العقل له "صواميل طول ما تفك وتربط طول ما هو شغال" لكن حينما يصدأ يتطرف العقل في اتجاه واحد وتنشأ أفكار التطرف في اتجاه فكر واحد..خالي من المرونة.. يصنع شخص لا يمكن تعليمه لكن يمكن تحفيظه؛ يدخل الإمتحان حافظ جدًا وينجح؛لكنه من داخله كيان متطرف وجدانه مُصادر.. الإنسان ليس مجرد "شريط كاسيت" نسترجع منه المعلومات ونفرغها-
هكذا كان يحدثني وكأنه حلقة وصل نابضة بين الأجيال تمرر طزاجة الفطرة، من تربة النضج لشجرة الوعى؛ ثم تضعه ثمارًا جاهزة للأكل.. بإخلاص مُدرس لا يكل ولا يمل عن الشرح،والإعادة والتبسيط.. ينقل قناعاته بإيمان ستدرك معه أنك أمام فارس جواده الفكر والعمل والإصرار..لن يرفع عصاه بوجهك لكنه؛سيلوح لك بها من بعيد لو افترضت أن ابتسامته الكبيرة تسمح لك"بدلع فارغ"!.
إنه المحامي الأديب المُعلم..الدكتور جابر نصار.
أنا لو بايدي.. كنت أبني في كل حي من أحياء المعمورة سينما
> حدثنا عن طفولة جابر نصار ابن الريف الذي كان يطمح والده في أن يكون مدرسًا من الغيط للمدرسة ومن المدرسة للغيط..بابتسامة ود يجيب:
>> - أنا ابن قرية شرباص بمحافظة دمياط.. والدي كان مزارعًا والقرية كلها تعمل بالزارعة ؛رغم ذلك كان لديهم إيمان حقيقي أن التعليم هو المحرك الأساسي لمستقبل أكثر إشراقًا وتميزًا بالبلدي كده "كل واحد بيحب ولاده يكونوا أحسن منه"
ورغم بساطة الإمكانيات كان التعليم هو المحرك الأساسي للإنتقال من مربع اجتماعي أقل لمربع أعلى ؛ولذلك كان والدي حريصًا بطبيعته الفطرية على تعليمي ودومًا ما كان يضرب لي مثلًا بـ فلان الناجح وعلان الفاشل ويترك لي الإختيار و القرار.
يسترسل بحنين واعتزاز قائلًا:
- رغم بساطة أبائنا في هذا الزمن إلا أنهم كانوا أبناء بيئة فطرية سليمة؛ تنجح في تربية أبناءها وتعليمهم بأساليب تربوية يفتقر إليها المتعلمون الآن.. للأسف!.
> وماذا عن علاقة المجتمع الريفي بالسينما؟
>> - السينما فن عظيم لأنه مدخل للثقافة؛ ينقل فكرة من رواية أو قصة في ساعة زمن أوأكثر عبر الشاسة وينقل معها قيم وأخلاقيات ومعتقدات.. كنا نذهب للمراكزالثقافية التابعة لوزارة الثقافة؛ والتي كانت تعرض أفلام ومسرحيات كل أسبوع مرتين مجانًا و كان هناك فرق فنية ورحلات تابعة للمدرسة؛ وكل سنة في القرية حفلة في الصيف..يأتي فيها الشباب الجامعي يمثلوا؛حتى أنني اشتركت مرة معهم في مسرحية عن حرب أكتوبر في دور أخ ينتظر أخيه الجندي المحارب الذي لم يعد .. كان الفن ينقل ثقافة الصعيد لوجه بحري وثقافة بحري للصعيد وثقافة الريف للمدينة والعكس.
يسترسل بتنهيدة إصرار:
- كانت الحياة الثقافية حية.. أنا لو بايدي؛كنت أبني في كل حي من أحياء المعمورة سينما ومسرح حتى ننقذ التعليم في مصر من هذا التدني والجمود الذي أصبحت معه المسارح في المدارس" مخازن كراكيب" .
> عن أبرز سلبيات المجتمع المصري البسيط في تلك المرحلة يتطرق دكتور جابر شارحًا:
>> - الهجرة إلى دول البترول.. ظاهرة جعلت الناس أقل قناعة وأقل سعادة أيضًا؛كانت الناس مستواها المادي بسيط وحياتها بسيطة لكنها سعيدة ولديها قناعة؛مع الهجرة انكمش الإحساس بالقناعة..تخيلي كان الولد يتزوج في أوضة في بيت العيلة لكن حاليًا لازم يكون له بيت منفصل ودون أن ندري انكمشت الرقعة الزراعية وتفسخت العلاقات الإجتماعية.
> السينما والشارع.. أيهما أكثر تأثيرًا على الآخر ؟
>>- تدهور السينما هو علامة على تدهور النظام الاجتماعي في الدولة والمجتمع.. بمعنى أننا اليوم نحارب سلبيات ناتجة عن تشوهات التطور التكنولوجي؛فما كان يؤثر في جيلنا لم يعد يؤثر حاليًا؛وهنا يأتي دور الفن بمعناه المتكامل وخاصة السينما..
بتربوية محترف يكمل:
-العقل له "صواميل طول ما تفك وتربط طول ما هو شغال" لكن حينما يصدأ يتطرف العقل في اتجاه واحد وتنشأ أفكار التطرف الأحادية بطبيعتها.. وهنا يظهر دور الفن.. تحفيز العقل على العمل والتفكر.
ماذا عن دور السينما في توجيه الوعي لدى شباب الجامعة من خلال عملك كرئيس سابق لجامعة القاهرة؟
-الحقيقة أنا كنت مهتم جدًا بدور السينما والمسرح في جامعة القاهرة وإنها قادرة علىالإرتقاء بالطلبة وتوسيع إدراكهم،الشخصي والاجتماعي ..
السينما أداة فنية ثقافية لابد أن يكون لها استقلال التفكير وحرية الرأى والتأثير في إطار ضوابط المجتمع.. عن تجربتي في الجامعة كان عندنا مشروع لعمل مجمع سينما داخل جامعة القاهرة وبدأنا فيه بالفعل وقتها..وأقمنا مسرح أمام الجامعة وأحضرنا السيرة الهلالية..كان أمام المسرح أكثر من 30000 طالب؛ وكنا في حالة ذهول من إقبال هذا الجيل ..الفنان الجميل والصديق فتوح أحمد كان يخصص يوم في الأسبوع لطلاب جامعة القاهرة في المسرح القومي؛مما جعل طلبة بعمر الزهور منبهرين بالمسرح ومتفاعلين وكلما انتهى العرض يقولوا"عايزين كمان".
