نهار حسب الله - أنا والآخر

الإهداء
إلى المهمشين في كل مكان
إلى تجاعيد الوجوه المتعبة
إلى الآخر الذي أختلف معه
إلى رفيق عمري .. قلقي المزمن

يقول الكاتب والصحفي الاميركي مارك توين:

(صاحب الفكرة الجديدة مُجرم حتى تُكتب لفكرته النجاح) لذا أتمنى أن أبرأ من الجريمة التي ألصقت بأفكاري هذه..

(1)
أنا وهُمْ
أنا وطه حسين

1.
أحصيت أيامي بعدما تنبهتُ لحبيبتي وهي تُقطف الشيب من لحيتي.. ولم أنزعج أو أستغرب من تجاوزي الخمسين من العمر ولا حتى من خصال الفضة التي رَصدتها شريكة عشقي..
نصف قرن من الكد وانا ما زلت اعيش سهراتي الحمراء في نهاية الاسبوع وأستكمل غزلي الصباحي عبر الهاتف وأنا منطلق الى عملي بهمة شاب عشريني.
كنت أقرأ في اليوم ساعة أو أكثر وأستمع لموسيقى الكمنجات السريعة، مما يؤكد فاعلية حواسي الخمسة على نحو جيد..
وفي إحدى قراءاتي للاديب المصري الكبير طه حسين، اعجبتُ بمقولته (طوبى لمن جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ).. وكأنه كان يثني على تنظيم حياتي، ولا أخفي دوره الكبير في حثي على استرجاع شكلي الشبابي وإخفاء لحيتي البيضاء..
ولكني لم أجنِ من شكلي الجديد سوى خسارتي لذلك الشاب الكامن بداخلي والحكيم القابع في فكري، مما أفقدني لذة الحياة بطبيعتها وألصق بي وصف التصابي.

2.
صَهرتُ كُتب الاديب المصري طه حسين في فكري، وحولت كل كلمة فيها الى درس قيم في الحياة الاجتماعية..
عملتُ على اقتباس وتدوين الكثير من مقولاته الرصينة وتوقفت عن جملة أبدعها في كتابه "جنة الشوق" (لو أدبه الشعب حين كذب كذبته الأولى لما عاد إلى الكذب مرة أخرى) وقبل ان أسأل نفسي عن سر هذا اللوم الكبير للمجتمع وتحميله أخطاء الزائفين والطارئين والكذابين.. وجدتُ جيشاً يحاصرني بتهمة شتم السلطة والتحريض لزعزعة الامن العام.

أنا ونيوتن
1.
أحتملت العزلة تسعة أشهر في أحشاء أمي، إلى ان رأفت بحالي وقررت قذفي باتجاه الحياة، لأقبع رغماً عني في حجرة زجاجية ضيقة بحجة الرعاية.. ولأستعد لمواجهة فوضى العالم وضجيجه وانشغاله ببناء جدران على العقول والحريات والافكار.. لأجد نفسي اتنقل ما بين دهليز وآخر، ومن زنزانة الى أخرى..
كربتُ، وكَبرتْ في صدري حسرة الحياة، وارتفعت بنيان الجدران أعلى من قامتي حتى حجبت عني ضوء الشمس، وغدت تقيد تحركاتي وتقتل آفاق فكري ومخيلتي..
تعرفت عن طريق المصادفة الى حكمة العالم الفيزيائي الانكليزي اسحاق نيوتن (نحن نبني الكثير من الجدران والقليل من الجسور) حينها أدركت أن بلادي توارثت تلك الجدران مما جعلها منفية من خارطة العالم..

2.
انجذبتُ لسحرها وجمال وجهها الاخاذ وقوامها الفاتن، وغرقتُ في أعماق بحر ولهها وعشقها اللامنتهي..
صرتُ أتلفظ اسمها ما بين الموت والانفاس المتقطعة والشهيق والزفير، مصارعاً به الهلاك.
أناديها، أناجيها، أخاطبها، أتوسلها الاغاثة، أشم رائحتها من دون الروائح كلها وأراها تقترب.. ولا أراها، فأعاقب نفسي على خيبتي، وأعود لتمني وجودها والغرق في أعماقها مرة أخرى..
وفي صراعي مع الموت والحياة والحب واللا حب.. أسمع صوت نيوتن مُكتشف الجاذبية الكونية، وهو يحاول ان ينجو بنفسه من اللوم الثقيل ويردد مقولته (الجاذبية ليست مسؤولة عن وقوع الناس في الحب) محاولاً اقناعي بعدم ضرورة انجذابها لي ليرغمني على كتم انفاسي والموت بحسرة حبها بهدوء.

أنا ونيلسون مانديلا

1.
لم أكن أعشقها فحسب، وإنما كنتُ مجنوناً بها وأكثر.. لكن خارطة الحياة كانت قد رسمت لها مستقبلاً غير الذي رسمته أيام شبابي.. وباتت شريكة شخص طارئ على حياتها..
نُسي وتلاشى ذلك الغرام اللامنتهي، وسرعان ما انقلبت القصة، واختلف حديث الناس عنها، بعدما كنا مثالاً للحب، للجمال، للألوان، للبلابل..
عَدت الأيام ولم أسمح لنفسي أن أعكر صفوة حياتها المستقرة، وكنتُ أغازل روحي وأسقي ظمأ شوقي برؤية صورتها القديمة، التي خبأتها في قلادة تنسدل من رقبتي حتى صدري.
تارة تلامس قلبي وتداعبه بلطف، وتارة أخرى تنسحب إلى رقبتي وكأنها تحكم علّي بالإعدام..
وذات صدفة التقتني طالبة السماح والنسيان كما دعتني لتسليمها الصورة التي احتفظ بها بداخلي..
فوجئت بطلبها، لأن صورتها كانت سلواي الوحيدة، ولم أجد سبيلاً للهروب والعدول عن تسليم تذكاري الوحيد إلا مقولة المناضل السياسي نيلسون مانديلا )التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل) وتركتها تتابع خطواتي بصمت..

2.
(مواقف الرؤساء في تنمية مجتمعاتهم) عنوان لا يمت بصلة للقصة بل هو عنوان رسالة ماجستير لأحد الأصدقاء الذي قرر البحث في سيرة الزعماء والرؤساء، وهو موضوع يستحق الدراسة بحق..
كان صديقي يقرأ بأهتمام وتمعن كبيرين اقتباسات وأقوال وموافق الرؤساء، ويعمل على تلخصيها ونقلها إليَ لغرض مشاركتي الفائدة، وبوصفي أكثر المهتمين والمتابعين لمشروع عمره..
وذات يوم كان يدرس شخصية نيلسون مانديلا وهو أول رئيس لجنوب أفريقيا بعد انتهاء التمييز العنصري، والذي كان قد قضى جزءً كبيراً من حياته قابعاً في السجن بسبب نضاله السياسي..
بدا صديقي حائراً مستفهماً أمام حكمة مانديلا: (العظمة لا تكون في عدم الوقوع، بل في النهوض عند كل سقوط).. كان ينتظر مني مشاركته في تحليل المقولة..
لم أكن قادراً على خذلان صديقي وبدأت أفسر له ما وصلني من تلك الحروف، بوصفها تشكل حافزاً نفسياً لعدم الاستسلام والاصرار لادراك الهدف.. غير انه قاطعني قائلاً:
لاشك فيما تقول.. ولا شك بأن هذا المعنى يصل لأي قارئ للمقولة منذ الوهلة الاولى.. ولكن لو كررتها أكثر من مرة لتوصلت الى معانٍ أخرى..
ترى هل يعتقد مانديلا ان هناك نهوض بعد السقوط الاخلاقي الذي وقعت فيه مجتمعاتنا.. وهل باتت تمتلك القدرة على النهوض بعدما قطعت قوة الصدمة أوصالها؟

أنا ومظفر النواب

غابتْ الزرقة والصفاء عن السماء، وأصبحت إشراقة الصبح سمراء على غير عادتها، وتحول لون خيوط الشمس من ذهبي إلى أسود قاتم، وصار النهار معتماً..
تساءلت في نفسي عن أسرار هذه التغييرات، وعللت السبب بأنه صراع ما بين الكواكب والشمس.. وكررتُ السؤال في المقهى الشعبي الذي اعتدتُ التواجد فيه ساعات المساء.. وبما ان صباحاتنا صارت مظلمة.. بات سكان الحي يسكنون المقهى من الفجر حتى الغسق.
لم يعر الناس سؤالي أي اهتمام، كانوا ضائعين ما بين الحديث عن البطالة والسياسة ولعبة الدومينو والثرثرة وأصوات أقداح الشاي..

جلستُ وحيداً أراقب تعابير الوجوه الحزينة، وإذا برجل يقترب مني وقتحم وحدتي، لم أتعرف عليه للوهلة الأولى، ولكني عرفت أنه الشاعر العراقي مظفر النواب من نبرة صوته وهو يقول بأسى (قد تُشرقُ الشَّمسُ من حُزننا غَاربة).

منافي السجون شديدة البرودة لدرجة انها لامست عظامنا، ومنى الوسادة صار بعيد المنال، بعدما صارت عظامنا تلتحف الجلود..
كنتُ قابعاً في زنزانة نهارها ليل وليلها طويل.. رحتُ أرسمُ على جدرانها شموساً وغيوماً وأمطاراً وبلابل ووجوه عاشقات وبراءة أطفال.. ولكن العتمة كانت تمحو رسوماتي كلها، لتعيدني الى امنية الحرية المستحيلة.. وما من صوت يجول في رأسي ويقتل الامل في داخلي إلا صوت الشاعر العراقي مظفر النواب وهو يردد مرارا (إذا رأيت عربياً نائماً فأيقظه حتى لا يحلم بالحرية)..
ومن كثرة التفكير بتلك الكلمات أستحال عليّ النوم غير اني غفوت قليلاً وعندئذ أدركت الحلم ولكنه كان مشوشاً بالمرة، ذلك ان مرآة أحلامي كانت مشروخة..

أنا ولطيف هلمت

أعتصر صدري كلما أشتقتُ إليها.. وكأنها محبوسة داخل قفصي الصدري، لا بل وكأنها مستقرة في صميم القلب مع فراشات وطيور وقوارير عطر نادرة خبأتها في داخلي لأجلها وحدها دون جميع النساء..
تنبه الناس لقصتي.. واعتقد البعض إصابتي بمرض ما، فيما تعاطف البعض الاخر مع حالتي هذه من دون التعمق في خصوصيتي..
أستمر شوقي اللا منتهي في ظل غيابها الطويل واللا مبرر... إلى ان جاءت لحظة رؤياها، فلم أجد سبيلاً لتبرير سلوكي الذي صار حديث المدينة، إلا اقتباس بيت من قصيدة الشاعر الكوردي لطيف هلمت (قلبي لم يَعُد في صدري، ثمة صورة لكِ، بدلاً منه).

أعيش في زمن يُطارد الطائر فيه لمجرد إنه يجوب السماء محلقاً.. وتُقطف الوردة لانها تنثر أريجها لجميع الناس دون تمييز.. كما تُقطع الألسن لأي حديث يمس السياسة، فيما تنفى العقول إن فكرت بالحرية..
وعلى الرغم من هذا وذاك أستسلمتُ لتحريض الشاعر الكوردي لطيف هلمت الذي خاطبني بقصيدته "قلب صناعي"، وتحديداً نداءه (انتزعوا كل قلب لا يحمل حب الحرية).
وفور قراءتي تلك الكلمات، فتحت أزرار قميصي وكشفت عن صدري، ففوجئت بعبارة مكتوبة عليه (قلبك رهين الدكتاتورية، وأياك ان تطالب بنبضاته لئلا يتوقف نهائياً).

أنا وشيركو بيكه س

أعتدتُ الذوبان في الصور الشعرية التي يبدع التقاطها الشاعر الكوردي شيركو بيكه س، ذلك ان كتاباته تلامس إحساسي وتنسجم مع بساطتي، وكأنها تعتسلني من الداخل..
أصبحت حروفه على طرف لساني؛ وباتت جزءاً من خطابي اليومي، وعلى الرغم من هذا كله، كنتُ أتأمل حال سماعي أو انتقال بصري الى قصيدته "اناشيد حجرية" التي جاء فيها (لم أكن برعماً غريباً تنتزعني أول عاصفة) كنتُ أوافق الشاعر على اني لست ذلك البرعم الصغير، غير ان العاصفة الهوجاء اقتلعت جذوري كلها وأبقتني وحيداً، منكسراً أعاني التيه.

لَمْ أكنْ ذلك الإنسان الذي يصغي لأوجاع من حوله، لا أسمع صرخات الناس المتزلزلة، حتى لو هزت جدران قصري، وحتى لو عكرتْ صفوة روحي.
كنتُ أعمد على تجاهل تلك الاصوات، لأنها لا تكف عن التوسل والشكوى والمطالبة..
غير ان شيركو بيكه س أوصل إلي معنى الخوف في إحدى قصائده التي طالعتها في إحدى المجلات حيث قابلت عيني في ذلك المساء الغارق بالضجيج والزعيق الذي يسيطر على مسامعي ويقترب مني رويداً رويداً..
كان مطلع القصيدة يقول (أخاف من الجموع الغفيرة للكلمات الجائعة والغاضبة جداً) مما أشعل فتيل الأزمة في روحي وأرغمني على التنحي عن السلطة وطرق أبواب البلدان لاجئاً..

أنا وبرناردشو

أعترفُ لنفسي كلما ألتقيت بها صدفة، أهمس لها بعدم قدرتي على التفكير، أذكرها بطيشي وضعفي وجهلي..
أصارحها بغبائي المستديم وأميتي التي تدير الحياة من دون دراية ولا حكمة..
وقبل أن أصل الى الأنهيار الكلي، تنتشلني نفسي من باطن اليأس، وتعزز موقفي، وتتوسلني كتم أسراري، وتسعى لاعادة توازني وتتلو على مسامعي مقولة الأديب الإيرلندي جورج برناردشو (احذر من العلم الزائف، فهو أخطر من الجهل) وتوبخني بشدة وتطالبني بأقصاء المعرفة، والاعتزاز بجهالتي التي أوصلتني إلى أرفع المناصب.

بَقيتْ حكمة برناردشو (سر النجاح هو أن تهاجم أكبر عدد من الناس) مزروعة في لساني وفكري.
أفكر بها، وأحاول تحليلها جاهداً ، وأتمنى إبادة الكون من أجل تحقيق شيء من النجاح..
أختلفتْ الأيام، ومثلها أختلفتْ رؤيتي لمقاييس النجاح والفشل، ويوم توليت زمام المسؤولية.. بدأتُ حرباً ضد نفسي أولاً وضد تلك المقولة وغيرها من العبارات التحريضية التي تقتل مفاهيم الشراكة والسلام والنجاح.

أنا وشيشرون

أعلنا الولاء للنَعام، ودفنا رؤوسنا تحت التراب، واغتسلنا بالسُخام، واستنرنا بالظلام، بعدما تعطلت أضواء الكون كلها، وغطت العتمة وجه الشمس..
قتلنا الحياة على الارض، اغتصبنا القوانين كلها إلا قانون السكوت، كل هذا لأننا اعتمدنا مقولة الكاتب الروماني شيشرون (في الحرب تصمت القوانين( وانتظرنا الهلاك بصمت..

