إهداء:
إلى كل محبي السلام ، وكل من سعى يوماّ إلى سلام ممكن ، يحقن الدماء بين الشعبين الفلسطيني
والإسرائيلي ، وأي شعوب في العالم .
فاتحة :
ليس من غايات هذه الرواية ، الإساءة إلى الإله " يهوه " أو أي إله آخرمهما كان . إن من غاياتها ،الدفاع عن الإله يهوه ، وعن مفهوم الألوهة بشكل عام - التي يفترض أنها لا تحمل ، إلا أسمى آيات المحبة والخير والعدل والجمال ، وتنزه نفسها عن كل نزعات الشر والانتقام والعذاب والعنصرية والعدوانية مهما كانت ، وتسعى إلى إقامة حضارة إنسانية ، يتمتع فيها الإنسان بأكبر قدر من السعادة والمحبّة - أمام نصوص نسبت إلى آلهة ، أنتجتها عقول بشرية تنتمي إلى ثقافة بدائية ، لم تكن قادرة على فهم الألوهة ، والغايات التي ينشدها الخالق من الوجود والخلق .
محمود شاهين .
15 /4 / 2018
(1)
* عارف نذير الحق يلتقي خصمه !
كان في مقدوري أن أقتل عدوي، غير أنني لم أفعل. وآمل أن لا يقدم على قتلي ذات يوم . كنت أمارس رياضة المشي شبه اليومية في بطاح برّيّة القدس التي شهدت طفولتي، وراحت مستوطنات الإحتلال تقضمها شيئا فشيئا ، على مرأى من أنظارنا وأنظار العالم ، دون أن تفلح احتجاجاتنا في الحد منها أو التوقف عن بنائها .. كنت سائرا في منعطفات وادي الدكاكين الذي شهد الكثير من وقائع طفولتي الرعوية ، حين رأيت على مسافة أمتار أمامي قدمين بنعلين رياضيين تبرزان من جانب حائط صخري . توقفت "لا شك أنه الصياد الذي اعتاد أن يأتي من المستوطنة القريبة. سمعت بعض طلقاته هذا اليوم خلال تجوالي" وقد اعتاد الصيد في هذه المنطقة منذ أكثر من عام، ورغم تجوالي الكثير فيها لم أحاول أن ألتقيه ، لتخوفي من اقدامه على قتلي. لذلك كنت حريصا على الإبتعاد قدرالإمكان عن المنطقة التي يصطاد فيها ، فلا أريد أن أكون صيدا ثمينا على قائمة طرائده . هذا اليوم جرى معي ما لم أعتده ، فقد اقتربت أكثر من أي يوم آخر من منطقة صيده ، دون أن افكر في أنني سألتقيه .
بقيت مترددا للحظات بين متابعة سيري أو التراجع . ولا أعرف كيف واتتني الشجاعة لأن أتقدم ببطء، متحاشيا أن تطأ قدماي حصباء الوادي حتى لا أحدث صوتا. دنوت بضع خطوات ..انكشفت ساقا الرجل أمامي وإلى جانبهما بدت سبطانتا بندقية الصيد " يبدو أنه نائم، وقد تمدد إلى جانب الحائط بالطول لأن ظله كان طوليا أكثر مما هو عرضي. تقدمت ببطء شديد . انكشفت قامة الرجل كلها أمامي، وقد وضح لي أنه يغط في نوم عميق، بعد عناء السعي خلف الطرائد . ثمة بعض طيورالحجل إلى جانب جثة ثعلب مما اصطاده . اقتربت ببطء إلى أن أصبحت البندقية في متناول يدي. مددت يدي بهدوء وأخذتها . جلست على حجرصغير على مسافة تقل عن المترين منه . تأملت البندقية . إنها من النوع القديم ذي السبطانتين الذي يمكنني استخدامه . لم تراودني فكرة قتله، لأنني ضد القتل من حيث المبدأ، وربما لإحساسي أن قتله لن يحل المشكلة ، فهي مشكلة وطن بكامله، وليست مشكلة شخصية معي، ولو كان الأمر كذلك لربما قتلته وانتهى الأمر. عالجت سبطانتي البندقية لأتأكد من أنها محشوة .كانت كذلك .أحدثت العملية صوتا أيقظه .. فتح عينيه فزعا ونظر نحوي لينتفض جالسا بنصف قامته على مؤخرته وساقيه . هيّأت البندقية ووجهت وضع سبطانتيها نحوه وأنا أضع اصبعين على الزنادين :
- لا تخف ! لكن أية حركة غير عادية سأضطر إلى اطلاق النار عليك .
قلت ذلك بعبرية ركيكة .
راح يستعيد وعيه كما يبدو في محاولة لمعرفة ماذا يجري، وما لبث أن هتف بالعربية:
- من أنت ؟
- أنا عدوك، ومن يشاركك التجوال في هذه البطاح !
- لماذا لم تقتلني؟
- لو أعرف أن قتلك يحل المشكلة لقتلتك ! وقد أقتلك يوما ما حين أصبح على يقين مطلق من أن مشكلتي كفلسطيني لن تحل دون قتلك !
- ولم تصل بعد إلى هذا اليقين ؟
- الظروف هي من حوّلني وحوّل قومي عن هذا اليقين بعد أن كان قائما ولو بحدود لبضعة عقود .
بدا لي أنه يفهم أبعاد كلامي جيدا . هتف:
- وهل تعتقد أن هذا اليقين سيعود إليكم ؟
- أفعالكم كمحتلين لا تشير إلا إلى ذلك رغم اوسلو وكل ما وقعتم عليه من اتفاقيات . أنتم تدفعوننا إلى اتخاذ القرار الصعب ، إما وجودكم وإما وجودنا ! لا مجال لوجودين حسب ما يجري على أرض الواقع من قبلكم . لقد تنازل الفلسطينيون لكم عمّا هو أكثرمن الممكن من وطنهم ، ومع ذلك لم تقبلوا ، وجعلتم من اوسلو مجرد قاعدة وهمية لإدارة صراع لا لإنهائه .
- أعتقد أن كلامك صحيح ، فنحن ندير صراعا بالحد الأدنى من الخسائر. فمن يدير صراعا على قاعدة السلام ليس كمن يدير صراعا على قاعدة الحرب. لكن إذا ما تطلب الأمر أن نبيدكم عن آخركم يوما ما فلن نتوانى عن ذلك ، رغم أن موقفي الشخصي قد لا يتفق مع هذا الطرح الإسرائيلي المتطرّف !
- لكن إن أبدتمونا فلن تستطيعوا إبادة العرب والمسلمين وأحرار العالم ، وستبقون معزولين ومحتقرين أمام البشرية جمعاء . فهل ترضى أن يعيش أبناؤك وأحفادك تحت وطأة هذا الكره الشديد لهم . أقول هذا دون التطرق إلى ما يمكن أن نوقعه نحن بكم قبل إبادتنا. فلسنا على هذا القدر من ليونة العظام كما تعلم ، وليس من السهل كسر عظامنا، وستعانون الأمرين قبل أن تبيدونا !
راح عدوي يضحك وما لبث أن توقف فجأة عن الضحك ليهتف وكأنني لامست بعض ما هو دفين في دخيلته عن المستقبل .
- ما الحل حسب رأيك ؟
- على المدى البعيد هناك حل واحد لا غير، دولة ديمقراطية علمانية للجميع ، فشعب جنوب افريقيا ليس أكثر تحضّرا وتطورا منا ومنكم . لقد سبق لي وأن خاطبت مثقفيكم وجنرالاتكم وقياداتكم بذلك ، في رسالة نشرتها في مواقع كثيرة على الشبكة العنكبوتية . مسألة قتلكم أو رميكم في البحر لم تعد مطروقة . ولو فكرتم بجديّة وبعقليّة مسالمة لقبّلتم أيدي من سعى إلى إقامة سلام معكم ، بدءا من ياسر عرفات وأبي مازن إلى أصغر قائد فلسطيني .
هتف بعد برهة تفكير في ما قلته :
- وماذا على المدى القريب ؟
- لا بد من إقامة دولة فلسطينية على أراضي ما قبل الخامس من حزيران 1967 حسب اوسلو.
عاد عدوي إلى الضحك لكن باستهزاء وسخرية هذه المرة .
- هذه أرضنا وأرض أجدادنا منذ ثلاثة آلاف عام ونيف ، وليس فيها متسع إلا لنا ، ولنا وحدنا ، إنها الأرض التي منحها الله لنا ، وستظل لنا مدى الحياة .
أنا من ابتسم بسخرية هذه المرّة وأنا أتساءل:
- أي إله هذا الذي يمنح أرضا لشعب دون غيره من شعوب الأرض ؟
- إلهنا العظيم يهوه !
- ألا ترى أن إلهك هذا إله عنصري، حسب ما صوّره عقل بدائي، إذا ما افترضنا وجوده وحقيقة ما وهبه لكم ؟ أنتم لستم أكثر من كيان غريب قرر المستعمرون زرعه في المنطقة العربية، منذ أوائل القرن الماضي، للإبقاء على حالة توتر دائمة فيها، حتى لا تنهض وتسير بركب الحضارة الإنسانية ، فهي تسيطر أو تطل بأراضيها الشاسعة على أهم السواحل في العالم، وعلى أهم الشرايين المفصلية للكرة الأرضية، من مضيقي هرمز وباب المندب وقناة السويس، إلى مضيق جبل طارق، إضافة إلى ثراء أرضها بالمواد المختلفة ، وامتدادها على أراض لقارتين.