>- هل ترى برامج فنية مؤثرة عن السينما و صناعتها وترسخ لتاريخها بذهن الجيل الجديد؟
>>- للأسف لا يوجد برنامج عن السينما لافت وجذاب حتى في القنوات الأكثر مشاهدة.. هل يتصور اليوم لكي ترى برنامج عن الفنون الشعبية أو عن السينما تشاهد قناة ماسبيرو زمان ؟!
عجز الوضع الحالي جعلنا نلجأ للقديم.
يسترسل نصار في محاضرة مثيرة عن تربية الوجدان: تلك النوعية من البرامج تربي وجدان الناس لمقاومة الإنحراف الفكري والوجداني في اتجاه فكر واحد..خالي من المرونة.. يصنع شخص لا يمكن تعليمه لكن يمكن تحفيظه؛يدخل الإمتحان حافظ جدًا وينجح؛لكنه من داخله كيان متطرف وجدانه مُصادر..الإنسان ليس مجرد "شريط كاسيت" نسترجع منه المعلومات ونفرغها.
الفن يبني مصر من الداخل ويبني سمعتها من الخارج
ماذا عن تأثير السينما المصرية على الدول العربية بشكل عام ؟
-الفنون تاريخيًا هى قوة مصر الناعمة..دول المغرب وتونس والجزائر "اتعربت" بالأفلام المصرية والمسلسلات"اسماعيل ياسين وعبد الحليم وفؤاد المهندس والمليجي وتوفيق الدقن وفاتن حمامة " وكل هؤلاء النجوم؛ ولذلك كان لديهم انبهار بالشخصية المصرية لان لديهم انطباع مسبق من خلال السينما .
يضيف نصار بابتسامة ساخرًا: "الصيت ولا الغنى"..كانوا متصورين إن كل الرجال المصريين مثل محمود ياسين"مقطعين السمكة وديلها"!.. لو كنا صرفنا مليارات الدولارات لكي نقلب اللسان من الفرنسي للعربي لن نستطيع؛لكنه سحر الفن المصري وتأثيره الذي ستكتشفيه ببساطة حينما تجمعك الصدفة بأحد الكبار سنًا من دول الخليج ويقول لكِ:
-والله مصر علمتنا ونورتنا وكانت بتورينا الأفلام وأم كلثوم!.
> كيف ترى اهتمام الدولة بالفن والسينما بما يتناسب مع قيمته كقوة ناعمة؟
>> - الفن يبني مصر من الداخل ويبني سمعتها من الخارج .. يرتقي بالبشرية ويدعم الوطنية.. الموجات التي تسفه من قيمة الفن والفنان هدفها تحطيم الدولة المصرية وتنسى دور الفن في خدمة الدولة مثلا أم كلثوم ودورها في تسليح الجيش المصري والمجهود الحربي.. ولذلك لا بد من الإهتمام بالفنون في فترات الهبوط والإنحطاط الذي يبرره أصحابه كذبًا في الأفلام التافهة والعري بلا قصة بإن"الجمهور عايز كده"!
بالإضافة للقوانين التي تمنع تحول صناعة السينما لصناعة مقاولات بهدف المكسب فقط؛لابد أن تضمن الدولة من يثقف أكثر ومن يهتم بالوعي..هناك دول تمتلك أموال تدعم دورها لكن مصر يمكنها أن تقوم بدورها من خلال الفن المصري القوي..ولا ننسى دور الصحافة الفنية الجادة..
وجدان الشباب فارغ؛إذا لم تملئه.. سيمتلىء حتى لو بالقبح
كيف تناولت السينما برأيك التطرف والإرهاب؟
-وجدان الشباب فارغ ؛إذا لم تملئه.. سيمتلىء رغمًا عنك حتى لو بالقبح.. اضرب لكِ مثال:
سمعنا فجأة عن شاب يلقي علينا بيان لداعش؛رغم أنه كان يبدو طبيعيًا، يجلس على القهاوي ويشرب "شيشة" لكن فيروسات التطرف كانت تنخر في عقله منتظرة لحظة الإشتعال!.
الفن هو أقوى أداة لتربيط المجمتع كى لا يتفسخ؛فحينما يعرض في الفيلم ابن منحرف ينتبه الأب لأولاده من خلال تأثره بالقصة .. تجربتنا في جامعة القاهرة أثبتت أن الفن يقضي على التطرف؛كان الإخوان يلقوا بالملوتوف في الجامعة وأنا كنت بعمل مسرح.. في فيلم السفارة في العمارة للرائع عادل إمام مشهد واقعي خطير لخص جمود الفكر الإرهابي الذي يلغي عقل صاحبه عن التحليل والفهم؛حينما ألبسوه حزام ناسف لكى يفجر نفسه في السفارة وقال له :هتطلع للحور العين فرد عادل إمام "طيب ما تلبسه وتطلع إنت!".
في أواخر القرن العشرين من الخمسينات فما فوق؛جزء من السيادة الامريكية على العالم كان بالسينما؛ ولأنها دولة بلا جذور تاريخية وثقافية انتشرت أفلام العنف والأكشن واستمر تأثيرها لسنوات ثم انكسرت واكتشفوا أن البقاء للقوة الأصلح.. الأمل في عودة الريادة المصرية للسينما بأفلام تنورية محترمة هى التي ستواجه الإرهاب.
السينما مشروع قومي بل وأهم من أى مشروع قومي
> - هل لازالت تؤمن بتأثيرالفن المصري الأصيل رغم كل المؤثرات المستحدثة لدى الشباب المصري؟
>> - طبعًا.. الأفواج التي ذهبت لمشاهدة فيلم الممر والأفلام الجيدة تدل على ذلك.. التراث السينمائي الحي الذي يجعل الكثير من الشباب يستمتع بفيلم لنجيب الريحاني أواسماعيل ياسين يؤكد أن لهذا الفن تأثيره وقيمته.
حتى تلك الفترات التي اجتاحت فيها البيوت المصرية مسلسلات تركية وهندية كانت فترة بلا طعم تشبة"الهوجة" لكن الفن المصري الأصيل عمره ما كان مجرد "هوجة".
إن تأثير الفن الهابط على وجدان الشباب يجعله ناقم على البلد ولهذا يجب أن تكون الدولة حاضرة بعيدا عن الحسابات المادية لصناع السينما حاليًا.
> - الفارق في نظرك بين الفن زمان والفن حاليًا ؟
>> - نحن نفتقد فكرة تواصل الأجيال؛رغم امتلاكنا لخامات محترمة من المواهب الفنية..في تصوري أن الرعيل الأول للسينما المصرية كان أكثر تضحيةً وإيمانًا بها أكثر من الجيل الحالي؛ كانت السينما هواية مش "سبوبة". تأثير الفنان القوي الأصيل في وجدان الناس .. أفلام نجيب الريجاني مثلًا بعظمتها ..الرجل الذي نشاهده على الشاشة بحب ويحتل وجداننا الناس وتظنه عمل مائة فيلم والحقيقة التي أدهشتني إنهم ستة أفلام فقط!.
