مقتطف محمود شاهين - عديقي اليهودي (5)* طيور الحجل تعرف أهلها!

طيور الحجل تعرف أهلها!


لم يتوقع يعقوب أن أعيد له بندقيته بهذه السرعة . فقد قررت إعادتها له لعدم حاجتي إليها، ولتأكدي من أن قتلي مسألة سهلة إذا ما قرر هو أو سلطته ذلك .

أغرب ما حدث معي هذا اليوم وأنا أقطع الوادي للقاء يعقوب ، حاملا البندقية ، أن طيور الحجل لم تغيّر عادتها في عدم الخوف مني، رغم أنني أحمل البندقية التي طالما رأتها كثيرا تفتك بأخواتها على يدي يعقوب . كانت تفر بضعة أمتار على سطح الأرض، ثم تتابع درجها أو تتوقف إلى أن أمر، على مقربة أقدام منها ، إلى حد أنني شعرت أن بإمكاني أن أمد يدي لأمسك إحداها . شكرت الله في سريرتي لجعل الطيور تتعرف علي رغم أنني أحمل بندقية خصمي التي تفتك بها "

التقيت يعقوب في المكان نفسه .

قلت ضاحكا وأنا أقدم البندقية له :

- إليك بندقيتك يا عديقي السلود! في مقدورك أن تقتلني إن شئت !

أركنها إلى الحائط وطرح حزام الطلقات إلى جانبها .

- لن أقتلك يا عارف وآمل أن لا أضطر إلى ذلك يوماً ما.

جلسنا في الظل إلى جوار بعض . يبدو على يعقوب أنّه لا يعرف من أين يبدأ ! أخرج علبة سجائره ودعاني إلى واحده منها بعد أن فتحها . أشرت بيدي أن لا أريد وأنا أهتف " شكرا " أشعل سيجاره بولاعة صينية عادية وأطرق للحظات :

- في الحقيقة لا أعرف من أين أبدأ معك يا عارف، لكثرة المسائل التي طرقتها أمامي، ولكثرة ما يدورفي مخيلتي . عشرات وربما مئات الأسئلة. ما رأيك أن تحدثني شيئا عن حياتك الشخصية . الأسرية مثلا ؟

- هذه مسألة تحتاج إلى وقت طويل آخر وربما ظرف مختلف.. يمكنني أن أختصر لأقول أنني الآن أعيش وحيدا ، ومتفرّغا لعملي ومطالعاتي . أعشق الوحدة لأنها تمنحني الهدوء والوقت للكتابة والقراءة والتأمل والتفكير . أرسم أحيانا حين أكون متعبا من الكتابة والقراءة . وأحيانا أجلس لأستمع إلى الموسيقى التي أعشقها لأنها تحملني إلى عوالم مختلفة وذكريات .. وأحيانا أعزف على الناي . أمارس إحدى هواياتي في لعب الشطرنج حين أحتاج إلى راحة أجد فيها خصما جيدا !

- أي نوع من الموسيقى تحب ؟

- أحب كل شيء وإن كنت متعلقا بالموسيقى الشرقية أكثر من غيرها ، يحتل الناي بصوته الشجي مكانة خاصة في نفسي وهو يتسرب متغلغلا في شرايين دمي ومسامات جسدي ولواعج نفسي. ينقلني من وجع السنين إلى آفاق المطلق وأغوار المجهول .

- ألم تتزوج في حياتك ؟

- تزوجت مرتين ، وعرفت بعض النساء الأخريات . حاجتي الماسّة إلى التأمل والقراءة والكتابة، كانت تدفعني دائما إلى تجنب بناء أسرة ، وتجنب العلاقات الإجتماعية غير الضرورية ، إلى أن وجدت نفسي أطمح إلى الوحدة .. أعيش وحيدا منذ ما يقرب من ربع قرن .

- من ماذا تعتاش ؟

- أعتاش على تقاعد بائس من السلطة الفلسطينية، كوني عملت في أحد فصائل منظمة التحرير لأكثر من ربع قرن . إضافة إلى دخل بسيط عن مقال ما أو بيع لوحة بين فترة وأخرى . وثمة مبلغ كنت قد ادخرته من معارض للرسم أقمتها سابقا في أوروبا وبلدان عربية . ألجأ إليه شهريا لاستكمال ما ينقصني من أشياء . وقد أوشك على النفاد .