- ما يهمني هو منح الأرض لنا ، ولا يهمني أمر عنصرية الله إن كان عنصريا ، كما لا يهمني أمر وجود آلهة ودول أخرى ساعدت على قيام دولتنا . ما يهمني هو أمرنا وإلهنا ومنحه الأرض لنا ، وإذا لم يكن له وجود، سأظل مؤمنا بوجوده لهذا السبب دون غيره ، فأمر تفضيلي على البشرية أمر يستحق الإيمان بهذا الإله حتى لو لم يكن له أي وجود !
- إذن أنت غير متدين ؟!
- إلى حد ما غير متدين ، فأنا لا آبه بالطقوس والصلوات ..
خطر لي أن أسأله عن أصله ، فلغته العربية تبدو جيدة:
- من أي بلاد هاجرت اسرتك إلى هنا .
لم أفاجأ حين هتف قائلا :
- من العراق ، ومن بغداد تحديدا، وقد حرص أبي على أن يعلّمنا اللغة العربية بناء على رغبة أبيه، كل أفراد اسرتنا يجيدون العربية .
- إذن أنتم من أتباع الإله مردوخ قديما ، وترك أجدادك عبادته ليتبعوا فيما بعد عبادة إله متوهم أسموه يهوه، فصّلوه على مقاسهم، وعزوا قصة الخلق البابلية إليه بسرقتها كما هي إلى حد كبير ! يا رجل هل هناك انسان عاقل يتخلى عن عبادة مردوخ العظيم ليتبع عبادة يهوه ؟ يهوه الذي لم يسلم حتى اليهود من شرّه ، ولا يكاد يمر عام دون أن ينزل بهم المصائب ، رغم أنهم شعبه المختار حسبما يقول كتبة التوراة .
بدا أن الرجل تفاجأ بما لم يفهمه من كلامي .
- من هو مردوخ هذا الذي فاجأتني به . أذكر أن أبي كان يتفاخر بكونه عراقيا، ينتمي إلى حضارة ضاربة الجذور في أعماق التاريخ، أكثر مما ينتمي إلى حضارة يهووية وهمية مختلقه، وإله لم يقتنع يوما بوجوده ؟!
- كان أبوك على حق ، فمردوخ هوكبير الآلهة البابليين، الذي خلق السموات والأرض بأن أقدم على شطر جسد جدته الإلهة تيامات إلى نصفين ، جعل من النصف العلوي سماء ومن النصف السفلي أرضا ، ثم أقدم على خلق الإنسان من التراب بأن عجنه بدمه . فأنا وأنت والبشرية كلها تجري فيها دماء مردوخ الذي خلقها بدمه ! فأين يهوه من هذا الخالق الذي يخلق الإنسان بدمه .
- بدا الرجل في غاية الدهشة لما سمعه مني! تساءل فيما كنت أرفع اصبعي الوسطى عن الزناد الثاني، وأبقي على السبابة على الزناد الأول. تنبه للأمر.
- هل بدأت تطمئن إلى أنني لن أقدم على شيء ، طالما أنت متمسك ببندقيتي؟
- لا لم أطمئن ، وليس ثمة فرق كبير لدي بين أن أقتلك بطلقة أو بطلقتين . ورفع اصبعي عن أحد الزنادين لا يعني أنني لن أستخدم الآخر إذا ما دعت الضرورة .
- هل تخبرني كيف سرق الأجداد اليهود قصة الخلق البابلية وعزوها إلى إلههم يهوة ؟
- هل لديك استعداد لأن تسمعني جيدا ؟
- أكيد لدي وإلا لما طلبت منك .
- في الحقيقة إنّ التوراة مأخوذة من تراث المنطقة كلّه وليس البابلي وحده. حسب ملحمة الخلق البابلية ( الإينوما إيلتش) التي تعتبر بدورها تطورا لملاحم الخلق السومرية، التي يخلق فيها الإنسان من جسد إلهي ، ثمة تطابق شبه تام في أيام التكوين البابلية ونظيرتها التوراتية ، فعملية الخلق تتم في ستة أيام في التكوينين. ففي اليوم الأول في الإينوما إيلتش، يكون العماء الأول " تعامة أو تيامات " الماء المالح، وزوجها( ابسو) الماء الحلو، يحيط بهما ظلام . وفي سفر التكوين التوراتي يغلف الظلام المياه الأولى وروح الرب يرف فوق المياه. ولا يختلف الأمر في الأيام اللاحقة لعملية الخلق حيث يتم خلق السماء والأرض والكواكب ، إلى أن يتم خلق الإنسان في اليوم السادس .في اليوم السابع ، مردوخ ينتهي من الخلق والآلهة تحتفل به في التكوين البابلي ، ويهوه يستريح من الخلق في التكوين التوراتي. فما الجديد الذي جاء به كتبة التوراة من عزرا إلى أخر كاتب توراتي ؟! وهذا النص يسبق النص التوراتي بما يقرب من ثلاثمئة وألف عام . ويسبق ولادة النبي موسى نفسه بما يقرب من خمسة قرون. وقد حدد الباحثون زمن كتابته في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ورأوا أن أصوله تعود إلى مصادر موغلة في القدم تشير إلى بدايات الحضارة السومرية حوالي أربعة آلاف عام قبل الميلاد ، بينما لم تكتب التوراة إلا في وقت متأخربعد عودة اليهود من السبي البابلي ( 586 قبل الميلاد) على يد الفارسي قورش الذي هزم بابل وأعاد اليهود إلى اورشليم . أي بعد حوالي 1300 سنة من كتابة الإينوما إيلتش. وقد كتبت في حقب متفاوتة تجاوزت ثلاثة قرون ، وطرأ تغييرات عليها في قرون وعهود لاحقة . والسبي البابلي حسب الأبحاث الحديثة حدث في اليمن وليس في فلسطين ، وعودة اليهود من هذا السبي كانت إلى اورشليم اليمنية ،إذ لم يكن هناك اورشليم في فلسطين، كان هناك مدينة اسمها يبوس أصبحت فيما بعد اورسالم أي مدينة السلام ، وطرأ عليها أسماء أخرى حسب العهود التي عاصرتها، وكان اسمها إيلياء عند الفتح الإسلامي. فاليهودية نشأت في اليمن وليس في فلسطين، حسب معظم الأبحاث والحفريات الآثارية الحديثة، التي لم تعثر على أي تراث لليهود في فلسطين، بما في ذلك مملكتي داود وسليمان والهيكل المزعوم . وإذا كنت لا تصدق ابحث عمّا قاله علماء الآثار لديكم، بدءاً من كبيرهم اسرائيل فلنكشتاين ، مرورا بزائيف هرتسوغ، وانتهاء بمائير بن دوف!
بدا الرجل غير مصدق لما قلته له . تساءل :
- لكن كيف عرف أجدادنا اللغة البابلية ونقلوا قصة التكوين ؟
أطرق الرجل متفكرا للحظات ، ثم طلب إلي أن أسمح له بإشعال سيجارة من علبة سجاير كانت مطروحة إلى جانبه . سمحت له ، وأنا أرقب حركاته بحذر. سألني إن كنت أرغب في سيجاره . شكرته مشيرا إلى أنني أحاول أن لا أدخن خلال تجوالي ، وأحاول أن أقلل من التدخين في شيخوختي .
أشعل سيجارة وسحب منها نفسا عميقا ، فيما كان أحدنا يتأمل وجه الآخر، بدا لي أنه في عمري ، أي في حدود الثالثة والستين أو أكثر قليلا ، غيرأنه كان محافظا على لياقته البدنية أكثر مني . تساءل وهو ينفث دخان النفس الثاني من فمه ومنخريه:
- هل تهتم بالتاريخ ؟
- أجل أنا كاتب وأهتم بالتاريخ ، وبشكل خاص تاريخ العقائد والديانات والأساطير وتطورها .
- أمر مؤسف أنني لا أهتم، وإن كنت أرغب في ذلك غير أنني لم أسعَ إليه، حتى انني لم أقرأ إلا بعض فصول التوراة دون التعمق فيها ، والأمر نفسه ينطبق على التلمود. أمضيت عمري في العمل في التمديدات الصحية والكهربائية إلى أن تقاعدت . يمكنني القول أن ثقافتي محدودة في ما هو خارج عملي . نشأت على أن هذه الأرض أرضي منذ القدم ، وهذا ما ننشئ أجيالنا عليه، بحيث يتبعوننا دون أن يفكروا في الأمر وتاريختيه ومدى صدقه وحقيقته أوخرافيته !
رحت أضحك وأنا أهتف :
- قصتكم تشبه قصة القرود الخمسة، التي لم يجد لاحقها إلا أن يقلد سابقها، دون أن يدري لماذا يفعل ذلك !
