محمد مستجاب - رأس الشمس… قصة

للمرة الثانية أموت هذا الشهر.

الموت فعل مبهج لا يستطيع تحمل رفاهيته الفقراء.

استيقظت على مكالمة تليفونية- مجهولة المصدر- قبل أذان الفجر، الصوت الذى جاء من الطرف الآخر، كان ساخرًا وعميقًا كمقبرة فرعونية، لم يقل إلا كلمات بسيطة: ما زالت تحيا، تكتب وتقرأ وتضحك وتسمع الموسيقى وتستمتع بالشمس.

أُغلقت الهاتف، واعتقدت أنها مجرد مداعبة، يلجأ أليها بعض الأصدقاء أحيانًا، نهضت من الفراش، وأعددت كوب شاي، وانتظرت كى أصلي ركعتي الفجر، وأستمتع بضوء الشمس مع أبخرة الشاي.

إلا أن الشمس لم تظهر، ساد الظلام، ارتديت ملابسى وخرجت من البيت، وما إن تحركت فى الشارع، حتى وجدت أن الناس يسيرون دون رءوسهم، كل الناس كانو بلا رءوسها، صدمت بشدة ولم أستطع الكلام، حاولت أن أستفسر عن سبب اختفاء رءوس الناس، لكني اكتشفت أن من لا يملك رأسًا لا يملك عينين أو أذنًا، او لسانًا ولن يستطيع الرد.

نظرت فى الساعة، كانت قد قاربت الثامنة، يجب أن استقل الأتوبيس للذهاب إلى العمل سريعًا، الظلام شامل، والأتوبيس جاء مكتظا بالركاب، وقفت متمسكًا بالقضيب العلوي، وباليد الأخرى تمسكت بمسند أحد المقاعد، جميع الركاب دون رءوس، والسائق أيضًا، وقائدو السيارات الأخرى يقودونها دون رءوسهم.

وكلما قطعنا مسافة للاقتراب من العمل، أجد مجموعات من الجنود المدججين بالسلاح يقفون في كل مكان؛ وسط الميادين وعلى نواصي الشوارع وبدايات ونهايات الطرق.

توقف الأتوبيس ولفظني على الرصيف بالقرب من مكان العمل، هرولت كي ألحق الدقائق الأخيرة قبل إغلاق دفتر الحضور والانصراف، إلا أنني فوجئت بمن يسد الطريق عليَّ، مجموعة من الجنود أحاطوا بي، واقتادوني للضابط الجالس على أول الشارع، يدخن سيجارته ويغرقه بالدخان الكثيف، صفعني الضابط وأخبرني بأنني متمرد، وأن وجود رأسي بهذا الشكل سوف يثير كثيرًا من المشكلات، وأن سيري فى الطرقات بهذا الرأس معناه التمرد على كل القوانين والدستور والأوامر، ثم أخبرني بأنني عاصٍ لأنني لم أخلع رأسي، أخبرته بالفارق بين الرأس والحذاء، وأن الحذاء فقط هو الذي يُخلع ويُلبس أيضًا، انفجر الضابط في الضحك بشدة هو والجنود، وألقى في وجهي بالسيجارة، حاولت أن أخبره بأن الشمس لم تشرق اليوم، وأن أساله أين ذهبت رءوس الناس؟ لكني خشيت أن يأمر الجنود بضربي مرة أخرى.

أشار للجنود بأن يأخذوني للمشنقة، كانت المشنقة منصوبة بالقرب من المكان، وبعض الحبال تتدلى منها بعض الرءوس التي تصرخ وبعضها يبكي وبعضها يضحك، تم تعليق عنقي فى أنشوطة المشنقة، وقطعوا رأسي الذي سقط على الأرض وتدحرج حتى توقف أسفل قدميِّ الضابط، ركل رأسي بقوة كالكرة، وتبادل مع جنوده اللعب برأسي، ثم قذفها بقوة لتطير فى السماء وترتفع عاليًا وتجلس مكان قرص الشمس، حينئذ بدأت في الضحك، بينما ظلام الشمس ظل سائدًا.


ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...