[31]
(عَنْ الموت اختياراً)
يتبع هذا القسم القسمَ السابق بشكل مناسب، فمع معاملته للطفل على أنّه نُصُب تذكاري حَيّ ((ذلك الواحد الذي يتجاوز ذينَكَ اللذين أنجَبَاه))، و"الثنائية" التي تعني الانطباع الذي يتركه الزوجين على المستقبل. يجب أن يكون موت المرء نُصباً تذكارياً أيضاً، ومهرجاناً احتفالياً: احتفالاً بالحياة، وإنجازاتها، والأثر المستمر والدائم لتلك الإنجازات. ويشير المترجم علي مصباح في هامش تعليقه على القسم أنّ نيتشه لم يكُن بداعية إلى الموت ونبذ الحياة، بل كان يدعو "للتغلّب على الذات" و"تجاوز الذات"، وهذه الدعوة تتردّد كثيراً على لسان زرادشت من أجل العبور إلى مرتبة الإنسان الأعلى. يذكر الأستاذ المترجم شَذَرَة من كنشات ربيع عام 1884 تلخّص مسألة "الموت الطوعي" كالآتي: ((الموت. لابدّ من قلب الظاهرة البيولوجية التافهة إلى ضرورة أخلاقية. أن يحيا المرء على نحوٍ يجعله يمتلك إرادة موته في الوقت المناسب)).
وكما أنّ معنى الحياة البشرية _أو كما يجب أن يكون_ هو "معنى الأرض"، كذلك يجب أن يكون معنى الموت أيضاً. يجي اعتبار موت المرء كجزء من مهمّة واستراتيجية التغلّب على الإنسان وتجاوزه: ((مَنْ كان لديه غاية ووريث، ذاك سيريد موته في الوقت المناسب لغايته ووريثه)). أن تموت مبكّراً، أو متأخّراً جداً، يشير إلى موت غير طوعي لأنّه نهاية حياة لم تحرّر نفسها من العقائد التقييمية المختلفة التي سكنت ضميرها، حياة لم تكتمل بالحياة ببساطة شديدة. يتضمّن القسم تصنيفاً للوفيات، بما في ذلك مجموعة من الاختلافات في استعارات النضوج: لا تَنضَجْ أبداً، أو تَنضَج مبكّراً، أو تتعفّن أو تتعلَّق على الغُصن لفترة طويلة. (يرغب زرادشت في "عاصفة" من "دُعاة الموت السريع").
يناقش زرادشت صراحَةً حياة يسوع كشكل من أشكال المفارقات التاريخية، متذمّراً من كونه مات صغيراً وشاباً يافعاً قبل أن يقضي في البرية وقتاً كافياً: ((لقد مات مبكّراً جداً ذاك العبراني الذي يمجّده الداعون إلى الموت البطيء: ومنذئذٍ غدا ذلك بالنسبة للكثيرين قَدَرَاً محتوماً أن ماتَ في سِنٍ مبكّرة... لو أنّه ظَلّ في الصحراء بعيداً عن اهل الصلاح والعَدل! لَعَلَّه كان سيتعلّم كيف يحيا وكيف يُحِبُّ الأرض والضحكَ إضافةً إلى ذلك)). يؤكّد زرادشت أنّه ((كان نبيلاً بما فيه الكفاية كي يَقوَى على النقض والتراجع)). لكنّه لم ينضَج بعد. (ينبغي على المرء أن يقارن هذه المناقشة الموجَزَة ليسوع مع تلك الواردة في كتاب "ضدّ المسيح").
ينتهي القسم بشكل مثير للفضول. فبعد مَدح الموت "في الوقت المناسب"، طلب زرادشت الصَّفحَ عن بقاءه "لفترة أطول قليلاً على الأرض". هل هو في مهدّد أن يصبح مثل فَتّالي الحبال؟ أم أنه يشعر أنّ "النصب التذكاري الحي" لتلاميذه لم يجهَز بعد؟
يزداد هذا الغموض توتّراً لاحقاً في القسم التالي، حين يرحل زرادشت تاركاً تلاميذه.