- وما هي هذه القصة ؟
- هي قصة تتعلق بتجارب علماء الإجتماع لمعرفة واقع المجتمعات البشرية . أحضر أحدهم خمسة قرود ووضعها في قفص ، وعلّق في القفص قطفا من الموز وضع تحته سلّما ، وحين يصعد أحد القرود السلم ويقترب من قطف الموز ليلامسه، ينهمر رشاش من الماء البارد على الأربعة الباقين لإرعابهم . وحين يحاول قرد آخر الصعود إلى قطف الموز تتكرر العملية برش الماء البارد على الباقين . وبعد تكرار العملية من قرد ثالث ، يلجأ القردة إلى منع أي قرد من صعود السلم إلى الموز . وحين تم إخراج أحد القرود ووضع قردا بدلا منه لم يرعملية الرش من قبل ، وحاول أن يصعد السلم، وجد القردة تهب لمنعه دون أن يعرف لماذا، وحين حاول ثانية ، انهال الآخرون عليه بالضرب ، وحين أخرج للمرة الثانية قرد ثان من القردة التي تعرف عقاب الصعود وجيء بجديد ، حاول أن يصعد السلم فانهال الأربعة الآخرون عليه، بما فيهم القرد الدخيل الأول الذي لا يعرف السر، وراء مسألة الصعود إلى قطف الموز . تتكرر المسألة مع قرد ثالث ورابع وخامس ، ليصبح هناك خمسة قرود من الجيل الثاني لا تعرف سر الخوف من وراء صعود السلم إلى قطف الموز ، وإذا ما دخل وافد جديد وحاول كالآخرين، انهال الآخرون عليه بالضرب، حتى أصبح الأمر تقليدا تتبعه القرود كلها دون أن تعرف السر !
ضحك عدوي الذي لم يصبح عديقا بعد وهو يتساءل :
- وهل نحن الآن قطف الموز الذي تهاب القرود الصعود إليه ؟!
- أجل ! قطف الموز هو كيانكم الذي يمنع مسّه بسوء أو الإقتراب منه ، وما أنتم إلا الجيل الثاني من القرود الذي يتصدى لكل من لا يعترف بهذا الكيان ،ولا يعترف بأي وجود تاريخي لبني اسرائيل في فلسطين، ولا بأية حقوق لهم فيها ! جيل يحارب ويقتل ويشرد شعبا استنادا إلى وهم لا يعرف حقيقته . وهم أقيم على اكبر كذبة في التاريخ لا تريدون أن تعرفوها . مع أن الغاية من إقامة كيانكم لا تمت بأية صلة لهذه الكذبة، ولا لأي خرافات وأساطير دينية !
- لكن حتى لوكانت كذبه فهي كذبة جميلة، أوجدت لنا وطنا جميلا بعد أن كنّا مشردين ومضطهدين ومكروهين، في معظم أنحاء العالم . وتستحق أن نحيلها إلى حقيقة قابلة للتصديق!
- لستم وحدكم من أنجح الكذبة ، الذي أنجحها هو من أراد أن يتخلص من وجودكم من ناحية، ويجعل منكم بؤرة للتوتر والهيمنة من ناحية أخرى، فوعدكم بالمساعدة لإقامة وطن قومي لكم في فلسطين ، وسهل لكم الهجرة إليها من بلدان العالم، قبل أن تتمكنوا بوسائلكم من استجلاب اليهود بعد أن أصبحتم أقوياء ومتمكنين .
- رغم اعتقادي بحقيقة ما تقوله يا ..
- عارف ! اسمي عارف نذيرالحق !
- أنا اسمي يعقوب سليمان، أقول، رغم اعتقادي إلى حد ما بحقيقة ما تقوله يا عارف، إلا أنني لست مستعدا لأن أتخلى عن كذبة أوجدت لي وطنا ، حتى لو كانت هذه الكذبة، كذبة فعلا، ولا تحمل أي قدرمهما كان من الحقيقة !
- إذن ما الفائدة من عقد المؤتمرات والإتفاقات والتشدّق بالسلام ؟
- أنت قلتها بنفسك " إدارة الصراع على قاعدة السلام " وكما ترى نحن لم نتوقف عن أهدافنا منذ أن بدأت اتفاقيات السلام حتى اليوم . أي منذ قرابة ربع قرن . وها نحن نتوج جهودنا بتوسيع نفوذنا، بضم القدس وضواحيها وكل المستوطنات المحيطة بها إلى اسرائيل ، بعد أن اعترف ترامب الغالي بالقدس عاصمة لدولتنا ، وكل مناوشاتكم وتظاهراتكم وتظاهرات العالم وعدم اعترافه بقرار ترامب، لن تجدي أمام اصرارنا ، وحتى ما فعلته وتفعله معي هذا اليوم، سترى أنّه ليس أكثر من هراء لا يسمن ولا يغني من جوع !
- لا تحاول أن تستفزني يا يعقوب وبندقيتك موجهة إلى صدرك !
- أنا أقول الحقيقة مقابل ما ترى أنت أنه حقيقة مناقضة . وإن شئت الحق في ما يتعلق بوجودي أمامك ، وتحت ما تعتقد أنه رحمتك ، فأنا أظن أنك مخطئ تماما، فأنت لست قادرا على قتلي رغم وجود سلاحي بين يديك !
ولم أجد نفسي إلا وأنا أصرخ به ( يع..قوب ) ثم أبطأت صوتي إلى الحدود الدنيا، وقلت بكل ثقة في نفسي :
- قلت لك لا تحاول أن تستفزني وإلا .. وأقسم بشرفي أنني سأخردق جسدك بكل ما تحمله معك من طلقات خرطوش! لا تحاول أن تجعل من مشكلتك معي قضية شخصية تتعلق بي وبك فقط .
- لم أقل إلا الحقيقة حول سياستنا ..
- لكن ابتعد عن وضعنا الحالي ولا تحمّله أكثرمما يحتمل، قلت لك من البداية أنني لا أنوي قتلك ، ولو أدرك أنك لن تقتلني لأعدت بندقيتك إليك . فلقائي بك هذا اليوم كان صدفة ، وكنت دائما أتجنب ملاقاتك . وما فعلته هذا اليوم ليس لاختبار مدى شجاعتي أو جبني ، وإن كنت أظن ولو قليلا، أنني أميل إلى الحد الأدنى من الشجاعة، أكثر مما أميل إلى الحد الأعلى من الجبن ! وعندنا مثل يقول من لا يخاف لا يخوّف.
- هل هذا يعني أنك ستظل محتفظاً ببندقيتي.
- أجل ! إلى أن يأتي يوم أشعر فيه أنني قادرعلى الوثوق بك .
- ومتى يمكن أن يأتي هذا اليوم ؟
- ممكن أن يأتي قريبا ونكون عديقين !!
ضحك للكلمة التي لم يسمع بها من قبل . تساءل مستوضحا :
- ماذا تقصد بالضبط؟
- أقصد أن نكون عدوين في جلد صديقين أو العكس !
راح يضحك وهو يلمس أن الكلمة مشتقة من مفردتي العدو والصديق.
- على أية حال هذا أفضل من أن نكون أعداء فقط ، وهذه حال قد تشملنا جميعا كإسرائيليين وفلسطينيين . فنحن فعلا أعدقاء أو أننا نتظاهر بذلك ! أهلا يا عديقي عارف !
ومد يدا مفتوحة ليصافحني ، غير أنني لم أمد يدي. أعاد يده إلى جسمه . وهو يتساءل :
- لماذا لم تمد يدك ؟
- لأننا لم نصبح عديقين بعد ، نحن ما نزال أعداء !
وبعد برهة صمت ،هتف :
- يا لفضيحتي إذا ما عرفت زوجتي أن عربيا استولى على بندقيتي!
- ليس من الضروري أن تخبرها .. يمكنك أن تقول لها أنك تركتها مخبأة في منطقة الصيد، حتى لا تتعب بحملها عند قدومك للصيد.
- فكرة مقبولة وإن كنت أعتقد أن أحدا لن يصدقها لو سمع بها . آمل أن تصدق زوجتي ذلك.
*****
ألقيت نظرة على طيور الحجل القتيلة والثعلب المسكين وأنا أتساءل :
- ألا تشعر بالحزن لمقتل هذه الطيور الجميلة التي تزيّن بطاحنا ؟
فوجئ بسؤالي الذي لم يخطر بباله :
- الحزن ؟ بل أشعر بالمتعة كلما اصطدت طائرا أو أرنبا أو ثعلبا .. لحم هذه الطيور لذيذ جدا ، لم أصطد غير ثلاثة منها هذا اليوم ، لكنها تكفي لوجبة دسمة مع الأسرة في البيت . لأول مرة أصطاد الثعلب وآمل أن يكون لحمه شهيّاً ! ألا تحب الصيد أنت ؟
- بل أكرهه ! فأنا لا أتصوّر نفسي قاتلا لهذه الكائنات الجميلة ! ربما كنت كذلك في طفولتي وبعض شبابي ، حين لم أكن قادرا على التمييزالسليم بين ما هو فعل خيراني وآخر شرّاني !
- وكيف نميّت شعور الخير لديك، بحيث غدوت ترى حتى في الصيد فعلا شرّانياً ؟
- فعل الخير لا ينمو إلا بثقافة إنسانية ومعرفة خيرانية، وهذا ما لم ترق إليه معظم المجتمعات البشرية حتى اليوم. اكتسبت الشعور الخيراني بعشقي للمعرفة والتأمّل في الوجود والغاية منه . وليس نتيجة لثقافة مجتمعية بدائية متخلّفة ، بحيث أصبح لدي فلسفتي الخاصة لفهم كل شيء، والتصرّف إزاء كل شيء وفهمه .
- هل أفهم من هذا أنك لو اضطررت إلى قتلي لن تكون سعيدا بذلك ؟
- بل سأكون حزينا ، وربما حزينا جدا ! فأنا لا أتصور نفسي قاتلا مهما كان نوع ضحيّتي ! وكثيرا ما أتمنى بيني وبين نفسي أن أكون قتيلا لا قاتلا ، وأدعو إلهي أن تكون نهايتي كذلك إذا كان لا بدّ من ذلك !
