أصر صاحب البيت على دعوتي لتناول طعام العشاء في قصره ، وفي كل مرّة كنت أعتذر لأبي سعد صاحب البيت الذي استأجرته منه ،إلا أنه في كل مرة ، كان يقابلني بنفس الحماس والإصرار على دعوته . إلا أن ظفر بي ذات يوم جمعة ، كنت في مسجد مبني من الطين ومسقوف من الخشب ، فكان إمام صلاة الجمعة يقف على المنبر ، محذرا أولياء أمور الطلبة ، من المعلمين الأجانب ، ويقصد نحن المعلمين العرب غير السعوديين ، بأن المعلمين يدخنون السجائر !! ، وكأننا ندخن الحشيش والأفيون ، ولما كان غيري من المعلمين يُدخن السجائر ، فعرفتُ بأني المجرم المقصود ، والذي يدخن السجائر .
خرجتُ من المسجد مغتاظا ، ولولا أني كنت في المسجد ، لكان هناك تصرف آخر معه ، خاصة وأني كنت معلما معارا ، ومن الصعب إلغاء عقدي وتسفيري كمن هم بالعقد الفردي .... وبقيت طول العام الدراسي لم أخاطبه بشيء ، وهو الذي كان يعمل مراسلا في المدرسة التي كنت أعمل فيها .
التقيت أبا سعد جاري وصاحب البيت، وأصّر على أن أتناول العشاء تلك الليلة ، بمناسبة قدوم ابنه الأكبر لزيارته من مكة ، فلبيت الدعوة مضطرا ، ليس تكبرا وغرورا ، ولكن لاعتبارات أخرى لا مجال لذكرها الآن ، فكان الموعد بين صلاتي المغرب و العشاء .
كان من عاداتنا المتبعة أن نلتقي في يوم الجمعة عصرا ، عددا من المعلمين ، نكاد نشكل جامعة الدول العربية ، من الاردن وفلسطين ، من العراق ومن سوريا ، من مصر ومن تونس والمملكة المغربية ومن السعوديين ، إضافة إلى بعض المرافقين لزوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم المعلمات . وغالبا تكون الساحة الواسعة أمام بيت الصديق الصدوق نصر حمدي الباشا ، والتي لا زالت تربطني به صداقة منذ ثلاثين عاما ، وأيضا الصديق المحب علي عسيري من مدينة أبها ، وكان مديرا لمدرسة قريبة من الحيمة . ولكل منهما قصة جميلة ولطيفة ، سأذكر بعضا منها إن شاء الله ، وكان حديثنا في العادة يصب الحرب العراقية الإيرانية ، وتحليل بعض النتائج التي تتناثر لنا من بعض وسائل الإعلام النادرة جدا في ذلك الوقت . فغير الإذاعات وبعض الصحف التي مضى على صدورها أكثر من أسبوع ، أو تلفزيون أسود وأبيض صغير ، عطله أكثر من تشغيله . ثم ننتقل في الحديث عن الوطن والاشتياق للوطن والأولاد ، من المعلمين الذين قدموا إلى هنا وتركوا زوجاتهم وأولادهم في الوطن ، ولا ننسى لعبة الورق التي كانت تساهم في نسيان صعوبة الاشتياق ، وشظف العيش في القرية .
قمتُ بأداء صلاة المغرب ، وتوجهتُ لبيت أبي سعد غير بعيد . دخلتّ المضافة فكانت مبنية من الطين ، مسقوفة بالخشب وسعف النخيل ، والإضاءة خافتة . جلستّ في المكان الذي أجلسني فيه صاحب البيت ، ثم قام بصب القهوة العربية لي ، ورغم كا كانت معدتي تعاني من وجع ، شربتُ فنجان القهوة مجاملا لصاحب البيت . حاولت أن أنشغل ببعض الوقت إلى أن يأتي العشاء ، نظرتُ لسقف المضافة ، وإذ بأفعى تطل برأسها من بين سعف النخيل ، نلقي بتحيتها لضيوف صاحب البيت .
لاحظ أبو سعد ارتباكي ، وتعلق نظري بالسقف ، فابتسم قائلا ( أفعى البيت تبقى بالحيط يا أستاذ لا تؤذي . ما تخاف . ) . ثم أضاف شارحا قدراته العلمية في هذا المجال : اقتل العقرب يا أستاذ . اقتل العنكبوت . لكن لا تقتل الغراب الأسود وأفعى البيت .
