولى في حب العالم . تلك المضرجة بالألوان منذورة لصبيات يرن لهن ناقوس معزاة تركض في صدري . والبيضاء منها لصالح دعك العانة الصلعاء وأنا دون السابعة بأمل أن تنبت لي غابة سوداء أو شقراء ، كما أشيع لي من لدن رعاة الجبل ، وشيوخ الحكاية على سفح الجامع الطيني الأحمر المشوب باصفرار التبن المندمغ .
ربما يتعلق الأمر بمهرجان للفراشات هذا اليوم الغريب الذي وجدتني فيه بعد أن ضيعتني طويلا في سهوب الليلة ، أصحو قبل الثامنة وهو ما لم أعهده من جذوة يقظتي التي أدمنت رماد النعاس الملكي صباحا ، ها يقظتي الطائشة نكشت بمخالب قطة منطقة مهملة في انتباهي فأشرقت باكتشاف مذاق صباح آخر وأنا أرفو بنظرتي الشهلاء فراشة الساعة فوق التلفاز وقد تعودتها سابقا دجاجة تنقر حبات قمح في ساعة العائلة والجيران ... وفوقي على الحائط تنتصب لوحة لفراشة زرقاء مطروزة في قماش أبيض علقتها امرأة صخب بلهاثها هواء البيت وضاع بزهر أنوثتها أرق الغرف وسهر الملاءات المثخن . كيف لم أتساءل في غبار كل هذه المدة الموجعة لغيابها المثلوم عن السبب وراء الإحتفاظ باللوحة في الجدار دون باقي الجدران الشاحبة . في حوض الحمام تذكرت كيف انتحر سرب فراشات في مياه دلو البئر ، بئر جدي التي ارتوت منها القبائل لحظة وئامها ولحظة تناحرها ، والحيوانات لحظة إجفالها ولحظة ألفتها ، قبل أن تلقي أختي بجسدها في قعرها ليلة عرسها وتلقى حتفها فيردمها خالي مساء تشييع جنازتها . حيث هبت فراشات سوداء من جهة غامضة ورافقت موكب نعشها إلى حفرة قبرها في فج البلدة الشمالي .
لا أذكر في أي ربيع موسم ركضت وراء هذه الفراشات النائمة في فستان المرأة أمامي ، لابد أن يكون في قاع ظهيرة فائرة صعدت بي أكثر من ربوة و أنا أطاردها بنبات " بوحمو" اقتلعته من حافة متاخمة لحقل الخرطال وفي رؤوسه تألقت زهرات صفراء ، ما من أم في القرية لم تجعل من النبات هذا مكنسة أيام الصيف النحاسي لعتبات البيوت المرصوصة حجرا وكرافيطا ، و تتعثر قدمي بكتلة لحمية عند سفح الربوة الأخيرة المطلة على الوادي جنوبا وكانت كتلة جسم خالي وهو يضاجع أخت العريس المقيت الذي كان سببا وراء انتحار أختي في البئر المردومة . وبينما أقفلت راجعا لتوي مصعوقا بحمى البياض الذي وقعت عليه نظرتي السائبة تناهى إلى مسمعي صفير مهموس وكان مصدره شفاه بنت فقيه الجامع الطيني المشوب باصفرار التبن المندمغ وهي تشير إلي بلهفة راشحة أن أقترب بتوجس لأنام بجانبها على الربوة الأخرى المطلة على بستان شيخ القرية ، لأشهد معها كيف يركب راعي جدي أتان زوجة الشيخ وهو يلهث ويحمحم والحمارة منهمكة بالتهام النخالة التي وضعها لها إغراء و إكراما في سطل فضي مهترئ ... ملتصقة بي أخذت تفح كأفعى وهي تبصم فمها الحار في فمي موقظة رعشة رهيبة في دمي و على أهبة أن تلقي بي في هاوية سديم اللذة الأولى سيعكر صفو المغامرة هدير أخذ يتفاقم قريبا منا وكان لدراجة أخي القادم من المدينة المجاورة فقفزت من سرير عشبها وسنابله راكضا باتجاه الربوة المحاذية التي ينتصب عليها بيت الجد ، آملا أن يرشقني الأخ الغشيم بهدية ولو قرص حلوى متعفن ولا يتردد في أن يصفعني كما كل مرة صفعة مشفوعة بوابل من الشتائم الفادحة لأنه أفسد كل ماله في مقهى القمار في مدينة الخسارات المجاورة . لم يغب عن بالي كل هذه السنوات الغبراء بنطال بنت فقيه الجامع الطيني الفضفاض كلما نمت مع امرأة غير أن الذي ألهب غربة خيالي الآن هو فراشات بنطالها ذات الحجم الكبير ، المزركش بألوانها الصفراء والحمراء والخضراء وكأنه أحد لوحات الشعيبية المسروقة ، هو الآن مشرق في صحو ذاكرتي وهي تنضوه لتتبول أمامي دون خجل تنتشي بخيط نافورتها المهرق وهي تحاول أن تستنبت الرجولة والفحولة في طفل كنته قبل الأوان وأنا دون السابعة .