2.
- قُلْ ما تريد قبل أن أرحل..
- إبتسامتكِ تأسرني، وبهاؤك يأخذني حد التيه، وحبكِ...
- توقف.. ولا تُكمل لأنك لن تراني بعد الآن، سأغيبُ من دون أمل العودة.
- ولكني مجنون بحبكِ انتِ ولا سواكِ.. وعاشق لضياء عينيكِ..
قاطعتني بقهقهات عالية، أرغمتني على الصمت، وألقت على مسامعي مقولة شيشرون وهي تنسحب بخطى واثقة (الكاذب لا يصدق ولو قال صدقاً).
لحظتها.. أيقنتُ انها اكتشفت لعبتي..

أنا وبول كلي

1.
- لماذا فقأت عيناه بهذه البشاعة..؟ هكذا صاح القاضي في غرفة التحقيق.
تجاهلته تماماً وكأني لم أسمع صيحاته.. فعاد بأسئلة ملتوية أرغمتني على فضح الحقيقة كلها..
يا سيدي لم أقصد إسدال الستار على بصره، لولا نفسي اللعينة التي استذكرت مقولة الرسام السويسيري بول كلي (عين ترى والاخرى تحس)..

ففي ذلك اليوم المشؤوم رصد محبتي صباح قبلته، وتحت أضواء القمر رآني ملتحفاً بأحضان حبيبته.. وهو الامر الذي أجبرني على اغماض عينيه حتى لا يرى ولا يحس بتلك اللحظات المؤلمة ولا يبصر مستقبلاً قرف من المحيطين به..
2.
استهل مُعلم الرسم درسه بمقولة بول كلي (ليس على الرسام أن يرسم ما يراه، بل ما سوف يُرى) وطلب من الجميع رسم لوحات تعبيرية على وفق حريتنا شريطة الالتزام بنصيحة بول كلي.
رسم زميلي زهرة مشنوقة ورسم الآخر شمساً تسيح مثلها مثل مكعبات الثلج فيما خطط آخر لوحة لوجوه أطفال دامعة وأبدع آخر رسم رصاصة عملاقة بدت وكأنها تلتهم المدينة كلها واكتفيت انا بمزيج مشوه بين اللون الاحمر والابيض والاسود..
وبعد انتهاء الوقت المحدد للاختبار، اعلن المعلم لحظة تدقيقه وفحص الرسومات، وبدأ يراقب أفكارنا المطبوعة على الورق..
الغريب في الامر انه لم يناقش تلك الافكار المتنوعة إلا فكرتي التي قوبلت بالتوبيخ والزعيق غير المبرر..
وعلى الرغم من ترددي في الاجابة إلا انني رددتُ وببرود عميق جداً (جثث وأكفان وحزن قاتم، هذا ما أرادت قوله ألواني..)
صفق الجميع بحرارة إلا هو.. مزق لوحتي وأكتفى بطردي من الفصل، ولم أعرف وقتها السبب.
كنت طفلاً وقتها، أجهل ان معلمي تمنى ان أرسم وزملائي أي رمز للأمل..

أنا وألبرت أينشتاين

1.
- ما الذي دعاك للتظاهر في ميدان عام؟
- حق السؤال عن حياة كريمة.
- ومن أعطاك ذلك الحق؟
- ألبرت أينشتاين بحكمته الشهيرة (أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال).
أشتدت حدة الاسئلة، وباتت الاجوبة تتقافز من فمي ملطخة بالدماء..
ولم يغلق ملف القضية غير المعنون، إلا بعد أن نسيتُ شروق الشمس، وألوان الصباح.. وكتابة تعهد خطي بنسيان النطق وأينشتاين وأبجدية القراءة والكتابة وعلامات الاستفهام والميادين العامة، وحتى تمييز الالوان.

2.
موهوم جداً ذلك الذي أسموه أينشتاين، يتحدث إلينا بمثالية لا وجود لها في قواميس الحقيقة، يُصدع أدمغتنا الخالدة في سبات عميق بمقولته (الخيال أكثر اهمية من المعرفة) ويعمد على ترديدها من دون كلل على الرغم من معرفته الاكيدة بان أمتنا تعاقبنا بالسوط كأطفال الكنائس، وتصلبنا كما المسيح عقاباً على أحلامنا التي تفتقر الى الخيال..

3.
كُنت مولعاً بشخصية العالم الفيزيائي الالماني ألبرت أينشتاين، وأعده مثالاً يقتدى به لادراك الحقائق التي تعجز عن إدراكها عقولنا الكلاسيكية المكتضة بترهات رجعية لا أساس لها..
قرأت كل شاردة وواردة كُتبت عنه، ومن خلاله أصبحتُ مؤمناً بأن آفاق العقل لا يمكن تحديد امتداداتها..
إلا ان مقولته (العلم دون دين أعرج، والدين دون علم أعمى) نسفت أفكاري كلها وأدخلتني في إشكالية تحليل هذه الحكمة وفك شفرتها بعد ان باتت حروفها مبعثرة أمامي من كثرة التفكير، خصوصاً واننا جميعاً نعاني العوق الناتج عن التطرف.
أنا وديكارت

احتشد جيش من المشكلات في رأسي، احتل كياني بالكامل، أحال ابتسامتي إلى العدم، أرغمني على العيش في أزمة نفسية حادة أوصلتني حد الاكتآب..
تشابكت الأفكار في رأسي وباتت طرق الوصول إلى العقل وعرة متشابكة، وهو الأمر الذي غيب الحلول كلها، لا بل غيب أسس وأساليب البحث عن حلول..

تفاقمت الأزمات يوماً بعد آخر.. حتى بدت تلك التراكمات ثقيلة وكأنها ورم خبيث عالق في عقلي..
فتش الاهل والاصدقاء عن طبيب يعيد إلي انسانيتي ويجازف بإستئصال ذلك الورم فلم يجدوا سوى مقولة للفيلسوف الفرنسي ديكارت: (قم بتقسيم كل صعوبة إلى أكبر قدر ممكن من الأجزاء لحلها).

كنت قد انشغلت في الآونة الاخيرة بعقد ندوات ومؤتمرات أستعرض من خلالها البرنامج الانتخابي الذي يؤهلني للاستحواذ على منصب رفيع..
كنتُ أدعو الناس للاحتشاد والتجمهر والاستمتاع بسماع وتأمل أحلامي المستقبلية..
سينتهي الظمأ قريباً لانني سأحول رمال الصحراء إلى ينابيع، كما سينتهي زحام الشوارع لانني سأعمل على تشييد طرقات تصل إلى المريخ.. سأقضي على الجوع والفقر والجهل، حتى شمس الله ستكون أكثر دفئاً من السابق....
قاطعني أحد المحتشدين: أنت واهم يا سيدي، واهم بكل ما ذكرته.. أحلامك لا تنتمي لواقعنا المعقد.. اتمنى عليك مستقبلاً تستعيد فيه مقولة الفيلسوف الفرنسي ديكارت: (لكي نطور العقل يجب ان نتعلم أقل مما نتأمل)
صفق الحضور بحرارة وانصرف كل منهم إلى عمله فيما بقيت أنا وحيداً على المنصة.

أنا ولورد بايرون

1.
تحولت همومي إلى سموم استشرت في جسدي من دون أن أدرك سرعة انتشارها..
أعراض التعب والمرض باتت واضحة على ملامحي، وصارت عيناي تذرف الدمع و بدا لساني معقوداً ووجهي عابساً على الدوام...
أحترتُ في علتي وطالت حيرتي حتى على الاطباء... وبات العلاج بعيد المنال.
وذات صدفة التقيت الشاعر الانكليزي لورد بايرون الذي حدثني قائلاً (إضحك كلما استطعت، فهذا دواء رخيص) ومنذ تلك اللحظة أعدتُ فتح الأبواب الموصدة بوجه الأمل وعملت على مقاومة أوجاعي ومرنت عضلات وجهي على الضحك.. ولكن من دون جدوى فسعر الابتسامة باهض الثمن في عالمنا الكئيب..

2.
يختلف التعبير والاحساس بالاشياء وحتى المذاق يبدو مغايراً إلى حد كبير في أرض المهجر..
كنت أحن لأبسط التفاصيل التي ما كنت أقف عندها في موطني الأم.. لذا كنت قد أدمنتُ ارتياد ذلك المقهى العراقي الذي عمد مالكه الى أن يكون بسيطاً مشابهاً لمقاهي الاحياء الشعبية في بغداد القديمة..
عاطفتي تتأجج ودموعي تحرق وجهي أثناء مخاطبتي عامل المقهى لأطلب قدح الشاي العراقي بالهيل، واتتبع إجابته باللهجة المحلية (أمرك عمي..) كانت تلقائيته في الرد تخفي نهر حب عذب.. غير انه شحيح جراء قساوة الغربة.
كان عدد من رواد المقهى يجلسون على طاولة مجاورة، يتابعونني بعيون لا افهم تعبيرها..
لم أحب ان أكون فضولياً، إلا ان لهجتهم المحلية هي التي دعتني للاصغاء إلى حديثهم فيما بينهم.. وتنبهت إلى كلام أحدهم وهو يردد مقولة لورد بايرون (أحب بلادي، لكني أكره مواطنيها) تلك المقولة أذابتني مثل شمعة، ولم أفهم وقتها كيف يمكن للمرء أن يعمد على إعمام الكراهية إلى هذا الحد..
حاولت ان اعترف لنفسي معبراً عن المشاعر التي أحملها تجاه أبناء وطني، فتذكرتُ حبيبتي وحبها الضائع وبكاء أمي وعذابات الاطفال في بلادي وقفص الاتهام والقيود الحديد التي بقيت آثارها عالقة في يدي، وأيام هروبي من الموت بعدما طالبت بالمساواة قبل عشرين عاماً.. وعلى الرغم من هذا وذاك لم أجد نفسي أحمل الحقد تجاه الناس الذين يناضلون نيابة عني..

أنا وبول فاليري

1.
تُعاقبنا القصائد على النهايات الحزينة، وتبكي الحروف أوجاع القوافي، وتنزف الاقلام حبرها مرغمةً، مذبوحةً في مسلخ مشاعر الشعراء..
أراقب هذا الألم كله كلما قرأتُ قصيدة، وتزداد أفكارها وأحلامها رسوخاً في قناعتي، ذلك ان الشعر وليد الأزمة، إلا ان الشاعر الفرنسي بول فاليري أفقدني ذلك الايمان كله، يوم اعتقد ان (القصيدة لا تنتهي أبداً، بل تُترك) مما جعلني أهمل التفكير بأوجاع القصائد، لأخوض آلام العالم التي همشت نهايات الشعر وأبقت مساحات القلق مفتوحة..

2.
أعتدتُ القراءة قبل الخلود الى النوم، أدمنتُ التفكير بما طالعتُ وأنا مغمض العينين، إلا ان حكمة بول فاليري (أفضل وسيلة لتحقيق أحلامك هي أن تستيقظ) أبقتني ساهراً ذلك المساء، شارداً حتى الغسق على أمل تحقيق أحلامي المؤجلة، على الرغم من تأكدي بأني أبذر أحلامي على أشياء يصعب تحقيقها وتصديقها كالحرية.

أنا ومحمود درويش

1.
قبل انشقاق الفجر، وعندما كان القمر يتثاءب كسولاً، وأفواه الناس تستريح على نحو مؤقت بعدما تعبت من مضغ سمعتي طوال ساعات النهار، وعيون الحاسدين تغرق في سبات عميق.... تغلبت على نفسي، وحطمت جدران صمتي وصارحتها بجرأة غير مسبوقة، مقتبساً حكمة الشاعر الفلسطيني محمود درويش (أريد قلبا طيّبا لا حشْوَ بُندقيّة) على أمل إحساس لحظة عاطفية مشتركة تجمعنا سوية؛ عساني أستغل ذلك الهدوء الكوني... علّها تميل على صدري كغصن زيتون ندي، أو تدفن رأسي بين نهديها، ونصاحب الجنون ونأكل شفاه بعضنا، وننجو من براكين العواطف المشتعلة في دواخلنا.. إلا ان عواء كلب في الشارع قطع مسار الحلم وأضاع جرأتي، وجعلني أتغطى بخيبتي وغيابها..

2.
أرهقني التفكير بمقولة محمود درويش (أيها الحاضر تحملنا قليلا) تَعبتُ من تأملها مراراً لدرجة انها كانت تحتل وحدتي وتغزو نعاسي وتعطل مكائن عقلي المتعبة وتحيل هدوئي إلى فوضى الاسئلة المتلاحقة..
لماذا هذا الرجاء الطويل.. لماذا هذا التوسل بالحاضر، ونحن لم نسكن فيه محض إرادتنا، وما نحن إلا جزء من أخطاء الماضي وبقاياه... وعلى الرغم من هذا النداء المتوسل يجيبنا الحاضر بالخلاص منا أمماً لا أفراداً..
حينها وافقتُ ان أكون ماض من دون أن أمارس جريمة الماضي بخلق حاضر جديد لا يسمع ولا يبصر..

أنا ومصطفى محمود

1.
مُنذ الطفولة وأنا أهتم بالأدب العربي، أقرأ وأتابع أمهات الكتب.. أتنقل ما بين أجناس الادب كلها، وأدون ما يروق لي من حروف كتابها..
كنتُ قد تأثرتُ بكتابات الأديب المصري مصطفى محمود، وبقيت مقولته (الأكفان بلا جيوب) عالقة لا تغيب عن فكري، على الرغم من عدم قناعتي بكل التفسيرات التي وردتني عنها، حتى أعددتها مقولة انفعالية بسيطة..
كُنتُ أرصد جميع من حولي يكدحون ويقسون على أنفسهم وكأنهم عبيد بعضهم البعض من أجل تكديس الثروة والجاه.. وهو الأمر الذي ضاعف من عدم قناعتي بتلك المقولة، التي شككتُ بانتمائها لذلك الأديب الكبير.. إلا ان أحد اولئك الوحوش البشرية اقتحم حلمي من دون استئذان، داهمني بعد موته بساعات، وحدثني بصوت كله ندم وحسرة:
- أخاطبك سراً، فأنا شحاذ هذه الليلة، لا أملك إلا التراب.. وأشكو لكَ قارئ الدعاء الذي لا يدعو لي بالغفران إلا بطلب المقابل.. والحشرات تغتصب جسدي بشراهة ولا تهجع أبداً.. ولا مجال لان أشتري ذمم من حولي، فالأكفان بلا جيوب كما تعلم، وثروتي كلها باقية هناك.. وها أنا امنحك حرية التصرف في ملكيتي..
قاطعت الحلم لا إرادياً ونهضت فزعاً.. فوجدتُ نفسي أصحح أخطاء غيري واحرق مكتبتي كلها ومصطفى محمود كذلك، وشطبت ما كان يعيق تفكيري والادب العربي وعملت على تصنيع كفن كله جيوب..

