- في فضائنا الثقافي تتراكم النصوص وتتقاطع وتتحلل ويلغى بعضها البعض لتشكل في الاخير النص المقروء، المشحون بثقل الثقافة وتراكمات الدال في انقطاعاته الثقافية وتواصله الحضاري. و؟أثناء هذه العمليات يتأسس الحكي بين قطعي السلطة واللذة، ويبقى القارئ داخل عالم السرد وملتذا بقوتها وصلابتها. وهذه المحاولة هي رصد لميكانيزمات السرد من خلال نظرية الاستقبال وجمالياته. وهي في الاخير أشباح القصص التي قرأناها، ظل شكل سردي لم تتحدد بعد قسماته وذكرياته عن نصوص الروايات التي صاحبت معاناتها اللذة والمتعة.
وسلطة الحكي لا تتجلى في مستوى واحد من مستويات النص السردي ولا في أداة من أدواته ولكننا نجدها ماثلة في مستويات متعددة من كل نص وتظهر بوضوح وجلاء خلال مستوى محدد لتعطيه نكهة خاصة وتشدد على هويته ومغايرته للنصوص السابقة عليه.
وهذا الطرح الجديد لمستويات السلطة السردية أو ما يسمى تقليديا يجب أن يكون في آخر القصة ليكون بمثابة السخرية من القارئ وعدم مجاراته لتوقعاته والاحتمالات الممكنة التي رسمها لمسار القصة.
والتشديد على عنصر التشويق وانقلاب الخط في نهاية كل قصة جعل سلطة الحكاية تضعف لأن القارئ يقرأ المواقف الاولى ثم يعمد الى القفز على عملية القراءة قصد الوصول الى النهاية / الحل وهكذا تضيع اللحظات المهمة في حياة الانسان ويبقى القارئ يلهث وراء عدم المنطوق للوصول الى المتعة الكاملة من النص.
وإذا كانت هذه الممارسة لهذا الشكل من القراءة مقبولة وتأتي بثمارها في القص التقليدي الذي يحافظ قدر الامكان على الترتيب المبالغ فيه للوحدات الثلاث: وحدة العمل ووحدة المكان ووحدة الزمان، فإن القص الحديث قد أسس جمالياته الخاصة به والتي تقول الممكن والمحتمل ولا تكتفي بترتيب المعادلة بين القارئ والنص. ونجد هذين النوعين من المعادلة في تراثنا العربي متمثلا في كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، حيث تبدو المعادلة المقلوبة لسلطة الحكي في النوع الاول كليلة ودمنة وحكي السلطة في ألف ليلة وليلة، فالأولى عن طريق سلطة الحكي تعطي الرسوم البيانية لشكل السلطة التي يجب اتباعها وإخلاق السلطان القادر على إدارة شؤونه. في حين أن حكي السلطة والذي تمثله خير تمثيل ألف ليلة وليلة فإن المبدأ فيه يقوم عبى سرد سلسلة من الحكايات يتعلق فيها الموت مع الرغبة واللذة، لأن الشرط الذي قامت عليه هو "أحك حكاية وإلا قتلتك". وانطلاقا من هذا المبدأ تنزلق شهرزاد في أخطار الخطاب القاتلة وملذاته (1).
2.0- وأهم أداة تمارس بها سلطة الحكي هي اللغة. وقد لعبت اللغة دورا أساسيا في عملية التواصل بين أبناء البشر، فكانت في البدء وكانت في المنتهى وعن طريقها تناقل الناس حكاية العالم. وقد تجلت سلطتها في أقد نص درامي حفظه التاريخ وهو مسرحية "أوديب ملكا" لسوفوكليس والتي تقترب من بنيتها من الرواية البوليسية لأنها تبدأ من نهاية الاحداث لتأتي الى استعراض التفاصيل الدقيقة في الاحداث.
ويشهد القارئ اللحظات المهمة في المسرحية حيث تنتصر أوديب على التنين بواسطة اللوغوس عندما يفلح في حل اللغز الذي طرح عليه ويدخل أوديب المدينة ملكا بعد أن قتل ببابها التنين بواسطة اللغة لا غير.
وسلطة اللغة في القصص البوليسية – وحتى الواقعية منها – تتجلى في ضعف المحقق أمام الحجج التي يقدمها المتهم شفويا لإقناع القاضي أو المفتش ببراءته. وقد خصصت البلاغة الاغريقية لهذا النوع من الخطاب جنسا بلاغيا خاصا هو الجنس التداولي Genre délibératif (2) الذي يعتمد على تقوية عنصر الاقناع ليبقى "المتهم بريئا حتى تثبت إدانته". وهذه الفكرة ترتبط بالجذور الفلسفية لوظيفة الكلمة وقدرتها على إجلاء أسرار العالم وإحقاق الحق. ولهذا نجد بول ريكور P.Ricoeur يقول: "معجزة الكلمة أو اللوغوس logos منها وحدها تنطلق لحظات الحق لتعود إليها"(3). وهذه الفكرة تبدو جلية عند عبد القاهر في نظرية الاعجاز حيث رد معجزة القرآن الكريم الى اللغة وصياغة نظمها ولا شيء غير ذلك.
