الشاعر مؤمن سمير - "أشكال الكتابة لا تتوقف عن التطور "حوار أجراه : حسين عبدالرحيم

قدم الشاعر "مؤمن سمير " للمكتبة العربية والمصرية أكثر من 20عنواناً أدبياً مابين الشعر والكتابة للأطفال وكذلك الكتابة المسرحية. مؤمن الذي حصد أكثر من أربع عشرة جائزة من الهيئة العامة لقصور الثقافة وهيئة المسرح وجائزة سعاد الصباح والمجلس الأعلى للثقافة .."سمير" الفارق والمغرد بقصائده عن الاغتراب المجرد وطغيان الوجودي والذاتي والنفسي والمتفرد فيما يخص علاقته بتلك المفاهيم الرجراجة.. عن قصيدة النثر وشعر الحداثة وما بعدها يتحدث "لجريدة القاهرة" عن كل ما يشغله من متون وعتبات جمالية وفنية ورمزية تخص الشعر ومساراته وحتى جنوحاته.. سألته بداية:

> 1- عن ظاهرة الاغتراب والتهشيم الوجودي في قصيدة النثر المعاصرة والتي تبرز بجنوح في قصائدك ، دوافعها من وجهة نظرك..
>> الشاعر كائن منغمس في الحياة بجناحيها الواقعي والمتخيل، يتألم ثم يعاين هذا الألم و يتحسس جذوره وفروعه ويحاوره ويسجل اعترافاته في لوحاتٍ ملونة بالألوان القاتمة.. أو يفرح ويدخل في مسامات الفرح الضيقة ليوسعها قليلاً قليلاً ليستظل بها الجميع وتتدفأ مشاعرهم ..كائن مثل هذا ، كيف تُحَوِّل الحروب الحياة من حوله لركام وخرائب وذكريات موءودة ولا يحس بالخوف والاغتراب ويرى نفسه محاصراً طول الوقت بالغيلان والتنانين؟!!..إن أزمة الإنسان المعاصر بدءاً من وجوده وأسئلته الكبرى والصغرى والكبيرة منها والصغيرة وحياته وتقلباتها الدرامية ومرضه الجسدي والروحي وفناؤه متعدد الأشكال والألوان- لابد وأن تتجسد في طريقته للتعبير ووسيلته للصراخ أو حتى الهمس ، وهي هنا الشعر ..وبالنسبة لقصيدة النثر بالذات ، تلك التي يظهر فيها وضع الإنسان الحالي بكل قسوة ،فما ذلك إلا لأنها القصيدة التي حاولت أن تتخلى عن الأوهام والصوت العالي وأن تواجه الفكرة عارية بلا محسنات ومقبِّلات موسيقية تصنع نجاحها.. القصيدة هنا هي مرآة الإنسان الشاك الهارب من اليقين والمتطلع رؤيوياً وفنياً لعالمٍ أكثر إنسانية وجمالاً وهي رفيقته الهشة مثله وهي أحلامه المشروعة أو الموءودة طول الوقت.. إنها بنت تخلِّي الإنسان عن أيديولوجياته التي كان يركن إليها وأفكاره الكبرى و قداساته الزائفة ..بنت الإنسان الذي من لحم ودم وليس من مخملٍ ناعمٍ وملئ بالبرودة...