ظلّ متفكرا للحظات في ما أقوله ، وقد أحسّ أنني أوغلت كثيرا في كشف أغوار نفسي له ، بما يتناقض مع انفعالي حين حاول أن يستفزني.
- لكنك بدوت عكس ذلك حين شعرت أنني أستفزك !
- ثمة ما هو دفين في دخيلتي من آلام وأحقاد تسببتم وتتسببون بها ، وإن أية محاولة مباشرة لإيقاظها قد تدفعني إلى ما أكرهه.. ألا ترى كم الأطفال والشباب الذين قتلتموهم أوجرحتموهم أو اعتقلتموهم منذ أن أعلن ترامب القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ؟! ضع نفسك مكاني أو مكان أي فلسطيني ، ألا ترى أن البركان الخامد في دخيلة أي منّا سيثور في أية لحظة استفزازية ، فما بالك إذا كانت هذه اللحظة موغلة في القتل والعدوانية الفظيعة . هل هناك محتل عاقل يعتقل طفلا في حدود السادسة من عمره ؟ هل رأيت أو سمعت عن احتلال يفعل أفعالكم ؟ وكل هذا ليس إلا غيض من فيض ، فعمر هذا الصراع طويل جدا ، فالحديث منه ينتمي إلى وعد بلفور، أي مائة عام ، أمّا القديم فيبدأ من زمن غزو أريحا بقيادة يوشع بن نون عام 1186 قبل الميلاد، حسب ما تذكره التوراة ، بغض النظر عن مدى صدق وتاريخية ما ترويه .
- يبدو لي أنك مُحق في كل ما تقوله يا عارف ، ويبدو لي أنني كنت في حاجة إلى رجل مثلك ليعرّفني بما لا أعرفه، وليرشدني إلى ما أتجاهله أو لا أدركه . هل بإمكاني أن أشعل سيجارة أخرى .
- بإمكانك أن تدخن دون اذن مني، وبإمكانك أن تصلح من وضع جلوسك إذا تريد .
شعر بقدر من الأمان معي . ثنى رجليه تحت فخذيه وأشعل سيجارة ، ثم وضع يديه على ركبتيه ، حدق بعيدا في السفح المقابل حيث كانت بعض الكهوف القديمة، التي كان يستخدمها مواطنو بلدتنا للسكن أو لتخزين غلال الأرض. وشعرت بدوري أنّه لن يقدم على ما يدفعني إلى استخدام البندقية . أزحت سبطانتيها عن مواجهة صدره، ومددتهما على عرض فخذيّ، مبعدا اصبعي عن الزناد، مبقيا يدي على مقربة منه .
شعر أنني بدأت اطمئن بعض الشي إليه . هتف وهو يحك عنقه :
- واضح أنك تحمل معرفة ثريّة أمضيت عمرك في تحصيلها ، مما أنتج لديك ثقافة انسانية واسعة الآفاق.
- آمل أن أكون كذلك . صحيح أنني أعرف عن هذه البلاد منذ أقدم عصورالتاريخ، حتى قطْن هذه الكهوف المواجهة لنا وحتى يومنا هذا ، لكن هذا لم يكن كافيا لإثراء معرفة وإنتاج ثقافة ، فكان لا بد من اللجوء إلى المعرفة والثقافة البشريتين، بالقدر الذي أتاحه الزمن لي.
- هل تعتقد بوجود إله ؟
- أعتقد بوجود قائم بالخلق يكمن في المادة والطاقة !
- هذا يعني أنك ملحد .
- أبدا ! طالما اعتقد بوجود قائم بالخلق .
- لكنك لا تعترف بوجود خالق قبل وجود المادة والطاقة !
- صحيح فأنا لا أتصور وجود خالق كان في العدم ، فالعدم لا ماهية ولا جوهر له، فهل يعقل أن يكون هناك خالق دون ماهية وجوهر ؟
- وهل يتوفر هذان العنصران في المادة ؟
- بالتأكيد ! فالمادة تحتوي على عناصر الخلق الأربعة : الماء والهواء والتراب والنار .
- وماذا عن الطاقة ؟
- الطاقة هي ما ينتج عن هذه العناصر، وهي ما عبر عنه أفلاطون بمفردة الأثير في هندسته المقدسة !
- هل المادة والطاقة مختلفان حسب رأيك ؟
- مختلفان في الشكل فقط أما في المضمون فلا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى . فإذا كانت المادة هي الماهيّة، فالطاقة هي جوهرها ، فليس هناك مادة إلا وينتج عنها طاقة، وليس هناك طاقة إلا وينتج عنها مادة، في أشكال مختلفة ومتنوعة . ولو أننا أمعنا النظر في اسطورة الخلق البابلية مثلا، لوجدنا كل عناصر الخلق الرئيسية وما ينجم عنها . ولم يكن هناك عدم يوجد فيه آلهة سابقة على وجود المادة ، كانت الآلهة ( المادية) في الماء الموجود من قبل. والماء لا يستقرإلا على مكان ، والمكان يحتاج إلى حيز يشغله .. إلى آخر ما يمكن أن يتولّد عن ذلك من حقائق الخلق .. لنصل إلى نتيجة أن القائم بالخلق كان في الخلق نفسه أي في المادة ، وأن الوجود كله جاء من مادة هذا القائم ، الذي أطلقت عليه البشرية أسماء مختلفة، بعد اختراع اللغات ، كالله أو يهوه ، أو الرب ! والغريب أن تعتمد العقائد السماوية اللاحقة قصة الخلق من الماء، دون أن تقدّم مفهوماً لماهية الخالق ، وجعلته سابقا على الخلق والوجود، وقدّمت مفهوماً مبهماً له ، على أنّه ليس كمثله شيء ، حسب الفهم الإسلامي .
- ما هي رؤيتك للأديان ؟
- اجتهادات العقل البشري لمعرفة الوجود والغاية منه . وليس هناك أمة لم تفكر في هذا الأمر.
- وهل أنت معها أم ضدها ؟
- أنا معها كاجتهادات وأحترمها لذلك، وضد مفاهيمها كحقائق مطلقة مقدسة، يجب التقيد بها وبتعاليمها وتشريعاتها حسب نظر المتدينيين .
- لكن كيف تكون مع وضد في الوقت نفسه ؟ كيف سيفهمك الناس؟ !
- لقد وضحت ذلك في إجابتي على تساؤلك !
- أريد أن أستوضح أكثر .
- احترامها يعني احترام اجتهادات عقول الأجداد، الذين فكّروا في الخلق، وبالتالي احترام تراث الأمم، ونقد هذه الإجتهادات يأتي من منطلق تطويرها لتواكب العصر الذي نعيش فيه ، وما أنتجه من مفاهيم مختلفة .
- لو أننا أخضعنا واقعنا لفهمك، سنرى أننا وأنتم نتصارع حول القدس، لأن كلاً منا يعتبرها رمزا لتراثه .
- صحيح مع أن الصراع ليس حول القدس وحدها، بل حول الوطن نفسه . فالأوطان أساس تراث الشعوب وموئل أرواحها، وتشكّل هويتها وبناء شخصيتها، حتى لو لم يكن فيها مدن مقدسة !
- ما الحل برأيك ؟
- أن تتخلوا عن عقليتكم العنصرية الفوقية، وادعاء أن الأرض لكم وحدكم ، حتى التوراة كانت تعترف بوجود شعوب أخرى في المنطقة، كالفلسطينيين والكنعانيين والأموريين والحثيين والفرزيين واليبوسيين وغيرهم .
- إن أردت الحقيقة ، أنت تشوقني لأن أستمع إليك وأعرف منك ، فأنا رغم تعصبي ليهوديتي، لا أجزم أن القوّة وحدها ستكون قادرة على حماية أحفادي إلى الأبد ، حتى وإن قدرت، لن تكون قادرة على إزالة القلق من نفوسهم . لذلك لا بد من وجود حل ما ..
- كل الأقوام التي جاءت إلى هذه البلاد انتهت إلى غير رجعة ، بدءا بالأغريق مرورا بالفرس والرومان والصليبيين وانتهاء بالإنكليز، ولا أظن أنكم في حال أفضل منهم ، وأن مستقبلكم سيكون أفضل من مستقبلهم ، خاصة وأن الزمن تغير ولم يعد زمن استعمار إلا عندكم .
- كلامك صحيح .
لم أجب . بدأت أشعر بالتعب من جلوسي المتهيئ والمتحفز لإطلاق النار . خاطبته:
- في مقدورك الآن أن تذهب إلى أن نلتقي ثانية . سأعطيك رقم هاتفي.
نهض بعد أن نقلته رقم هاتفي . كنت قد وقفت بدوري متراجعا وأنا بكامل حذري ، واضعاً سبابتي على زناد البندقية الأول ، موجها سبطانتيها نحوه . فك حزام الطلقات عن وسطه وألقى به على الأرض وهو يهتف "لن أحتاج إليه طالما البندقية معك" وشرع في وضع طيور الحجل والثعلب في جعبة ظهر، كانت ملقاة إلى جانبه.
رفع يده قائلا " سلام " قبل أن يستدير وينصرف .
تنفست بعمق ومخيلتي تستعرض الزمن الذي أمضيته معه متحفزا .. لا بد من إراحة أعصابي بكأس من البابونج أو الزعتر البرّي! انطلقت عائدا إلى البيت المتواضع الذي أقطنه وحيدا على أطراف البلدة.
*****
إلى كل محبي السلام ، وكل من سعى يوماّ إلى سلام ممكن ، يحقن الدماء بين الشعبين الفلسطيني
والإسرائيلي ، وأي شعوب في العالم .
