فهد العتيق - فوزان يقرأ الشوارع ليلا.. قصة قصيرة

اسقيني أو مدي لي من رائحة التراب فأنا ما زلت سائق تاكسي وطفل حارة ضائع في هذه المدينة الواسعة ، أفيق دائما كما كنت تفعلين في السابعة ، أشرب قهوتك في السابعة صباحا على موسيقى النشرة الإخبارية وصدى ضحكاتك الصباحية ، في الغرفة التي تطل نافذتها الصغيرة الواطئة على الأرض الخربة . وقت جديد لاهث لم أستطع وسط حطام ساعاته أن ألبسه ، يغنى فيه المغنى ويردد ألحانه أبناء النخيل . كنت صامت سنيناً من الركض والعناء حتى جاء منتصف ليل صحوت فيه على فزع، أين الباب ، ومضيت . ما بيني وبين فتحة الباب ظلام وأنفاس وأفواه صغيرة معلقة بلا أثداء ، دخلت الشارع الأسود فلم أر القمر، رأيت سماء سوداء تتلألأ فيها نجوم وتخفت أخرى ، لا غالب في منتصف الليل ولا مغلوب ، ركبت سيارتي الصفراء ، هذا هو الأسود الذي كلما اقتربت منه يبتعد ، وهذا دوار الرأس يعود كعادته. بالأمس إذا أصاب الرأس الدوار نمت ، وإذا حزنت نمت، وإذا فرحت رقص في الحلق الكلام ، ويخرج غناء للوقت . واليوم إذا أصاب الرأس الدوار أدور، وإذا حزنت أدور، وإذا فرحت جف في الحلق الكلام.
رأيت أطيافا تومئ على الطريق . قلت : ما هذا . أهلا بالوجوه الجميلة . يا للناس الذين يعيشون منتصف الليل . ولم لا تركبون ونحن ندور. سقط أحدهم جوار الباب فحمله أصدقاؤه ، أقفلوا الأبواب فركبت الطريق ، تزاحموا يتضاحكون وكلٌ يعاقر شيئاً في يده، ما أجمل هذا الأسود الحبيب ، هذا الذي كلما اقتربت منه يبتعد ، هذا الذي لا ينتهي ، وجدتني أقود بانتشاء صحبة وجوه فرحة مستبشرة . وأنا صرت مثلهم فرحا وأضحك بلا سبب ، أخذت من أيديهم اللامعة البيضاء حتى وجدت الرأس يكاد ينفلق، نادمتهم حتى سمعت صدى صوت ضربة على ظهري : أنت تسير في كل الخطوط يا أخ . وانتبهت إذ فتحت عيني كما لو كنت غائبا ، التفت إليهم ، أهلا ، شباب يمرح وسفر دائم ، الجامع الكبير : صوت الشيخ ، يا لهذا الليل المظلم وهذه الوجوه الجميلة ، يا لهذا الكلام الذي يجف في الحلق ، كأن الشوارع لا تصل ، شوارع سوداء بلا ناس وأرصفة جامدة. صوت أحدهم : هنا أيها الأخ . نزل اثنان وبقى ثلاثة، شيعت النازلين حتى مدخل مظلم ، رأيتهم يصادمون أجسادهم ويتضاحكون ، وأنا خائف من عودة إحساس الوحدة، قال أحدهم وكان راقدا : واصل المشوار ، قلت له : هذا طريقي، ظللت أدور حتى الصباح والشباب نيام ، تعبت فدنوت من رصيف هادئ ، توقفت وملت بالمرتبة، استلقيـت و رحـت في إغفاءة طويلة ، ثم كانت الشمس تنشر بعض خيوطها الصفراء، حين أفقت ورأيتني وجها لثلاثة وجوه أمامي ، رأيت حرسا وجدرانا متقاربة ، رفعت رأسي فرأيت نافذة صغيرة عالية ، التفت إلى أصدقائي و لم أجدهم ، كل الأشياء في الخارج ترسم حولي ترسم تفاصيلها في ذاكرة وحكايات . في البيت أنفاس وأفواه صغيرة بلا أثداء وفي الدار الجديدة جسد ناحل أتعبه الترحال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...