> 2_ تقييمك لمسارك وجيلك الشعري من قِبَل رؤية نقاد جماليات القصيدة النثرية ؟
>> في البداية تساوق حماس بعض النقاد لتجربة جيل التسعينات مع حماس الشعراء وأحلامهم الخضراء واتفقوا على أن هذا الجيل يطمح إلى تجاوز السبعينيين و الثمانينيين ومشروعيْهما وأنه يَجِّد في تقليل مساحات وشائج القربى بينه وبينهم بالسعي المخلص والمتفاني ..بينما رفض البعض الآخر الاعتراف بحساسية فنية و رؤيوية تميز شعراء هذا الجيل وراهن على أن تجاربهم تجارب غير ناضجة ستنتهي حتماً بهم إلى تكرار أنفسهم لكن الأعوام باعتبارها المفرزة الحقيقية راكمت تجارب البعض ومنحت مشروعه نعيم الاستمرار والبقاء وتخلت كذلك عن آخرين.. وبالنسبة لي فقد كنتُ قبلاً وأنا في بدايات الشباب والشعر أُفضِّل أن أحتمي بمظلة الجيل الواسعة حيث يستمد الشعر هنا صك مروره وينتزع الاعتراف بوجوده عن طريق انتمائه لغيمة واسعة قادرة على الدفاع عن أجزائها وبنياتها الصغيرة لكني كلما أصدرت ديواناً وكلما مر بي عام وعام أستوعب أكثر من ذي قبل أن الشعر مشروع فردي وخاص ولا تشبه قصيدة الشاعر سوى جِلْده وعظمه هو وبالتالي فمساري ومسار كل شاعر من الشعراء هو طريق وسكَّة وطريقة خاصة لا تشبه ولا تساوي إلا الشاعر ذاته فقط ..

> 3 - مَن مِن الشعراء التي تتوقف أمامهم بتجاربهم الفارقة في المسارات الشعرية بشكل عام وخاصة قصيد النثر والفاعلين فيه من قبل رؤية الشاعر مؤمن سمير ؟
>> أحب شعراء كثيرين في كل الثقافات وكل التواريخ ..شعراء راسخين وعظماء حتى النهاية وأجد في السكن الإنساني والفني لمشاريعهم ،روحي التائهة ..لكني أتوقف تقريباً كل يوم أمام شاعر جديد ..المشهد الشعري المصري والعربي والعالمي موار وساخن وحيوي وطازج على الدوام وخاصة في قصيدة النثر صاحبة القماشة الممتدة والمتسعة لدرجة العجز عن الملاحقة ..الدهشة هنا وفي في كل مكان يا شقيقي ، باعتبار أن التمايزات الثقافية بين المشاريع الشعرية المختلفة – حتى القديمة منها والتي يعاد اكتشافها باستمرار- تمنح المتابع روعة تلمس الفروق بين كل توجه شعري وسواه وكل هذا يعضد اليقين بقدرة الشعر وخصوصاً قصيدة النثر ،على استيعاب الثقافات المختلفة والمدخلات الحضارية والروحية التي تغذي التجارب الفنية وتنفخ فيها من روحها وتمدها بالحيوية والألق..

> 4 _ في شعريتك هناك رؤى كثيفة ودالة عن الاغتراب، الفقد و التشوه وحتى تهشيم البشر ، فهل هي رؤية وجودية أم أزمات طاغية في المعيشي والذاتي والحياتي ، حدثنا ؟
>> على مستوى الكتابة - مَرَّ نصي بمراحل عديدة ربما لأنه منذ البداية أعلن توجهه نحو مفارقة اليقين الفني أو حتى الفلسفي.. فتجد قصائد ودواوين تتخلى عن المجاز وتقدم شعرية اليومي والمعيش وتتلمس الشعر المختبئ فيما وراء السطوح الصلبة الباردة ..وتجد كذلك قصائد ودواوين تحاول أن تلعب وتجرب وتستفيد من اتساع جنون آفاق قصيدة النثر فتلعب بالقصيدة وتلعب معها ..كما تجد قصائد ودواوين تحاول أن تقيم علاقات بين الواقع وبين اللغة فيكون الواقع بُعْداً ملموساً ، والتعبير عنه لغوياً هو بُعد الخيال ،الآخر، المرتبط معه بالجدل الساخن والحاد كذلك، بما يستدعي اجتراح مجازات أوسع قليلاً من المجاز الجزئي المتموضع في جملة بسيطة.. لكنني أتخيل أن الثابت عندي – سواء في آليات الكتابة أو في الرؤية - أني حاولت صنع كتب شعرية مرتبطة كوحدات واحدة حيث تحاول أن تقتنص حياةً بعينها أياً كان كنهها أو شكلها أو دواخلها أو حقيقتها وحدود طموحاتها.. وأن الذي يصرخ أو يهمس في النص، سواء كان إنساناً أو حلماً أو وهماً أو قيمةً :يبحث عن رفيق في عالمه الكبير جداً عليه بعدما تخلت عنه الجغرافيا والحضارة والأحلام القريبة فاصطادته الرؤى والكوابيس التي تومئ لأزمان خلت كان الإنسان فيها يملك ملامح جسدية ونفسية واضحة وملموسة ..و ليس هذا نتيجة فلسفة وتخطيط وهندسة سابقة على النص بل نتيجة معاينة العالم معاينة دائمة تكون دائماً قاسية للأسف..