فاتحة :
ليس من غايات هذه الرواية ، الإساءة إلى الإله " يهوه " أو أي إله آخرمهما كان . إن من غاياتها ،الدفاع عن الإله يهوه ، وعن مفهوم الألوهة بشكل عام - التي يفترض أنها لا تحمل ، إلا أسمى آيات المحبة والخير والعدل والجمال ، وتنزه نفسها عن كل نزعات الشر والانتقام والعذاب والعنصرية والعدوانية مهما كانت ، وتسعى إلى إقامة حضارة إنسانية ، يتمتع فيها الإنسان بأكبر قدر من السعادة والمحبّة - أمام نصوص نسبت إلى آلهة ، أنتجتها عقول بشرية تنتمي إلى ثقافة بدائية ، لم تكن قادرة على فهم الألوهة ، والغايات التي ينشدها الخالق من الوجود والخلق .
محمود شاهين .
15 /4 / 2018
(1)
* عارف نذير الحق يلتقي خصمه !
كان في مقدوري أن أقتل عدوي، غير أنني لم أفعل. وآمل أن لا يقدم على قتلي ذات يوم . كنت أمارس رياضة المشي شبه اليومية في بطاح برّيّة القدس التي شهدت طفولتي، وراحت مستوطنات الإحتلال تقضمها شيئا فشيئا ، على مرأى من أنظارنا وأنظار العالم ، دون أن تفلح احتجاجاتنا في الحد منها أو التوقف عن بنائها .. كنت سائرا في منعطفات وادي الدكاكين الذي شهد الكثير من وقائع طفولتي الرعوية ، حين رأيت على مسافة أمتار أمامي قدمين بنعلين رياضيين تبرزان من جانب حائط صخري . توقفت "لا شك أنه الصياد الذي اعتاد أن يأتي من المستوطنة القريبة. سمعت بعض طلقاته هذا اليوم خلال تجوالي" وقد اعتاد الصيد في هذه المنطقة منذ أكثر من عام، ورغم تجوالي الكثير فيها لم أحاول أن ألتقيه ، لتخوفي من اقدامه على قتلي. لذلك كنت حريصا على الإبتعاد قدرالإمكان عن المنطقة التي يصطاد فيها ، فلا أريد أن أكون صيدا ثمينا على قائمة طرائده . هذا اليوم جرى معي ما لم أعتده ، فقد اقتربت أكثر من أي يوم آخر من منطقة صيده ، دون أن افكر في أنني سألتقيه .
بقيت مترددا للحظات بين متابعة سيري أو التراجع . ولا أعرف كيف واتتني الشجاعة لأن أتقدم ببطء، متحاشيا أن تطأ قدماي حصباء الوادي حتى لا أحدث صوتا. دنوت بضع خطوات ..انكشفت ساقا الرجل أمامي وإلى جانبهما بدت سبطانتا بندقية الصيد " يبدو أنه نائم، وقد تمدد إلى جانب الحائط بالطول لأن ظله كان طوليا أكثر مما هو عرضي. تقدمت ببطء شديد . انكشفت قامة الرجل كلها أمامي، وقد وضح لي أنه يغط في نوم عميق، بعد عناء السعي خلف الطرائد . ثمة بعض طيورالحجل إلى جانب جثة ثعلب مما اصطاده . اقتربت ببطء إلى أن أصبحت البندقية في متناول يدي. مددت يدي بهدوء وأخذتها . جلست على حجرصغير على مسافة تقل عن المترين منه . تأملت البندقية . إنها من النوع القديم ذي السبطانتين الذي يمكنني استخدامه . لم تراودني فكرة قتله، لأنني ضد القتل من حيث المبدأ، وربما لإحساسي أن قتله لن يحل المشكلة ، فهي مشكلة وطن بكامله، وليست مشكلة شخصية معي، ولو كان الأمر كذلك لربما قتلته وانتهى الأمر. عالجت سبطانتي البندقية لأتأكد من أنها محشوة .كانت كذلك .أحدثت العملية صوتا أيقظه .. فتح عينيه فزعا ونظر نحوي لينتفض جالسا بنصف قامته على مؤخرته وساقيه . هيّأت البندقية ووجهت وضع سبطانتيها نحوه وأنا أضع اصبعين على الزنادين :
- لا تخف ! لكن أية حركة غير عادية سأضطر إلى اطلاق النار عليك .
قلت ذلك بعبرية ركيكة .
راح يستعيد وعيه كما يبدو في محاولة لمعرفة ماذا يجري، وما لبث أن هتف بالعربية:
- من أنت ؟
- أنا عدوك، ومن يشاركك التجوال في هذه البطاح !
- لماذا لم تقتلني؟
- لو أعرف أن قتلك يحل المشكلة لقتلتك ! وقد أقتلك يوما ما حين أصبح على يقين مطلق من أن مشكلتي كفلسطيني لن تحل دون قتلك !
- ولم تصل بعد إلى هذا اليقين ؟
- الظروف هي من حوّلني وحوّل قومي عن هذا اليقين بعد أن كان قائما ولو بحدود لبضعة عقود .
بدا لي أنه يفهم أبعاد كلامي جيدا . هتف:
- وهل تعتقد أن هذا اليقين سيعود إليكم ؟
- أفعالكم كمحتلين لا تشير إلا إلى ذلك رغم اوسلو وكل ما وقعتم عليه من اتفاقيات . أنتم تدفعوننا إلى اتخاذ القرار الصعب ، إما وجودكم وإما وجودنا ! لا مجال لوجودين حسب ما يجري على أرض الواقع من قبلكم . لقد تنازل الفلسطينيون لكم عمّا هو أكثرمن الممكن من وطنهم ، ومع ذلك لم تقبلوا ، وجعلتم من اوسلو مجرد قاعدة وهمية لإدارة صراع لا لإنهائه .
- أعتقد أن كلامك صحيح ، فنحن ندير صراعا بالحد الأدنى من الخسائر. فمن يدير صراعا على قاعدة السلام ليس كمن يدير صراعا على قاعدة الحرب. لكن إذا ما تطلب الأمر أن نبيدكم عن آخركم يوما ما فلن نتوانى عن ذلك ، رغم أن موقفي الشخصي قد لا يتفق مع هذا الطرح الإسرائيلي المتطرّف !
- لكن إن أبدتمونا فلن تستطيعوا إبادة العرب والمسلمين وأحرار العالم ، وستبقون معزولين ومحتقرين أمام البشرية جمعاء . فهل ترضى أن يعيش أبناؤك وأحفادك تحت وطأة هذا الكره الشديد لهم . أقول هذا دون التطرق إلى ما يمكن أن نوقعه نحن بكم قبل إبادتنا. فلسنا على هذا القدر من ليونة العظام كما تعلم ، وليس من السهل كسر عظامنا، وستعانون الأمرين قبل أن تبيدونا !
راح عدوي يضحك وما لبث أن توقف فجأة عن الضحك ليهتف وكأنني لامست بعض ما هو دفين في دخيلته عن المستقبل .
- ما الحل حسب رأيك ؟
- على المدى البعيد هناك حل واحد لا غير، دولة ديمقراطية علمانية للجميع ، فشعب جنوب افريقيا ليس أكثر تحضّرا وتطورا منا ومنكم . لقد سبق لي وأن خاطبت مثقفيكم وجنرالاتكم وقياداتكم بذلك ، في رسالة نشرتها في مواقع كثيرة على الشبكة العنكبوتية . مسألة قتلكم أو رميكم في البحر لم تعد مطروقة . ولو فكرتم بجديّة وبعقليّة مسالمة لقبّلتم أيدي من سعى إلى إقامة سلام معكم ، بدءا من ياسر عرفات وأبي مازن إلى أصغر قائد فلسطيني .
هتف بعد برهة تفكير في ما قلته :
- وماذا على المدى القريب ؟
- لا بد من إقامة دولة فلسطينية على أراضي ما قبل الخامس من حزيران 1967 حسب اوسلو.
عاد عدوي إلى الضحك لكن باستهزاء وسخرية هذه المرة .
- هذه أرضنا وأرض أجدادنا منذ ثلاثة آلاف عام ونيف ، وليس فيها متسع إلا لنا ، ولنا وحدنا ، إنها الأرض التي منحها الله لنا ، وستظل لنا مدى الحياة .
أنا من ابتسم بسخرية هذه المرّة وأنا أتساءل:
- أي إله هذا الذي يمنح أرضا لشعب دون غيره من شعوب الأرض ؟
- إلهنا العظيم يهوه !
- ألا ترى أن إلهك هذا إله عنصري، حسب ما صوّره عقل بدائي، إذا ما افترضنا وجوده وحقيقة ما وهبه لكم ؟ أنتم لستم أكثر من كيان غريب قرر المستعمرون زرعه في المنطقة العربية، منذ أوائل القرن الماضي، للإبقاء على حالة توتر دائمة فيها، حتى لا تنهض وتسير بركب الحضارة الإنسانية ، فهي تسيطر أو تطل بأراضيها الشاسعة على أهم السواحل في العالم، وعلى أهم الشرايين المفصلية للكرة الأرضية، من مضيقي هرمز وباب المندب وقناة السويس، إلى مضيق جبل طارق، إضافة إلى ثراء أرضها بالمواد المختلفة ، وامتدادها على أراض لقارتين.