نأمل الفترة القادمة يكون عندنا كتاب دراما وسينما عظماء زى محفوظ عبد الرحمن ووحيد حامد والأجيال تتواصل.
> لنصنع حاجز صد بين عقول الشباب وبين فساد السوشيال ميديا.
ما مدى احتياج الدولة للسينما؟
بحسم يجيب:
>> - الدولة تحتاج إلى السينما أى دولة اليوم تستطيع ببساطة من خلال السينما نقل ثقافتها وحضارتها وتاريخها ومعالمها السياحية للعالم كله..يجب أن نستفيق لدور السينما ونعتبرها مشروع قومي بل وأهم من أى مشروع قومي.
نحن ف مآساة ثقافية في ضياع دور وزارة الثقافة وتحولها لوزاة بيرو قراطية.. ومع احترامنا لجهود الوزيرة إيناس عبد الدايم لكن لابد أن يكون هناك تكامل بين وزارة الثقافة والتعليم والإعلام لتشكيل الوعي والمعرفة.
> هل السينما تمثل جزء من الدخل القومي؟
>> - طبعًا.. مشكلتنا في الإدراة الحكومية المترهلة التي تفتقر لإدراة المشاريع بنجاح ولهذا نجد مشروعات المؤسسسة العسكرية ناجحة لأنهم يملكون إدرارة منظبطة لا يتخللها الفساد..انضباط وقوانين صارمة؛لكن الشركات التي تملكها الدولة برأس مال المصريين خربت بالمحسوبيات والواسطة التي جعلتها بدلا من أن تنتج وتجدد.. تنتج وتمنح للمعينين بغير وجه حق.. ولذلك نحن بحاجة لإدارة الدولة أن يكون لديها دور عرض وتديرها عن طريق القطاع الخاص بدلًا من بيعها
بحزن يكمل:
- شىء مؤلم ومؤسف أن تجد سينما قديمة تراثية تتحول لمحلات وسوبر ماركت أو مهجورة..
السينمات وبيوت الثقافة المهجورة كانت تابعة لوزارة الثقافة وهيئة الإستعلامات وما أحوجنا لهذا اليوم حتى نصنع حاجز صد بين عقول الشباب وبين الشائعات وفساد السوشيال ميديا.
زمان كانت السينما هواية مش "سبوبة"
> في محاولة للعودة لبراح الذكريات الجميلة سألته.. ماذاعن أول يوم سينما في حياتك وأول فيلم ؟
>>- أذكر كنا نذهب لـروافد السينمات وبيوت الثقافة في مركز فارسكور؛ثم بدأ"التحويش" من المصروف لرحلات اليوم الواحد لرأس البر مع الأصدقاء ؛كنا نقضي اليوم في عِشش غاب بدون سقف "على قد فلوسنا".
أفلام عادل إمام كانت المفضلة لدي كانت جميلة ومضحكة في هذا الوقت كانت السينما تعرض ثلاثة أفلام منهم فيلم أجنبي بتنهيدة قطعت ذكرياته يقول : كانت أيام بسيطة لكنها جميلة.
> ماذا عن السوشيال ميديا وتأثيرها على السينما؟
>> - السوشيال ميديا لها فوائدها؛لكنها في منتهى الخطورة لأنها وسائل مستبدة؛خالية من النقاش العادل أبسط رد فعل فيها هو "البلوك "؛ولذلك التطور التكنولوجي اليوم يؤدي إلى التضيق على مناخ التفاعل في العقل الجمعي والفردي .
> هل تربطك علاقات صداقة بفنانات أو فنانين؟
>> - نعم.. في علاقات جيدة مع كثير من الفنانين.. نقيب المهن التمثيلية اشرف ذكي صديق والكثير منهم يستشرونني في مسائل قانونية بصورة ودية.. علاقة جيدة مع الفنان عادل إمام ،ومحمود ياسين، فتوح أحمد، يحيى الفخراني، خالد يوسف، يسرا،سميرة عبد العزيز، إلهام شاهين التي كانت دومًا ما تشارك في فعاليات الجامعة.
> - هل عرض على دكتور جابر نصار التمثيل من قبل؟
يضحك بعفوية ويجيب:
>> - لا لم يعرض؛لكن لو اتعرض كنت هوافق وبدون أجر..أنا أحب التجارب.
ليس المطلوب من السينما أن "تمسك سبحة وتقول إن المجتمع زى الفل"
> بعد كل المناصب التي تقلدها دكتور جابر ومع قيمته كقدوة وشخصية عامة هل تفكر بتأني قبل دخولك أى فيلم في السينما؟
>> - طبعًا..لابد أن أسأل عن كاتب السيناريو والمخرج لأن السينما متعة ومن الصعب أن تمارس هواية ومتعة وتخرج منها حزين أو مستاء..أنا من الناس التي تتفاعل وجدانيًا؛لكن حاليًا لا أنكر إني عدت لمتابعة الأفلام القديمة والحوارات على ماسبيرو زمان..الفن المصري الذي كتب له الخلود.
> بالنسبة لدور المرأة.. تعتقد السينما قاتل أم قتيل؟
>> يمكن تقسيم السينما لمرحلتين.. الأولى:-
اهتمت بقضايا ثقافية وانسانية وانصفت المرأة وناقشت قضاياها في وقت صعب..فاتن حمامة في أريد حلًا..في الوقت التي كانت فيه البنت تأخذ مؤهلها وتجلس في البيت انتظارًا "للعدل" لا تستطيع إعلان رغبتها في العمل في مهنة حرة بعيدًا عن الوظيفة الحكومية المعتادة.. البنت التي تعثرت في البداية ثم تفوقت على الرجل.
المرحلة الثانية:-
تحولت فيها السينما إلى سينما تجارية بدأت تستغل المرأة وتركز على جسدها أكثر من قضاياها الإجتماعية.
ولذلك في ظني إن الدولة حينما سلخت يدها تحول الأمر أن تصبح المرأة مجرد وردة في عروة جاكتة الفيلم.
هذا لا يعني بالطبع عدم وجود أفلام حاليًا تناقش قضايا المرأة بطريقة جادة..مثلًا إلهام شاهين الفنانة المثقفة التي تنتج أفلام قوية عن المرأة وقضاياها.
يسترسل بمحبة: الفنان الذي يغامر اليوم بوضع تحويشة عمره في إنتاج فيلم هادف جاد دون حسابات تجارية لابد أن يكون الفن مخلوط بدمه..ينجح في التاريخ السينمائي حتى لو لم يحصد أموالًا.