> 5_ موقفك من التيارات النقدية في خارطة الإبداع المصري والعربي وخاصة فيما يخص الشعر وقصيدة النثر >> وهذا انطلاقاً مما تم تناوله من شعرك ودواوينك ؟
طول الوقت لا نمل من ترديد مقولات من قبيل أن النقد في أزمة وأن النقاد عاجزون عن ملاحقة القفزات الفنية الكبيرة في النصوص وأن النقاد العرب يدورون في فلك أفكار تم تجاوزها عالمياً وأن النقد العربي عجز عن اقتراح نظريات نقدية عربية وبالتالي فالنقاد مستهلكون لأفكار ومناهج غيرهم وليسوا مبدعين على الإطلاق وأن لفظة الناقد تفتقد للدقة لأن الغالبية من ممارسي النقد ومتعاطيه هم في الحقيقة أساتذة يُدَرِّسون الأدب في الجامعات فقط.. الخ وهذه الإطلاقيات لا تخلو من الصحة لكن لابد وأن نراعي أن العالم بالفعل أصبح قريباً جداً ومتشابكاً بشكل يصعب فيه فصل المساهم عن المشتبك عن العائش على إبداع الآخر .. لهذا فالطبيعي أن يتحول النقاد مثلاً ، في اقتراحات التعامل مع النصوص ، للمناهج التي رست مؤخراً عند مناهج ونظريات (القراءة) وأولوية دور المتلقي كخالق للمعنى أو النقد الثقافي وهكذا .. وليس انحيازهم ذاك لفقرهم الإبداعي بالذات وإنما نتيجة كذلك لتفاعلهم الطبيعي والمشروع مع حركة النقد في العالم.. فلننتقد النقاد ولكن علينا أن نراعي أن العالم مفتوح طول الوقت وموار ومتغير وبالتالي فالنصوص تتلاحق بسرعة جنونية وتطور معها أشكال الكتابة طول الوقت مما يُصَعِّب على أي مراقب مهموم فكرة الشمول والإحاطة تمهيداً لتكوين مذهب أو عقيدة فنية أو حتى مدخل .. أما بالنسبة لنصي فقد حظى بالعديد والعديد من القراءات من النقاد والأساتذة ، بالطبع ليس بالصورة التي ترضي المبدع – ولكن على الأقل حدث تفاعل قابل لأن يزيد – بأي صورة من صوره - مستقبلاً ..

> 6_ هل تتفق مع مقولة طغيان مساري الرواية والقصة على المسار الشعري ، ليتك تحدثنا عن موقفك وتحديداً من خلال وجودك الشعري في الساحة والخارطة الجمالية لأكثر من عقدين ؟
>> أظن أن الجوائز ذات الأموال الضخمة المكرسة للرواية ساعدت وأظهرت ونشرت وعضَّدت فكرة الانفجار الروائي والقصصي في مصر والوطن العربي وبالتالي تسببت في التعمية على حقيقة أن الشعر هو الآخر في أفضل حالاته بعكس أي أكليشيهات مغرضة لحساب ناشرين الروايات تقول إن الشعر مات .. إن ظهور شكل فني لا يعني موت شكل آخر وهذا أمر بديهي .. الشعر بخير والمشهد الشعري نشط جداً ووسائل الاتصال جعلت منه متاحاً لدرجة معتبرة : النصوص ونقدها والندوات حولها وإلقائها وإضافة وسائط أخرى للقصائد وما سوى ذلك .. أعداد الدواوين التي تصدر يومياً كثيرة جداً وحالة الحراك المحتدم شجعت أصحاب الأجيال السابقة على استعادة النشاط والظهور بالجديد الذي يضاف إلى مشاريعهم ..


جريدة"القاهرة" مصر- الثلاثاء 5يناير 2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى