منذ زمنٍ بعيد، وفي قلعة تحوّلت منذ زمنٍ بعيد إلى خَراب، كان ينام ملك، مغطّى بعرفه البارد. كان يحلم، بل بالأخرى كان يرى كابوساً. لقد رأى نفسه يقف وسط سهلٍ مفتوح، تغطّيه زهور الأقحوان، وكان يقف وحيداً - لم يكن هنا أحد في الأفق.
من زاوية عينه، طَرَف ظلاً باهتاً يقترب. مَدّ الظل يده ووضعها على كتف الملك. لمسة الظل أسرت قشعريرة باردة عبر عموده الفقري.
((لا تَخَف... ليس هناك شيئاً لتخشاه. عادةً أنا آتي بدون إبلاغ. ولكن كونك كنتَ ملكاً عظيماً وصالحاً، فد جئتُ لأعلمكَ بزيارتي لك في الغد))
بشكلٍ ما عرف الملك الإجابة في صميم قلبه، لكنّه اختار أن يسأل الظل بالرغم من ذلك: ((مَنْ أنت؟))
((أنا الموت. أنا موتك. تحضّر، فسنلتقي غداً عند مغيب الشمس))
بهذه الكلمات انتفض الملك في مهجعه متعرّقاً، مرتجفاً من رأسه إلى أخمص قدميه. استدعى على الفور مجلس حكماءه وأخبرهم عن حلمه، وطلب مشورتهم.
تناقش الحكماء فيما بينهم المسألة المطروحة، واختلفوا حول مدى جدّية هذا الحلم وما إذا كانت هناك حلول ممكنة. واستمرّ الوضع على هذا النحو حتى طلوع الفجر، لكن بدون جدوى.
كان بين الحكماء رجل عجوز وحكيم خدم الملك لعقود عديدة، قال له: ((هؤلاء المفكّرون العظماء لايتوصّلون لحلول أبداً. فليذهبوا للجحيم هم وأحاديثهم التي لا طائل منها. استمع إلى نصيحتي بدلاً من ذلك _امتطِ أسرع جوادٍ لديك، وابتعد عن هذه القلعة قدر الإمكان. ولا تَنطلق في رحلة العودة إلى هنا إلا مع غروب الشمس))
انطلق الملك على جواده. لم يتوقف للطعام ولا للشراب. ببساطة لم يَكُنْ هناك وقت. لكنّ الحصان أصابه التعب والإرهاق، وانهار على الأرض في النهاية.
لحسن الحظ، كانت الشمس قد غابت بالفعل، ولم يكن الملك قريباً من القلعة، كان المكان آمناً، أو هذا ما اعتقده.
ما أن تنفّس الملك الصعداء، شعر بيد باردة على كتفه. لقد وصل الموت وقال له: ((كنتُ قلقاً من ألا تصل في الوقت المناسب))
شعر الملك أنّ الحياة بدأت تنساب منه. انهار على الأرض كما انهار جواده قبله. لم يكن الأمر مؤلماً _العشب خفّف من سقطته. وآخر شيء رآه الملك قبل أن يرتطم رأسه بالأرض، صفوف زهور الأقحوان التي بدت مألوفة بالنسبة له
——————————
الموت جزء حيوي هام من الحياة ومتأصّل فيها. لا مجال للإفلات والهرب منه، مع أنّ البشرية لطالما بذلت جهودها لتحقيق ذلك. في يومٍ ما، سوف تموت.
قد يكون بعد شهرٍ أو شهرين من الآن، عندما يقع حادث مأساوي، كما تحدث غالباً. ربما قد يقع بعد سنتين من الآن، تقضي حياتك في حالة سبات. أو ربما تمرّ عقود عديدة لتموت في المستشفى، يتحلّق حولك أولادك وأحبّاءك بينما يتلاشى سقف المستشفى من أمام عينيك ثم تغفو غفوتك الأبدية.
الطريقة التي سيحدث بها الأمر غير مؤكّدَة إلى حدٍ كبير. لكنّ حدوثه محتوم ومضمون.
لا بأس في ذلك حقيقة، الموت حَقّ - وليس هناك ما نخشاه منه. الموت لا يخيفني ولا ينبغي أن يخيفك أيضاً. إليك الأسباب.
١] البديل عن الموت سيكون أسوأ بكثير
((إنَّ الآلهة تحسدنا لأننا فانون)) هذا ما قاله آخيل للأميرة برسيس في الإلياذة.
أكره أن أخرّب عليك فقاعة أمانك _حسناً أنا أستمتع في ذلك قليلاً_ لكن هذه هي الحقيقة: الخلود أمر رديء.
يتوق الإنسان إلى التجديد، وبعمر لانهائي، ستزداد الأمور الجديدة ندرةً مع مرور الوقت. بعد مرور فترة من الوقت ليست بطويلة (ألف سنة أو أكثر بقليل) ستكون الشيء الوحيد الذي ترغب به هو الرغبة ذاتها. ستكون الحياة مملَة بشكلٍ لايُطاق -ستتمنى لو كنتَ ميتاً. فقط فكّر في الأمر وراقب قناديل البحر الخالدة، هل رأيت واحداً منها مبتسماً؟
٢] من الناحية التقنية، لن تموت
طبعاً إنّ عملية وتجربة المَوات أو الاحتضار إلزامية. لكنك لن تشعر بالموت بحدّ ذاته. لأنك أنت وموتك لايمكن أن تتواجدا في نفس الوقت وفي آنٍ واحد. يقول أبيقور في حكمه الأساسية:
((الموت، أفظع الحوادث، لاشيء بالنسبة إلينا، إذ يفقد الشيء الذي ينحلّ القدرة على الإحساس، والشيء الفاقد للإحساس هو لاشيء عندنا. لذلك، عندما أوجد لا يوجد الموت وعندما يكون الموت لن أكون موجوداً)).
هل يبق أن اُغمِيَ عليك، أو فَقَدتَ الوعي أو دخلت في نومٍ عميق من قبل؟ كيف كان شعورك آنذاك في تلك اللحظات التي كنت فيها فاقداً للوعي؟ لاشيء -صحيح؟ لاشيء على الإطلاق. انعدام التجربة ليس تجربة جديدة.
٣] لاشيء جديد في تجربة الموت-حقاً، لقد كنّا هناك من قبل.
كنّا هناك طوال ملايين السنوات قبل أن نولد، كنّا معدومين، في فضاء العَدَم، ثمّ وُلِدنا. لم يكن الأمر بذلك السوء أليس كذلك؟
((انظر إلى الوراء وشاهد كيف أنّ عصور الأبدية التي انقضت قبل ولادتنا لم تكن شيئاً بالنسبة لنا. وهذه مرآة ترينا من خلالها الطبيعة كيف سيكون الأمر بعد موتنا. هل ترى أيُّ شيء مخيف في الموضوع؟)) لوكريتيوس
٤] الموت ما يمنح الحياة معنى
غالباً ما يكون "قضاء الوقت" بدلاً من "تضييع الوقت" أمراً مدفوعاً بوجود الموت نفسه والاعتراف به. لتعرف أنّ وقتك قصير وأنّ أيامك معدودة -تلك المعرفة لا تدعو إلى الحزن والاكتئاب، بل مجرّد دافع لعيش لحظة الحاضر بكل تفاصيلها والاحتفال بها.
# الموت للوجود، ولتحيا الحياة
———————————
يقول الكاتب الصحفي ستيوارت أيسوب: "الإنسان المحتضر يحتاج إلى الموت، كما يحتاج الرجل الإنسان النعسان إلى النوم. وتأتي لحظة تكون فيها المقاومة خاطئة وغير ضرورية".
تتحمّل الأمّهات آلام الولادة لإنجاب الأطفال. كما يثابر الرياضي من خلال التدريبات الصارمة للمحافظة على نفسه ولياقته. ويكافح الكاتب مرات كثيرة من الرفض قبل أن ينجح في نشر كتابه وبلوغ الشهرة. وبالمثل علينا ببساطة أن نقبل عدم فَنائَنا وعدم ديمومتنا لكي نعيش حياة ذات معنى. لذا أنا لا أخاف الموت. ولا ينبغي أن تخافه أنت.