وفي الوقت الحاضر تشهد القضايا الكبرى التي تشبه في غرابتها القصص الخيالي تطوي ملفاتها ويكتب على المحاضر البوليسية "أغلق الملف لعدم توفر الادلة الكافية". إنه انتصار اللوغوس على الانسان وممارسته لسلطة اللغة للتغلب على سلطة خارجية.
3.0- هناك روايتنا أدبيتان مهمتان تنطويان على بنية بوليسية. وليس السبب في كون العنصر البوليسي هو المحرك للأحداث ولكن طريقة بناء النص وشكله وطريقة تسلسل الافعال هو الذي يؤكد هذه الملاحظات. الروايتان هما اللجنة لصنع الله ابراهيم (4) والمحاكمة لفرانز كافكا حيث تبدو البنية البوليسية في غياب الاحداث وتوالي الخطابات اللغوية حول حدث محتمل أو وهي، ففي اللجنة يجرى البحث عن أعمال الدكتور –الذي يبقى اسمه غائبا الى الابد- وأثره على حياة المجتمع. أما في المحاكمة فإن البطل k يتعرض لمضايقات الشرطة بسبب جريمة لم يرتكبها. "إن المحاكمة هي عثرا لبطل والفخ الذي وقع فيه، إنها أيضا أحد المعطيات التي لا يجب تجاهلها عند ذكرهلعدالة سامية عن طريق خطابات جوفاء" كما يقول موريس بلانشو (5) M.BLANCHOT
يجب التشديد في هذا السياق على كلمة فخ Piège لأنها كانت في أصل هذه المحاولة بعد الاطلاع والعودة الى كتاب لوي ماران الذي يعتبر السلطة فخا وعلى هذا المبدأ أسس دراساته التحليلية لبعض الحكايات في كتاب أسماه "الحكاية كمصيدة" (6).
الملفت للنظر في روايتي "اللجنة" لصنع الله ابراهيم و"المحاكمة" لفرانز كافكا أن اللغة (كنظام من الكلمات) هي البطل الحقيقي وليس الراوي في "اللجنة" ولا جوزيف ك kفي "المحاكمة". ويتجلى ذلك في الهدف الذي رسمته كل رواية منذ البداية. ففي "اللجنة" ينتصر الراوي على أعضاء اللجنة عن طريق اللغة ويغريهم ويقنعهم بعدم قدرته على تحقيق المهمة المطلوبة منه، في حين أن بطل "المحاكمة" جوزيف ك kتتغلب عليه العدالة بواسطة اللغة ويخضع لخطاباتها الجوفاء ويتمثل ذلك في العنف الذي تمارسه اللغة على المتلقي.
وهذا المقطع المأخوذ من رواية "المحاكمة" يفصح عن كيفية وقوع البطل "ك" ضحية لعنف اللغة:
" المحامي: هل تعتقد أن بإمكانك إقناع المحكمة لأنك غير مسؤول بسبب من استلابك؟
ك: أعتقد بالأحرى أن المحكمة هي التي تحاول إقناعي بهذا. نعم هناك هي المؤامرة.
المؤامرة الحقيقية ... يقوم الامر في جعلنا نعتقد أن العالم كله قبيح ومشوه وعبثي...
إذن فها أنا قد خسرت قضيتي" (7).
إن خسران القضية هنا هو خسران اللغة من طرف البطل وعدم قدرته على إقناع الحكمة ببراءته. إنه انسحاق البطل أمام الحجج التي قدمتها المحكمة وجعل البطل يعيش الاستلاب اللغوي.
4.0- يتمثل هذا بصفة عامة في اشكالية السلطة (كجهاز تنظيمي) في علاقتها باللغة والثقافة. وقد تنبه لهذه العلاقة ذات الحساسية البالغة الجهشياري (ت 331 هــ) وألف لهذا الغرض "كتاب الوزراء والكتاب" (8) الذي عرض فيه لمجموعة من النوادر بين من يملكون اللغة (الكتاب) ومن يملكون السلطة (الوزراء) ومحاولة كل قطب جذب الاخر اليه لتدجينه واحتوائه وجعله تابعا له. إن القطبين يبدوان في علاقة تنافر ظاهر، لكنهما في الاخير يتحدان، لأن امتلاك اللغة هو امتلاك سلطة معرفية والسلطة هي إقناع الاخرين بواسطة اللغة. والشواهد التاريخية كثيرة من أن تحصى وتضرب مثلين لا غير للاستشهاد لا فقط: الحجاج بن يوسف وخطبته السياسية البليغة ومناظراته مع العلماء والأدباء وطارق بن زياد رغم التشكيك في خطبته التي ألقاها في خليج الزقاق.