2.
تخترقني نظرات من حولي وكأني مجرم يحوم حول جريمته..
صادقتني الشبهات وأنستني حلاوة الدنيا ونكهتنا، لا بل أرغمتني على أرتشاف كأس العذاب اللامنتهي.. وهو الأمر الذي جعلني قابعاً في دائرة الاتهام والشبهة..
قسوة التعذيب في التحقيق لم ترحم شبابي المأزوم، المثقل بالهموم.. وإنما أجبرتني على الاعتراف بجرمي، ومدى تأثري بحكمة مصطفى محمود (أريد لحظة تجعل لحياتي معنى) تلك المقولة التي كشفت عن بشاعتي وعرفتني بانتمائي للجرم الكوني لأني تمنيت لحظة انسانية مزهرة.

أنا وبلوتارخ

1.
كنت وصديق طفولتي نشكل قلباً واحداً ينبض بالحياة..
كنا ولوقت متأخر ندرك اننا رمز للألفة والاخوة والمحبة الدائمة، الى أن أرادت الايام إخفاء كل واحد منا في ضباب صباحات المدينة المزدحمة.. وأراد الزمن وضعنا على قُطبي خط مستقيم، وأرغمنا على السير باتجاهات متعاكسة..
وبعد طول غياب، انطوى مستقيم الزمن ليتحول إلى دائرة جمعتنا مرة أخرى.. إلا ان خلي كان قد فقد ساقه في إحدى الحروب، فيما أصبحتُ أنا أحد أهم لاعبي كرة القدم في المدينة.
على الرغم من تأثري بحاله المأساوي، إلا اني بقيت أسرد له نجاحاتي وسرعتي ومهارتي التي جعلت مني نجم هذه اللعبة.. الى ان طلب تأجيل الكلام الى لقاء آخر..
وفي اليوم ذاته عدتُ الى منزلي مبتهجاً بلقاء صديق العمر، فوجدتُ علبة مغلفة على شكل هدية فخمة غاب عنها أسم المرسل..
فتحت العلبة بلهفة وكان بداخلها كرة قدم بيضاء اللون، وقد كتب عليها مقولة المؤرخ الاغريقي بلوتارخ (لاتحكي سعادتك لمن هو أقل منك حظاً).

2.
لم تكن حبيبتي تشبه أية ملكة من ملكات الجمال.. ولم تكن أجمل مني أنا العابس الاشعث الشعر، القصير القامة، الضعيف البنية.. بل كانت تفتقر لملامح الانوثة الى حد كبير.. وهو الامر الذي وضعني محل سخرية لمن حولي..
كان الشارع يقهقه بصوت محروم من الضحك كلما تخطينا سوياً..
يضحك الجميع على إحساسها بالنقص والضعف والخجل.. إلا اني كنت أشرب حبها وأرتوي حد الثمالة، ولا أجد اي مخلوق سواها في حياتي..
انتقادات الناس أوصلتنا حد الضجر، إلى ان قررت الانفصال عني من دون رجعة.. وفي جلسة تحديد مصير مستقبلنا، كانت غاضبة تريد ان تنهي كل متعلق على عجل..
أصغيت لحروفها بصمت، وانتظرت دوري في الكلام، وعندما حانت لحظة البوح حدثتها بلغة العيون، عندئذ نطقت مقولة بلوتارخ (كل النساء جميلات عندما تنطفئ الشموع) وأضفت الى المقولة ابتسامة عريضة وسحبتها الى أحضاني.. واستمرت الحياة.

أنا وباولو كويلو

بعد أن أستبعدتُ جميع المرشحين من ذاكرتي، وعمدتُ على الانفراد بالسلطة وحدي..
تَلمستُ كرسي منصبي، تحسسته كأنه جزء مني أو واحد من أطفالي.. وبقيتُ أتأمله وأستذكر معه أيام العوز والجوع التي حولتني الى رمز للمجاعة..
وكشرارة سريعة، كومضة برق، راودتني حكمة الشاعر والمؤلف البرازيلي باولو كويلو (النعمة التي يتم تجاهلها تصبح نقمة) وسرعان ما مسحتُ تاريخي البائس بكل تفاصيله وأحداثه وعملت على نسيان ذائقة الحرمان، واستثمرتُ حروف كويلو لاصبح أغنى أغنياء المدينة.

سَقطَ الظلام على المدينة، وأحال نورها الى ذاكرة تنتمي للماضي..
سَقط الظلام من دون تنبيه، وركبت الشمس أمواج البحر وكأنها ذابت في زبده المالح..
منذ ذلك الزمن وأنا أصاحب التعاسة وأسير مكبل الخطوات، مرغماً على رفقة الحزن والهم والغم، ولا أجد سبيلاً للكشف عن أسناني، حتى نسيت بياضها الناصع، لا بل نسيت الابتسامة..
وذات لحظة لم يمكني بصري من تمييز وقتها لان عيناي كانتا قد أدمنتا العتمة..
كانت ألسنة الناس تلوك مقولة الشاعر والمؤلف البرازيلي باولو كويلو (روح العالم في حاجة ماسة الى سعادتك) وكأن الكلام كان موجهاً إلي على نحو خاص، ومن دون الحاجة الى العيون شعرتُ بأن سباباتهم كانت تشير الى وجهي البائس العابس..

حاولتُ الانفراد بنفسي، ولكن تزاحم أصواتهم كان مصراً على ملاحقتي، ولم أتنبه لنفسي إلا وأنا أركض عجولاً.. حتى بدأت أسخر من الحدث وسرعان ما انفرجت شفتاي معلنة عن ضحكة تلقائية، وهو الأمر الذي أرغم السماء على فتح أبواب النور بوجه المدينة مرة أخرى.

يوم كانت بلادي تُكفن النساء بوشاح أسود، تُكفنهن على الرغم من معرفتها الأكيدة بأنهن مازلن على قيد الحياة..
يوم كانت بلادي تُربي أجيالها على صراع دائم، وتفتخر بكتاب تاريخ مخضب بالدم، وتمجده لابل تفتح له صفحات حمراء تُخلد فيها، وتدفن فيها أجيالها الجديدة..
عندئذ أدركتُ ضرورة الهجرة الى عالم آخر.. وانطلقت باحثاً عن الحياة..
وكان صوت باولو كويلو أول تردد صوتي يدخل أذني في عالمي الجديد، كان يصرخ بحنجرة على وشك الانفجار (البشر يحلمون بالعودة أكثر مما يحلمون بالرحيل).
كُنتُ مصغياً إليه، وشربتُ كلماته،كلمة، كلمة.. لحظتها فقط عرفتُ أني أنتمي لذلك التاريخ الاسود رغماً عني، لأني فرد من بلاد تؤمن بالاجماع بما قال كويلو، وهو الامر الذي جعلني أعود من حيث أتيت، لأضع نقطة النهاية لتلك الحروف الحمراء، لأحرق أكفان الاحياء.

أنا وفيكتور هوغـو

1.
منذ الصبا وأنا ومولع بحروف الأديب والشاعر الفرنسي فيكتور هوغو.. وكنتُ قريباً من كتاباته كلها؛ وكأنها تخاطبني دون غيري من القراء، حتى ان أقواله صارت تلازم فكري وترتبط بلفظي.
وذات سهرة جمعتني بوالدي العجوز الذي أكل الزمن تعابير وجهه وغيبها تماماً، حتى بدا وكأنه أبتلع أسنانه الباسمة..
أردت انتزاع هموم الدنيا وأثقالها من صدره ، فبادرت بأقتباس حكمة لفيكتور هوغو (سر العبقرية هو أن تحمل روح الطفولة إلى الشيخوخة) وبقيت أرصد وأنتظر إجابته، حتى نَطقَ بصوت كئيب:
دعكَ من مثالية الكتب، وأنظر بعيون مفتوحة لما يدور حولك..
لحظتها فقط ستعلم ان أطفالنا يشيخون في بطون أمهاتهم.

2.
زَرعتُ حبيبتي في بستان قلبي، ورويتها من شراييني..
وعلى الرغم من دنيا التطرف التي أعيش فيها رغماً عني، لم أخف مما قد يواجه عشقي هذا، وبقيت أرسم للحب لوحة حياة خاصة ومستقبل لا حدود له..
كنت مؤمناً بمقولة الاديب الفرنسي فيكتور هوغو (في قلبي زهرة لا يمكن لأحد أن يقطفها) مما زادني قوة وعزيمة.. غير انهم قطفوا روحي وسحقوا بستان قلبي بأقدامهم.

3.
لساني عاجز عن النطق منذ الولادة، ولا سبيل للحديث مع الناس إلا بلغة الاشارة التي يجهلها من حولي حتى تلك الفاتنة التي أمني نفسي بمحبتها..
أزمة الموقف وحاجتي للحب أدخلتني في رحلة بحث طويلة عساني أعثر على حلول أو بدائل.. وبدأت أفتش هنا وهناك عن لغة تعبيرية يمكن للجميع أن يفهمها..
طالت الرحلة حتى أنقذني أحد الأصدقاء في معهد الصم والبكم بعبارة فيكتور هوغو (الموسيقى تعبر عما لا يمكنك قوله ولا تستطيع السكوت عنه).
جالست آلة الكمان التي هجرتها منذ يوم تعلمت العزف عليها باحتراف، وراجعت الحكمة في ذهني حتى انشق الفجر..
ومع ساعات الصباح الأولى وجدتُ نفسي أعزف لحبيبتي لأكون أروع عشاق العالم الصامت.

أنا وبنجامين فرانكلين

1.
لا أعرف كيف انتهت تلك الليلة الحالكة السواد، بمذاقها المر وإحساسها المتشائم.. كان فكري مشتتاً، يفتش عن بارقة أمل في تلك العتمة.. لا أذكر كيف ومتى غفوت على فراشي من شدة الأرق والارهاق الذهني، ولكنني أذكر زيارة بنجامين فرانكلين أحد مؤسسي الولايات المتحدة الامريكية.. الذي زارني في المنام، واقتحم أحلامي وظل يسرد عليّ أمجاده..
كان الحلم مملاً للغاية، ولكني استخلصت منه جملة قالها فرانكلين وبقيتْ بذهني حتى الصباح: (من عاش بالأمل مات صامتاً)
حاولت تطبيق هذه الكلمات على من حولي فوجدتُ الكل صامتاً، وسرعان ما تشكل بداخلي سؤال أكبر من المقولة: هل كنا نحلم ونتأمل حتى أصبحنا أموات صمتنا؟

2.
شردتُ عن العالم الواقعي أثناء قراءتي لشخصية بنجامين فرانكلين، كنت أقرأ سيرته وأقواله وتوقفت عند حكمته: (القليل من الاهمال قد يولد الكثير من الأذى) بقيت أفكر بها وأتأملها، حتى قررت رفعها أمام قصر حاكم المدينة الذي أهملني وعائلتي تماماً..
وصلت إليه وأنا أحمل لافتتي، وكلي أمل بصناعة التغيير، إلا انه قرأ ما خطت يداي فكلف حراسه بتقطيع أوصالي بوصفي أدركتُ القمة، فكان الأذى من نصيبي بجدارة!

أنا وألفريد هتشكوك

1.
على الرغم من انشغالي التام بالسياسة وهمومها الأزلية، إلا اني كنت واحداً من أكثر المعجبين بأفلام المخرج السينمائي الانجليزي ألفريد هتشكوك، ولم أكن أكتفي بمتابعة أفلامه حسب، وإنما كنت أهتم بلقاءاته التلفزيونية أيضاً.
وفي احد الأيام التي كانت البلاد فيها تعج بالتظاهرات التي تهدف لتغيير الاوضاع، سمعت هتشكوك يسرد على إحدى قنوات التلفزة قائلاً: (الضربة لا تُرعِب، ما يرعب هو انتظارها).
تأملتُ المقولة أكثر من اللازم، وعملتُ على استثمارها، واستعجلتُ إقامة مؤتمر صحفي واسع، وتوعدتُ المتمردين بالتدخل العسكري وبأعنف الاسلحة والوسائل..
وسرعان ما زُرع الهلع بين الناس، ورسم الخوف خارطته في شوارع المدينة، ليحولها الى مدينة مهجورة.. مما دعاني للإيعاز باطلاق آلاف المفرقعات النارية احتفالاً بعيد ميلادي، وهو الامر الذي زاد الخوف في نفوس المتظاهرين وأرغمهم على الهروب خارج المدينة.

2.
التقيت ذات صدفة بالسينمائي العالمي ألفريد هتشكوك وتمنيت منه أن يدعمني، ويضعني على طريق الاخراج الاحترافي، بوصفي أحد المخرجين الشباب.
ظل يدقق النظر فيما حوله، متجاهلاً وجودي تماماً، مما جعلني أتعرق خجلاً وانسحب بخطى واهنة يائسة.
ابتعدتُ عنه أكثر من عشرين متراً، وإذا به يقول لي (الدراما هي الحياة، بعد إزالة الاحداث المملة).
عدتُ إلى عالمي الخاص، وبدأت العمل بنصيحة هتشكوك، محاولاً تحرير الحياة وحذف المشاهد المملة منها، حتى وجدتُ نفسي أقدم فلماً سينمائياً مُنع من العرض لبشاعته المفرطة.

أنا وجيمي هندريكس

1.
تعبتُ من سماع الثرثرة الاستعراضية التي تتصنعُ المعرفة من دون التسلح بها..
وصلتُ حد الجزع من الأفواه التي تُشكل ضجيج مكائن تشتغل دونما استراحة ولا إنتاج..
عَملتُ جاهداً لإيقاف تلك الفوضى، أو الابتعاد عنها قدر الممكن..
حاولتُ إشغال نفسي بمطالعة مجلة مهملة، لأتوقف عند مقولة المغني الامريكي جيمي هندريكس: (المعرفة تتكلم، أما الحكمة فتصغي) وسرعان ما انتقلت الاصوات المدوية الى فكري، حتى بدأت أستفهم نفسي عن ما إذا كانت تلك الاصوات تعبر عن معرفة ودراية أم لا؟
وفجأة صار الصمت سيد المكان، عندئذ أدركتُ بأني أعيش في صراع بين النطق والاصغاء.

2.
وصلتُ حد الاختناق، بسبب ضيق التنفس الذي يصاحبني منذ الطفولة، غير اني اعتزمتُ رفض زجاجة الأوكسجين الصناعي الذي توفره السلطات مقابل تكميم الافواه، وقررتُ المشاركة في المرثون الكوني اللامنتهي، عليّ أتعلم كيفية التنفس الطبيعي مستعيناً بمقولة جيمي هندريكس (إذا كنتُ حراً فذلكَ لأنني لم أتوقف عن الركض).

أنا وبول بورجيه

1.
عَلمني الرئيس درساً في الدكتاتورية..
علمني التفتيش عن أكذوبة سعمتُ بأن أسمها حرية..
لم أكن لأسمع عنها لولا وشاية الناقد الفرنسي بول بورجيه (الغابات علمت الانسان الحرية) مما جعلني دائم البحث عن أي فضاء مفتوح..

علمني الهروب من صافرات الشرطة، ومن قيود لا تعرف الرحمة.. حتى أدمنتُ الخوف في زنزانات العتمة، زنزانات أعرف جدرانها النتنة أكثر من جدران بيتي المنسي، جدران خلدت عليها مجلدات من الذكريات..
صرتُ مشهوراً وصار أمري يذاع في قصر الرئيس، الذي أعلن إطلاق سراحي بعد الاعتراف على من حرضني على هذا التمرد.
وأصدر قرار الاعفاء عني والحكم بالاعدام على بول بورجيه، ووجه لي نصائح أفقدتني عقلي:
لا تضيع وقتك بالبحث عن غابة في وطن لا تنمو فيه شجرة.. ولا تصدق كذبة الحرية في بلاد محبوسة في راحة الرئيس.

