وساط جيلالي - قريبتي فاطنة..

في نهاية كل شهر تأتي من الدُّّوار إلى المدينة ، تقطع حوالي عشرين كيلومتر ، تستقل إحدى عربات الكَارّو وتُؤدّي عشرة دراهم ، وعندما تصل تتجه مُباشرة إلى مركز البريد وتصْطَفُّ في الطّابور ، وتظل تنتظر حتى يحين دورها و يصرفوا لها المعاش الهزيل ٠
وهي أحيانا تزورنا ، وأنا أسعد كثيراً بزيارتها ، أرحب بها وأقسم أن تعد لنا الشّاي الذي لا أحد يُعِدّه مثلها ، وأجلس مقابلا لها ، شعرها أحمر اللون ، وجهها أسمر من لفح الشمس ، ورغم السّن والتّجاعيد لا تزال تحتفظ بأسنانها النّاصعة البياض كاملة ٠
يروقني سماع أحاديثها ، لثغتها جميلة وصوتها تتخلّله نبرة مؤثرة ، ورائحتها المرتبطة بأشياء القرية أروع شذا ٠
كانت قد حدثتني عن زواجها بابن عمها وهي في السّابعة عشر ، عن انتقالهما إلى المدينة حيث أصبح يعمل في المنجم ، عن انبهارها بالمنزل الصغير المتواضع الذي سكناه ، حدثتني عن سهرها في فناء البيت وهي تُراقب النجوم لتوقظ زوجها ليذهب إلى العمل في دجى الليل ، عن فرحها يوم كان يتسلم أجرته ويشتري اللحم والفواكه ويمنحها قليلاً من المال ٠
وأنهت حكايتها :
ـ " ذلك اليوم تأخّر ، وبقيت أنتظر حتّى الغروب ، ثم جاءت سيارة نزل منها واحد وبقي الآخرون ، طرق الباب ولمّا فتحته قال : البقية في حياتك ، الجبل انهار وزوجك مات تحت الأنقاض ، وقبل أن يُغادر أضاف : لديك مُهلة شهر لِتُخلي الدّار ."
رفضوا حتّى أن يُخْرِجوه من تحت التراب ، وقالوا إن الأمر مكلف جِداً ٠
وهكذا عادت فاطنة إلى الدّوّار ، وفي نهاية كل شهر كانت تأتي إلى المدينة لتتسلّم المعاش الهزيل .
التفاعلات: جاسم الحمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...