وتتجلى سلطة الحكي على مستويات عديدة من النص السردي: مستوى المرسل، مستوى القارئ ومستوى النص ذاته وذلك عن طريق كشف ميكانيزمات السرد وقوانينها الداخلية وكذا على مستوى اللغة والنقد.
1-يتمتع النص السردي باستقلالية نسبية عن الخطابات الادبية الاخرى وهذه الاستقلالية جعلت منه عنصرا ثقافيا هاما لأنه يحاول أن يروي قصة الخطابات الادبية الاخرى ويعيد تشكيلها في بنية سردية خاصة. ولهذا نجد أن أشكال الخطاب المتنوعة والمتعددة في الثقافة المعاصرة تحاول – قدر الامكان – أن تحافظ على جزء – ولو يسير – من السردية لأنها تؤمن عملية التواصل عن طرق السرد. والسرد في هذا الصدد ليس عنصرا مضمونيا بل إنه تشكيل سردي لعناصر هذا المضمون وأجزائه وفي مفهوم الثقافة المعاصرة أن عملية التواصل – بأشكالها المتعددة – هي عملية سرد لتجربة أو حادثة أو معرفة. (9)
1.1-في أشكال الحكي التقليدية تمارس السلطة على مستوى النص عن طريق تأجيل النهاية وتعطيل المحاكاة وهو جعل النقطة القوية في القصة أو اللحظات المهمة في آخر القصة. وهذا التأجيل للنهاية جعل أشكال السرد مجالا مفتوحا على البداية لكنه مغلق على النهاية لأن النهايات في النص التقليدي مهما تنوعت فإنه يمكن حصرها، لأنها حتمية وتتبع خطأ مستقيما يمكن قياسه للتعرف على نهاية القصة وغالبا ما ينهي الراوي حكايته بقتل البطل أو زواجه أي بحصوله على شيء أو حرمانه منه كما نجد ذلك في القص الشعبي والأسطوري ولا نجد أبدا نهاية واقعية أو منزلة بين المنزلتين أي احتمال وجود حالة ثالثة بين السلب والإيجاب "المعتزلة والثالث المرفوع".
في حين أن السرد الحديث يعول كثيرا على مجموع الاحتمالات لأن الواقع غير محكوم بعلاقات مرتبة تخضع لقانون السببية، بل إن قانون الجدلية والتفاعل بين العناصر والعلاقات هو الذي يحكم العالم. لهذا نجد أن السرد يحاول تعطيل المحاكاة لتحرير فعل السرد من قانون الوحدات الثلاث وأخذه بالمنطق الجمالي بدل السببية التي تبنى على إتساق النتيجة مع المقدمات.
ولتحرير فعل السرد من قانون السببية فإن المبدعين قد غيروا مراكز الثقل في النص السردي ولم يولوا النهاية كبير اهتمامهم لأنها في عرفهم عنصرا شكليا لا غير يستغله القاص لإنهاء نصه في حين أن السرد كان – من المفروض – أن يتواصل لأن موت البطل مثلا لا يعني أن مجرى العالم قد تجمد.
2.1- وتأجيل النهاية في السرد التقليدي نجد ما يقابله في المحاولات التجديدية لهذه الانواع من الخطاب. ويتمثل ذلك في مفهوم التعليق، وهذا المفهوم يقترب من المفهوم التقليدي "لعنصر التشويق" (11) ولكنه لا يتمفصل في مستوى معين من النص السردي مثلما هو الحال بالنسبة لمفهوم تأجيل النهاية. ويتجلى هذا المظهر الجديد في شكلين أساسيين هما التكرار والتعليق.
إن آليات السلطة السردية تشتد قوتها بفعل التكرار الدائري لصيغ أو مواقف معينة كما هو الحال في رواية غابريال غاريسا ماركيز "مائة عام من العزلة"عندما يتحدث الروي عن الجزمة التي كان على الكولونيل أن يرتديها يوم واجه فصيلة الاعدام والتي لن يواجهها أبدا.
فالسلطة هنا تتجلى في مظهرين:
1- التكرار: حيث يتكرر الموقف بصورة دائرية أكثر من ست مرات.