2.
حَولتُ قلبي الى مَدينة خضراء، مدينة تنفع لأن تكون مسكناً آمناً لحبيبتي.. وزرعتُ في عقلي عشب الحياة الذي تمناه كلكامش، عله يبقيها آمنة، خالدة هناك..
ميزتها عن باقي النساء، لابل عن سائر البشر، حتى تربعت أجزاء جسدي، وباتت النبض والفكر والرؤية والبصيرة والاحساس..
صار جسدي يمثل خارطة وطن لكل عاشق.. غير ان أحدهم كان مُصراً على أستفزازي بمقولة الناقد الفرنسي بول بورجيه: (السعادة في الحب هي ان تكون بلا قلب) مما جعلني أثور وأشتعل غاضباً:
قلبي لا يعرف التمرد بعدما اعتمد عاصمة للهوى.. فكيف أغزو مدينة حبيبتي الخضراء، وكيف أغتال قلبي وهي ساكنة فيه؟

أنا ولاوتسي

1.
تعبتُ وأصابني الارهاق من الركض.. بذلتُ قصار جهدي وحفزتُ خطواتي بحثاً عن المستقبل، من دون الاحتفاظ بخطى العودة للذاكرة والشباب..
غير ان الزمن كان مصراً على مجاراتي، كان يسبقني في كل خطوة اقصدها..
وذات صدفة واليأس يلتهم بقايا روحي العابسة.. سمعتُ أحد الأصدقاء يرشدني الى حكمة الفيلسوف الصيني لاوتسي (طريق الألف ميل يبدأ بخطوة) ليجعلني فريسة لأسئلتي المحيرة..
وسرعان ما انتفضتُ على صديقي وصاحبه لاوتسي قائلاً:
لا أحتاج الى المزيد من الركض، بقدر ما أحتاج الى صاحب البوصلة التي تتحكم باتجاه أحلامي التي لم تعد تحتمل التأجيل.. لقد طفح الكيل، ولم أعد قادراً على خطو أية خطوة بساقي الصناعيين.

2.
ولدتُ على حافة الطريق، ووجدتُ نفسي أسكن هناك، أعيش ووحدتي من دون أهل ولا رفقة..
كبرتُ وبدأ سرطان العوز يهاجم جمجمتي متسللاً خلايا مخي المعطلة، مما دعاني لامتهان أقل المهن شأناً في المجتمع، اشتغلتُ عامل نظافة في الصباح ومتسولاً في المساء، ومن ثم تنقلت لمهن أخر، الى ان تطور حالي فأصبحتُ صاحب مشروع، صرتُ أمهر مُلمع للاحذية في الحي..
كانت فرحتي تكمن في لحظة اللقاء بزبوني المفضل ذي البدلة الحرير والحذاء الايطالي الذي أخشى لئلا تخدشه يداي الخشنتان.
كان قد اعتاد ارتياد مقهى الصحافة الذي أجلس جواره لتصيد الزبائن وتلميع أحذيتهم، كان يجلس على طاولته المعروفة لدى صاحب المقهى ساعات الصباح الاولى ليشرب قهوته ويطالع أخبار الصحف، فيما كنت أنا أهم بتلميع حذائه..
وذات يوم وأنا أنفض الغبار عن حذائه، بدأ يقرأ بصوت جهور على غير عادته، ونطق مقولة نسبها لشخص أسماه لاوتسي (من لا يعرف الهدف لن يجد الطريق) ونظر إلي وكأنه وجه سؤالاً ينتظر الإجابة عنه.
بقيت حروفه في رأسي حتى صباح اليوم التالي، وكنتُ قد عزمتُ على سؤاله عن معناها، إلا انه جاء متأخراً وترك لي علبة مغلفة على شكل هدية، وابتعد من دون الجلوس في المقهى.
فتحت العلبة وكان فيها حذاءه الفاخر، وقطعة ورقية كُتب عليها: عليك معرفة الطريق التي ستسلكها مستقبلاً ومبارك لك الحذاء.

أنا ويوسف ادريس

أعشق الحياة وأتشبث بلحظاتها، لأني أعي جيداً ان الماضي يرحل من دون عودة.. وان لحظات العمر ذائبة كمكعبات الثلج، وما الزمن إلا كأس ماء ساخن..
وعلى الرغم من ذلك كله كنتُ أفتقر للسعادة والطمأنينة، وهو الأمر الذي أرغمني على خلق مسوغات واهية غير منطقية، لتجاهل الواقع، والبحث عن الخلود.

وذات يوم قرأت مقولة الكاتب المصري يوسف ادريس (الحياة عندنا، أصبح الموت نفسه أكثر منها أهمية) وسرعان ما وجدتُ نفسي أجول في مقابر الصمت وأنثر أسئلتي على الموتى، عساني أحلل ذلك الاحساس المجهول الذي يعرفه من استوطن تحت التراب..
وفي لحظة صمت شق أحد الاموات قبره بتثاقل، ودعاني للخلود بجواره من دون ثرثرة، حينها عرفت بانني ميت منذ زمن بعيد.

علمني أستاذ الأدب العربي الكثير من الاقوال والحكم، إلا انه لم يكن قادراً على تمرير مقولة يوسف ادريس (الموت هو ان ندور في دائرة واحدة مهما كانت تلك الدائرة) الى داخل عقلي مع انه عمل على ترديدها على مسامعي أكثر من مرة.. إلا اني بقيتُ مشدود الاعصاب، شارد البال، تائها بحروف المقولة..
حتى أدركتُ الخلاص من رعب الموت الذي يعرفه يوسف ادريس، فعمدتُ إلى رسم دوائر مترابطة غيرت مسار حياتي على نحو عبثي، ولكنها ظلت دوائر مغلقة على الرغم من تشابكها.. مما جعلني اصطدم بمن سبقني بالدوران على قطر الدائرة.

أنا وفرويد

سمعتُ ذات يوم صوت أحد الاصدقاء وهو يردد مقولة العالم النفسي النمساوي فرويد (يكون المرء في غاية الجنون عندما يحب).
أقتربتُ من مصدر الصوت، وإذا به يكررها على ثلة من الشباب الملتفين حوله، والذين بدت على وجوههم تعابير الاعجاب والتأييد بما يسمعون..
غادرتهم جميعاً من دون أي اهتمام، لأن تلك المقولة لم تنسجم مع شخصيتي، لاني كنتُ مؤمناً بان الحب أساس بناء العقل، ومن دون العقل لا يمكن للانسان أن يخلق أي إحساس..
مرت الايام، وشاء القدر ان أكون عاشقاً هائماً، ضائعاً في دنيا الغرام.. وسرعان ما تحولت الى مثال للعاشق المجنون.
أيقنتُ مؤخراً بأنني انتمي لعالم من الزمن المنقرض.. عالم أشبه بزمن الديناصورات..
تأكدتُ من ذلك بعد ان طالعتُ حكمة فرويد (الحب والعمل عماد البشرية) فيما كان الواقع يتعمد الخرافات والخزعبلات أساساً للوجود..

أنا وتيودور أدورنو

أكثر ما كان يزعجني وينغص حياتي، أولئك الذين يتحدثون عن أنفسهم بلغة الجماعة والفخامة، وكأنهم سادة في مجتمع العبيد.
لم يكن انزعاجي يتلاشى مع الوقت، وإنما كان يُشكل بركاناً هائجاً يجتاح روحي، خصوصاً بعدما قرأت حكمة الفيلسوف والموسيقي الألماني تيودور أدورنو (من الأمراض المكتسبة قولك نحن إذا قصدت أنا).. ولم يغب عني ذلك الاحساس بالغيظ حتى بعد تسلمي زمام المسؤولية، والاسترخاء على كرسي السلطة..
عَملتُ على تطهير المدينة من الوباء الذي تحدث عنه تيودور أدورنو، وعاقبتُ كل مسؤول كان يتحدث بهذه اللغة اليابسة، وأصدرتُ قراراً ينص على تثبيت صوري على جدران البيوت كلها وأوعزت بوشم أسمي الكامل وصورتي على صدور شباب المدينة.

أهوى الفنون كلها والتشكيل على نحو خاص.. ولا أجيد التعبير إلا بلغة الالوان التي أعدها أروع لغة عرفتها البشرية.
بدأتُ أشتغل على تطوير موهبتي، حتى لمع نجمي في سماء الابداع..
إلا ان مقولة الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو (كل عمل فني جريمة لم يتم ارتكابها) شتتت أفكاري وعطل مسيرتي الابداعية، وعكر صفو روحي، فليس من الممكن ان يتحول الفن الى جريمة..
لم أقنع بالتفسيرات كلها، واعتزمت السفر إلى صاحب تلك الحروف، انتقل إليه وإن كان في آخر الدنيا، عله يغير قناعاتي..
وبعد عناء السفر والبحث الطويلين، لم يسهب بالحديث عن حروفه غير انه قال ان الفنون سلاحنا الوحيد للخلاص من التخلف.

أنا وشوبنهاور

1.
منذ ولادتي وأنا مسلوب الكرامة، وكأني لا أنتمي لجنس البشر..
تربيت مهمشاً، راكعاً، خاضعاً لكل من يصادفني بوصفي شبه انسان..
وذات يوم قرأت مقولة الفيلسوف الألماني شوبنهاور (فقدان الشيء يعلمنا قيمته أحياناً) حكمة لم أفهم منها إلا فقداني لمفهوم الانسانية.

2.
بعد أن دخلتُ دنيا السياسة، عَملتُ على أن أكون شديداً وحاسماً في اتخاذ قراراتي.. وهو الأمر الذي أثار غضب الجماهير وامتعاضها..
لم تغب عن بالي لحظة وجودي بين تلك الحشود المتظاهرة أمام قصري، حيث حاولت احتواء الموقف بتواجدي معهم وسماع طلباتهم..
أذكر ان أحد شباب التظاهرة هتف بمقولة نسبها لشخص أسماه شوبنهاور (يجب على رجال السياسة أن يقرأوا كتب الخيال العلمي وليس كتب رعاة البقر والقصص البوليسية)
لحظتها أبتسمت له أبتسامة عريضة، وشكرت الرب بصوت عالٍ لأنه لم يعلمني أبجدية الحروف.

أنا ومارتن لوثر

1.
أحتج مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي المسيحي بحكمته (إذا كان الضحك ممنوعا في الجنة فلا أود الذهاب إليها) بعد ان أدرك ان هناك من يشيد معابد للدموع والعويل.. ويعمل على انتزاع شفاهنا وأسناننا عنوة ويُكفر أي وجه يبرز تعابير البسمة، ويخفي وجه الله الجميل حتى يحيل أيامنا الى مجلس عزاء دائم..
الغريب في الأمر بأني سمعتُ هذا الكلام كله أكثر من مليون مرة وتمنيت ان امارس ما يدعو إليه لوثر ولكني لم أجد ما يدعو للضحك في كوكب المهمشين، ورضيتُ ان أبقى اضحوكة لأسيادي..

2.
أثارتني لا بل أرهقتني مقولة مارتن لوثر (ما يتعلق به قلبك ويثق فيه فهذا إلهك الحقيقي).. فكرتُ ملياً بهذه الحروف ، وبدأت أعوم بأسئلتي، حتى توقف عقلي تماماً، رافضاً الاجابة نيابة عن القلب، مما أرغمني على استدعاء قلبي التائه، عساه يعوضني خسارة العقل؛ عله يعرف بمن يتعلق ويؤمن..
إلا انه أوصلني إلى حافة الهلاك هو الآخر.. ولم أعِ الاجابة إلا بعد توقفه عن النبض، وقد علمتُ لاحقاً بأنه كان يستمد الحياة من حبيبتي، حيث كان مقيماً في قفصها الصدري.

أنا وكونفوشيوس

1.
كثيراً ما كنتُ استنزف أوقات عمري بخُطب وجلسات لا جدوى منها إلا الثرثرة وفوضى الحديث، ولم أكن لأفهم وقتذاك معنى الاصغاء، لولا تنبيه الفيلسوف الصيني كونفوشيوس بمقولته التي قرأتها ذات صدفة (الصمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخونك أبداً)..
أرغمت نفسي على مصاحبة السكوت لقراءة نفسي وفهم ما يدور حولي على نحو فعلي، غير اني لم اجد للصمت وجود في حياتي المتشعبة.. وبدأت أشعر بخيانة الجميع.. لحظتها فقط اقتطفت لساني كأي زهرة في حديقة عامة..

2.
جالست عدداً من البسطاء الذين يظنون انفسهم فلاسفة في شؤون الحياة وما بعدها... مما أرغمني على اقتباس حكمة الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (إننا لم نعرف شيئا حتى الآن عن الحياة، فكيف نعرف عن الموت؟)..
أصغى الجميع إليّ وصار الصمت مالك الجلسة.. غير ان أحدهم أجابني وهو يغادر الثلة بازدراء:
وكيف لا نعرف الموت، هل تعتقدنا أحياء..؟

أنا وألبير كامو

1.
ظلَ راسخاً في ذهني تعريف المؤلف الفرنسي ألبير كامو للثائر بأنه (رجلٌ يقول لا)، وعلى الرغم من استفحال ورم الصمت المستشري بداخلي والذي توارثته عن أجدادي.. احتفظت بهذا التعريف عله يساندني في مراحل عمري العلاجية.. غير انهم اعتقلوني وقطعوا لساني بدافع الجاسوسية والإلحاد!.

2.
منذ صداقتي الاولى مع القلم ، بدأت أسطر ما أؤمن به من وجهات نظر وآراء أزعجت السلطات، وهو الأمر الذي عرضني للملاحقة والتشرد..
لم أكن خائفاً مما قد يواجهني من متاعب، لا بل كنت أجد متعتي وجل سعادتي ساعات الهروب، لا لأني أحد أبطال هذا الزمان، ولكني كنت مؤمناً بمقولة المؤلف الفرنسي ألبير كامو (الثقافة هي صرخة البشر في وجه مصيرهم)..
ويوم انتهت اللعبة، وجدت نفسي ماثلاً أمام المشنقة أردد المقولة ذاتها لأخيف المصير الذي ينتظرني، إلا انه ما من شيء تغير سوى حبل الاعدام الذي ألتف بإرادته حول عنقي.

أنا وشارلي شابلن

1.
منذ الطفولة وأنا أمني نفسي بمتعة النظر الى القوس قزح، وبقيت افتش عنه بشغف كبير، وأتأمله في صباحات أيامي.
دارت الايام وولت أمنيتي والبراءة الطفولية، وكبرت بسرعة غريبة من دون مشاهدة تلك الألوان البهية التي طالما قرأت عنها الكثير.
الى أن قرأت مصادفة للممثل الكوميدي الشهير شارلي شابلن قوله:(لن تجد قوس قزح مادمت تنظر الى الاسفل) وسرعان ما رفعت رأسي للأعلى، وفوجئت بعدم رؤيتي السماء بوسعها.

2.
ألصقت الابتسامة في وجهي، وأخفيت مأساتي وآلامي كلها، بعد ان آمنت بمقولة شابلن (الشيء الذي يُغني من يأخذونه ويزيد من يعطونه هو الابتسام) وعلى الرغم من عدم إمكانية رصدي لمن يبادلني هذا التعبير، بقيت صابراً حتى بعد أن وصفتُ بقلة الأدب.