توقفت عن الكلام فيما أطرق يعقوب مفكرا في أمر ما يسألني عنه ، غير أن سربا من طيور الحجل دهمنا وهو يفر مذعورا من ثعلب ما كمن له ، قطع عليه تفكيره ، وسارع إلى تناول البندقية التي لم تكن محشوة .. فقد أفرغتها من طلقتيها منذ أن فارقني يعقوب في اليوم الأول للقائنا . نبّهته إلى ذلك ورجوته ألا يحشوها وأن لا يستخدمها بوجودي. وكان سرب الحجل قد ابتعد ما عدا واحدة ، دفعها الرعب لأن تلجأ إلي، حتى أنها استقرت في حضني ، واستكانت إلى ذلك حين رحت أملس على رأسها وعنقها وظهرها .. بدا من حجمها أنها الأم، وتوقعت أن تكون إحدى الحجلات التي ربيتها في بيتي قبل أشهر، حين عثرت عليها فراخا صغيرة في عش دون أم وأب ، يبدو أن يعقوب قد اصطادهما .. أخذت االفراخ إلى البيت وأشرفت على تربيتها إلى أن كبرت ، فأطلقت سبيلها .. كثيرا ما كنت آخذ واحدا وأداعبه وأملس على رأسه وظهره فيستكين إلى حضني . وكانت أحيانا تفاجئني بعودة إلى البيت ، وكأنها تأتي لزيارتي، فأقدم لها ما تيسر من حبوب وماء .. تبقى في ضيافتي لبعض الوقت ثم تغادر حين تشاء.

أعاد يعقوب البندقية إلى مكانها وفغر فمه مندهشا وهو يرنو إلى الحجلة التي استكانت إلى حضني ، دون أن يصدق نفسه . وما لبث أن هتف :

- ما هذا بحق السماء هل تعرفك الطيور ؟

- ولماذا لا تعرفني طالما أتجول كثيرا في بطاحها دون أن اؤذيها، وأقدم المساعدة إلى من يحتاج منها إليها .

- وتحبك أيضا ؟

- إنّها طيور بلادي يا يعقوب ، تعرفني وأعرفها ، ولست غريبا عليها مثلك ! ولا أسعى إلى قتلها كما تفعل أنت ! فلماذا لا تحبني؟!

قبلت الحجلة على رأسها وأطلقتها لتدرج على مهل متتبعة أثر سربها.

ظهر الثعلب بعد لحظات في السفح المقابل لنا، وهويضبح مصوّتا، وكأنه يندب يومه العاثر لعدم تمكنه من افتراس حجلة من السرب. سارع يعقوب ثانية إلى مد يده إلى البندقية . زجرته :

- إياك !

تساءل بدهشة :

- حتى الثعلب لا تريد أن أصطاده ؟

- بوجودي فقط ! لك أن تفعل ذلك في غيابي.

أذعن لي ، متقبلا الأمرعلى مضض! شكرته على ذلك!

*****

ظل يعقوب صامتا لفترة بدت لي أنها طالت أكثر من اللازم . تساءلت :

- ما الذي خرجت به بعد كل هذا الصمت؟

- في الحقيقة يا عارف أفكر بأقصر الطرق التي يمكن أن تقودنا إلى نتيجة مقبولة للخروج من هذا المأزق!

- الفلسطينيون اختاروا الطريق وأنتم من أغلقه بعدم تنفيذ ما اتفق عليه، بل وتجاهله بالإستيلاء على الأرض وكل ما يتبع ذلك من أفعالكم .