على الرصيف أوغلت خطواتي المقتفية وقع حذاء المرأة ذات الفستان المترف بالفراشات دون أن يخطر لي الأمر الطارئ الذي خرجت لإنجازه في هذه الظهيرة الشهباء ولا الوجهة التي كنت أرومها وتستهدفها مآربي ولا لماذا أتعقب الآن هذه المرأة التي لم أكتشف وجهها بعد ولا حاولت أن أرسمه في مخيلتي حتى ، لأن فراشات الفستان استأثرت بانتباه ورغبة الطفل الذاهل في داخلي وهو يلح على أن يصطاد إحدى فراشاتها إن لم يكن الصعلوك الذي ينتفض لمرأى كل لحم مبتهج وهو أنا في كل الأحوال من يرغب في اصطيادها هي كما يوقع بغزال طاعن في الانفلات نمر مدرب على برق الإنقضاض ؟
أي طفل مكدوم كنته لم يتلق ولا هدية يتيمة في تاريخ بياضه ليستأنس بها كوردة ذكرى طيبة ، ربما لأن أبي خرج لإصطياد أرنب في الغابة المتاخمة للقرية شرقا ولم يعد إلى الآن من وشم هذه الطفولة بوجع الغياب الغائر فتحول الغياب إلى لعنة أخذت تتهاطل صورها مدرارا وتتكرر بشكل فظيع جعل زجاج الأشياء يتشظى في صدري ويعلق في ذاكرتي المشبوهة . فإن توفق رجال الدرك بالعثور على أخي الذي اختطف بنت شيخ القرية وشط بها بعيدا في دراجته النارية سيختفي من جديد بعد شهر من اقترانه بهذه البنت المعسولة إذ وجد رجال القرية دراجته النارية غارقة في نهر الضاحية ولم يعثر على أثر له يدل على يقين موته أو احتمال بقائه على قيد الحياة . وبعد شهر ثان ستجن البنت العسولة وهي مهووسة بأكل الفراشات والعقارب والزجاج والقفز فوق الحيطان وركوب الثيران والنوم مع الكلاب . وفي الشهر الثالث بالذات تنتقل عدوى الجنون إلى حصان جدي الأبيض بينما كان يلتهم برسيمه في عرصة البيت الوارف حيث حطت فراشة حمراء على أنفه الأفطس ثم تطايرت بهدأة ملائكية لتستقر على أذنه وكأنها همست له بسر وخيم فصهل صهيلا حادا تردد صداه في جبال البلدة الزرقاء ورفع قائمتيه الأماميتين كما يحدث في أفلام رعاة البقر ثم قفز كما لو طار حقا وراء جدار البيت وركض في السهول والتلال منخرطا في غياب مر لم يستسغ الجد مذاقه جرعاته ليلقى حتفه في الشهر الرابع ، وفي الشهر الخامس سيقتل الخال الراعي عاشق إتان القرية الذي تجرأ وتقدم بالزواج من الأم وفي الشهر السادس ستنتفخ بطن بنت الفقيه الذي سيرحل عن المكان بوجه أسدل عليه قب جلباب لم يكشفه حرجا لثقل العار الذي لطخ عرضه ، أما الفاعل فهو العريس المقيت الذي كان السبب في انتحار أختي ليلة زفافها القسري . وفي الشهر السابع ستوقظني الأم فجرا وتهرب بي إلى المدينة ...
قريبا من المرأة ذات الفستان الذي يحتكر مهرجان الفراشات ، سأضع يدي على كتفها مستميحا إياها عذرا في كلمة أو سؤال وقبل أن تلتفت إلي حال بيني وبينها هدير دراجة نارية تشبه إلى حد بعيد دراجة أخي التي عثر عليها في نهر الضاحية ولم يعثر على صاحبها إلى الآن واتضح أن الدراجة وصاحبها كانا يستهدفانني حيث انحشرت في المسافة الضئيلة بيني وبين المرأة صاحبة الفراشات ويرفع راكبها الخوذة عن وجه رصاصي كأرض لا تنبت إلا عدسا وشد على قميصي جهة منكبي صارخا :ماذا تريد من هذه الأنثى ؟ هل تمت لك بصلة قرابة ... ؟استسمحته عذرا أيضا في أن ينزل يده الخشنة التي تشبه رسو غراب على منكبي و أنا أهتف له باضطراب وهلع :كنت أريد أن ألفت انتباهها إلى أن فراشة سقطت من فستانها هناك حيث حلقت إلى ورد الحديقة الجانبية ...اندلع منه ضحك هستيري قبل أن تؤول ملامح وجهه إلى عبوس مدلهم وهو يصرخ أكثر :اذهب بعيدا قبل أن أسقط أسنانك الآن بل سأردم وجهك إن فكرت بالإقتراب منها بعد الآن ...يقبلها بسماجة نكاية بي . يشير إليها كي تركب خلفه وهو يضغط بحذائه البوليسي على الدواسة ، على أهبة إقلاع جاحد ، تلتفت إلي المرأة بوجه منذور للحلم وترشقني بابتسامة أيقظت عشب كل ربى وتلال القرية في دمي ، تغمزني بعينها اليسرى الشهلاء وتقبلني همسا في الهواء الذي تضرج بإقحوان أنفاسها المهيبة ... يضغط صاحب الوجه الرصاصي المنقوع عدسا على الدواسة أكثر و أكثر و ينطلق بسحابة دخان ودوي زعيق ما بدد وجه المرأة المألوف لدى شعاع حلمي وكأسي ، حاولت تذكر أين التقينا سابقا ولم أتوفق في صدوع تلك اللحظة ...
متسمرا كنخلة في مكاني على الرصيف وقفت أرصد إقلاع الدراجة بسرعة خارقة والفستان يتطاير من ورائها كاشفا عن عجيزة وارفة بدون تبان ، لكن الذي جعل ضوء الدهشة يغمرني بهول أشد ذهولا هو اندلاع الفراشات من فستانها وهي تتطاير بكثافة في الشارع والشرفات وعلى السطوح مستفحلة أكثر وأكثر وأكثر إلى أن غطت السماء وأخفت كما قبعة ساحر كل المدينة ...
*قاص من المغرب.