إبراهيم قيس جركس 2020
(عَنْ الموت اختياراً)
يتبع هذا القسم القسمَ السابق بشكل مناسب، فمع معاملته للطفل على أنّه نُصُب تذكاري حَيّ ((ذلك الواحد الذي يتجاوز ذينَكَ اللذين أنجَبَاه))، و"الثنائية" التي تعني الانطباع الذي يتركه الزوجين على المستقبل. يجب أن يكون موت المرء نُصباً تذكارياً أيضاً، ومهرجاناً احتفالياً: احتفالاً بالحياة، وإنجازاتها، والأثر المستمر والدائم لتلك الإنجازات. ويشير المترجم علي مصباح في هامش تعليقه على القسم أنّ نيتشه لم يكُن بداعية إلى الموت ونبذ الحياة، بل كان يدعو "للتغلّب على الذات" و"تجاوز الذات"، وهذه الدعوة تتردّد كثيراً على لسان زرادشت من أجل العبور إلى مرتبة الإنسان الأعلى. يذكر الأستاذ المترجم شَذَرَة من كنشات ربيع عام 1884 تلخّص مسألة "الموت الطوعي" كالآتي: ((الموت. لابدّ من قلب الظاهرة البيولوجية التافهة إلى ضرورة أخلاقية. أن يحيا المرء على نحوٍ يجعله يمتلك إرادة موته في الوقت المناسب)).
وكما أنّ معنى الحياة البشرية _أو كما يجب أن يكون_ هو "معنى الأرض"، كذلك يجب أن يكون معنى الموت أيضاً. يجي اعتبار موت المرء كجزء من مهمّة واستراتيجية التغلّب على الإنسان وتجاوزه: ((مَنْ كان لديه غاية ووريث، ذاك سيريد موته في الوقت المناسب لغايته ووريثه)). أن تموت مبكّراً، أو متأخّراً جداً، يشير إلى موت غير طوعي لأنّه نهاية حياة لم تحرّر نفسها من العقائد التقييمية المختلفة التي سكنت ضميرها، حياة لم تكتمل بالحياة ببساطة شديدة. يتضمّن القسم تصنيفاً للوفيات، بما في ذلك مجموعة من الاختلافات في استعارات النضوج: لا تَنضَجْ أبداً، أو تَنضَج مبكّراً، أو تتعفّن أو تتعلَّق على الغُصن لفترة طويلة. (يرغب زرادشت في "عاصفة" من "دُعاة الموت السريع").
يناقش زرادشت صراحَةً حياة يسوع كشكل من أشكال المفارقات التاريخية، متذمّراً من كونه مات صغيراً وشاباً يافعاً قبل أن يقضي في البرية وقتاً كافياً: ((لقد مات مبكّراً جداً ذاك العبراني الذي يمجّده الداعون إلى الموت البطيء: ومنذئذٍ غدا ذلك بالنسبة للكثيرين قَدَرَاً محتوماً أن ماتَ في سِنٍ مبكّرة... لو أنّه ظَلّ في الصحراء بعيداً عن اهل الصلاح والعَدل! لَعَلَّه كان سيتعلّم كيف يحيا وكيف يُحِبُّ الأرض والضحكَ إضافةً إلى ذلك)). يؤكّد زرادشت أنّه ((كان نبيلاً بما فيه الكفاية كي يَقوَى على النقض والتراجع)). لكنّه لم ينضَج بعد. (ينبغي على المرء أن يقارن هذه المناقشة الموجَزَة ليسوع مع تلك الواردة في كتاب "ضدّ المسيح").
ينتهي القسم بشكل مثير للفضول. فبعد مَدح الموت "في الوقت المناسب"، طلب زرادشت الصَّفحَ عن بقاءه "لفترة أطول قليلاً على الأرض". هل هو في مهدّد أن يصبح مثل فَتّالي الحبال؟ أم أنه يشعر أنّ "النصب التذكاري الحي" لتلاميذه لم يجهَز بعد؟
يزداد هذا الغموض توتّراً لاحقاً في القسم التالي، حين يرحل زرادشت تاركاً تلاميذه.
إبراهيم قيس جركس 2020