- كيف يمكن اقناع دولتنا بأن كل ما تفعله ليس في صالحنا وصالح أجيالنا ؟

- لن تقتنع طالما هي بهذه العقلية العنصرية رغم أن الوعد لابراهيم شمل في أهم نصوصه نسل ابراهيم كله، والعرب يعتبرون أنفسهم من نسل اسماعيل بن ابراهيم من هاجر: " في ذلك اليوم قطع الرب ميثاقا مع ابرام قائلا : " لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهرالكبير نهر الفرات "15/18 فالوعد واضح وصريح لنسل اسحق واسماعيل وليس لنسل اسحق وحده. هذا إذا أردنا أن تعامل مع الأسطورة بمنطق الواقع ، حسب ما أراد كاتب النص،

- قادتنا يتقصدون إغفال هذه الحقيقة. وطالما هم بهذه العقلية فلن يحل المشكلة غير يهوه نفسه ! كأن يظهر لنا ليقول أنه منح الأرض للنسل كله !

- ولن يظهر بالتأكيد كما لم يظهرمن قبل إلا في مخيلة الكتبة . حتى أنت غير المتدين، أعلنت لي في بداية لقائنا ، أنك ستظل متمسكا بكذبة الوعد هذه، ومؤمنا بيهوه، حتى لو لم يكن له وجود ، طالما أنه منحكم أرضا ووطنا .

- صحيح ! لكني بدأت أفكر في الأمر بعد حواري معك، ولو حرصا على مصلحة أجيالنا في المستقبل . فالمشكلة لا تكمن في كون أصلنا من اليمن أو من مصر أو العراق أو من هنا أو من أي بلد آخر في العالم ، المشكلة في وجود هذا الإله وتصديق وعده بمنح الأرض لنا ، فإذا ما اقتنعنا أن الإله نفسه، وحسب ما قدّمه لنا كتبة التوراة، لم ولن يوجد يوما ، بات حل المسألة ممكناً!

- ألم تقتنع بعد؟

- أكيد لم أقتنع، لكني بدأت أفكر، لأن تحليلك يستند إلى المنطق والعلم . واستنتاجك أن الإله التوراتي إله أوجده الكتبة في عصر تدجين المواشي واكتشاف الزراعة استنتاج منطقي وعلمي في الوقت نفسه . وليس في الإمكان تجاهله . ورؤيتك لطوفان نوح ينطبق عليها المنطق نفسه . وحاشا أن يكون الله حسب ما قدمّه لنا هؤلاء الكتبة ، هذا إذا كان هناك إله فعلا !

- يبدو أنك في حاجة لأن أعود بك إلى قصة الخلق نفسها ، لتقتنع أنها قصة متخيلة من تأليف عقل بشري بدائي وليس ثمة علاقة لله بها .

- بل وإلى التوراة كلها كونها الأصل الذي تقوم عليه اليهودية !

- وماذا عن التلمود وما يتبعه من كتب ؟

- المهم هو التوراة وسنتطرق إلى التلمود إذا ما احتجنا إلى ذلك .

*******

"ليس هناك ما هو أسخف من أن لا يفهم المرء دينه، أو ما يعتقد أنه دينه ، ويظل مؤمنا به على علّاته، ولا يقبل بأي جدل حوله أو نقد له، انطلاقا من قدسيته . وما يدعو للعجب أن أقوم أنا غير اليهودي، بإفهام هذا اليهودي دينه ، لعله يقتنع يوما أنني شريك له في هذه الأرض ، التي غزاها قديما وحديثا بناء على وعد إلهي حسب ما يدعي"

كان يجلس صامتا منتظرا أن أبدأ حديثي .

أخرجت من حقيبة كتفي جهاز الكومبيوتر الصغير الذي قررت أن أصحبه معي ، فالبحث والقراءة على الهاتف الجوال ، أمران متعبان .

بحثت عن سفر التكوين وشرعت في الكلام :

- يخبرنا كتاب التوراة اليهودية يا يعقوب (المنسوب إلى عزرا ونحميا وغيرهما من الكتبة) من مطلع الفقرة الأولى في سفر التكوين عن خالق هو الله قام بخلق السموات والأرض ، دون أن نعرف ما هو هذا الخالق وكيف عرفه الكاتب وعرف عنه هذه المعلومات .. فهل له شكل وجسم مثلا أم لا ؟ وإذا كان له جسم فهل هوشبيه بجسم الإنسان أم ماذا ؟

"في البدء خلق الله السموات و الارض "!

