وانا عائد مساءً من عملي؛ أصادف طفلاً صغيراً يتطلع إليّ بخوف. ويبدو للعين التي تراه كأنه على وشك الفرار. أواصل طريقي مقترباً منه فيتضخم خوفه وتبدو عليه أمارات البكاء. يصرخُ بقوة: ( أعرَجْ ) ويطلق نوبة بكاءه الحبيسة فجأة متطلعاً إليّ بعينين تتوسلان الصفح. أقف وأتساءل: ما الذي دهى هذا الملاك الصغير ليصرخ في وجهي بهذه الكلمة؟! وكأن الصرخة ونوبة البكاء استنفذتا كل طاقته، يلوذ بالحائط القريب مكوراً جسده الصغير بوضع يشبه وضع الجنين. لِمَ لَمْ يهرب طالما يعرف أنّ سلوكه يستوجب العقاب وطالما يعرف أنني أعرج كما صرخ؟ ما الذي دهاه حقاً؟ فقد بدا كما لو أن قوة ما قاهرة داخله تقسره على الصراخ بتلك الكلمة. وفكرتُ: لماذا أشغل فكري الآن بهذه الأسئلة الغبية؟ لِمَ لا أقدم له ما يتوقعه وما يستحقه؟ أقتربت منه وكان جسده يختلج بعبراته. ثبّتُ ساقي السليمة في الأرض وبالأخرى الضامرة ركلته في خاصرته بكل ما لدي من قوة. يصطدم رأسه بالحائط محدثاً صوتاً مكتوماً. أنتظر قليلاً. لا، لم يُغمَ عليه تماماً، فهو يصدر أنيناً خافتاً ولا يزال ملتصقاً بالحائط. أركله في المكان نفسه بقوة أكبر. فيحدث ارتطامه صوتاً أكبر ويخلّف في موضع الاصطدام بقعة من الدم. ربما تحطمت جمجمته وبعض عظامه . يسقط رأسه إلى الخلف ببطء شديد وبدا كما لو أن رقبته النحيلة استطالت كثيراً. تخمد حركته تماماً. هل مات؟ لا أعرف. أواصل طريقي، حقاً ما الذي دهاه لينطق تلك الكلمة، هذا الملاك الصغير القذر؟