> من أقرب فنانة لقلبك لعبت دور الأم في السينما ؟
>> - فاتن حمامة في امبراطورية ميم .. وكريمة مختار من أكثر الفنانات التي مثلت دور الأم بعبقرية..تمثيلها ولهفة مشاعرها طبيعية..رد فعلها ووجودها بين أبنائها وخاصة دورها في ماما نونة.
وعلى ضي طيبة ملامحها في الصورة الكبيرة المعلقة بتأني على حائط مكتبه الأنيق سألته عن تأثير والدته في حياته:
- ولدتني أمي وهى في سن الثانية والأربعين؛كنت وحيد لإن أخي استشهد،واخوتي البنات توفى إثنتين منهن وتبقت واحدة الفارق بيننا كان كبيرًا فقد تزوجت هى وأنا في الصف الرابع الإبتدائي.. وبقيت أنا مع أمي وأبي في وصلة حنان لم تنقطع من الأب للأم ومن الأم للإبن .. كنت كلما كبرت سنة واحتجت لها أدركت أنها أيضًا تكبر سنة وستحتاج لي أكثر؛ فتظل دائرة الحنان نابضة بيننا لا تنقطع أبدًا.
المحامي مثل كاتب السيناريو والمخرج
> هل أساءت السينما لشخصية المحامي ؟
>> - لا.. أنا ضد أن يعتقد أحد أن فيلم ما أساء لسمعة المحامين أو أساتذة الجامعة أو لأى مهنة؛لأن السينما ترصد واقع للتنبيه له ولإصلاحه وليس المطلوب منها أن "تمسك سبحة وتقول إن المجتمع زى الفل!.
المحامي السيىء فيه منه كتير وأيضًا الجيد في منه أكثر؛ولذلك السينما تعرض صورة غير مألوفة للعين والذهن والوجدان لوضع ظلال التنبيه في مربع رؤيتنا للشخصية.
مدى تأثير الفن والأدب على مهنتك كمحامي؟
-الرواية والقصة والفن بشكل عام من أهم أدوات نجاح المحامي في عمله.
بشغف تلميذة تستمتع بتفاصيل أفكار معلمها المفضل طالبته بالتوضيح فأسترسل بود:
- كلما قرأ المحامي في الأدب وتذوق الفن ونمى قدرته التعبيريه كلما كان أنجح..القانون سهل مجرد نصوص كلنا نستطيع قراءتها "مش لوغاريتم" الفارق هنا هو كيف تفهم النص وتتعامل مع الواقعة.. السينما ترسم المشهد والمحامي مثل كاتب السيناريو والمخرج؛حينما تأتيه القضية يرسم لها صورة أقرب للفيلم السينمائي..يشبك الوقائع عن طريق الورق ويقدمه للقاضي.. المحامي الشاطر هو اللي تشبيكه للأحداث صح.
العبقري وحيد حامد في طيور الظلام كان نظيم شعرواي محامي كبير جدا وفي قضية تشغل الرأي العام استعان بالمحامي الصغير الغير معروف عادل إمام..أعطاه ملف كبير فعاد له ليعطيه ورقة صغيرة جدًا وقال له"القضية اهه وشوية حبشتكنات من اللي بتقولهم كده هتكسب القضية" –قالها وهو يقطع جزء صغير من الورقة الكبيرة التي أمسك بها ويمدها لي بتلقائية وهو يحكي المشهد-
عمل المحامي الشاطر هو القدرة على التكيف والوصول للتفاصيل ونقلها؛علاج المرض وليس العرض؛ولذلك المحامي "الخيبان "حين يشعر بأنه سيخسر القضية يملىء الملف بالورق لكن الشاطر يقدم ورقة ونص.
> رأيك في إستخدام القانون كأداة ضد الإبداع ؟
>>- ا أنا ضد القضايا التي ترفع على الأفلام.. الإبداع لا يمكن أن يُقمع بالقانون؛القانون يحمي الإبداع ولذلك التسلط على المبدعين؛نوع من الهوس بسجن الفنانين والمفكرين.. كل الجرائم التي يحتويها القانون هى جرائم شاذة واستنائية؛الدين أقوى واهم من انه يحمى بقانون اذا كان القران حاور من طعن في صحة الرسالة الرسول نفسه كان يعفو ويرد، والقرآن يرد ويناقش كل من خالفوه.
حينما تسجن شخص لفكره ورأيه سيتطرف أكثر في رده ولذلك يمكنك أن ترد عليه بالوعي والفن..في ظني كل هذة الجرائم التي تحارب الفكر والرأى أى إن كان الزاوية التي تنطلق منها؛ تخالف نص الدستور الذي أُطلق وحمى حرية الإبداع.
أنا "دمعتي" قريبة جدًا..
> برأيك كيف جسدت السينما دور أستاذ الجامعة والحرم الجامعي بشكل عام؟
>> - ليس مطلوبًا من الفن أنه يمجد شخصية، هناك أستاذ الجامعة الصادق وهناك المنحرف المستغل للطلبة وهذا أمر طبيعي.. في فترة من الفترات استخدم الفن المصري للتخفيف من نكبات قومية .. الدكتور مجدي يعقوب يقول أن الحزن يجعل القلب ينفجر وحالة الحزن التي عاشها المصريون أعقاب هزيمة 67 كانت تتطلب نوعية خفيفة من الأفلام التي ترفه عنهم.
نوعية الأفلام التي يفضلها دكتور جابر؟
> - أنا "دمعتي" قريبة جدًا.. حتى في الأفلام القديمة التي شاهدتها خمسين مرة!.
>> - أفضل الأفلام التي تقدم قضايا اجتماعية وانسانية..الأفلام القديمة بشكل عام تستهويني خاصة التي تحوي قصة جادة وتجلب السعادة..التراث العظيم لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس .. والأفلام الغنائية لمحمد فوزي وخلي بالك من زوزو تلك النوعية التي مات أصحابها لكنها لم تزل حية.
> - هل عبرت السينما عن ثورة يناير و30 يونيو؟
>> - لا أعنقد لم يزل هناك استقطاب "ناس مع وناس ضد "و إلى أن تهدأ تلك الحالة ..ستظهر أفلام جيدة .
ما بني على باطل قد يكون صحيحًا!
> هل تشاهد الأفلام التي تحوي مشاهد قانونية كمحامي أم كمتفرج؟
>> - من المفترض أخذ رأى رجال القانون في بعض المشاهد..مثلًا من الأخطاء الشائعة السائدة في الأفلام المصرية أن ما بني على باطل فهو باطل.. غير صحيح فما بني على باطل قد يكون صحيحًا ؛ القرار قد يصدر باطل وبعد فوات 60 يوم يتحصن ويصبح صحيحًا وولد آثارًا صحيحة!.
> هل من الممكن أن تقدم حياة دكتور نصار كعمل فني؟
>> - أنا رجل مصري عادي بسيط ؛لكني أفكر بتجسيد التجربة في كتاب يكون توثيقًا لها بين الناس.
هكذا كان يحدثني وكأنه حلقة وصل نابضة بين الأجيال تمرر طزاجة الفطرة، من تربة النضج لشجرة الوعى؛ ثم تضعه ثمارًا جاهزة للأكل.. بإخلاص مُدرس لا يكل ولا يمل عن الشرح،والإعادة والتبسيط.. ينقل قناعاته بإيمان ستدرك معه أنك أمام فارس جواده الفكر والعمل والإصرار..لن يرفع عصاه بوجهك لكنه؛سيلوح لك بها من بعيد لو افترضت أن ابتسامته الكبيرة تسمح لك"بدلع فارغ"!.
إنه المحامي الأديب المُعلم..الدكتور جابر نصار.
أنا لو بايدي.. كنت أبني في كل حي من أحياء المعمورة سينما
> حدثنا عن طفولة جابر نصار ابن الريف الذي كان يطمح والده في أن يكون مدرسًا من الغيط للمدرسة ومن المدرسة للغيط..بابتسامة ود يجيب:
>> - أنا ابن قرية شرباص بمحافظة دمياط.. والدي كان مزارعًا والقرية كلها تعمل بالزارعة ؛رغم ذلك كان لديهم إيمان حقيقي أن التعليم هو المحرك الأساسي لمستقبل أكثر إشراقًا وتميزًا بالبلدي كده "كل واحد بيحب ولاده يكونوا أحسن منه"
ورغم بساطة الإمكانيات كان التعليم هو المحرك الأساسي للإنتقال من مربع اجتماعي أقل لمربع أعلى ؛ولذلك كان والدي حريصًا بطبيعته الفطرية على تعليمي ودومًا ما كان يضرب لي مثلًا بـ فلان الناجح وعلان الفاشل ويترك لي الإختيار و القرار.
يسترسل بحنين واعتزاز قائلًا:
- رغم بساطة أبائنا في هذا الزمن إلا أنهم كانوا أبناء بيئة فطرية سليمة؛ تنجح في تربية أبناءها وتعليمهم بأساليب تربوية يفتقر إليها المتعلمون الآن.. للأسف!.
> وماذا عن علاقة المجتمع الريفي بالسينما؟
>> - السينما فن عظيم لأنه مدخل للثقافة؛ ينقل فكرة من رواية أو قصة في ساعة زمن أوأكثر عبر الشاسة وينقل معها قيم وأخلاقيات ومعتقدات.. كنا نذهب للمراكزالثقافية التابعة لوزارة الثقافة؛ والتي كانت تعرض أفلام ومسرحيات كل أسبوع مرتين مجانًا و كان هناك فرق فنية ورحلات تابعة للمدرسة؛ وكل سنة في القرية حفلة في الصيف..يأتي فيها الشباب الجامعي يمثلوا؛حتى أنني اشتركت مرة معهم في مسرحية عن حرب أكتوبر في دور أخ ينتظر أخيه الجندي المحارب الذي لم يعد .. كان الفن ينقل ثقافة الصعيد لوجه بحري وثقافة بحري للصعيد وثقافة الريف للمدينة والعكس.
يسترسل بتنهيدة إصرار:
- كانت الحياة الثقافية حية.. أنا لو بايدي؛كنت أبني في كل حي من أحياء المعمورة سينما ومسرح حتى ننقذ التعليم في مصر من هذا التدني والجمود الذي أصبحت معه المسارح في المدارس" مخازن كراكيب" .
> عن أبرز سلبيات المجتمع المصري البسيط في تلك المرحلة يتطرق دكتور جابر شارحًا:
>> - الهجرة إلى دول البترول.. ظاهرة جعلت الناس أقل قناعة وأقل سعادة أيضًا؛كانت الناس مستواها المادي بسيط وحياتها بسيطة لكنها سعيدة ولديها قناعة؛مع الهجرة انكمش الإحساس بالقناعة..تخيلي كان الولد يتزوج في أوضة في بيت العيلة لكن حاليًا لازم يكون له بيت منفصل ودون أن ندري انكمشت الرقعة الزراعية وتفسخت العلاقات الإجتماعية.
> السينما والشارع.. أيهما أكثر تأثيرًا على الآخر ؟
>>- تدهور السينما هو علامة على تدهور النظام الاجتماعي في الدولة والمجتمع.. بمعنى أننا اليوم نحارب سلبيات ناتجة عن تشوهات التطور التكنولوجي؛فما كان يؤثر في جيلنا لم يعد يؤثر حاليًا؛وهنا يأتي دور الفن بمعناه المتكامل وخاصة السينما..
بتربوية محترف يكمل:
-العقل له "صواميل طول ما تفك وتربط طول ما هو شغال" لكن حينما يصدأ يتطرف العقل في اتجاه واحد وتنشأ أفكار التطرف الأحادية بطبيعتها.. وهنا يظهر دور الفن.. تحفيز العقل على العمل والتفكر.
ماذا عن دور السينما في توجيه الوعي لدى شباب الجامعة من خلال عملك كرئيس سابق لجامعة القاهرة؟
-الحقيقة أنا كنت مهتم جدًا بدور السينما والمسرح في جامعة القاهرة وإنها قادرة علىالإرتقاء بالطلبة وتوسيع إدراكهم،الشخصي والاجتماعي ..
السينما أداة فنية ثقافية لابد أن يكون لها استقلال التفكير وحرية الرأى والتأثير في إطار ضوابط المجتمع.. عن تجربتي في الجامعة كان عندنا مشروع لعمل مجمع سينما داخل جامعة القاهرة وبدأنا فيه بالفعل وقتها..وأقمنا مسرح أمام الجامعة وأحضرنا السيرة الهلالية..كان أمام المسرح أكثر من 30000 طالب؛ وكنا في حالة ذهول من إقبال هذا الجيل ..الفنان الجميل والصديق فتوح أحمد كان يخصص يوم في الأسبوع لطلاب جامعة القاهرة في المسرح القومي؛مما جعل طلبة بعمر الزهور منبهرين بالمسرح ومتفاعلين وكلما انتهى العرض يقولوا"عايزين كمان".
>- هل ترى برامج فنية مؤثرة عن السينما و صناعتها وترسخ لتاريخها بذهن الجيل الجديد؟
>>- للأسف لا يوجد برنامج عن السينما لافت وجذاب حتى في القنوات الأكثر مشاهدة.. هل يتصور اليوم لكي ترى برنامج عن الفنون الشعبية أو عن السينما تشاهد قناة ماسبيرو زمان ؟!
عجز الوضع الحالي جعلنا نلجأ للقديم.
يسترسل نصار في محاضرة مثيرة عن تربية الوجدان: تلك النوعية من البرامج تربي وجدان الناس لمقاومة الإنحراف الفكري والوجداني في اتجاه فكر واحد..خالي من المرونة.. يصنع شخص لا يمكن تعليمه لكن يمكن تحفيظه؛يدخل الإمتحان حافظ جدًا وينجح؛لكنه من داخله كيان متطرف وجدانه مُصادر..الإنسان ليس مجرد "شريط كاسيت" نسترجع منه المعلومات ونفرغها.
الفن يبني مصر من الداخل ويبني سمعتها من الخارج
ماذا عن تأثير السينما المصرية على الدول العربية بشكل عام ؟
-الفنون تاريخيًا هى قوة مصر الناعمة..دول المغرب وتونس والجزائر "اتعربت" بالأفلام المصرية والمسلسلات"اسماعيل ياسين وعبد الحليم وفؤاد المهندس والمليجي وتوفيق الدقن وفاتن حمامة " وكل هؤلاء النجوم؛ ولذلك كان لديهم انبهار بالشخصية المصرية لان لديهم انطباع مسبق من خلال السينما .
يضيف نصار بابتسامة ساخرًا: "الصيت ولا الغنى"..كانوا متصورين إن كل الرجال المصريين مثل محمود ياسين"مقطعين السمكة وديلها"!.. لو كنا صرفنا مليارات الدولارات لكي نقلب اللسان من الفرنسي للعربي لن نستطيع؛لكنه سحر الفن المصري وتأثيره الذي ستكتشفيه ببساطة حينما تجمعك الصدفة بأحد الكبار سنًا من دول الخليج ويقول لكِ:
-والله مصر علمتنا ونورتنا وكانت بتورينا الأفلام وأم كلثوم!.
> كيف ترى اهتمام الدولة بالفن والسينما بما يتناسب مع قيمته كقوة ناعمة؟
>> - الفن يبني مصر من الداخل ويبني سمعتها من الخارج .. يرتقي بالبشرية ويدعم الوطنية.. الموجات التي تسفه من قيمة الفن والفنان هدفها تحطيم الدولة المصرية وتنسى دور الفن في خدمة الدولة مثلا أم كلثوم ودورها في تسليح الجيش المصري والمجهود الحربي.. ولذلك لا بد من الإهتمام بالفنون في فترات الهبوط والإنحطاط الذي يبرره أصحابه كذبًا في الأفلام التافهة والعري بلا قصة بإن"الجمهور عايز كده"!
بالإضافة للقوانين التي تمنع تحول صناعة السينما لصناعة مقاولات بهدف المكسب فقط؛لابد أن تضمن الدولة من يثقف أكثر ومن يهتم بالوعي..هناك دول تمتلك أموال تدعم دورها لكن مصر يمكنها أن تقوم بدورها من خلال الفن المصري القوي..ولا ننسى دور الصحافة الفنية الجادة..
وجدان الشباب فارغ؛إذا لم تملئه.. سيمتلىء حتى لو بالقبح
كيف تناولت السينما برأيك التطرف والإرهاب؟
-وجدان الشباب فارغ ؛إذا لم تملئه.. سيمتلىء رغمًا عنك حتى لو بالقبح.. اضرب لكِ مثال:
سمعنا فجأة عن شاب يلقي علينا بيان لداعش؛رغم أنه كان يبدو طبيعيًا، يجلس على القهاوي ويشرب "شيشة" لكن فيروسات التطرف كانت تنخر في عقله منتظرة لحظة الإشتعال!.
الفن هو أقوى أداة لتربيط المجمتع كى لا يتفسخ؛فحينما يعرض في الفيلم ابن منحرف ينتبه الأب لأولاده من خلال تأثره بالقصة .. تجربتنا في جامعة القاهرة أثبتت أن الفن يقضي على التطرف؛كان الإخوان يلقوا بالملوتوف في الجامعة وأنا كنت بعمل مسرح.. في فيلم السفارة في العمارة للرائع عادل إمام مشهد واقعي خطير لخص جمود الفكر الإرهابي الذي يلغي عقل صاحبه عن التحليل والفهم؛حينما ألبسوه حزام ناسف لكى يفجر نفسه في السفارة وقال له :هتطلع للحور العين فرد عادل إمام "طيب ما تلبسه وتطلع إنت!".
في أواخر القرن العشرين من الخمسينات فما فوق؛جزء من السيادة الامريكية على العالم كان بالسينما؛ ولأنها دولة بلا جذور تاريخية وثقافية انتشرت أفلام العنف والأكشن واستمر تأثيرها لسنوات ثم انكسرت واكتشفوا أن البقاء للقوة الأصلح.. الأمل في عودة الريادة المصرية للسينما بأفلام تنورية محترمة هى التي ستواجه الإرهاب.
السينما مشروع قومي بل وأهم من أى مشروع قومي
> - هل لازالت تؤمن بتأثيرالفن المصري الأصيل رغم كل المؤثرات المستحدثة لدى الشباب المصري؟
>> - طبعًا.. الأفواج التي ذهبت لمشاهدة فيلم الممر والأفلام الجيدة تدل على ذلك.. التراث السينمائي الحي الذي يجعل الكثير من الشباب يستمتع بفيلم لنجيب الريحاني أواسماعيل ياسين يؤكد أن لهذا الفن تأثيره وقيمته.
حتى تلك الفترات التي اجتاحت فيها البيوت المصرية مسلسلات تركية وهندية كانت فترة بلا طعم تشبة"الهوجة" لكن الفن المصري الأصيل عمره ما كان مجرد "هوجة".
إن تأثير الفن الهابط على وجدان الشباب يجعله ناقم على البلد ولهذا يجب أن تكون الدولة حاضرة بعيدا عن الحسابات المادية لصناع السينما حاليًا.
> - الفارق في نظرك بين الفن زمان والفن حاليًا ؟
>> - نحن نفتقد فكرة تواصل الأجيال؛رغم امتلاكنا لخامات محترمة من المواهب الفنية..في تصوري أن الرعيل الأول للسينما المصرية كان أكثر تضحيةً وإيمانًا بها أكثر من الجيل الحالي؛ كانت السينما هواية مش "سبوبة". تأثير الفنان القوي الأصيل في وجدان الناس .. أفلام نجيب الريجاني مثلًا بعظمتها ..الرجل الذي نشاهده على الشاشة بحب ويحتل وجداننا الناس وتظنه عمل مائة فيلم والحقيقة التي أدهشتني إنهم ستة أفلام فقط!.