من زاوية عينه، طَرَف ظلاً باهتاً يقترب. مَدّ الظل يده ووضعها على كتف الملك. لمسة الظل أسرت قشعريرة باردة عبر عموده الفقري.
((لا تَخَف... ليس هناك شيئاً لتخشاه. عادةً أنا آتي بدون إبلاغ. ولكن كونك كنتَ ملكاً عظيماً وصالحاً، فد جئتُ لأعلمكَ بزيارتي لك في الغد))
بشكلٍ ما عرف الملك الإجابة في صميم قلبه، لكنّه اختار أن يسأل الظل بالرغم من ذلك: ((مَنْ أنت؟))
((أنا الموت. أنا موتك. تحضّر، فسنلتقي غداً عند مغيب الشمس))
بهذه الكلمات انتفض الملك في مهجعه متعرّقاً، مرتجفاً من رأسه إلى أخمص قدميه. استدعى على الفور مجلس حكماءه وأخبرهم عن حلمه، وطلب مشورتهم.
تناقش الحكماء فيما بينهم المسألة المطروحة، واختلفوا حول مدى جدّية هذا الحلم وما إذا كانت هناك حلول ممكنة. واستمرّ الوضع على هذا النحو حتى طلوع الفجر، لكن بدون جدوى.
كان بين الحكماء رجل عجوز وحكيم خدم الملك لعقود عديدة، قال له: ((هؤلاء المفكّرون العظماء لايتوصّلون لحلول أبداً. فليذهبوا للجحيم هم وأحاديثهم التي لا طائل منها. استمع إلى نصيحتي بدلاً من ذلك _امتطِ أسرع جوادٍ لديك، وابتعد عن هذه القلعة قدر الإمكان. ولا تَنطلق في رحلة العودة إلى هنا إلا مع غروب الشمس))
انطلق الملك على جواده. لم يتوقف للطعام ولا للشراب. ببساطة لم يَكُنْ هناك وقت. لكنّ الحصان أصابه التعب والإرهاق، وانهار على الأرض في النهاية.
لحسن الحظ، كانت الشمس قد غابت بالفعل، ولم يكن الملك قريباً من القلعة، كان المكان آمناً، أو هذا ما اعتقده.
ما أن تنفّس الملك الصعداء، شعر بيد باردة على كتفه. لقد وصل الموت وقال له: ((كنتُ قلقاً من ألا تصل في الوقت المناسب))
شعر الملك أنّ الحياة بدأت تنساب منه. انهار على الأرض كما انهار جواده قبله. لم يكن الأمر مؤلماً _العشب خفّف من سقطته. وآخر شيء رآه الملك قبل أن يرتطم رأسه بالأرض، صفوف زهور الأقحوان التي بدت مألوفة بالنسبة له
——————————
الموت جزء حيوي هام من الحياة ومتأصّل فيها. لا مجال للإفلات والهرب منه، مع أنّ البشرية لطالما بذلت جهودها لتحقيق ذلك. في يومٍ ما، سوف تموت.
قد يكون بعد شهرٍ أو شهرين من الآن، عندما يقع حادث مأساوي، كما تحدث غالباً. ربما قد يقع بعد سنتين من الآن، تقضي حياتك في حالة سبات. أو ربما تمرّ عقود عديدة لتموت في المستشفى، يتحلّق حولك أولادك وأحبّاءك بينما يتلاشى سقف المستشفى من أمام عينيك ثم تغفو غفوتك الأبدية.
الطريقة التي سيحدث بها الأمر غير مؤكّدَة إلى حدٍ كبير. لكنّ حدوثه محتوم ومضمون.
لا بأس في ذلك حقيقة، الموت حَقّ - وليس هناك ما نخشاه منه. الموت لا يخيفني ولا ينبغي أن يخيفك أيضاً. إليك الأسباب.