لاحظ الخلق بالجملة للسموات بينما لا يوجد سوى أرض واحدة . ولا نعرف كيف عرف الكاتب أن هناك سماوات وأن هذا الخالق خلقها ومتى وكيف ؟ العلم أثبت أنه لا يوجد سماوات بل فضاء لا نهاية له . وأن هناك كواكب كثيرة غير الأرض .

ثم يخبرنا في الجملة الثانية أيضا بما لا نعرف كيف عرفه ، فهل أخبره الله بذلك ومتى وكيف وأين ؟:

"وكانت الارض خربة و خالية و على وجه الغمر ظلمة و روح الله يرف على وجه المياه "

وهكذا يخبرنا الكاتب أنه كان لله روح وأنها كانت ترف كطائر فوق المياه ، دون أن نعرف ما هي الروح ، ومتى خلق الله المياه ،التي كانت موجودة من قبل كما يبدو، ولنعرف ضمنا أن الظلمة لم تخلق أيضا بل كانت موجودة من قبل هي الأخرى . وقصة معرفة الكاتب لكل هذه المسائل ، التي لا نعرف كيف عرفها، تظل منسحبة على كتاب التوراة كله مما يشير إلى أنه تأليف أدبي، كأي تأليف أدبي في زمننا يظهر فيه المؤلف ملماً بكل شيْ مع أن البطل هنا إله :

في الجملة الثالثة يخلق الله النور:

"و قال الله ليكن نور فكان نور"

وبهذا نعرف أن الإله التوراتي ( حسب ما يرى كاتب النص) يخلق بفعل الأمر الإلهي المخفف " ليكن " دون أن نعرف كيف خلق النور" قبل أن يخلق الشمس والقمر، مع انه لم يكن لديه أي تصور للنور قبل خلقه ، فهو يقول :

" 1: 4 و راى الله النور انه حسن "

فالله لم يعرف أن النور" حسن " إلا بعد أن رآه . وهذا ما سنلمسه في معظم أشكال الخلق التالية ، حيث لا يرى الله حسن خلقه إلا بعد أن يخلقه ، مما قد يشير إلى عدم وجود صورة مكتملة في خيال الله لما سيخلقه ، إلا الكلمات المجردة التي كانت تسبق عملية الخلق ، وسنرى أن هناك بعض المفردات التي أطلقها الله على خلقه بعد عملية الخلق ، وهذا يعني أن اللغة لم تكن قد اكتملت في التصور الإلهي ، التي سبقت عملية الخلق ، كما لا نعرف أي لغة هي ؟ والإشارة إلى " ورأى الله " تفيدنا بوجود عيون لله وإلا لما رأى . ووجود عيون يستدعي وجود جسم وشكل ، ولم نعرف حتى الآن ما هو جسم الله وكيف شكله ؟ كما أن وجود عيون له يشير إلى أنه ليس روحا مجردة . ويمكن القول أنه جسد وروح . أي جسد وحياة حسب فهمنا للروح .

" و فصل الله بين النور و الظلمة:

1: 5 "ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا وكان مساء و كان صباح يوما واحدا "

لا نعرف كيف فصل الله بين النور والظلمة ،وكيف صارهناك يوم فيه نهاروليل ومساء وصباح ، فالله لم يخلق لا الشمس ولا القمر ولا النجوم والكواكب بعد . ومن الواضح أن الله كان يستريح في المساء ( ربما لأنه لا يجيد الخلق في الظلام ) ثم إن اليوم لا يكتمل عنده إلا في الصباح حيث يبدأ يوم جديد كما هي الحال في الحس الشعبي . هذا خيال كاتب بدائي يا يعقوب وليس خيالا إلهياً.

يعود كاتب النص في الإصحاحات اللاحقة، إلى ما يبدو أنه محاولة غامضة، بل وفاشلة، لتفصيل وتوضيح ما حدث ، فيخبرنا كيف فصل الله بين المياه وكيف أوجد السماء ( وليس السموات كما أخبرنا من قبل ) مستخدما أفعال أمر مخففة تتطلبها العملية المطلوب خلقها :

"1: 6 و قال الله ليكن جلد في وسط المياه و ليكن فاصلا بين مياه و مياه "

هذا النص يشير إلى ان الوجود كله كان عبارة عن كون من الماء! كما في التكوين البابلي.