3.
قبل دخولي غرفة العمليات، وقبل أن يسري مفعول المخدر في جسدي، سألتُ مسؤول قسم الجراحة عن نسبة نجاح عمليتي عساني أسيطر على خوفي..
أجابني بمقولة شارلي شابلن (الفشل لا يهم، فمن الشجاعة ان تجعل من نفسك أضحوكة) لم أفهم ماذا يعني وألقيتُ اللوم على نفسي التي تأثرت بالمخدر، غير اني لم أصحو بعد ذلك.

أنا وسارتر

1.
(ان أولى مهام المثقفين هي إزعاج السلطات).. قالها سارتر ليجعلنا نتأرجح في حبال المشانق..
2.
تأثرت بحكمة جان بول سارتر (سأكون عندما لا أكون) ووظفتُ طاقاتي كلها وعملتُ بطموح لامنتهي في سبيل بناء حياة يذكرها من يمر بعدي، إلا ان رصاصة مجهولة كانت سبباً بطردي من ذاكرة عالم الحاضر والمستقبل..
3.
فور تسلمي مسؤولية منصب رفيع المستوى، وضعت على مكتبي حكمة سارتر (الانسان حر لانه مسؤول) الأمر الذي وفر لي حرية تحويل المال العام إلى حسابي المصرفي الخاص.
4.
(لا تقس وقتك بالساعة، ولكن ينبغي عليك قياسه بالفعل الذي تؤديه) حكمة نطقها سارتر من دون ان يعي ان ساعات الكون كلها معطلة وأفعالنا لا تتجاوز حدود الثرثرة..
5.
يؤكد سارتر (يسخر من الجرح كل من لا يعرف الألم).. غير اني أرى ان الجراح والآلام صارت تخاف من صدى آهاتنا.. ولم يعد في عالمنا المذبوح أي مكان للسخرية إلا من موتنا المجاني الذي أفقدنا حتى إحساسنا بالوجود.

أنا وأفلاطون

1.
يعتقد الفيلسوف الأغريقي افلاطون ان (وحدهم الأموات شهدوا نهاية الحرب)، إلا اننا وعلى الرغم من موتنا مازلنا نعيش الصراعات حتى في قبورنا..
2.
صالحت نفسي بعد طول خصام، وعشت أصعب انواع الصداقة على حد تعبير افلاطون (أصعب أنواع الصداقة هي صداقة المرء لنفسه) غير انني صدمت بقطيعتي مع المجتمع..
3.
بمثالية غريبة يقول افلاطون (نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر) قال هذه الحكمة وهو شاهد على عمليات استئصال عقولنا مقابل الابقاء على حياتنا.
4.
يرى افلاطون ان (كل انسان يصبح شاعراً إذا لامس قلبه الحب)، ربما كان افلاطون عاشقاً جنونياً في أيام شبابه، واستخدم هذه المقولة للتعبير عن احساسه في لحظة ما، فنسي ان الشعر يولد من رحم الجوع والخوف والازمات الثقيلة..
لم يدرك شدة العوز التي أرغمتنا على استبدال الشهيق والزفير بالوزن والقافية.. لم يكن يعرف بأن اقلامنا تبكي حروف الشعر على الورق.

أنا ومحمد الماغوط

1.
يدرك محمد الماغوط مأساة الوطن الى حد كبير إذ يصفه بالحقيقة ويحوله الى مشروع والى حلم من ثم الى كابوس ويتوقف عن ذلك الحد من دون ان يصل الى حقيقة إننا في غيبوبة لا صحوة منها؛ فيما عَجز العلماء عن تسميتها، فصار أسمها غيبوبة الوطن..
2.
كم هو رائع ذلك الشاعر والمسرحي السوري "محمد الماغوط" عندما قال (سأمحو ركبتي بالممحاة، سآكلها حتى لا أجثو لعسكرٍ أو تيارٍ أو مرحلة) قال هذه الحكمة ليعلمنا التمرد وعدم الركوع للخوف والحرب والدكتاتورية.. غير انه عبر عن ندمه وعظيم اسفه في قصائد أخرى كتب فيها عن اوصالنا التي تقطعت ورؤوسنا التي لم تعد ترتفع فوق احذية جلادينا..
3.
يرى الماغوط ان (الموت ليس هو الخسارة الكبرى .. الخسارة الأكبر هو ما يموت فينا ونحن أحياء) قالها ليحملنا مسؤولية اغتيال الانسان الذي كان يسكن دواخلنا.

أنا وهتلر

1.
ألقيت نظرة الوداع على جثمان حبيبتي التي بدت وكأنها قطعة اسفنجية تغطس بالصبغ الاحمر.. وعلى الرغم من صورتها المرعبة، كانت قد نحتت ابتسامة عريضة على وجهها ساعة الموت.
لحظتها تذكرت مقولة هتلر (المهزوم إذا ابتسم أفقد المنتصر لذة الفوز) ترى هل فقد ملك الموت نشوة النصر والسعادة ؟!
2.
أخطأ هتلر عندما قال (كلنا كالقمر.. له جانب مظلم) لأن فينا من لا يمتلك النور أصلاً، وفينا من لا يريد معرفة مصدر الضوء.. وغيرنا ممن نشروا العتمة في حياتنا، فهل كلنا سواء؟!

أنا وتشيخوف

1.
(كلما أزدادت ثقافة المرء، أزداد بؤسه وشقاؤه) قال هذه الحكمة الاديب الروسي انطون تشيخوف، ليرسم لنا خارطة الكون القروي والقائمين عليه من الاميين والجهلة، وليعلمنا التسلح بالجوع والبؤس والشقاء لتحرير الثقافة المكبلة..

2.
لم يكن تشيخوف أديباً فحسب؛ وإنما كان عاطفياً متدفق المشاعر، عمل على دعم الحب وتعظيمه قائلاً (إذا كان في وسعك ان تحب، ففي وسعك ان تفعل أي شي) قالها وهو يعي جيداً ان عقولنا عاجزة تماماً وان قلوبنا ليست إلا صخرة سوداء.

أنا ومكسيم غوركي

1.
كنت مهووساً بأرشفة الاحداث والرجوع إليها بوصفها سيرة تاريخية هامة.. ولم تكن لدي أية نظرة للمستقبل..
وبعد حين.. داهمتني حكمة قديمة كنت قد طالعتها في وقت مضى للأديب الروسي مكسيم غوركي (قافلة الماضي لن تصل بك إلى أي مكان) وهو الامر الذي حفزني على فتح نافذة جديدة في فكري.. نافذة تطل على كل ماهو جديد، وبعد فترة وجيزة وجدت نفسي اغلق نوافذ التاريخ كلها لانها كانت محملة بتراب الذاكرة..
2.
لا أجد سبيلاً مناسباً للاحتجاج على مقولة الاديب والناشط السياسي الروسي مكسيم غوركي (كلما ذاق المرء المزيد من المرارة زاد جوعه لمباهج الحياة) ترى هل تذوق غوركي من موائد الموت والالم والدموع والحسرات والآهات والتوسلات.. التي وصلنا منها حد التخمة، واي مباهج يقصد ذلك المثالي، ألم يكن بضمن هذا العالم المشبع بالوعود والاحلام الخيالية.. ألم يكن شاهداً على لحظات دخولنا الى هذا العالم، وخروجنا منه نمضغ العلقم وأطناناً من الوعود التي لا تبتعد عن مساحة الكابوس..

أنا وهرمان هسه

1.
تشابه الاسماء حولني ذات ليلة الى مجرم وقاطع طريق، وأية ليلة قضيتها قابعاً بزنزانة صغيرة برفقة قاتل مأجور، وأي قدر جحيمي ذلك الذي ربطني بجزار يستطعم الذبائح.. كلها أدخلتني الزنزانة ورسمتْ تعابير الخوف التي باتت تنضح مني أكثر من تعرقات جسدي الملتهب بالقلق، فيما الصمت يشكو وحدته أمام جدران لا شأن لها إلا تخليد ذكريات من سبقوني بزيارتها.. وعلى الرغم من دكتاتورية العتمة إلا ان ملامح وجه ذلك الوحش الآدمي وأنفاسه كانت واضحة بما يكفي.
كان يدور في الزنزانة ويتفوه بعبارات غير مفهومة بالمرة، حتى بدا لي وكأنه ثمل او مُخدر، إلا انه فاجأني مستفهماً فيما إذا كنت قد سمعتُ بالاديب هرمان هسه..
أدهشني السؤال.. وسرعان ما تداركتُ الموقف وأكدتُ مجاملاً: نعم..انه أديب ألماني مشهور، هل قرأت له شيئاً؟
نعم.. انه أول من علمني مهنتي، إذ قرأت له أيام الدراسة مقولة فجرت طاقتي وجعلتني انجز اصعب المهام وأبشعها: (لم تصبح الجنة جنة إلا بعد ان طُردنا منها).
ومن شدة الرعب والدهشة، عُقد لساني رغماً عني وأرغمني على السكوت.. لحظتها فقط أدركتُ بأننا أنصاف شياطين، وان الجحيم يكمن في نفوسنا.

2.
أنهيت أعمال عقلي وأحلته الى تقاعد مُبكر، واستأصلته كأي ورم خبيث، وعطلته حد التلف، وحولته الى مطفأة لأعقاب السجائر.. ورضيت العيش بليداً بعد ان استخدمته للمرة الاخيرة وراجعت من خلاله مقولة هرمان هسه (أفضل طريقة للتعامل مع المجانين ان تَدعي بأنك عاقل) فعلت هذا كله وأكثر بعد ان عرفت بان عالمنا يحكمه الجنون، وما أنا إلا فرد من هذا المجتمع الدعائي.

أنا وسقراط

1.
تغير الحال وتحولتُ من متسول الى مسؤول ذي شأن عظيم، وسرعان ما بدأت افقد الثقة بكل من حولي خصوصاً بعدما قرأت مقولة الفيلسوف الاغريقي سقراط (إذا وليت أمراً او منصباً فأبعد عنكَ الأشرار فان جميع عيوبهم منسوبة إليك) لحظتها ومن دون تفكير اقصيت كل من حولي من دون النظر الى الكفاءة والخبرة وجئت بأقاربي خوفاً على سمعتي..!

2.
عندما كنت ضابطاً في الجيش، وقبل ترقيتي ونقلي إلى مكتب فخم.. تنبهت لأحد جنودي وهو يقرأ أقوال وحكم للفيلسوف الاغريقي سقراط.
شدني الفضول إليه ولصقت عيني في الكتاب وطالعت مقولة كانت السبب في سعادتي الى هذا اليوم (الحياة من دون ابتلاء لا تستحق العيش) لم افهم المقولة في ذلك الوقت ولكني احرقت الكتاب وعاقبت الجندي ووجهت فوهة المدفع الى قرية بسيطة ونسفتها بالكامل، وهو الامر الذي كان سبباً بترقيتي الى مراتب عليا بوصفي الابتلاء الذي يحقق للناس امكانية العيش في هذه الحياة.

أنا وبرنارد ملزر

1.
أعشقُ كلمات الحب والغزل، وأجد المتعة الحقيقية وانا اتابعها هنا وهناك، أشعر أنها تؤهلني لحياة سعيدة يملأها الجمال..
وذات صباح وردي لا يخلو من تفاؤل، فتحت جهاز التسجيل في سيارتي وانطلقت متوجها الى عملي، وتنبهت لحديث الاذاعي الامريكي برنارد ملزر (السعادة مثل القبلة، يجب مشاركتها للاستمتاع بها) مما جعلني اتجول في الشوارع لساعات طوال وافتش عن من يشاركني بسعادته أو بقبلة حب كتلك التي تأملتها كثيراً، حتى وجدتُ نفسي في عالم لا يعرف تلك الأحاسيس التي كنت موهوماً بها، لأني رصدتُ آلاف الوجوه تتشارك الوجع والدموع، ولكن احد المتسولين احتضن يدي وقبلها بقوة فهل كان يقصد مشاركتي سعادته؟

2.
في أيام الحرب الاهلية والتهجير القسري، أقنعتُ نفسي بأمكانية حفظ أنفاسي بين أربعة جدران.. إلا ان احدهم طرق بابي بقوة أصابتني بالذعر؛ وجعلتني أهرع إليه عله يحتاج الى مساعدة مني، وإذا بشاب يمنحني ظرفاً مغلقاً ويمضي من دون التفوه بأية كلمة..

فتحتُ الظرف والخوف يأكل أطرافي، لأستقبل رسالة تهديد ورصاصة، عندئذ قررت على عجل مغادرة بيتي والذكريات والمكتبة، وتركتُ كل الاشياء على حالها، اعتزمتُ الرحيل في الساعة ذاتها..
وبعد مضي عشر سنوات على انتهاء الاقتتال والتهجير والخوف، عدتُ الى دنياي التي ودعتها قسراً..
وإذا بي أصادف ذلك المخلوق الذي زارني آخر مرة، ولم تكن ملامحه قد تغيرت كثيراً وهي التي لم تغب عني لحظة.. ركزت النظر إليه وأوقفته وسط الشارع مستفهماً فيما إذا كان يتذكرني أم لا، وتأكدتُ بأنه نسي شكلي والحدث..
لحظتها خطرت ببالي مقولة للاذاعي الامريكي ملزر لم أفهمها لولا هذه الحادثة (مباركٌ من يعطي وينسى، ومباركٌ أيضاً من يأخذ ويتذكر) كررتُ قراءة المقولة على مسامعه أكثر من مرة وسألته هل أنا وأنت سواء؟

أنا ولينين

1.
لم أكن أصدق نفسي عندما كان الناس يتلفظون حرف الدال سابقاً لاسمي..
كنت احس بالفخر وقيمة الجهد الذي بذلته فيما سبق.. كان قد مضى زمن طويل على ذلك الشقاء الذي عشته للحصول على لقب الدكتوراه..
لم يكن الفضل إلا لذلك الثوري الروسي فلاديمير لينين الذي علمني على ان (الكذبة تصبح حقيقة إذا تم تكرارها بما يكفي) ومنذ ذلك الوقت وأنا احمل هذا اللقب العلمي وافتخر به.

2.
يرى القائد الثوري لينين ان (تخيل الاحلام هو نصيب الضعفاء) قالها من دون ان يعي اننا في سبات دائم.. ولا مجال لنا للخلاص من الواقع المشبع بالمرارة إلا أحلام اليقظة؛ التي بدورها حولتنا الى شعوب نائمة.

أنا وماركيز

1.
في الطفولة رضعت دموع أمي، وفي الشباب احتسيت خمر دموعي الندية،الساخنة ،المالحة وكأنها بيرة مكسيكية، وفي الشيخوخة لم أجد علاجاً لآهاتي وآلامي إلا الدموع..
وبعد هذا المشوار الطويل المليء بالحرقة، تنبهت لمقولة القاها احد الاصدقاء، كانت تعود للكاتب العالمي غابريل غارسيا ماركيز، قال فيها (لا أحد يستحق دموعك، ولئن استحقها أحد فلن يدعك تذرفها) ولكني لم اتعظ من هذه الحكمة، ليس لأني مهمل للمعلومة، ولكني غادرت الحياة بعد فترة وجيزة غارقاً في بحر دموعي.