- ما يهمني هو منح الأرض لنا ، ولا يهمني أمر عنصرية الله إن كان عنصريا ، كما لا يهمني أمر وجود آلهة ودول أخرى ساعدت على قيام دولتنا . ما يهمني هو أمرنا وإلهنا ومنحه الأرض لنا ، وإذا لم يكن له وجود، سأظل مؤمنا بوجوده لهذا السبب دون غيره ، فأمر تفضيلي على البشرية أمر يستحق الإيمان بهذا الإله حتى لو لم يكن له أي وجود !
- إذن أنت غير متدين ؟!
- إلى حد ما غير متدين ، فأنا لا آبه بالطقوس والصلوات ..
خطر لي أن أسأله عن أصله ، فلغته العربية تبدو جيدة:
- من أي بلاد هاجرت اسرتك إلى هنا .
لم أفاجأ حين هتف قائلا :
- من العراق ، ومن بغداد تحديدا، وقد حرص أبي على أن يعلّمنا اللغة العربية بناء على رغبة أبيه، كل أفراد اسرتنا يجيدون العربية .
- إذن أنتم من أتباع الإله مردوخ قديما ، وترك أجدادك عبادته ليتبعوا فيما بعد عبادة إله متوهم أسموه يهوه، فصّلوه على مقاسهم، وعزوا قصة الخلق البابلية إليه بسرقتها كما هي إلى حد كبير ! يا رجل هل هناك انسان عاقل يتخلى عن عبادة مردوخ العظيم ليتبع عبادة يهوه ؟ يهوه الذي لم يسلم حتى اليهود من شرّه ، ولا يكاد يمر عام دون أن ينزل بهم المصائب ، رغم أنهم شعبه المختار حسبما يقول كتبة التوراة .
بدا أن الرجل تفاجأ بما لم يفهمه من كلامي .
- من هو مردوخ هذا الذي فاجأتني به . أذكر أن أبي كان يتفاخر بكونه عراقيا، ينتمي إلى حضارة ضاربة الجذور في أعماق التاريخ، أكثر مما ينتمي إلى حضارة يهووية وهمية مختلقه، وإله لم يقتنع يوما بوجوده ؟!
- كان أبوك على حق ، فمردوخ هوكبير الآلهة البابليين، الذي خلق السموات والأرض بأن أقدم على شطر جسد جدته الإلهة تيامات إلى نصفين ، جعل من النصف العلوي سماء ومن النصف السفلي أرضا ، ثم أقدم على خلق الإنسان من التراب بأن عجنه بدمه . فأنا وأنت والبشرية كلها تجري فيها دماء مردوخ الذي خلقها بدمه ! فأين يهوه من هذا الخالق الذي يخلق الإنسان بدمه .
- بدا الرجل في غاية الدهشة لما سمعه مني! تساءل فيما كنت أرفع اصبعي الوسطى عن الزناد الثاني، وأبقي على السبابة على الزناد الأول. تنبه للأمر.
- هل بدأت تطمئن إلى أنني لن أقدم على شيء ، طالما أنت متمسك ببندقيتي؟
- لا لم أطمئن ، وليس ثمة فرق كبير لدي بين أن أقتلك بطلقة أو بطلقتين . ورفع اصبعي عن أحد الزنادين لا يعني أنني لن أستخدم الآخر إذا ما دعت الضرورة .
- هل تخبرني كيف سرق الأجداد اليهود قصة الخلق البابلية وعزوها إلى إلههم يهوة ؟
- هل لديك استعداد لأن تسمعني جيدا ؟
- أكيد لدي وإلا لما طلبت منك .
- في الحقيقة إنّ التوراة مأخوذة من تراث المنطقة كلّه وليس البابلي وحده. حسب ملحمة الخلق البابلية ( الإينوما إيلتش) التي تعتبر بدورها تطورا لملاحم الخلق السومرية، التي يخلق فيها الإنسان من جسد إلهي ، ثمة تطابق شبه تام في أيام التكوين البابلية ونظيرتها التوراتية ، فعملية الخلق تتم في ستة أيام في التكوينين. ففي اليوم الأول في الإينوما إيلتش، يكون العماء الأول " تعامة أو تيامات " الماء المالح، وزوجها( ابسو) الماء الحلو، يحيط بهما ظلام . وفي سفر التكوين التوراتي يغلف الظلام المياه الأولى وروح الرب يرف فوق المياه. ولا يختلف الأمر في الأيام اللاحقة لعملية الخلق حيث يتم خلق السماء والأرض والكواكب ، إلى أن يتم خلق الإنسان في اليوم السادس .في اليوم السابع ، مردوخ ينتهي من الخلق والآلهة تحتفل به في التكوين البابلي ، ويهوه يستريح من الخلق في التكوين التوراتي. فما الجديد الذي جاء به كتبة التوراة من عزرا إلى أخر كاتب توراتي ؟! وهذا النص يسبق النص التوراتي بما يقرب من ثلاثمئة وألف عام . ويسبق ولادة النبي موسى نفسه بما يقرب من خمسة قرون. وقد حدد الباحثون زمن كتابته في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ورأوا أن أصوله تعود إلى مصادر موغلة في القدم تشير إلى بدايات الحضارة السومرية حوالي أربعة آلاف عام قبل الميلاد ، بينما لم تكتب التوراة إلا في وقت متأخربعد عودة اليهود من السبي البابلي ( 586 قبل الميلاد) على يد الفارسي قورش الذي هزم بابل وأعاد اليهود إلى اورشليم . أي بعد حوالي 1300 سنة من كتابة الإينوما إيلتش. وقد كتبت في حقب متفاوتة تجاوزت ثلاثة قرون ، وطرأ تغييرات عليها في قرون وعهود لاحقة . والسبي البابلي حسب الأبحاث الحديثة حدث في اليمن وليس في فلسطين ، وعودة اليهود من هذا السبي كانت إلى اورشليم اليمنية ،إذ لم يكن هناك اورشليم في فلسطين، كان هناك مدينة اسمها يبوس أصبحت فيما بعد اورسالم أي مدينة السلام ، وطرأ عليها أسماء أخرى حسب العهود التي عاصرتها، وكان اسمها إيلياء عند الفتح الإسلامي. فاليهودية نشأت في اليمن وليس في فلسطين، حسب معظم الأبحاث والحفريات الآثارية الحديثة، التي لم تعثر على أي تراث لليهود في فلسطين، بما في ذلك مملكتي داود وسليمان والهيكل المزعوم . وإذا كنت لا تصدق ابحث عمّا قاله علماء الآثار لديكم، بدءاً من كبيرهم اسرائيل فلنكشتاين ، مرورا بزائيف هرتسوغ، وانتهاء بمائير بن دوف!
بدا الرجل غير مصدق لما قلته له . تساءل :
- لكن كيف عرف أجدادنا اللغة البابلية ونقلوا قصة التكوين ؟
- يرى الباحثون أن اللغة البابلية انتشرت غربا حتى الساحل السوري وشمالا حتى آسيا الوسطى ، وجرى نقل بعض مدوناتها إلى لغات لاحقة كالآرامية . وليس من الضروري أن يكون النقل وحتى التأثر قد جاء مباشرة عن نص كُتب بالبابلية .
أطرق الرجل متفكرا للحظات ، ثم طلب إلي أن أسمح له بإشعال سيجارة من علبة سجاير كانت مطروحة إلى جانبه . سمحت له ، وأنا أرقب حركاته بحذر. سألني إن كنت أرغب في سيجاره . شكرته مشيرا إلى أنني أحاول أن لا أدخن خلال تجوالي ، وأحاول أن أقلل من التدخين في شيخوختي .
أشعل سيجارة وسحب منها نفسا عميقا ، فيما كان أحدنا يتأمل وجه الآخر، بدا لي أنه في عمري ، أي في حدود الثالثة والستين أو أكثر قليلا ، غيرأنه كان محافظا على لياقته البدنية أكثر مني . تساءل وهو ينفث دخان النفس الثاني من فمه ومنخريه:
- هل تهتم بالتاريخ ؟
- أجل أنا كاتب وأهتم بالتاريخ ، وبشكل خاص تاريخ العقائد والديانات والأساطير وتطورها .
- أمر مؤسف أنني لا أهتم، وإن كنت أرغب في ذلك غير أنني لم أسعَ إليه، حتى انني لم أقرأ إلا بعض فصول التوراة دون التعمق فيها ، والأمر نفسه ينطبق على التلمود. أمضيت عمري في العمل في التمديدات الصحية والكهربائية إلى أن تقاعدت . يمكنني القول أن ثقافتي محدودة في ما هو خارج عملي . نشأت على أن هذه الأرض أرضي منذ القدم ، وهذا ما ننشئ أجيالنا عليه، بحيث يتبعوننا دون أن يفكروا في الأمر وتاريختيه ومدى صدقه وحقيقته أوخرافيته !
رحت أضحك وأنا أهتف :
- قصتكم تشبه قصة القرود الخمسة، التي لم يجد لاحقها إلا أن يقلد سابقها، دون أن يدري لماذا يفعل ذلك !