1: 7" فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد وكان كذلك"

1: 8 "ودعا الله الجلد سماء و كان مساء و كان صباح يوما ثانيا "

إذا كان الجلد سماءً حسب ما دعاه الله، فكيف يستقر الماء فوقها وتحتها ؟ فالسماء يفترض أنها فضاء غير متناه، فلا فوق لها ولا تحت أيضا ، لأنك أينما ذهبت لن تجد حدودا لها ، حتى يكون لها فوق وتحت . وهذا التصوريشير إلى سماء أشبه بخيمة كبيرة لها سقف وأرض بحيث يمكن أن تستقر مياه فوق السقف وتحت على الأرض .

وقد استغرقت هذه العملية يوما كاملا مع الله ، بعكس عمليات الخلق الأخرى التي يحدث فيها خلق الكثير .

في اليوم الثالث نتابع ظهور اليابسة والبحار وخلق النباتات :

"1: 9" و قال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة وكان كذلك" .

هذا التصوًر غامض أيضا . فالمياه التي يفترض أنها تحت سقف السماء ( حسب تصور المؤلف / الكاتب ) كانت تغطي الأرض فقام الله بجمعها في مكان واحد ، فأي مكان هذا الذي يتحدث عنه المؤلف ، هل قام الله بحفراخدود كبيرأو هوة عميقة جعل المياه تذهب إلى أحدهما ؟

1: 10" ودعا الله اليابسة ارضا ومجتمع المياه دعاه بحارا و راى الله ذلك انه حسن".

واضح أن الكاتب لم يكن يعرف أي كواكب أخرى غير الأرض، وأنه لم يتم خلق كواكب غيرها، كما لم يكن يعرف من مستقرات المياه غيرالبحار، ويبدو أنه لم ير محيطا في حياته!


1: 11" و قال الله لتنبت الارض عشبا و بقلا يبزر بزرا و شجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الارض و كان كذلك" .

1: 12 "فاخرجت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه و شجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه و راى الله ذلك انه حسن "

مسكين هذا المؤلف كم ظلم الله . فهو لم يكن يعرف ضرورة الشمس والضوء لعملية الخلق. فخلق النباتات والأشجار قبل أن يخلق الشمس . بالتأكيد لم يكن يعرف بعملية التمثيل الضوئي والطاقة الكهرومغناطيسية ومختلف التفاعلات التي تجري بين الضوء وعملية نمو النباتات .

1: 13" و كان مساء و كان صباح يوما ثالثا" .

لن ندخل في تفاصيل النباتات والأشجار وأنواعها لأن المؤلف لم يكن يعرفها بالتأكيد ، ولم يأت على ذكرها إلا تعميما ..

في اليوم الرابع يخلق الله النجوم ويقسم الزمن إلى أيام وسنين دون أن نعرف كيف . وسنتجاهل ما أخبرنا به الكاتب من قبل أن الله فصل بين النور والظلمة ، وأحدث الليل والنهار . وأن عملية الخلق كانت تتم بشكل يومي :

": 14 و قال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار و الليل و تكون لايات واوقات وايام و سنين "

1: 15" و تكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض و كان كذلك "

1: 16" فعمل الله النورين العظيمين النور الاكبر لحكم النهار و النورالاصغر لحكم الليل والنجوم "

1: 17 "و جعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض "

واضح أن النورين العظيمين هما الشمس والقمر ، وكان يفترض أن يخلقا قبل خلق النور، بل وقبل خلق النهار والليل ، وقبل خلق النباتات والأشجار وحتى قبل خلق الأرض نفسها.

العلم يخبرنا أن عمر الأرض قرابة أربعة مليارات ونصف المليارعام ، بينما الخلق قائم منذ قرابة أربعة عشر مليار عام ! وهذا يعني أن ظهور الأرض تأخر أكثر من تسعة مليارات عام على بدء عملية الخلق !