نأمل الفترة القادمة يكون عندنا كتاب دراما وسينما عظماء زى محفوظ عبد الرحمن ووحيد حامد والأجيال تتواصل.
> لنصنع حاجز صد بين عقول الشباب وبين فساد السوشيال ميديا.
ما مدى احتياج الدولة للسينما؟
بحسم يجيب:
>> - الدولة تحتاج إلى السينما أى دولة اليوم تستطيع ببساطة من خلال السينما نقل ثقافتها وحضارتها وتاريخها ومعالمها السياحية للعالم كله..يجب أن نستفيق لدور السينما ونعتبرها مشروع قومي بل وأهم من أى مشروع قومي.
نحن ف مآساة ثقافية في ضياع دور وزارة الثقافة وتحولها لوزاة بيرو قراطية.. ومع احترامنا لجهود الوزيرة إيناس عبد الدايم لكن لابد أن يكون هناك تكامل بين وزارة الثقافة والتعليم والإعلام لتشكيل الوعي والمعرفة.
> هل السينما تمثل جزء من الدخل القومي؟
>> - طبعًا.. مشكلتنا في الإدراة الحكومية المترهلة التي تفتقر لإدراة المشاريع بنجاح ولهذا نجد مشروعات المؤسسسة العسكرية ناجحة لأنهم يملكون إدرارة منظبطة لا يتخللها الفساد..انضباط وقوانين صارمة؛لكن الشركات التي تملكها الدولة برأس مال المصريين خربت بالمحسوبيات والواسطة التي جعلتها بدلا من أن تنتج وتجدد.. تنتج وتمنح للمعينين بغير وجه حق.. ولذلك نحن بحاجة لإدارة الدولة أن يكون لديها دور عرض وتديرها عن طريق القطاع الخاص بدلًا من بيعها
بحزن يكمل:
- شىء مؤلم ومؤسف أن تجد سينما قديمة تراثية تتحول لمحلات وسوبر ماركت أو مهجورة..
السينمات وبيوت الثقافة المهجورة كانت تابعة لوزارة الثقافة وهيئة الإستعلامات وما أحوجنا لهذا اليوم حتى نصنع حاجز صد بين عقول الشباب وبين الشائعات وفساد السوشيال ميديا.
زمان كانت السينما هواية مش "سبوبة"
> في محاولة للعودة لبراح الذكريات الجميلة سألته.. ماذاعن أول يوم سينما في حياتك وأول فيلم ؟
>>- أذكر كنا نذهب لـروافد السينمات وبيوت الثقافة في مركز فارسكور؛ثم بدأ"التحويش" من المصروف لرحلات اليوم الواحد لرأس البر مع الأصدقاء ؛كنا نقضي اليوم في عِشش غاب بدون سقف "على قد فلوسنا".
أفلام عادل إمام كانت المفضلة لدي كانت جميلة ومضحكة في هذا الوقت كانت السينما تعرض ثلاثة أفلام منهم فيلم أجنبي بتنهيدة قطعت ذكرياته يقول : كانت أيام بسيطة لكنها جميلة.
> ماذا عن السوشيال ميديا وتأثيرها على السينما؟
>> - السوشيال ميديا لها فوائدها؛لكنها في منتهى الخطورة لأنها وسائل مستبدة؛خالية من النقاش العادل أبسط رد فعل فيها هو "البلوك "؛ولذلك التطور التكنولوجي اليوم يؤدي إلى التضيق على مناخ التفاعل في العقل الجمعي والفردي .
> هل تربطك علاقات صداقة بفنانات أو فنانين؟
>> - نعم.. في علاقات جيدة مع كثير من الفنانين.. نقيب المهن التمثيلية اشرف ذكي صديق والكثير منهم يستشرونني في مسائل قانونية بصورة ودية.. علاقة جيدة مع الفنان عادل إمام ،ومحمود ياسين، فتوح أحمد، يحيى الفخراني، خالد يوسف، يسرا،سميرة عبد العزيز، إلهام شاهين التي كانت دومًا ما تشارك في فعاليات الجامعة.
> - هل عرض على دكتور جابر نصار التمثيل من قبل؟
يضحك بعفوية ويجيب:
>> - لا لم يعرض؛لكن لو اتعرض كنت هوافق وبدون أجر..أنا أحب التجارب.
ليس المطلوب من السينما أن "تمسك سبحة وتقول إن المجتمع زى الفل"
> بعد كل المناصب التي تقلدها دكتور جابر ومع قيمته كقدوة وشخصية عامة هل تفكر بتأني قبل دخولك أى فيلم في السينما؟
>> - طبعًا..لابد أن أسأل عن كاتب السيناريو والمخرج لأن السينما متعة ومن الصعب أن تمارس هواية ومتعة وتخرج منها حزين أو مستاء..أنا من الناس التي تتفاعل وجدانيًا؛لكن حاليًا لا أنكر إني عدت لمتابعة الأفلام القديمة والحوارات على ماسبيرو زمان..الفن المصري الذي كتب له الخلود.
> بالنسبة لدور المرأة.. تعتقد السينما قاتل أم قتيل؟
>> يمكن تقسيم السينما لمرحلتين.. الأولى:-
اهتمت بقضايا ثقافية وانسانية وانصفت المرأة وناقشت قضاياها في وقت صعب..فاتن حمامة في أريد حلًا..في الوقت التي كانت فيه البنت تأخذ مؤهلها وتجلس في البيت انتظارًا "للعدل" لا تستطيع إعلان رغبتها في العمل في مهنة حرة بعيدًا عن الوظيفة الحكومية المعتادة.. البنت التي تعثرت في البداية ثم تفوقت على الرجل.
المرحلة الثانية:-
تحولت فيها السينما إلى سينما تجارية بدأت تستغل المرأة وتركز على جسدها أكثر من قضاياها الإجتماعية.
ولذلك في ظني إن الدولة حينما سلخت يدها تحول الأمر أن تصبح المرأة مجرد وردة في عروة جاكتة الفيلم.
هذا لا يعني بالطبع عدم وجود أفلام حاليًا تناقش قضايا المرأة بطريقة جادة..مثلًا إلهام شاهين الفنانة المثقفة التي تنتج أفلام قوية عن المرأة وقضاياها.
يسترسل بمحبة: الفنان الذي يغامر اليوم بوضع تحويشة عمره في إنتاج فيلم هادف جاد دون حسابات تجارية لابد أن يكون الفن مخلوط بدمه..ينجح في التاريخ السينمائي حتى لو لم يحصد أموالًا.
> من أقرب فنانة لقلبك لعبت دور الأم في السينما ؟
>> - فاتن حمامة في امبراطورية ميم .. وكريمة مختار من أكثر الفنانات التي مثلت دور الأم بعبقرية..تمثيلها ولهفة مشاعرها طبيعية..رد فعلها ووجودها بين أبنائها وخاصة دورها في ماما نونة.