2.
أيام تشطب ما يسبقها، ونبضات قلبي تتلاحق عجولة كعقارب الساعة؛ تحاول تنبيهي عن عمري الضائع.. وساعات شوق تتخللها المرارة والحسرة، وعيون مشدوهة لرؤيا الحبيبة، ولسان معقود؛ مريض بداء الخجل.. سرطان الحياء حتى من الاعتراف بالحب..

وفي ليلة مجنونة كلها شوق، رّن جرس الباب، وإذا بقصاصة ورقية ملصقة على الجرس، كان قد كتب عليها مقولة للاديب الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز (لو كنت أعرف أن هذه هي آخر اللحظات التي أراك فيها لقلت لك ’أنني أحبك’ دون أن أفترض بغباء أنك تعرف هذا فعلاً).. ومن دون اي مقدمات، اطلقت العنان لعواطفي وحررت فكري من سجنه الادبي، ولم اجد الصبر حتى الصباح، ورحت افتش عنها في كل صوب، لأنقل اعترافي ولهفتي إليها..
وعلى الرغم من ساعات البحث الطوال.. لم اجد اي دليل لطيفها.
وفي ساعات الصباح الاولى وصلت الى مكان عملها، وكان قد كتب على مكتبها، المكتب شاغر والشركة بها حاجة الى موظفة جديدة!.

أنا ونابليون

1.
القانون في بلادي لا يحقق العدالة، ولا يحاسب الكثير من السارقين؛ ولا يأبه لمن يقترف الذنوب تحت ضياء الشمس..
القانون في بلادي يتواطأ مع لصوص يحملون أدلة إدانتهم على رؤوسهم، عرفت ذلك بعد ان قرأت مقولة للامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت (هناك لصوص لا يعاقبهم أحد، وهم من يسرقون منك وقتك) وهو الامر الذي أرغمني على التعاطف مع من سرق رغيف الخبز لسد رمق أطفاله..

2.
(اخلعْ همومك عندما تخلع ملابسك قبل النوم) حكمة قالها نابليون ليدعونا الى عالم الأحلام الوردية الذي لا تنتمي الى الواقع.. قالها من دون ان يعلم ان همومنا صارت وشماً أزلياً مطبوعاً على جلودنا.

أنا وغاندي

1.
خرجت من رحمِ أمي الى هذا العالم وانا ضرير، استكشف ما يدور حولي بلمسات وخطى متعثرة..
كبرت والعتمة تسكنني، تألفني يوماً بعد آخر، وبدأت أنمو والسؤال يزداد نمواً في ذهني، بحثاً عن أسباب ولادتي في هذا الظلام الدامس؟!

ولم أصل الى الاجابة حتى بعد ان تزوجت من إمرأة ضريرة وأنجبت منها جيلاً كله يعاني العمى.. غير اني وجدت ما كنت افتش عنه عندما جالس أحد أحفادي المبصرين..
كنت أحب ان اسمع منه اقولاً مأثورة وحِكماً راسخة.. ولم يكن يبخل عليّ بالقراءة لساعات طوال.. انتهزت دقة بصره السليم وسألته ذات السؤال، عله يجد إجابة مقنعة.. غير انه لم ينقطع عن القراءة وتابع قائلاً:
يقول القيادي الروحي والسياسي الهندي ألمهاتما غاندي (العين بالعين تجعل العالم أعمى)..

2.
لم أتذوق طعم المتعة أيام شبابي الوردي، لأنني أحرقت سنوات العمر كلها في التظاهرات المطالبة بالإصلاح والتغيير..
عشرون عاماً وأنا أحتشد وأصرخ وأطالب وأناشد، وأرفع الأعلام واللافتات الحماسية التي تؤجج المشاعر..
لم أكن منشغلاً بمن يتجمهر حولي من الجموع الهائلة، إلا بعد ان رفعت مقولة لغاندي كانت تقول (عليك ان تكون انت التغيير الذي تريده في العالم) وتنبهت لمن حولي فلم اجد أحداً سواي يمكن له القدرة على التغيير.

أنا وجورج واشنطن

1.
أرتديت حزاماً ناسفاً وحولت بيتي إلى ثكنة عسكرية، وصوبت النار تجاه ورود حديقتي كلها وحفرت خندقاً في فراشي...
عملت هذا كله وأكثر بعد ان قرأت مقولة الرئيس الأول للولايات المتحدة الامريكية جورج واشنطن (الاستعداد للحرب هي أفضل الوسائل فعالية للحفاظ على السلام).

2.
كان جورج واشنطن يمني نفسه بأن (يتمتع دائماً بالعزم والفضيلة الكافيين لكي يحافظ على أكثر الألقاب التي يحسد المرء عليها وهو لقب إنسان شريف) وعلى الرغم من هذه الامنيات، إلا انني مازلت أجهل مفهوم الشرف الذي يعنيه واشنطن، والذي لا يعني لي سوى أجساد البشر.

أنا وميخائيل نعيمة

1.
يُعرف الشاعر اللبناني ميخائيل نعيمة المدن العظيمة على انها (هي التي يسير فيها الذئب والحمل والنمر والجدي معا(
قالها ليجعلنا نفكر في نقطة العظمة في مدننا العربية إذ ان المواطن العربي لا يجد التعايش حتى مع نفسه!

2.
يقول ميخائيل نعيمة (كم من كتاب أفصح ما فيه بياض) نطق هذه العبارة لينبهنا الى حريق كبير نشب في ثقافتنا الجادة والرصينة، فأحرقها بالكامل.

أنا ورسول حمزاتوف

1.
يقول الكاتب والشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف ان (السّلاحُ الذي تحتاجُه مرة واحدة، عليكَ أنْ تحمله العمرَ كلـّه.. والأبياتُ التي ستردِّدها العمرَ كله، تـُكتبُ مرة واحدة) نطق هذه الحكمة ليشكف لي عن اسباب خوفي وارتجاف أطرافي بمجرد امساكي القلم.

2.
علمني حمزاتوف خير حكمة للكرامة وحفظ ماء الوجه (يمكنُ للرجل أنْ يركعَ في حالتين : ليشربَ من العين، وليقطفَ زهرة) غير إنه قالها بعد ان نُسختْ ملامح وجهي على أحذية الجلادين!.

أنا وإبراهيم الكوني

1.
يرى الروائي الليبي إبراهيم الكوني انه (ليس من إنسان عظيم دون ألم عظيم)، وهو الامر الذي جعلني دائم البحث عن العظمة التي يدركها الكوني، وكلي أمل بذوق طعمها بوصفي ولدت في دائرة الألم وأنجبت دوائر أخرى من الصنف والفصيلة ذاتها، وعلى الرغم من شغفي للوصول الى ما كنت افتش عنه، إلا اني لم أجد أثناء بحثي سوى الآلام التي توارثها من سار على نهجي.

2.
(شقي من لا يحسن الكلام، والأشقى منه من لا يحسن السكوت).. حِكمة نقلها إلينا الكتاب والروائي ابراهم الكوني بعد ان صم آذانه من ضجيج وثرثرة من حوله..

أنا والمسيح

1.
(في البدء كان الكلمة) قالها سيدنا المسيح (ع) .. وهو يعي جيداً اننا نجهل ابجدية الحروف، ولا نجيد النطق.

2.
أستندتُ الى مقولة كان قد رددها المسيح بن مريم نقلاً عن الانجيل (الحق يحرركم)، مما هيأني للمطالبة بحقي في الحياة والحرية، غير اني تنبهت لحواسي الخمسة وهي تهرب مني راكضة بهلع.

أنا وتوماس كارليل

1.
كثيراً ما أفكر بأعمال العنف التي صارت تطرق أبواب الجميع من دون تحديد هدف او قضية، حتى باتت تتلمس أطفالنا وهم في بطون امهاتهم، لا لشيء إلا لمجرد انهم ينتظرون إبصار الحياة..
طالعت الكثير من الكتب حتى وصلت الى مقولة للكاتب والمؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل (ليس للاقتناع قيمة إذا لم يتحول إلى سلوك) وهو الامر الذي أدخلني في دوامة من الحيرة، ترى كيف تحول السلوك العدواني إلى قناعة، وهل لاطفالنا دور في تغيير هذه القناعات العفنة؟!

2.
ينبهنا توماس كارليل الى زيف التاريخ ووشاياته التي نتصارع لاجلها إلى اليوم بحكمته (التاريخ ليس سوى عصارة الإشاعات) مقولة وضعها أمام أبصارنا لندرك حقيقة الحضارات المزيفة والدماء التي شربناها دفاعاً عن إشاعات الماضي والذي يبدو انه نجح باحتلال الواقع والمستقبل.

أنا ومالكوم إكس

1.
يرى الناشط الحقوقي الاميركي مالكوم إكس ان (التعليم جواز السفر إلى المستقبل( من دون ان يعلم ان العلم في مجتمعنا لا يعني إلا حجز مكان للنوم على الاسفلت.

2.
بأصرار غريب يؤكد مالكوم إكس على ان (لا يسمى العنف عنفاً عندما يكون دفاعاً عن النفس، بل يسمى ذكاءً) قناعة ما أرغمتني على الخوض في مساماتها لتجعلني أفعلْ منظومتي العشائرية الرجعية وأحارب كل من حولي واغتال سيد القانون.

أنا وعبد الرحمن منيف

1.
يعتقد الروائي السعودي عبد الرحمن منيف ان (النساء في الشرق لا يمنحن المتعة فقط، بل ويمنحن أيضا الأسرار والسلطة وكل شيء..( قال ما يؤمن ليجعلني أهوى النساء وارتبط بزوجة انجبت لي قبيلة من الاطفال التعساء ومنحتني جرعات من الخوف المزمن ومسؤولية تربيتهم في هذا العالم المزيف.
2.
يرى منيف ان (الشيء الذي يتسع ويكبر في حياتنا هو السجن( وهو الامر الذي جعلني ابني قناعتي على ان الدنيا كلها سجن كبير.. وأنا لست إلا مجرد موهوم في البحث عن الحرية في زنزانة عملاقة اسمها الحياة.

أنا وروبرت براوننغ

1.
حلقتُ عالياً في سماء الهوى، وحولتُ حروفي الجامدة المتلعثمة الى قطرات ندية تداعب الحبيب.. وغيبت دموع الناس المتخثرة في الغيوم، لا بل جعلتُ منها لوحاً لكتابة الذكريات الملونة، وسرعان ما صارت النجوم أبسط الهدايا التي أقدمها إليه.
تعلمتُ معنى العشق من مقولة الشاعر الانكليزي روبرت براوننغ (الحب وقود الحياة) لأبدو وكأني أعيش داخل لوحة أو أبيات قصيدة يسيل منها الغزل.. غير اني فوجئت بعدم حاجتي للوقود بعدما عَمد أحدهم على تلف ماكنة حياتي على نحو كامل.

2.
أحترتُ في هذا العالم.. الكل يغفو كما الأموات، وما من يفكر بالصحوة حتى على ضجيج الدعاء الذي هز المقابر..
طالتْ حيرتي، وبدأت أفتش مرغماً عمن يجيبني، يبادلني، يشاركني الحياة..
أصرخ.. ولا يجيب صوتي إلا صداي، أبكي بحرقة من به خوف من الوحدة.. ولا يمسح دموعي إلا جفناي.
الى أن أجابني صوت أذاب جليد فزعي، كان صوت الشاعر الانكليزي روبرت براوننغ (إنزع الحب يصبح كوكبنا الأرضي مقبرة)..
بقيت أدور حول نفسي وأردد المقولة، حتى تنبهت لغياب الشاعر بين القبور المبعثرة من حولي.

أنا وسوفوكليس

1.
في آخر تغيير وزاري، تسلمتُ زمام مسؤولية شؤون المرأة في البلاد، بعد ان اجتمعت الآراء على ان المرأة لا تصلح للقيادة..
كانت مهمة شاقة جداً، فليس من السهل التعامل مع جنس بشري يختلف عنك في كل شيء..
لا أنكر ولا أخفي تخبطي الغريب في اتخاذ القرارات ولمدة طويلة، ولا أنسى هيجان بركان الرأي العام تجاهي، ووضعي في إحراجات كبيرة أمام صناع القرار.. ولم تغب عن ذاكرتي كوابيس إعفائي من السلطة والجاه والمنصب الرفيع، كانت تطاردني في الحلم واليقظة، وتقتل متعتي في الحياة المترفة.
وهو الامر الذي دعاني لعقد اجتماع مطول مع الهيئة الاستشارية لايجاد حلول جذرية لهذه المشكلة العصية، طال الحوار حتى نطق أحد المستشارين مقولة الكاتب المسرحي الاغريقي سوفوكليس: (الصمت زينة النساء).
انهيت الاجتماع على عجل، وعملت على تجاهل الحكمة مؤقتاً، وبعد أيام أوعزت بإقصاء المستشار وتقطيع ألسن نساء المدينة، حتى يتحقق الصمت وقطع دابر الانتقاد.

2.
كنتُ ولوقت قريب أنتمي للفكر المتحرر، وأساند مفاهيم الحرية كلها.. وكنتُ قد رهنتُ نفسي وربيتها على الصراع مع كل من يعمل على مصادرة واغتصاب الحريات..
تسلحتُ بالعديد من الكتب والنظريات وناقشتُ الكثير من الآراء، وعلى الرغم من اني لم أتمكن من تغيير أي شيء من الواقع الدكتاتوري الذي ولدت فيه، إلا اني أردتُ البقاء في دائرة الصراع مع التطرف والتخلف، وهو الامر الذي جعلني أستوطن في السجون كأي قاتل مأجور، وانتقل من محكمة لأخرى حتى نسيت التمييز بين الصباح والمساء، وبين خيوط الشمس وزخات المطر..
وفي إحدى المحاكمات، وقفت أمام القاضي ورددتُ حكمة سوفوكليس (ان كان جسدي متعبداً فعقلي مازال حراً).
ابتسم القاضي ابتسامة عريضة، وأوعز باستئصال عقلي وتحنيطه، وإطلاق سراح جسدي.

أنا وإرنست همنغواي

1.
أجتمعتُ وثلة من الاصدقاء، مستغلين حافة الطريق كمقهى، بعد أن دمر القصف كل شيء..
كان حديثنا عن شرعية الحرب مثيراً ومشدوداً بالمداخلات، ومشحوناً باختلاف وجهات النظر المتعصبة..
كنتُ أصغي لآراء الأصحاب بصمت عميق، إلى ان قال أحدهم مقولة كاتبي المفضل همنغواي (لا تظن أبداً أن الحرب، مهما كانت ضرورية ليست جريمة)مما أثار الجميع، وسرعان ما تحولت الأجواء من نقاشية إلى جدلية، بوجه صاحب المداخلة الأخيرة..
عملتُ على إقصاء صمتي وبادرتُ بإنقاذ صديقي من الموقف المُحرج، والدفاع عن قناعاتي بما قاله همنغواي قائلاً:
الجريمة الأعظم يا أصدقاء.. عندما يقرر الإنسان قتل عقله وإنسانيته يتجه نحو العنف، وهذا ما قمتم به قبل قليل.