1: 18" و لتحكم على النهار والليل و لتفصل بين النور و الظلمة و راى الله ذلك انه حسن "

كم مرة سيعيد الكاتب لنا حكم الليل والنهار والفصل بين النور والظلمة. هل يعقل أن البشر لا يدركون أن هؤلاء الكتبة لفقوا على الله ما صورته مخيلاتهم ؟

أليس كذلك يا يعقوب ؟ هل أنت معي وتستمع إلي أم أنك نعست ولم تعد تستوعب شيئا ؟

- بل أنا معك يا عارف وأكتشف كم نحن حمقى ! لا أكاد أصدق ما أسمعه ..حين قرأت سفر التكوين هذا ، قرأته كمسلمات ولم أفكر في كل ما أبديته من نقد.

- معظم الناس يقرأون النصوص المعتبرة دينية كمسلمات وحقائق ولا يفكرون في محتواها ومنطقها إلا من باب التصديق!

حسنا يا عديقي !! لنتابع:

في اليوم الخامس يخلق الله مخلوقات البر والبحر من الطيور والأسماك . ولم يذكر الله من مخلوقات البحر إلا (التنانين ) وهي مخلوقات اسطورية لم يثبت لها وجود .

في اليوم السادس يخلق الله البهائم والوحوش وجميع دبابات الأرض والأهم أنه يخلق الإنسان أيضا وعلى صورته :

1: 26 "و قال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طيرالسماء و على البهائم و على كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض "

1: 27" فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و انثى خلقهم "

وهذا يعني أن الله يشبه الإنسان في شكله طالما أنه خلقه على صورته.

تمت عملية خلق الذكر والأنثى معأ .. ومن ثم باركهم :

1: 28 وباركهم الله و قال لهم اثمروا و اكثروا و املاوا الارض و اخضعوها و تسلطوا على سمك البحر و على طيرالسماء وعلى كل حيوان يدب على الارض "

يلاحظ أن الله خلق أكثر من ذكر وانثى ، فالكاتب يستخدم ضمير الجماعة (هم ) وليس ضمير المثنى إذا كان الخلق قد بدأ بذكر واحد وأنثى واحدة ، كما هو معروف . كما أنه يستخدم مفردات تشير كلها إلى جماعة بشرية : اثمروا واكثروا و املاوا الارض و اخضعوها و تسلطوا !! ويتعامل مع مفردة الإنسان كنوع وليس كفرد بعينه أو فردين معروفين : آدم وحواء . وسنكتشف لاحقا عملية خلق مختلفة لآدم وحواء.

ويختتم الله يومه السادس باستحسان ما صنع :

1: 31 و راى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا و كان مساء و كان صباح يوما سادسا "

وهكذا أكمل الله عملية الخلق واستراح في اليوم السابع من عمله :

" 2: 2 و فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل "

لكن النص يعود بنا في الفصل الثاني إلى عملية الخلق ثانية فيما يبدو أنه عملية خلق جديدة ، أو توضيح فاشل لما سبق وتم خلقه ، فيخبرنا أن :

" الرب الاله لم يكن قد امطر على الارض و لا كان انسان ليعمل الارض " 2/5

لقد نسى الكاتب أمرين : أن الأرض كانت مغمورة بالمياه فهي ليست في حاجة إلى مطر حينذاك ، ونسى أنه خلق النباتات والإنسان ذكرا وأنثى ، ثم إن الله الذي يخلق كل شيء بالأمر الإلهي قادرعلى خلق النبات دون مطر.

ويعود ليخبرنا عن خلق آدم دون حواء :

2: 7 و جبل الرب ألإله آدم ترابا من الارض و نفخ في انفه نسمة حياة فصارادم نفسا حية "

نجد أن عملية الخلق هنا لا تتم بأمر إلهي بل باليدين وبجبل التراب والنفخ في الأنف! ولكائن هو آدم ، لا يذكر أنه على صورة الله كما في الخلق السابق ، الذي تم فيه خلق ذكور وإناث!