جاء طعام العشاء على سدر ، يتكون من أرز ولحم ، حين جلسنا في الساحة التربية أمام بيت أبي سعد على ضوء القمر . جو رومنسي ، وعشاء فاخر . مددت يدي نحو سدر الأرز في اول لقمة والثانية ، وإذا بأصابع يدي اليمنى ترتج . سحبت يدي بسرعة ، وإذا بأبي سعد صاحب البيت ينفجر ضاحكا وهو يقول : إنها ليّة الخروف يا أستاذ . كدتُ أنفجر ضاحكا ، فكتمتُ ضحكتي وغبائي .
يتبع ...
خرجتُ من المسجد مغتاظا ، ولولا أني كنت في المسجد ، لكان هناك تصرف آخر معه ، خاصة وأني كنت معلما معارا ، ومن الصعب إلغاء عقدي وتسفيري كمن هم بالعقد الفردي .... وبقيت طول العام الدراسي لم أخاطبه بشيء ، وهو الذي كان يعمل مراسلا في المدرسة التي كنت أعمل فيها .
التقيت أبا سعد جاري وصاحب البيت، وأصّر على أن أتناول العشاء تلك الليلة ، بمناسبة قدوم ابنه الأكبر لزيارته من مكة ، فلبيت الدعوة مضطرا ، ليس تكبرا وغرورا ، ولكن لاعتبارات أخرى لا مجال لذكرها الآن ، فكان الموعد بين صلاتي المغرب و العشاء .
كان من عاداتنا المتبعة أن نلتقي في يوم الجمعة عصرا ، عددا من المعلمين ، نكاد نشكل جامعة الدول العربية ، من الاردن وفلسطين ، من العراق ومن سوريا ، من مصر ومن تونس والمملكة المغربية ومن السعوديين ، إضافة إلى بعض المرافقين لزوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم المعلمات . وغالبا تكون الساحة الواسعة أمام بيت الصديق الصدوق نصر حمدي الباشا ، والتي لا زالت تربطني به صداقة منذ ثلاثين عاما ، وأيضا الصديق المحب علي عسيري من مدينة أبها ، وكان مديرا لمدرسة قريبة من الحيمة . ولكل منهما قصة جميلة ولطيفة ، سأذكر بعضا منها إن شاء الله ، وكان حديثنا في العادة يصب الحرب العراقية الإيرانية ، وتحليل بعض النتائج التي تتناثر لنا من بعض وسائل الإعلام النادرة جدا في ذلك الوقت . فغير الإذاعات وبعض الصحف التي مضى على صدورها أكثر من أسبوع ، أو تلفزيون أسود وأبيض صغير ، عطله أكثر من تشغيله . ثم ننتقل في الحديث عن الوطن والاشتياق للوطن والأولاد ، من المعلمين الذين قدموا إلى هنا وتركوا زوجاتهم وأولادهم في الوطن ، ولا ننسى لعبة الورق التي كانت تساهم في نسيان صعوبة الاشتياق ، وشظف العيش في القرية .
قمتُ بأداء صلاة المغرب ، وتوجهتُ لبيت أبي سعد غير بعيد . دخلتّ المضافة فكانت مبنية من الطين ، مسقوفة بالخشب وسعف النخيل ، والإضاءة خافتة . جلستّ في المكان الذي أجلسني فيه صاحب البيت ، ثم قام بصب القهوة العربية لي ، ورغم كا كانت معدتي تعاني من وجع ، شربتُ فنجان القهوة مجاملا لصاحب البيت . حاولت أن أنشغل ببعض الوقت إلى أن يأتي العشاء ، نظرتُ لسقف المضافة ، وإذ بأفعى تطل برأسها من بين سعف النخيل ، نلقي بتحيتها لضيوف صاحب البيت .
لاحظ أبو سعد ارتباكي ، وتعلق نظري بالسقف ، فابتسم قائلا ( أفعى البيت تبقى بالحيط يا أستاذ لا تؤذي . ما تخاف . ) . ثم أضاف شارحا قدراته العلمية في هذا المجال : اقتل العقرب يا أستاذ . اقتل العنكبوت . لكن لا تقتل الغراب الأسود وأفعى البيت .
جاء طعام العشاء على سدر ، يتكون من أرز ولحم ، حين جلسنا في الساحة التربية أمام بيت أبي سعد على ضوء القمر . جو رومنسي ، وعشاء فاخر . مددت يدي نحو سدر الأرز في اول لقمة والثانية ، وإذا بأصابع يدي اليمنى ترتج . سحبت يدي بسرعة ، وإذا بأبي سعد صاحب البيت ينفجر ضاحكا وهو يقول : إنها ليّة الخروف يا أستاذ . كدتُ أنفجر ضاحكا ، فكتمتُ ضحكتي وغبائي .
يتبع ...