- وما هي هذه القصة ؟
- هي قصة تتعلق بتجارب علماء الإجتماع لمعرفة واقع المجتمعات البشرية . أحضر أحدهم خمسة قرود ووضعها في قفص ، وعلّق في القفص قطفا من الموز وضع تحته سلّما ، وحين يصعد أحد القرود السلم ويقترب من قطف الموز ليلامسه، ينهمر رشاش من الماء البارد على الأربعة الباقين لإرعابهم . وحين يحاول قرد آخر الصعود إلى قطف الموز تتكرر العملية برش الماء البارد على الباقين . وبعد تكرار العملية من قرد ثالث ، يلجأ القردة إلى منع أي قرد من صعود السلم إلى الموز . وحين تم إخراج أحد القرود ووضع قردا بدلا منه لم يرعملية الرش من قبل ، وحاول أن يصعد السلم، وجد القردة تهب لمنعه دون أن يعرف لماذا، وحين حاول ثانية ، انهال الآخرون عليه بالضرب ، وحين أخرج للمرة الثانية قرد ثان من القردة التي تعرف عقاب الصعود وجيء بجديد ، حاول أن يصعد السلم فانهال الأربعة الآخرون عليه، بما فيهم القرد الدخيل الأول الذي لا يعرف السر، وراء مسألة الصعود إلى قطف الموز . تتكرر المسألة مع قرد ثالث ورابع وخامس ، ليصبح هناك خمسة قرود من الجيل الثاني لا تعرف سر الخوف من وراء صعود السلم إلى قطف الموز ، وإذا ما دخل وافد جديد وحاول كالآخرين، انهال الآخرون عليه بالضرب، حتى أصبح الأمر تقليدا تتبعه القرود كلها دون أن تعرف السر !
ضحك عدوي الذي لم يصبح عديقا بعد وهو يتساءل :
- وهل نحن الآن قطف الموز الذي تهاب القرود الصعود إليه ؟!
- أجل ! قطف الموز هو كيانكم الذي يمنع مسّه بسوء أو الإقتراب منه ، وما أنتم إلا الجيل الثاني من القرود الذي يتصدى لكل من لا يعترف بهذا الكيان ،ولا يعترف بأي وجود تاريخي لبني اسرائيل في فلسطين، ولا بأية حقوق لهم فيها ! جيل يحارب ويقتل ويشرد شعبا استنادا إلى وهم لا يعرف حقيقته . وهم أقيم على اكبر كذبة في التاريخ لا تريدون أن تعرفوها . مع أن الغاية من إقامة كيانكم لا تمت بأية صلة لهذه الكذبة، ولا لأي خرافات وأساطير دينية !
- لكن حتى لوكانت كذبه فهي كذبة جميلة، أوجدت لنا وطنا جميلا بعد أن كنّا مشردين ومضطهدين ومكروهين، في معظم أنحاء العالم . وتستحق أن نحيلها إلى حقيقة قابلة للتصديق!
- لستم وحدكم من أنجح الكذبة ، الذي أنجحها هو من أراد أن يتخلص من وجودكم من ناحية، ويجعل منكم بؤرة للتوتر والهيمنة من ناحية أخرى، فوعدكم بالمساعدة لإقامة وطن قومي لكم في فلسطين ، وسهل لكم الهجرة إليها من بلدان العالم، قبل أن تتمكنوا بوسائلكم من استجلاب اليهود بعد أن أصبحتم أقوياء ومتمكنين .
- رغم اعتقادي بحقيقة ما تقوله يا ..
- عارف ! اسمي عارف نذيرالحق !
- أنا اسمي يعقوب سليمان، أقول، رغم اعتقادي إلى حد ما بحقيقة ما تقوله يا عارف، إلا أنني لست مستعدا لأن أتخلى عن كذبة أوجدت لي وطنا ، حتى لو كانت هذه الكذبة، كذبة فعلا، ولا تحمل أي قدرمهما كان من الحقيقة !
- إذن ما الفائدة من عقد المؤتمرات والإتفاقات والتشدّق بالسلام ؟
- أنت قلتها بنفسك " إدارة الصراع على قاعدة السلام " وكما ترى نحن لم نتوقف عن أهدافنا منذ أن بدأت اتفاقيات السلام حتى اليوم . أي منذ قرابة ربع قرن . وها نحن نتوج جهودنا بتوسيع نفوذنا، بضم القدس وضواحيها وكل المستوطنات المحيطة بها إلى اسرائيل ، بعد أن اعترف ترامب الغالي بالقدس عاصمة لدولتنا ، وكل مناوشاتكم وتظاهراتكم وتظاهرات العالم وعدم اعترافه بقرار ترامب، لن تجدي أمام اصرارنا ، وحتى ما فعلته وتفعله معي هذا اليوم، سترى أنّه ليس أكثر من هراء لا يسمن ولا يغني من جوع !
- لا تحاول أن تستفزني يا يعقوب وبندقيتك موجهة إلى صدرك !
- أنا أقول الحقيقة مقابل ما ترى أنت أنه حقيقة مناقضة . وإن شئت الحق في ما يتعلق بوجودي أمامك ، وتحت ما تعتقد أنه رحمتك ، فأنا أظن أنك مخطئ تماما، فأنت لست قادرا على قتلي رغم وجود سلاحي بين يديك !
ولم أجد نفسي إلا وأنا أصرخ به ( يع..قوب ) ثم أبطأت صوتي إلى الحدود الدنيا، وقلت بكل ثقة في نفسي :
- قلت لك لا تحاول أن تستفزني وإلا .. وأقسم بشرفي أنني سأخردق جسدك بكل ما تحمله معك من طلقات خرطوش! لا تحاول أن تجعل من مشكلتك معي قضية شخصية تتعلق بي وبك فقط .
- لم أقل إلا الحقيقة حول سياستنا ..
- لكن ابتعد عن وضعنا الحالي ولا تحمّله أكثرمما يحتمل، قلت لك من البداية أنني لا أنوي قتلك ، ولو أدرك أنك لن تقتلني لأعدت بندقيتك إليك . فلقائي بك هذا اليوم كان صدفة ، وكنت دائما أتجنب ملاقاتك . وما فعلته هذا اليوم ليس لاختبار مدى شجاعتي أو جبني ، وإن كنت أظن ولو قليلا، أنني أميل إلى الحد الأدنى من الشجاعة، أكثر مما أميل إلى الحد الأعلى من الجبن ! وعندنا مثل يقول من لا يخاف لا يخوّف.
- هل هذا يعني أنك ستظل محتفظاً ببندقيتي.
- أجل ! إلى أن يأتي يوم أشعر فيه أنني قادرعلى الوثوق بك .
- ومتى يمكن أن يأتي هذا اليوم ؟
- ممكن أن يأتي قريبا ونكون عديقين !!
ضحك للكلمة التي لم يسمع بها من قبل . تساءل مستوضحا :
- ماذا تقصد بالضبط؟
- أقصد أن نكون عدوين في جلد صديقين أو العكس !
راح يضحك وهو يلمس أن الكلمة مشتقة من مفردتي العدو والصديق.
- على أية حال هذا أفضل من أن نكون أعداء فقط ، وهذه حال قد تشملنا جميعا كإسرائيليين وفلسطينيين . فنحن فعلا أعدقاء أو أننا نتظاهر بذلك ! أهلا يا عديقي عارف !
ومد يدا مفتوحة ليصافحني ، غير أنني لم أمد يدي. أعاد يده إلى جسمه . وهو يتساءل :
- لماذا لم تمد يدك ؟
- لأننا لم نصبح عديقين بعد ، نحن ما نزال أعداء !
وبعد برهة صمت ،هتف :
- يا لفضيحتي إذا ما عرفت زوجتي أن عربيا استولى على بندقيتي!
- ليس من الضروري أن تخبرها .. يمكنك أن تقول لها أنك تركتها مخبأة في منطقة الصيد، حتى لا تتعب بحملها عند قدومك للصيد.
- فكرة مقبولة وإن كنت أعتقد أن أحدا لن يصدقها لو سمع بها . آمل أن تصدق زوجتي ذلك.
*****
ألقيت نظرة على طيور الحجل القتيلة والثعلب المسكين وأنا أتساءل :
- ألا تشعر بالحزن لمقتل هذه الطيور الجميلة التي تزيّن بطاحنا ؟
فوجئ بسؤالي الذي لم يخطر بباله :
- الحزن ؟ بل أشعر بالمتعة كلما اصطدت طائرا أو أرنبا أو ثعلبا .. لحم هذه الطيور لذيذ جدا ، لم أصطد غير ثلاثة منها هذا اليوم ، لكنها تكفي لوجبة دسمة مع الأسرة في البيت . لأول مرة أصطاد الثعلب وآمل أن يكون لحمه شهيّاً ! ألا تحب الصيد أنت ؟
- بل أكرهه ! فأنا لا أتصوّر نفسي قاتلا لهذه الكائنات الجميلة ! ربما كنت كذلك في طفولتي وبعض شبابي ، حين لم أكن قادرا على التمييزالسليم بين ما هو فعل خيراني وآخر شرّاني !
- وكيف نميّت شعور الخير لديك، بحيث غدوت ترى حتى في الصيد فعلا شرّانياً ؟
- فعل الخير لا ينمو إلا بثقافة إنسانية ومعرفة خيرانية، وهذا ما لم ترق إليه معظم المجتمعات البشرية حتى اليوم. اكتسبت الشعور الخيراني بعشقي للمعرفة والتأمّل في الوجود والغاية منه . وليس نتيجة لثقافة مجتمعية بدائية متخلّفة ، بحيث أصبح لدي فلسفتي الخاصة لفهم كل شيء، والتصرّف إزاء كل شيء وفهمه .
- هل أفهم من هذا أنك لو اضطررت إلى قتلي لن تكون سعيدا بذلك ؟
- بل سأكون حزينا ، وربما حزينا جدا ! فأنا لا أتصور نفسي قاتلا مهما كان نوع ضحيّتي ! وكثيرا ما أتمنى بيني وبين نفسي أن أكون قتيلا لا قاتلا ، وأدعو إلهي أن تكون نهايتي كذلك إذا كان لا بدّ من ذلك !