ثم يخبرنا الكاتب عن غرس جنة ووضع آدم فيها:

"2: 8 و غرس الرب الاله جنة في عدن شرقا و وضع هناك ادم الذي جبله "

غرس الرب الجنة غرسا .. أي زرعها زراعة ، ولم يخلقها بأمر إلهي ! كما أن الكاتب لم يخبرنا أي شرق هذا الذي تكون عدن فيه ، هل هو شرق الأرض أم شرق السماء. لكن خلق الكائنات الحية على الارض يشير إلى أن خلق آدم قد تم على الأرض ومن ترابها ، وأن عدن هذه التي غرس الله جنة فيها ، هي على الأرض وليست في السماء ، كما هو شائع عند الناس! ويذكر الكاتب نهر الفرات من بين الأنهارالأربعة التي تفرعت عن النهر الذي يخرج من الجنة ، كما يذكر اسم آشور :

2: 14 و اسم النهر الثالث حداقل و هو الجاري شرقي اشور و النهر الرابع الفرات "

ولا نعرف إن كان هناك أشور وفرات غير المعروفين تاريخيا .


2/13 واسم النهر الثانى جيحون، وهو المحيط بجميع أرض كوش

وأرض كوش تذكر بعض المصادرأنها الحبشة ( أثيوبيا) فيما تذكرأخرى أنها كانت مملكة في منطقة النوبة شمال السودان وجنوب مصر. وفي هذه الحال قد يكون جيحون هو النيل !

2: 14" واسم النهر الثالث حداقل و هو الجاري شرقي اشور والنهر الرابع الفرات "

وإذا كانت آشور هي آشور المعروفة تاريخيا شمال ما بين النهرين فإن كاتب سفر التكوين ينقلنا بين قارتي آسيا وافريقيا، ولا نعرف كيف تفرعت أربعة أنهارمن النهر الذي ينبع من الجنة ليخترق بعضها أو أحدها على الأقل، القارتين . وإذا كان نهر الفرات هونفسه المعروف اليوم ومنبعه من جبال طوروس في تركيا ، فإن عدن وجنتها تكون في تركيا !

ويذكرالكاتب شجرتين في
الجنة ، تكمن معظم مآسي البشرية فيهما : شجرة الحياة ، وشجرة معرفة الخير والشر . فالاولى للخلود والثانية للمعرفة ، وهما الأمران اللذان لم يكن الله يريدهما للإنسان ، لكي يحظى هو وحده بالخلود والمعرفة ، حسب رأي المؤلف! يمكن أن لا يريد الله خلودا للإنسان ، أمأ أن لا يريد له معرفة ، فهل يعقل هذا ؟ لماذا خلقه إذن ؟ وهل يعقل أن يضع الله سرالمعرفة في شجرة؟! وإذا كان مؤلف النص نفسه يقول إن الله خلق الإنسان ليعمل الأرض ، فكيف سيعمل الإنسان إذا لم يكن لديه معرفة ؟ هذه إحدى أهم التناقضات التي وقع المؤلف فيها .

ما رأيك بهذا المؤلف يا يعقوب ؟

- واضح أنه مؤلف جاهل لا يعرف شيئا !

- مؤلف جاهل يؤلف كتبا عن الله ، وأنتم أمضيتم أعماركم تتبعون فكرهذا المؤلف الجاهل حسب رأيك ! إنطلاقا من أن مؤلفه وحي من الله ! وقصة سرالمعرفة الموضوعة في شجرة مأخوذة من العقائد السابقة.

- للأسف هذا هو الواقع .