2.
أخترتُ دراسة السعادة كموضوع لنيل شهادة الدكتوراه، وبدأت أعمل كغواص يفتش في أعماق البحار..
كنتُ أغوض عميقاً في المصادر والبحوث وكأني في رحلة بحثية طويلة تهدف لادراك الحقيقة..
طالعت الكثير من الكتب حتى وصلت إلى حكمة الروائي الامريكي إرنست همنغواي: (السعادة: صحة جيدة وذاكرة ضعيفة) وهو الأمر الذي نبهني الى طبيعة مجتمعنا الذكي الذي لا يعرف السعادة أبداً.. مما أدخلني في أزمة بحثية جديدة.

أنا وأنطوان سعادة

1.
يُعرفُ السياسي السوري أنطوان سعادة الحياة على انها (وقفة عزّ فقط) تعريف مثالي للغاية خصوصاً وان أمتنا المسكينة مازالت راكعة.. فكيف تنهض وتقف بعز من دون ان يُخلق لها أطراف؟.

2.
بوطنية عالية وروح نضالية حقيقية يقول سعادة بشجاعة متناهية (يجب أن أنسى جراح نفسي النازفة لأضمد جراح أمتي البالغة( لكن عملية استئصال الجراح لم تكن يسيرة خصوصاً وان الأمة بلا أنفاس..

أنا واليخاندرو جودوروسكي

تبرأ منها، وغاب مع وعوده من الوفاء إلى المجهول.. تركها ورحل بسببي أنا الجنين البائس، العالق في أحشائها عنوة لأعكر صفو ذلك العشق النامي بينهما.. لأكون غلطة سهرة حمراء..
أرادت العزلة بعد غياب حبيبها الهارب، مثلما أرادت ان تحتفظ بي ولم تعاتبني على بقائي، ولم تتثاقل مني وانا أمتص من روحها لأنمو على حساب شبابها..
كانت تقتل وقتها بالصمت ولا تكسره إلا بتكرار مقولة نسبتها لمخرج مكسيكي اسمته اليخاندرو جودوروسكي: (الطيور التي تولد في القفص تعتقد ان الطيران جريمة) وتتساءل: ترى كيف ستكبر يا إبن بطني؟
تنبهتُ للعتمة والضيق داخل بطنها، وسرعان ما تخيلتُ نفسي نسخة من ذلك الطير المعتقل مما جعلني أرفض الحياة برمتها، وأعلن هروبي من قفص أمي ..

(2)

أنا وهنَ

أنا ولطفية الدليمي

مطأطئ الرأس، شاحب الملامح، دامع العينين، هكذا كنت أسير برفقة ظلي الكئيب في مقبرة الصمت... أتخطى ما بين القبور والشواهد وأسماء الموتى وقتلى الحروب ومجهولي الاسماء والهوية..
سكون المقبرة الموحش؛ كان يُسمعني أصواتهم من تحت التراب..
يقول أحد الموتى بصوت مجروح: لو لم تبتعد حبيبتي لما توقف قلبي.. ويشكو آخر: عشقتها بصدق فرجموني حتى الموت، وينطق ثالث: جردوني حتى من أسمي، ربما لأنهم أرادوا منحه لواحد غيري، ويقول صوت انثوي باكي: أختفى زوجي كما الطيف، ولم أجده بعد بحث طويل، لكني متأكدة انه راقد بالقرب مني، هنا تحت التراب..
وتوالت الاصوات وتحول السكون الى ضجة كبيرة، ربما لأن الموتى كانت بهم حاجة الى من يصغي لمآسيهم..
غير ان فكري شرد بعيداً عنهم، ورحت أتذكر مقولة الروائية العراقية لطفية الدليمي (لوعرف الأحياء كيف يحبون لتناقصت المقابر في بلادي)..

أتحبها؟

مجنون بها.. عاشق، ضائع، تائه في معالم روحها وبساتين وجهها المثمر..
لا تصمت إذن.. حدثها بذلك، انقلها وانتقل الى دنيا الهوى..
خجلي الدكتاتوري يعتقل لساني وراء قضبان أسناني.. وتعبيري يمتاز بالخيانة..
لا تخف أبداً.. وببساطة طبقْ مقولة لطفية الدليمي (في الحب كل شيء ممكن، لانه لاشيء ممكن قدر المعاصي الجميلة(
التقاها بعد فترة وجيزة، ولم يحدثها أبداً ولكنه تذوق الندى من شفتيها.. وتاه في عالم آخر..

أنا وجمانة حداد

1.
أعتقلوني بتهم كيدية ووشايات لا صدق ولا علاقة لها بالحقيقة..
أمطروني بأبشع الشتائم، وقالوا عني شاعر، ساقط، كافر، ملحد.. وكتبوا في محضر التحقيق ما يجعلني لا أستحق شرف الحياة..
لم أجد طريقاً للخلاص ولكني تذكرت حينها جزءاً من قصيدة الشاعرة اللبنانية جمانة حداد )براءتي فوق الشبهات، هبني ذنوباً تليق بها ) فوظفتها لمحاججة قاضي التحقيق، بحثاً عن النجاة..
إبتسم وأجاب ببرود: سأبعد عنك التهم سابقة الذكر، وسأغير أقوالك في التحقيق بداعي انها تمت تحت الضغط والتهديد.. ولكن كيف لي ان أحجب عن مسامع وعيون الناس كتاباتك التي تدين السلطة؟!

2.
كدست الكثر من الأفكار في عقلي، راكمتها من دون أن أبذل أي جهد لمراجعتها ومناقشتها مع ذاتي المتجمدة بجليد الارث الحضاري البالي..
لم تكن تلك الأفكار قادرة على تغيير مسار مستقبلي، خصوصاً وأني وظفت التاريخ لتسيير الحاضر والمستقبل.. غير مبالٍ بالتغييرات التي تنسف ذلك الزمن القديم.
كنت أقرأ وأطالع لأجل المتعة والتسلية وقتل الوقت لا أكثر..
وذات صدفة، وقعت عيني على مقولة الشاعرة اللبنانية جمانة حداد (أقرأ لأناجي روحي,لأسدد اليها صفعة) وعلى غير عادتي شرعت في دراسة حروف تلك المقولة، وهو الامر الذي جعلني أنسلخ عن الموروث التاريخي المتفسخ والقراءات الهامشية المسيطرة على فكري وأرسم لنفسي آفاقاً جديدةً تعتمد القراءة المعرفية.

أنا وإيزابيل الليندي
1.
خُيل لعائلتي انني أخلد تحت الارض بسعادة وسلام، بعدما وليتُ حاملاً وسام الشهادة الرمزي ضحية الحرب الاهلية..
برروا غيابي عنهم بالشهادة وفداء الوطن معتقدين راحتي تحت التراب.. متأملين خلودي الابدي في عليين..
لا شاغل لديهم سوى مواساة بعضهم الاخر، من خلال تمجيدي بالقاب وأوصاف أبعد عن الواقع، على الرغم من يقينهم جميعاً أن قبري غير معرف في تعداد القبور، بوصفي مجهول الهوية..
لم ولن يحزنني هذا كله، غير اني أخاف أوجاعهم وحسرتهم يوم يقرأون مقولة الروائية التشيلية إيزابيل الليندي (الموتى لا يرقدون براحة في قبور لا تحمل أسماءهم(.

2.
الروائية التشيلية إيزابيل الليندي تؤكد بثقة ان (الأوغاد يشكلون ألذ جزء في الحكايات) وهو الامر الذي برر حماقاتي كلها، وأباح لي دناءة نفسي وجَمل قذارات أفعالي، حتى غدوتُ مثالاً للرذيلة..
أعلنت سيطرتي على ابتسامة الصبح وأرغمتها على النوم في أحضان الليل، وحجبت ضوء القمر عن المدينة، وقاتلت حتى أحلامها..
صار أسمي ينشر الذعر والرعب في كل الاماكن والازمة، غير أن كُتاب التاريخ لم يعو مقولة الليندي فسجلوني بطلاً من الابطال الثائرين..

3.
(الوفرة في متناول اليد، إذا أحسن المرء العثور عليها) هكذا قالت إيزابيل الليندي سعياً منها لنشر مفهوم القناعة والاكتفاء الذاتي ولحثي على الايمان بما هو متوفر لدي..
استقبلت عبارتها بمحبة واحترام عاليين، إلا انني لم اجد الوفرة ولا حتى يداي اللتان أكلتهما الحرب.

أنا وصوفيا لورين

1.
لم تكن أمي إنسانة طبيعية شأنها.. شأن باقي النساء..
كانت حساسة، دافئة، حنونة، دامعة العينين على الدوام.. لا تشكو من أوجاعها، وأسباب أنينها الدائم..
تابعتني بعينيها العسليتين اللتين ترسمان الحزن بوجه كل من يبصرهما.. حتى ظننت انها أرضعتني من دموعها المالحة..
ولما كبرت.. سمعت مقولة الممثلة الايطالية صوفيا لورين (إن لم تبكِ فلا يمكن أن تكون عيناك جميلتان) وهو الامر الذي جعلني أغادر مخاوفي وقلقي عليها.. معتقداً ان امي قد تأثرت بمقولة لورين منذ زمن طويل، حتى أدمنت البكاء.

2.
عيارات نارية طائشة أفترستْ جسدي ورفضت مغادرته... استقرت حيث أرادت، وسجنتني في فراشي شهوراً طوال..
كان الجميع من حولي يحاول ان يزرع في نفسي البهجة وينسيني هموم العجز وذاكرة الحادث ومرارة الألم..
أهداني أحد الاصدقاء فلماً للممثلة الايطالية صوفيا لورين.. وكان فلماً مشوقاً أعدت مشاهدته أكثر من مرة.. غير اني كنت اتوقف واشرد عن متابعته عند جملة تنطقها لورين أثناء حوارات الفيلم (الجمال هو ما تحس به داخلك)..
كنت اشرد بعيداً واشعر بسخط كبير وامتعاض لا يوصف.. وأعود لأسأل نفسي عن ما تعنيه المقولة، ولا أريد ان اصدق بان الاحساس بالضعف والعجز هو الجمال الذي تعنيه لورين.

أنا وأنديرا غاندي

1.
توارثتُ عن والدي البسيط حكمة السياسية الهندية أنديرا غاندي (يميل الناس إلى نسيان واجباتهم وتذكر حقوقهم).
كان ينطق بها كلما أردنا الحديث عن الحقوق والواجبات، وكلما تحدثنا عن نعمة النسيان.. يرددها على مسامعي وأخوتي بتكرار غريب يصل حد الملل والإلحاح أحياناً.. مما جعلها راسخة لا تغيب عن ذهني.
تعلمتُ قدسية الواجب وضرورة إتمامه على أكمل وجه.. وقضيت سنوات العمر بلا تكاسل أو تثاقل.. عليّ أبصر حقوقي كإنسان يستحق شرف الحياة، وبقيت صابراً الى ان حان يوم البوح والمطالبة، وعمدتُ على أن لا يكون طلبي عسيراً.. وإنما اقتصرته بباقة ورد أضعها على قبر والدي ومعلمي.
لم يبخلوا بباقة الورد الملونة.. غير انهم هدموا قبره بوصفه يشغل مساحة في تربة هذا الوطن.

2.
غطست في بحر الحروف.. تنفستُ وقرأت الكثير من الكتب، ولم أتذوق طعم المعلومة والدراية إلا من خلال سطورها..
توقفت عند حكمة الهندية أنديرا غاندي التي تقول (الحق بالسؤال هو أساس تقدم الإنسانية) مما حفزني على وضع تساؤلات وعلامات استفهام لا تنتهي عند كل ما يدور حولي.. غير اني بَقيتُ أجهل مفهوم الانسانية.

أنا وهيلين كيلر

1.
سَمعتُ ذاتَ مرة مقولة للكتابة الأمريكية هيلين كيلر (أبقِ وجهك في اتجاه الشمس ولن ترى الظلال)، درستُ الحكمة على نحو جاد، وتساءلت في نفسي فيما إذا كانت كيلر سبيل للخلاص من العتمة المسيطرة على عالمي..
وعلى عَجل أدرتُ وجهي تجاه الشرق، وبقيت أنتظر إشراقة الشمس بخيوطها الذهبية التي طالما قرأت عن دفئها وحنانها.. إلا انها كانت بخيلة عليّ بإطلالتها، ولم تشرق في ذلك اليوم..
ظللت أعد الليالي السوداء غير آبه بلحظات العمر التي تتلاحق عجولة.. حتى تنامى الشعور باليأس والاحباط، لكني بادرتُ بمقاومة أحاسيس الشؤم بصبر الأنتظار.. الى ان أيقنت باني لا أميز لحظة الشروق من الغروب بوصفي معصوب العينين منذ لحظة ولادتي..

2.
قبل أن تتلون خصال شَعري السوداء بالفضة، وقبل ان أعرف معاني الألم ومرارة العَجز، وقبل ان اصبح مجرد أنفاس على الارض، وقبل ان أعرف معاني المرض، وقبل ان تذبل زهرة شبابي..
كنت قد طالعت مقولة هيلين كيلر (لا يجب أن نزحف عندما نشعر بشيء يدفعنا للطيران) وآمنتُ بها وتفاعلتُ معها أشد تفاعل، مما جعلني أحلق عالياً ولأمد طويل..
أما الآن فلم أعد قادراً على سماع تلك المقولة أو تلفظها، خوف ان تطير روحي الى السماء وتهجر جسدي الهرم دونما عودة.

أنا وبيرل باك

1.
قالت لي الكاتبة الامريكية بيرل باك ان (الحقيقة دائما مثيرة، لذا قلها، فالحياة مملة بدونها) ومضتْ كما الحلم.. لتحولني الى أبله يفتش في السراب، تائه يمني نفسه إبصار الحقيقة.. أية حقيقة في هذا الوجود، ولم أكتشفها إلا بعد ان أدركتُ ان حياتنا لا تنتمي إليها مطلقاً..

2.
خَنقتْ أنفاسي، لا بل سَحقتْ أنفي تحت قدميها عندما قالت بيرل باك ان: (النمو في حد ذاته يحمل بذرة السعادة) قالت ما أرادت من دون أن تُكلف نفسها النظر الى أجيالنا التي دخلت لهذا العالم وهي تعاني من الاضطرابات النفسية والتشوهات الولادية، وهو الامر الذي يغيب عنا بذور السعادة، لا لأننا في خصام مع الفرح ولكننا لا نملك أرضاً فكرية نزرع فيها تلك البذور.. بوصفنا مخلوقات متخلفة.

أنا ومارلين مونرو

1.
أطفأتُ شموع عمري الواحدة تلو الأخرى، ونفختُ فيها على حساب الالتزام بقواعد النظام، على الرغم من معرفتي الأكيدة بدكتاتورية غالبيتها التي سعت الى قتل روحي.. إلا انني كنتُ راضياً بسلاسل الحياة التي تقيدني، علّي أعيش بسلام..
وذات ليلة تنبهت للنجمة السينمائية الامريكية مارلين مونرو وهي تقول في لقاء تلفزيوني (لو كنت التزمت بكافة القواعد ما كنت لأحقق شيئاً) مما رسم بداخلي خارطة التمرد على المألوف... إلا انهم أكدوا لي بأن قبري صار جاهزاً لأحتضاني.