وعلى ضي طيبة ملامحها في الصورة الكبيرة المعلقة بتأني على حائط مكتبه الأنيق سألته عن تأثير والدته في حياته:
- ولدتني أمي وهى في سن الثانية والأربعين؛كنت وحيد لإن أخي استشهد،واخوتي البنات توفى إثنتين منهن وتبقت واحدة الفارق بيننا كان كبيرًا فقد تزوجت هى وأنا في الصف الرابع الإبتدائي.. وبقيت أنا مع أمي وأبي في وصلة حنان لم تنقطع من الأب للأم ومن الأم للإبن .. كنت كلما كبرت سنة واحتجت لها أدركت أنها أيضًا تكبر سنة وستحتاج لي أكثر؛ فتظل دائرة الحنان نابضة بيننا لا تنقطع أبدًا.
المحامي مثل كاتب السيناريو والمخرج
> هل أساءت السينما لشخصية المحامي ؟
>> - لا.. أنا ضد أن يعتقد أحد أن فيلم ما أساء لسمعة المحامين أو أساتذة الجامعة أو لأى مهنة؛لأن السينما ترصد واقع للتنبيه له ولإصلاحه وليس المطلوب منها أن "تمسك سبحة وتقول إن المجتمع زى الفل!.
المحامي السيىء فيه منه كتير وأيضًا الجيد في منه أكثر؛ولذلك السينما تعرض صورة غير مألوفة للعين والذهن والوجدان لوضع ظلال التنبيه في مربع رؤيتنا للشخصية.
مدى تأثير الفن والأدب على مهنتك كمحامي؟
-الرواية والقصة والفن بشكل عام من أهم أدوات نجاح المحامي في عمله.
بشغف تلميذة تستمتع بتفاصيل أفكار معلمها المفضل طالبته بالتوضيح فأسترسل بود:
- كلما قرأ المحامي في الأدب وتذوق الفن ونمى قدرته التعبيريه كلما كان أنجح..القانون سهل مجرد نصوص كلنا نستطيع قراءتها "مش لوغاريتم" الفارق هنا هو كيف تفهم النص وتتعامل مع الواقعة.. السينما ترسم المشهد والمحامي مثل كاتب السيناريو والمخرج؛حينما تأتيه القضية يرسم لها صورة أقرب للفيلم السينمائي..يشبك الوقائع عن طريق الورق ويقدمه للقاضي.. المحامي الشاطر هو اللي تشبيكه للأحداث صح.
العبقري وحيد حامد في طيور الظلام كان نظيم شعرواي محامي كبير جدا وفي قضية تشغل الرأي العام استعان بالمحامي الصغير الغير معروف عادل إمام..أعطاه ملف كبير فعاد له ليعطيه ورقة صغيرة جدًا وقال له"القضية اهه وشوية حبشتكنات من اللي بتقولهم كده هتكسب القضية" –قالها وهو يقطع جزء صغير من الورقة الكبيرة التي أمسك بها ويمدها لي بتلقائية وهو يحكي المشهد-
عمل المحامي الشاطر هو القدرة على التكيف والوصول للتفاصيل ونقلها؛علاج المرض وليس العرض؛ولذلك المحامي "الخيبان "حين يشعر بأنه سيخسر القضية يملىء الملف بالورق لكن الشاطر يقدم ورقة ونص.
> رأيك في إستخدام القانون كأداة ضد الإبداع ؟
>>- ا أنا ضد القضايا التي ترفع على الأفلام.. الإبداع لا يمكن أن يُقمع بالقانون؛القانون يحمي الإبداع ولذلك التسلط على المبدعين؛نوع من الهوس بسجن الفنانين والمفكرين.. كل الجرائم التي يحتويها القانون هى جرائم شاذة واستنائية؛الدين أقوى واهم من انه يحمى بقانون اذا كان القران حاور من طعن في صحة الرسالة الرسول نفسه كان يعفو ويرد، والقرآن يرد ويناقش كل من خالفوه.
حينما تسجن شخص لفكره ورأيه سيتطرف أكثر في رده ولذلك يمكنك أن ترد عليه بالوعي والفن..في ظني كل هذة الجرائم التي تحارب الفكر والرأى أى إن كان الزاوية التي تنطلق منها؛ تخالف نص الدستور الذي أُطلق وحمى حرية الإبداع.
أنا "دمعتي" قريبة جدًا..
> برأيك كيف جسدت السينما دور أستاذ الجامعة والحرم الجامعي بشكل عام؟
>> - ليس مطلوبًا من الفن أنه يمجد شخصية، هناك أستاذ الجامعة الصادق وهناك المنحرف المستغل للطلبة وهذا أمر طبيعي.. في فترة من الفترات استخدم الفن المصري للتخفيف من نكبات قومية .. الدكتور مجدي يعقوب يقول أن الحزن يجعل القلب ينفجر وحالة الحزن التي عاشها المصريون أعقاب هزيمة 67 كانت تتطلب نوعية خفيفة من الأفلام التي ترفه عنهم.
نوعية الأفلام التي يفضلها دكتور جابر؟
> - أنا "دمعتي" قريبة جدًا.. حتى في الأفلام القديمة التي شاهدتها خمسين مرة!.
>> - أفضل الأفلام التي تقدم قضايا اجتماعية وانسانية..الأفلام القديمة بشكل عام تستهويني خاصة التي تحوي قصة جادة وتجلب السعادة..التراث العظيم لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس .. والأفلام الغنائية لمحمد فوزي وخلي بالك من زوزو تلك النوعية التي مات أصحابها لكنها لم تزل حية.
> - هل عبرت السينما عن ثورة يناير و30 يونيو؟
>> - لا أعنقد لم يزل هناك استقطاب "ناس مع وناس ضد "و إلى أن تهدأ تلك الحالة ..ستظهر أفلام جيدة .
ما بني على باطل قد يكون صحيحًا!
> هل تشاهد الأفلام التي تحوي مشاهد قانونية كمحامي أم كمتفرج؟
>> - من المفترض أخذ رأى رجال القانون في بعض المشاهد..مثلًا من الأخطاء الشائعة السائدة في الأفلام المصرية أن ما بني على باطل فهو باطل.. غير صحيح فما بني على باطل قد يكون صحيحًا ؛ القرار قد يصدر باطل وبعد فوات 60 يوم يتحصن ويصبح صحيحًا وولد آثارًا صحيحة!.
> هل من الممكن أن تقدم حياة دكتور نصار كعمل فني؟
>> - أنا رجل مصري عادي بسيط ؛لكني أفكر بتجسيد التجربة في كتاب يكون توثيقًا لها بين الناس.