- لنتابع :

2: 9 وانبت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للاكل وشجرة الحياة في وسط الجنة و شجرة معرفة الخير و الشر "

ونهى الله آدم بعد أن وضعه في جنة عدن ألا يأكل من شجرة المعرفة لأنه سيموت إذا ما أكل :

2: 16 واوصى الرب الاله ادم قائلا من جميع شجر الجنة تاكل اكلا

2: 17 و اما شجرة معرفة الخير و الشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها موتا تموت "

هل يعقل أن يمارس الله هذا الإرهاب على مخلوقه، مهددا إياه بالموت، إذا ما أكل من ثمر الشجرة ، والموت هذا هو الوحيد الذي يبدو أن الله كان يعرفه قبل أن يوجد ، فلم يكن هناك موت لأي من المخلوقات بعد . ويفترض أن كل ما يحدث حتى حينه لم يتجاوز الأيام الستة التي تم فيها الخلق . كما أننا لا نعرف كيف عرف آدم ما هو الموت طالما أنه لا يعرف شيئا بعد ، وكيف أطلق أسماء على الحيوانات والطيور كما سنرى !

يعود الله لينسى ( أو أن الكاتب ينسى ) أنه خلق إناثا من قبل ، فقرر أن يخلق أنثى لآدم :

2: 21 فاوقع الرب الاله سباتا على ادم فنام فاخذ واحدة من اضلاعه و ملا مكانها لحما

2: 22 و بنى الرب الاله الضلع التي اخذها من ادم امراة و احضرها الى ادم

2: 23 فقال ادم هذه الان عظم من عظامي و لحم من لحمي هذه تدعى امراة لانها من امرء اخذت

نجد هنا عملية خلق للإنسان مختلفة عن الخلقين السابقين، كما نجد أن آدم يعرف لغة، ويعرف لحمه وعظمه ويعرف المرأة من الرجل، أي أنه ليس معدوم المعرفة ، مع أننا لم نرالله يهبه أية معرفة ، بل كان الكاتب حريصا على أن يقول لنا أن آدم وحواء لم يكونا يعرفان أنهما عاريان ، أي لم يكن لديهما معرفة ، ولا يعرفان ما هي المعرفة :

2: 25" و كانا كلاهما عريانين ادم و امراته و هما لا يخجلان "

وقد نسى الكاتب أنه أخبرنا في فقرة سابقة أن الله جمع الطيور والحيوانات لآدم ليطلق على كل طائر وحيوان اسمه ، ونسى الله او الكاتب أن آدم لا يعرف لغة وليس لديه معرفة ، فكيف أطلق أسماء على الحيوانات والطيور ؟!

2: 19 و جبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية و كل طيور السماء فاحضرها الى ادم ليرى ماذا يدعوها و كل ما دعا به ادم ذات نفس حية فهو اسمها "

الله يجبل بيديه الآلاف من أنواع الطيور والحيوانات ، ولا نعرف أين ذهب الأمرالإلهي القادرعلى الخلق بسرعة مطلقة ، كما لا نعرف كم استغرق جبلها ومرورها أمام آدم ليطلق عليها أسماء دون أن يعرف لغة. وقبل أن يأكل من ثمر الشجرة! وعملية الجبل هذه يفترض أنها تتم خلال زمن يقل عن اليوم ، وهذا يعني أن الله كان يجبل وينفخ بسرعة فائقة ليتمكن من جبل آلاف الطيور والحيوانات ، دون الحشرات التي لم يتم التطرق إلى جبلها! وهنا يظهر الله بشكل مختلف عن السابق ، فلا يمكن جبل كائن دون أن يكون هناك تصور مسبق له في مخيلته، عكس الخلق السابق الذي لم يكن له تصور مسبق ، أو أنه كان تصورا غير واضح ، بحيث لم يعرف الله مدى حسنه إلا بعد أن خلقه .

لا أعرف ما الذي سيفعله الإله يهوه بهذا الكاتب ( أو بكتبة التوراة كلهم ) إذا ما أتيح له أن يطلع على هذا النص الذي كتبوه ..

إن أي كاتب مبتدئ يمكنه أن يكتب نصا متماسكا ومقنعا أكثر من هذا النص عن الله والخلق . فالنص يفتقر إلى الحد الأدنى من المعرفة والخيال والمنطق ومقومات الخلق ، ومعرفة الألوهة نفسها .

يكفي لهذا اليوم يا يعقوب. سنكمل في اللقاء القادم.

- اشكرك .

- العفو.

****

* النصوص التوراتية منسوخة عن النت ولم أقم بتصحيح أخطائها ، ومعظمها في الهمزة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...