اهتز الهواء و ارتبك قبل أن يعلو صوت الراديو في مقهى " أبو سراج " على مرمى حجر من الجسر القديم في مدينتنا ( الحلة / بابل )، قد جلس الشباب و غيرهم هناك في مقهى أبي سراج .
اهتز الهواء و ارتبك أكثر عندما علا صوت الراديو : فقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية رجلًا من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال، الرئيس جمال عبدالناصر الذي جاد بأنفاسه الأخيرة في الساعة السادسة والربع من مساء يوم 28 سبتمبر 1970، ليس هناك كلمات تكفى لعزاء جمال عبد الناصر”.
بعض من في المقهى كان لغاية يوم أمس يعتبر عبد الناصر هو السبب في هزيمة حزيران 1967 و هؤلاء و غيرهم انهمرت دموعهم فخرجوا الى الشارع من هول الصدمة و بعضهم صرخ فزعا " عبد الناصر مات ! " . سقطت صينية الشاي من يد عامل المقهى و صاح "مات الرجل ، مات حبيب الملايين "
وقف عبد الجبار عباس تحت شجرة التوت القريبة من الجسر القديم و كان قد غادر مقهى " أبو سراج " و معه مجموعة من الأصحاب ، و ما تكلم أحدهم مع الآخر ، و ما عرفوا الى أين المسير ، هل يعبرون الجسر الى الجانب الآخر منه ، أم يحطون الرحال في مركز المدينة على يسارهم ، هل يذهبون الى مقهى الجندول أم يعودون من حيث أتوا ليتابعوا ما يأتي به الراديو من أخبار .
ما ذهب الفتية لا الى هنا و لا الى هناك بل ساروا مع مجرى النهر ، و غير بعيد عنهم كان حامد الهيتي جالسا على المسناية ( حاجز يحد النهر) ،رآهم قادمين فوقف ، قبل أن يصلوا اليه ، وصل اليهم و ما كان قادرا على المضي فبكى و انتفض.
جلس الجميع على المسناية ،ما تكلم أحد ، صوت جريان النهر عاليا ، ما بدده بعد ذلك الا صوت حامد و هو يغني لنجاة الصغيرة أغنيتها المشتركة مع عبد الوهاب اسماعيل :
وَطَني وَصِبَاىَ وَأَحْلامي
وطَـني وهَوَاىَ وأيَّـامي
ورضـا أُمِّي وحَنـانُ ابي
وخُطَى وَلَدِي عندَ اللَّعِبِ
يخطُو برجاءٍ بَسَّامِ .
فيكمل عبد الجبار و قد اهتزت بعض الشعرات في حاجبيه :
هَتَفَ التـاريخُ به فصَحَـا
ومَضَى وَثـْبـًا ومَشَى مَرَحا
حمَلَتْ يَدُهُ شُعَلَ النَّصْرِ
وبَـدَا غَـدُهُ امَـلَ الدَّهْـرِ
يستقبِلُ موكِبَهُ فَرَحا .
سكت عبد الجبار فردد الجميع معا : و طني و صباي و أحلامي .
هل كانوا يشيّعون عبد الناصر الى مثواه الأخير بتلك الأغنية أم هي مرثية لوطن وضع قدمه على الدرجة الأولى نزولا في سلّم الضياع .
ما توقفت الأغنية، تعاد و تكرر، الى أن انتصف الليل ، " وطني و صباي و أحلامي " و على مبعدة منهم ، من غار على جرف النهر ، أخرج جرذ أنفه للهواء يقيس به مقدار ما حوله من الخطر.
----------------------------------------
الى اليوم، على الصعيد الشخصي، لا يمكن أن أستمع لنجاة الصغيرة في هذه الأغنية، دون أن أنتفض كما انتفض يومها حامد الهيتي.
www.facebook.com
اهتز الهواء و ارتبك أكثر عندما علا صوت الراديو : فقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية رجلًا من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال، الرئيس جمال عبدالناصر الذي جاد بأنفاسه الأخيرة في الساعة السادسة والربع من مساء يوم 28 سبتمبر 1970، ليس هناك كلمات تكفى لعزاء جمال عبد الناصر”.
بعض من في المقهى كان لغاية يوم أمس يعتبر عبد الناصر هو السبب في هزيمة حزيران 1967 و هؤلاء و غيرهم انهمرت دموعهم فخرجوا الى الشارع من هول الصدمة و بعضهم صرخ فزعا " عبد الناصر مات ! " . سقطت صينية الشاي من يد عامل المقهى و صاح "مات الرجل ، مات حبيب الملايين "
وقف عبد الجبار عباس تحت شجرة التوت القريبة من الجسر القديم و كان قد غادر مقهى " أبو سراج " و معه مجموعة من الأصحاب ، و ما تكلم أحدهم مع الآخر ، و ما عرفوا الى أين المسير ، هل يعبرون الجسر الى الجانب الآخر منه ، أم يحطون الرحال في مركز المدينة على يسارهم ، هل يذهبون الى مقهى الجندول أم يعودون من حيث أتوا ليتابعوا ما يأتي به الراديو من أخبار .
ما ذهب الفتية لا الى هنا و لا الى هناك بل ساروا مع مجرى النهر ، و غير بعيد عنهم كان حامد الهيتي جالسا على المسناية ( حاجز يحد النهر) ،رآهم قادمين فوقف ، قبل أن يصلوا اليه ، وصل اليهم و ما كان قادرا على المضي فبكى و انتفض.
جلس الجميع على المسناية ،ما تكلم أحد ، صوت جريان النهر عاليا ، ما بدده بعد ذلك الا صوت حامد و هو يغني لنجاة الصغيرة أغنيتها المشتركة مع عبد الوهاب اسماعيل :
وَطَني وَصِبَاىَ وَأَحْلامي
وطَـني وهَوَاىَ وأيَّـامي
ورضـا أُمِّي وحَنـانُ ابي
وخُطَى وَلَدِي عندَ اللَّعِبِ
يخطُو برجاءٍ بَسَّامِ .
فيكمل عبد الجبار و قد اهتزت بعض الشعرات في حاجبيه :
هَتَفَ التـاريخُ به فصَحَـا
ومَضَى وَثـْبـًا ومَشَى مَرَحا
حمَلَتْ يَدُهُ شُعَلَ النَّصْرِ
وبَـدَا غَـدُهُ امَـلَ الدَّهْـرِ
يستقبِلُ موكِبَهُ فَرَحا .
سكت عبد الجبار فردد الجميع معا : و طني و صباي و أحلامي .
هل كانوا يشيّعون عبد الناصر الى مثواه الأخير بتلك الأغنية أم هي مرثية لوطن وضع قدمه على الدرجة الأولى نزولا في سلّم الضياع .
ما توقفت الأغنية، تعاد و تكرر، الى أن انتصف الليل ، " وطني و صباي و أحلامي " و على مبعدة منهم ، من غار على جرف النهر ، أخرج جرذ أنفه للهواء يقيس به مقدار ما حوله من الخطر.
----------------------------------------
الى اليوم، على الصعيد الشخصي، لا يمكن أن أستمع لنجاة الصغيرة في هذه الأغنية، دون أن أنتفض كما انتفض يومها حامد الهيتي.
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.