2.
احتفظتْ حبيبتي بحذائها الأحمر ذي الكعب العالي والذي لم ترتديه سوى يوم إعلان ارتباطنا.. خَزنته مع بقايا الذكريات بوصفه حملها في مناسبة عمرها الأجمل..
أذكر انها كانت بمنتهى البهجة يوم اشتريناه معاً لأنه أشبه بحذاء الممثلة الامريكية مارلين مونرو، والتي كانت حبيبتي من أشد معجباتها.. ولم يغب عني ذلك اليوم، حيث بقيت تردد مقولة مونرو: (لا أعرف من اخترع الكعب العالي، لكن كل النساء مدينات له بالكثير) مع قهقهات بصوت عال ٍ..
غير انها لم تضعه في قدميها بعد ذلك اليوم ولم تعلن امتنانها لمن اكتشفه لأنه لم يمكنها من اقتطاف تلك النجمة التي وعدتني بها.. وباتت حزينة الى يومنا هذا.

أنا وبتي سميث

1.
أنين دموعي مسموع كزخات المطر، يهطل بعجل ليكون نهر الهم على وجهي ويرسم بركة هنا، وجدولاً هناك.. وصحراء الشوق تُخربش وتمزق صدري بأشواك لا تعرف الرحمة، أشواكاً برية نَمتْ بعد رحيلها عن أحضاني.. ومازلت أصبر نفسي تارة وأعاقبها تارة أخرى وأسكر بدموعي حتى لا استفيق..
وعلى الرغم من هذه الفوضى كلها، لم تغب عني مقولة المؤلفة الامريكية بتي سميث (المغفرة هدية غالية رغم أنها لا تكلف شيئاً) وبقيت عالقة في رأسي لا يغسلها الدمع ولا تحذفها مرارة الخمر.. وهو الامر الذي جعلني ألوم نفسي التي غفرت لها طول الغياب.

2.
عَملتُ على اقتباس حكمة بتي سميث (انظر إلى كل شيء كأنك تراه إما لأول مرة أو لآخر مرة) ومن جانب الفضول حاولت تطبيها في حياتي اليومية، وسرعان ما وجدت عالماً آخر..
الاشياء كلها عزيزة وغالية، وحياة بعيدة عن الرتابة والملل، وآلاف الوجوه كلها بشوشة وباسمة ، إلا ان أمي طبقتُ عليها النصف الأول من المقولة فعشقتها أروع عشق وشعرت بأني انتمي إليها، وأعدت تطبيق النصف الثاني لأجدها حاضرةً لا تغيب أبداً.

أنا وماري كوري

1.
صحيح ان السيارة المفخخة التي زارت بيتي لم تقتلني، ولكنها حولت يومي الى حطام، ومزقت نسيج مشاعري التي كانت متماسكة.
بقيتُ أرتعد لساعات طوال ورائحة البارود تستوطن في نفسي، وتزيدني خوفاً..
حاولتُ السيطرة على قلقي المتنامي وفتحت التلفاز وتنبهت لحديث العالمة الفيزيائية الفرنسية ماري كوري (علينا ان لا نرى ما تم إنجازه، بل نرى ما لم يتم إنجازه بعد( راجعت هذه المقولة أكثر من مرة وتخيلت ما قد يجري مستقبلاً وهو الامر الذي أوداني قتيلاً بنوبة قلبية..

2.
تمسكتُ بحكمة ماري كوري (كنْ أقل فضولاً بالناس، وأكثر فضولاً بالافكار) وغادرت دنيا الثرثرة، وجلستُ وحيداً محاولاً إعادة صياغة أفكاري ولكن فضول من حولي أطفأ شموع طموحاتي كلها، وغيب أفكاري الى المجهول.

أنا وجورج إليوت

1.
في قاعة الدرس كنتُ احاول القيام بأول عملية سرقة في حياتي وهي اختلاس قلم صديقي الجميل، وفور نجاح العملية تنبهت لمعلمة اللغة العربية وهي تشرح مقولة للروائية الانكليزية جورج إليوت (المكافأة لمهمة أنجزت هي القوة على إنجاز مهمة أخرى( مما دعاني فور انتهاء الحصة لاختطاف المعلمة واغتصابها.

2.
تقول إليوت ان (لكلماتنا أجنحة، لكنها لا تطير حيث نشاء) وبهذا نكون قد أدركنا ان توسلاتنا لا تقلع وتصل الى السماء وإنما غالباً ما تحاول ايهامنا بالطيران ومن ثم تسقط على رؤوسنا وتحطم احلامنا وامنياتنا كلها...

3.
(أسعد النساء، مثلهن مثل أسعد الدول، من ليس لهن ماضٍ).. حكمة قالتها إليوت لتهمش تاريخ أمي الحافل بالتضحيات وأرضي التي ليس فيها إلا ماضيها الجميل.

أنا وأحلام مستغانمي

1.
مَنيتُ نَفسي منذ الصبا أن أكون أديباً ، وتعمقت في دراسة الأدب العربي وطالعت كتباً كثيرة، إلى ان وصلت لقول الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي (من الجرح وحده يولد الأدب).. لحظتها فقط قررت الابتعاد عن القراءة والكتابة خوفاً على قلمي ان يصاب بالاحباط..

2.
تعتقد مستغانمي (إن أجمل مايحدث لنا لا نعثر عليه، بل نتعثر به) وهو الامر الذي جعلنا نسلك طرقاً موحشة غير معبدة ونتوسل الحكومة ان تبقي مطبات الشوارع على حالها.

3.
نحن أمة تعيش في غيبوبة ثقيلة، لا ننتظر ولا نتمنى سوى تحقيق جزء من أحلامنا البسيطة، غير ان حروف أحلام مستغانمي لاحقتنا حتى المنام لتكشف لنا وهمنا المنتظر بقولها (خُلِقَت الأحلام كي لا تتحقق) وتحيلنا الى عالم لا يعرف الأمل حتى في الحلم..

أنا وأجاثا كريستي

1.
في أيام الشباب شدتني مقولة للكتابة الأنكليزية أجاثا كريستي، كانت تقول فيها (أفضل زوج يمكن للمرأة أن تتزوجه هو عالم آثار، فكلما زاد عمرها زاد اهتمامه بها).. وعملت بحرص شديد على ان اعامل شريكة العمر كقطعة أثرية.. وبعد عمر طويل اكتشفت بانها لا تنتمي لأية حضارة او حقبة تاريخية، إلا ان معرفتها كانت تشكل تاريخ انتمائي للوجود.

2.
تعمد كريستي في مقولتها (قليلون منا يبدون على حقيقتهم) على كشف حقائق المحيطين بي.. عندئذ أخذتُ أفتش عن عالم خال من الأقنعة..

3.
لم افهم أجاثا كريستي عندما قالت (لا تفعل بنفسك ما يمكن أن يفعله لك الآخرون) ربما لانه جاء متأخراً بعض الشيء ولم يمنعني من إقصاء عقلي وتهميشه كما يريد من حولي..

أنا وأوبرا

1.
ذات مساء وأنا اتابع البرنامج الحواري الاكثر شهرة في امريكا والعالم والذي تقدمه النجمة السمراء وينفري أوبرا، غرقت في بحر عميق من الدهشة بعد ان سمعتها تقول بثقة (ما تُصر عليه تصبحه) مما أدخلني في صراع مع سيل من الاسئلة، ترى لماذا تُصر أمتنا على النوم الأزلي ، لماذا تؤكد على انها قرية في العراء او دار كبير ربه مكفوف؟!

2.
في يوم ما.. شعرت بان اوبرا تسكن روحي خصوصاً عندما قالت (أكثر ما تخاف منه ليس قويا، فالقوة تكمن في الخوف ذاته) على الرغم من انها لم تكن تعلم كم مرة شرعوا في قتلي وأجلوا موعد التنفيذ؛ إلى ان تركوني فريسة سهلة للخوف ينهش بي كما يشتهي.

3.
الحياة من زاوية خاصة لا تعني لنا نحن المهمشين إلا عذابات متراكمة، وخيانة، وخوف، وأرق مزمن ومجموعة جراح فاض منها القيح..
غير ان اوبرا تحثنا قائلة (حَوِّل جراحك إلى حكمة) حكمة مثالية غريبة قالتها وهي تعلم ان العالم لا يحتكم ولا يتأثر بالالم، لان الكل يعاني الوجع..

أنا وكوليت

1.
أسيرُ على حافة الطريق ممزق الخطوات، مشتت الفكر، مُعطل الاحساس والعاطفة، مكبل بالهموم الثقال.. شردتْ عيناي الى قصاصة ورقية بالية كانت تهوى تحت قدماي، وكان من عادتي أيام الطفولة ان الاحق مثل هذه "الخزعبلات" لأكتشف ما تخفي..
ومن دون اي تفكير انحنيت إليها، فوجدت فيها حكمة للروائية الفرنسية كوليت (الغياب التام للفكاهة يجعل الحياة مستحيلة) كررت قراءة هذه المقولة مرات عديدة وفي كل مرة كنت أحاول رسم تعابير الابتسام محاولاً الاستعانة بالشفاه والاسنان والعيون، إلا ان الفشل صاحب تجاربي كلها.
رفعت يدي الى وجهي لأزيح شفتاي الغليظتان لتبدو اسناني المضطهدة، غير أني لم أجد فمي أصلاً..

2. تقول كوليت ان (الطفولة السعيدة إعداد سيء للتعامل مع البشر) قالت هذه الحكمة من دون ان تدرس أسباب التعامل السيء والذي يعود أصله الى ان اطفالنا يرضعون التعاسة من صدور أمهاتهم، ولا يفطمون منها إلا بعد جفافها، عندئذ غدا العالم لا يعرف السعادة!.

أنا وإدنا سانت فنسنت ميليه

1.
كثيراً ما اقتبس من قراءاتي المتنوعة العديد من العبر والحكم والاقوال المأثورة، واستخدمها في موقف ما كإسناد ودعم لكلامي ولهجتي المتواضعة.
وذات يوم وانا أتجمهر مع عدد من الشباب في ساحة عامة وأستمع لخطاب أحد السياسيين، اشتعل فتيل الغضب في داخلي بعد سيل الاكاذيب التي نطق بها ذلك السياسي..
وتنبه إليّ بعيون كلها دهاء، وخاطبني مستفهماً فيما إذا كانت لدي مداخلة أو سؤال..
في تلك اللحظة خطرت ببالي مقولة الشاعرة الأمريكية إدنا سانت فنسنت ميليه (أرجو أن تنصحني ببعض النصائح الجيدة في خطابك القادم، وأعدك ألا أتبعها) كررتها أكثر من مرة علّه يخجل من نفسه ويعتذر عن أكاذيبه.. غير انه ابتسم ابتسامة غامضة واجابني بكل هدوء: أنا متأكد من أنك لم تتبع ما أقول لانك ستغادر هذا العالم في وقت قريب.

2.
رشحتُ نفسي في الانتخابات النيابية.. ووضعتُ في برنامجي الانتخابي جزء من مقولة الشاعرة الامريكية إدنا سانت فنسنت ميليه (أحب الانسانية....) ولم أكمل بقية المقولة لتبق العبارة مفتوحة، قابلة للتحليل والتأمل.. وبذلك صرتُ أتميز عن باقي المرشحين.
بساطة الناس وحاجتهم الى التعامل الانساني جعلت أسمي يعلو قائمة الفائزين، وسرعان ما أستوطن عرش السلطة.
وتقليداً لبعض الفائزين اجتمعتُ بجمهوري الانتخابي لأبارك لهم وأشكرهم على منحي زمام المسؤولية.. أطلق الجميع من حولي هتافات وشعارات تمجدني، إلا ان احدهم طلب مني استعراض برنامجي الانتخابي على نحو واضح وصريح.. مما دعاني إلى تكملة مقولة ميليه (أحب الانسانية، ولكني أكره الناس) سكت الجميع وتوقفت الهتافات كأنما كان شريط فيديو قد توقف عن العرض..

أنا وغادة السمان

1.
تقول الاديبة السورية غادة السمان (لأننا نتقن الصمت، حَمّلونا وزر النوايا!) لتضعنا ما بين مطرقة الثرثرة وسندان الخوف من الأمل المجهول.

2.
خدعتني غادة السمان بمقولتها (الذاكرة والألم توأمان، لا تستطيع قتل الألم دون سحق الذاكرة)
كنت قد عملت على تفريغ ذاكرتي بما فيها من أفراح وأحزان، وتنازلت عن الأحاسيس الجميلة العالقة بالذاكرة والتي لم تكن تتجاوز القلة القليلة بحجة سحق الالم..
خدعتني.. لأنها لم تنبهني باحتمال وجود فايروس يتلف الذاكرة، ويلد آلاماً جديدة.

أنا وفرجينيا وولف

1.
غيرتُ معالم الكون، وغطيت زرقة السماء بوشاح أسود، وأخفيت البلابل من دون أصواتها..
ألغيت حاسة البصر وحولتُ مدينتي المبصرة الى مدينة عمياء، بعد أن فقأتُ عيون سكانها إلا عيني.
لم أحبذ رؤية انعكاس وجهي داخل العيون الملونة، ولم أكن مجرماً أو دكتاتوراً، بل كنت قد تفاعلت مع حكمة المؤلفة البريطانية فرجينيا وولف (أعين الآخرين سجوننا).

2.
تظاهر جمع من المهمشين والمضطهدين على سياستي الجديدة في تكميم الافواه..
بدأ عدد كبير منهم برفع لافتتات تندد بكبت الحريات، فيما رفع الجزء المتبقي أصواتهم الى السماء، ورددوا هتافات ثورية مخيفة، هزت عرشي المحصن..
لم أصل حد الخوف من كل هؤلاء.. إلا ذلك الشاب الذي رفع مقولة فرجينيا وولف (إنهم يستطيعون لأنهم يظنون أنهم يستطيعون).

أنا وجورج صاند

1.
في بداية مسيرتي الفنية؛ تأثرتُ بحكمة الروائية الفرنسية جورج صاند: (مهمة الفنان أن يُنير قلب الإنسان) مما جعلني أتسلق قمم الفنون الشاهقة، وأتنقل باحترافية عالية ما بين اللحن والرسم ولغة الألوان، ومن ثم القفز الى منطقتي الشعر والسرد..
وفي كل انتقالة خطرة كنت أبحث عن ذلك الإنسان الذي من شأني بث النور إلى قلبه، مما دعاني إلى تسلق قمة النحت على الحجر.
قسوت على نفسي، وأرهقتها لاحتراف هذا الاختبار الصعب، عساني أنحت قلباً يمكنني إنارته ولو بطلاء معين، بعدما فقدتُ الامل نهائياً بوجود الانسان في هذا العالم.

2.
تشتت أفكاري وأنا أطالع كتب التاريخ، حتى بدأت خلايا عقلي تلتهم بعضها الآخر..
وصلتُ حد التيه، وباتت الأحداث مزدحمة لا تميز الواقع عن الخرافة، ولا تفرق بين الصدق والزيف.
بقيت عالقاً بهذه الأزمة، وزادت عقدتي ومشكلات تفكيري، الى ان قرأت مقولة جورج صاند: (كل مؤرخ يسرد أفقاً جديداً) وسرعان ما تنبهتُ إلى أنني عالق في تشابك الآفاق.



نهار حسب الله

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...