١] البديل عن الموت سيكون أسوأ بكثير
((إنَّ الآلهة تحسدنا لأننا فانون)) هذا ما قاله آخيل للأميرة برسيس في الإلياذة.
أكره أن أخرّب عليك فقاعة أمانك _حسناً أنا أستمتع في ذلك قليلاً_ لكن هذه هي الحقيقة: الخلود أمر رديء.
يتوق الإنسان إلى التجديد، وبعمر لانهائي، ستزداد الأمور الجديدة ندرةً مع مرور الوقت. بعد مرور فترة من الوقت ليست بطويلة (ألف سنة أو أكثر بقليل) ستكون الشيء الوحيد الذي ترغب به هو الرغبة ذاتها. ستكون الحياة مملَة بشكلٍ لايُطاق -ستتمنى لو كنتَ ميتاً. فقط فكّر في الأمر وراقب قناديل البحر الخالدة، هل رأيت واحداً منها مبتسماً؟
٢] من الناحية التقنية، لن تموت
طبعاً إنّ عملية وتجربة المَوات أو الاحتضار إلزامية. لكنك لن تشعر بالموت بحدّ ذاته. لأنك أنت وموتك لايمكن أن تتواجدا في نفس الوقت وفي آنٍ واحد. يقول أبيقور في حكمه الأساسية:
((الموت، أفظع الحوادث، لاشيء بالنسبة إلينا، إذ يفقد الشيء الذي ينحلّ القدرة على الإحساس، والشيء الفاقد للإحساس هو لاشيء عندنا. لذلك، عندما أوجد لا يوجد الموت وعندما يكون الموت لن أكون موجوداً)).
هل يبق أن اُغمِيَ عليك، أو فَقَدتَ الوعي أو دخلت في نومٍ عميق من قبل؟ كيف كان شعورك آنذاك في تلك اللحظات التي كنت فيها فاقداً للوعي؟ لاشيء -صحيح؟ لاشيء على الإطلاق. انعدام التجربة ليس تجربة جديدة.
٣] لاشيء جديد في تجربة الموت-حقاً، لقد كنّا هناك من قبل.
كنّا هناك طوال ملايين السنوات قبل أن نولد، كنّا معدومين، في فضاء العَدَم، ثمّ وُلِدنا. لم يكن الأمر بذلك السوء أليس كذلك؟
((انظر إلى الوراء وشاهد كيف أنّ عصور الأبدية التي انقضت قبل ولادتنا لم تكن شيئاً بالنسبة لنا. وهذه مرآة ترينا من خلالها الطبيعة كيف سيكون الأمر بعد موتنا. هل ترى أيُّ شيء مخيف في الموضوع؟)) لوكريتيوس
٤] الموت ما يمنح الحياة معنى
غالباً ما يكون "قضاء الوقت" بدلاً من "تضييع الوقت" أمراً مدفوعاً بوجود الموت نفسه والاعتراف به. لتعرف أنّ وقتك قصير وأنّ أيامك معدودة -تلك المعرفة لا تدعو إلى الحزن والاكتئاب، بل مجرّد دافع لعيش لحظة الحاضر بكل تفاصيلها والاحتفال بها.
# الموت للوجود، ولتحيا الحياة
———————————
يقول الكاتب الصحفي ستيوارت أيسوب: "الإنسان المحتضر يحتاج إلى الموت، كما يحتاج الرجل الإنسان النعسان إلى النوم. وتأتي لحظة تكون فيها المقاومة خاطئة وغير ضرورية".
تتحمّل الأمّهات آلام الولادة لإنجاب الأطفال. كما يثابر الرياضي من خلال التدريبات الصارمة للمحافظة على نفسه ولياقته. ويكافح الكاتب مرات كثيرة من الرفض قبل أن ينجح في نشر كتابه وبلوغ الشهرة. وبالمثل علينا ببساطة أن نقبل عدم فَنائَنا وعدم ديمومتنا لكي نعيش حياة ذات معنى. لذا أنا لا أخاف الموت. ولا ينبغي أن تخافه أنت.