ظلّ متفكرا للحظات في ما أقوله ، وقد أحسّ أنني أوغلت كثيرا في كشف أغوار نفسي له ، بما يتناقض مع انفعالي حين حاول أن يستفزني.
- لكنك بدوت عكس ذلك حين شعرت أنني أستفزك !
- ثمة ما هو دفين في دخيلتي من آلام وأحقاد تسببتم وتتسببون بها ، وإن أية محاولة مباشرة لإيقاظها قد تدفعني إلى ما أكرهه.. ألا ترى كم الأطفال والشباب الذين قتلتموهم أوجرحتموهم أو اعتقلتموهم منذ أن أعلن ترامب القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ؟! ضع نفسك مكاني أو مكان أي فلسطيني ، ألا ترى أن البركان الخامد في دخيلة أي منّا سيثور في أية لحظة استفزازية ، فما بالك إذا كانت هذه اللحظة موغلة في القتل والعدوانية الفظيعة . هل هناك محتل عاقل يعتقل طفلا في حدود السادسة من عمره ؟ هل رأيت أو سمعت عن احتلال يفعل أفعالكم ؟ وكل هذا ليس إلا غيض من فيض ، فعمر هذا الصراع طويل جدا ، فالحديث منه ينتمي إلى وعد بلفور، أي مائة عام ، أمّا القديم فيبدأ من زمن غزو أريحا بقيادة يوشع بن نون عام 1186 قبل الميلاد، حسب ما تذكره التوراة ، بغض النظر عن مدى صدق وتاريخية ما ترويه .
- يبدو لي أنك مُحق في كل ما تقوله يا عارف ، ويبدو لي أنني كنت في حاجة إلى رجل مثلك ليعرّفني بما لا أعرفه، وليرشدني إلى ما أتجاهله أو لا أدركه . هل بإمكاني أن أشعل سيجارة أخرى .
- بإمكانك أن تدخن دون اذن مني، وبإمكانك أن تصلح من وضع جلوسك إذا تريد .
شعر بقدر من الأمان معي . ثنى رجليه تحت فخذيه وأشعل سيجارة ، ثم وضع يديه على ركبتيه ، حدق بعيدا في السفح المقابل حيث كانت بعض الكهوف القديمة، التي كان يستخدمها مواطنو بلدتنا للسكن أو لتخزين غلال الأرض. وشعرت بدوري أنّه لن يقدم على ما يدفعني إلى استخدام البندقية . أزحت سبطانتيها عن مواجهة صدره، ومددتهما على عرض فخذيّ، مبعدا اصبعي عن الزناد، مبقيا يدي على مقربة منه .
شعر أنني بدأت اطمئن بعض الشي إليه . هتف وهو يحك عنقه :
- واضح أنك تحمل معرفة ثريّة أمضيت عمرك في تحصيلها ، مما أنتج لديك ثقافة انسانية واسعة الآفاق.
- آمل أن أكون كذلك . صحيح أنني أعرف عن هذه البلاد منذ أقدم عصورالتاريخ، حتى قطْن هذه الكهوف المواجهة لنا وحتى يومنا هذا ، لكن هذا لم يكن كافيا لإثراء معرفة وإنتاج ثقافة ، فكان لا بد من اللجوء إلى المعرفة والثقافة البشريتين، بالقدر الذي أتاحه الزمن لي.
- هل تعتقد بوجود إله ؟
- أعتقد بوجود قائم بالخلق يكمن في المادة والطاقة !
- هذا يعني أنك ملحد .
- أبدا ! طالما اعتقد بوجود قائم بالخلق .
- لكنك لا تعترف بوجود خالق قبل وجود المادة والطاقة !
- صحيح فأنا لا أتصور وجود خالق كان في العدم ، فالعدم لا ماهية ولا جوهر له، فهل يعقل أن يكون هناك خالق دون ماهية وجوهر ؟
- وهل يتوفر هذان العنصران في المادة ؟
- بالتأكيد ! فالمادة تحتوي على عناصر الخلق الأربعة : الماء والهواء والتراب والنار .
- وماذا عن الطاقة ؟
- الطاقة هي ما ينتج عن هذه العناصر، وهي ما عبر عنه أفلاطون بمفردة الأثير في هندسته المقدسة !
- هل المادة والطاقة مختلفان حسب رأيك ؟
- مختلفان في الشكل فقط أما في المضمون فلا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى . فإذا كانت المادة هي الماهيّة، فالطاقة هي جوهرها ، فليس هناك مادة إلا وينتج عنها طاقة، وليس هناك طاقة إلا وينتج عنها مادة، في أشكال مختلفة ومتنوعة . ولو أننا أمعنا النظر في اسطورة الخلق البابلية مثلا، لوجدنا كل عناصر الخلق الرئيسية وما ينجم عنها . ولم يكن هناك عدم يوجد فيه آلهة سابقة على وجود المادة ، كانت الآلهة ( المادية) في الماء الموجود من قبل. والماء لا يستقرإلا على مكان ، والمكان يحتاج إلى حيز يشغله .. إلى آخر ما يمكن أن يتولّد عن ذلك من حقائق الخلق .. لنصل إلى نتيجة أن القائم بالخلق كان في الخلق نفسه أي في المادة ، وأن الوجود كله جاء من مادة هذا القائم ، الذي أطلقت عليه البشرية أسماء مختلفة، بعد اختراع اللغات ، كالله أو يهوه ، أو الرب ! والغريب أن تعتمد العقائد السماوية اللاحقة قصة الخلق من الماء، دون أن تقدّم مفهوماً لماهية الخالق ، وجعلته سابقا على الخلق والوجود، وقدّمت مفهوماً مبهماً له ، على أنّه ليس كمثله شيء ، حسب الفهم الإسلامي .
- ما هي رؤيتك للأديان ؟
- اجتهادات العقل البشري لمعرفة الوجود والغاية منه . وليس هناك أمة لم تفكر في هذا الأمر.
- وهل أنت معها أم ضدها ؟
- أنا معها كاجتهادات وأحترمها لذلك، وضد مفاهيمها كحقائق مطلقة مقدسة، يجب التقيد بها وبتعاليمها وتشريعاتها حسب نظر المتدينيين .
- لكن كيف تكون مع وضد في الوقت نفسه ؟ كيف سيفهمك الناس؟ !
- لقد وضحت ذلك في إجابتي على تساؤلك !
- أريد أن أستوضح أكثر .
- احترامها يعني احترام اجتهادات عقول الأجداد، الذين فكّروا في الخلق، وبالتالي احترام تراث الأمم، ونقد هذه الإجتهادات يأتي من منطلق تطويرها لتواكب العصر الذي نعيش فيه ، وما أنتجه من مفاهيم مختلفة .
- لو أننا أخضعنا واقعنا لفهمك، سنرى أننا وأنتم نتصارع حول القدس، لأن كلاً منا يعتبرها رمزا لتراثه .
- صحيح مع أن الصراع ليس حول القدس وحدها، بل حول الوطن نفسه . فالأوطان أساس تراث الشعوب وموئل أرواحها، وتشكّل هويتها وبناء شخصيتها، حتى لو لم يكن فيها مدن مقدسة !
- ما الحل برأيك ؟
- أن تتخلوا عن عقليتكم العنصرية الفوقية، وادعاء أن الأرض لكم وحدكم ، حتى التوراة كانت تعترف بوجود شعوب أخرى في المنطقة، كالفلسطينيين والكنعانيين والأموريين والحثيين والفرزيين واليبوسيين وغيرهم .
- إن أردت الحقيقة ، أنت تشوقني لأن أستمع إليك وأعرف منك ، فأنا رغم تعصبي ليهوديتي، لا أجزم أن القوّة وحدها ستكون قادرة على حماية أحفادي إلى الأبد ، حتى وإن قدرت، لن تكون قادرة على إزالة القلق من نفوسهم . لذلك لا بد من وجود حل ما ..
- كل الأقوام التي جاءت إلى هذه البلاد انتهت إلى غير رجعة ، بدءا بالأغريق مرورا بالفرس والرومان والصليبيين وانتهاء بالإنكليز، ولا أظن أنكم في حال أفضل منهم ، وأن مستقبلكم سيكون أفضل من مستقبلهم ، خاصة وأن الزمن تغير ولم يعد زمن استعمار إلا عندكم .
- كلامك صحيح .
لم أجب . بدأت أشعر بالتعب من جلوسي المتهيئ والمتحفز لإطلاق النار . خاطبته:
- في مقدورك الآن أن تذهب إلى أن نلتقي ثانية . سأعطيك رقم هاتفي.
نهض بعد أن نقلته رقم هاتفي . كنت قد وقفت بدوري متراجعا وأنا بكامل حذري ، واضعاً سبابتي على زناد البندقية الأول ، موجها سبطانتيها نحوه . فك حزام الطلقات عن وسطه وألقى به على الأرض وهو يهتف "لن أحتاج إليه طالما البندقية معك" وشرع في وضع طيور الحجل والثعلب في جعبة ظهر، كانت ملقاة إلى جانبه.
رفع يده قائلا " سلام " قبل أن يستدير وينصرف .
تنفست بعمق ومخيلتي تستعرض الزمن الذي أمضيته معه متحفزا .. لا بد من إراحة أعصابي بكأس من البابونج أو الزعتر البرّي! انطلقت عائدا إلى البيت المتواضع الذي أقطنه وحيدا على أطراف البلدة.
*****