2- تعليق فعل الاعدام والتذكير به فقط ولكن رغم ذلك يحدث ويبقى القارئ في انتظار فصيلة الاعدام التي ستنفذ عملها في حق الكولونيل العجوز المتسبب في إشعال حربين أهليتين خاسرتين ويتجلى التعليق أيضا بصورة حادة في رواية "الزلزال" لطاهر وطار، حيث يبقى القارئ يقتفي خطوات "بولرواح" مدة يوم كامل عبر الاسواق الشعبية في انتظار الزلزال الموعود إلا أن الاحباط الذي يصاب به بولرواح هو إحباط السرد وعدم قدرته على متابعة التواصل مع القارئ بعد ذلك.
ويبلغ هذا الاحباط مداه المأساوي عند كاتب آخر مثل جيمس جويس J.JOYCE في روايته الضخمة "يوليسيز" التي يتبع فيها القارئ مسيرة البطل دقيقة بعد دقيقة خلال يوم كامل عبر شوارع "دوبلن" لكنه يصاب بخيمة أمل عندما يكتشف أنه عاد الى نقطة البداية بعد أن وقع تحت ركان تفاصيل يوم تافه رغم جمالية النص الروائي ولذته الطاغية.
أما المظهر التكرار فإننا نجده جليا خاصة في ممارسات أصحاب الرواية الجديدة وبشكل أخص عند ألان روب غرييه الذي يعيد تكرار صفحات بأكملها وبحرفيتها وذلك ليؤكد على تكرار مواقف الحياة أو الخطابات الادبية أو السخرية من القص التقليدي الذي يحاول قدر الإمكان أن لا يسقط في الاستطرادات أو التكرار.
ومفهوم التكرار récit itératif (12) يقترب كثيرا من مفهوم الوصف ويساعد على التذكير بالحدث المراد التذكير به، كما يمكن أن يكون فاصلا بين مجموعة من الاحداث ومجموعة أخرى تختلف عنها في الطبيعة أو في الوظيفة.
وتقنية التكرار هذه تكاد تكون أهم عنصر في المحاولات التجديدية التي اقترحها الرواية الجديدة وممارستها من خلال نصوصها الابداعية مثل رواية "الغيرة" لألان روب غرييه أو رواية "الصخب والعنف" لوليام فولكز.
3.1- والرواية الجديدة لا تقوم على عنصر السرد الخالص ولكنها تجمع داخل مساحة النص السردي العناصر الحكائية الى جانب التنظير. وقد انعكس الجانب التنظيري في ما يسمى بفضح ميكانيزمات الاسلوب السردي (13) dénudation du procédé littéraire ولعل بارت أو ناقد جروء على فضح استبداد اللوغوس عندما قال: "كل قانون يقمع أي خطاب من قانون ينقصه التأسيس" (14) وهذه الفكرة نجد بذورها العميقة في كتابه النظري الاول "الكتابة في الدرجة الصفر" عند حديثه عن تداخل جميع الاجناس الادبية للتعبير عن التجربة الانسانية في غناها وتشابك علاقاتها وقد طغت هذه الموجة على النصوص السردية الحديثة التي تجمع الى جانب العنصر الحكائي التأسيسي النظري، ومن خلال هذه العملية المزدوجة تمارس نوعا من التحليل لذاتها وتفكك بنفسها عناصرها الداخلية.
وهذه بعض المقاطع من رواية "عيلان أو ليلة الحكاية" للكاتب المغربي ادموون عمران الملاح حيث يحاكي فعل السرد في حكايات ألف ليلة وليلة، ويحاول أن يمارس نوعا من التنظير. يقول الملاح: "الاحداث! لم يدر بالضبط لماذا يلوح على معرفة ما حدث، ما هي هذه القوة التي تدفعه الى الأمام، هذه الرغبة التي تحفزه بإلحاح وتختفي في الضوء هذه الاصوات التي تحثه إنها حكاية داخل مجالها الصارم والمأساوي (ص 18).
استدارة كل الاحداث في مراكش كأنها محاجر عميان لاشيء انتهى، لا شيء قد كف تماما، الشيء الاكثر شراسة استمر في تكراره (ص 54).
أين ولدت الحكاية، من أي منبع انبثقت لتأتي فتقاطع وتتكاثف وتضمحل في حكايات أخرى (76) (15) هذه المقاطع المأخوذة من رواية "عيلان أو ليلة الحكاية" تجمع الى جانب الحداثة العناصر السردية التراثية وتحاول أن تمارس عليها نوعا من التحليل النظري. في المقطع الاول يحاول أن يجد لروايته شكلا داخل النظام المتسق لحكايات شهرزاد. وفي الثاني يركز على فعل التكرار سواء في الاحداث التي عرفتها مراكش في الستينيات أو تكرار المواقف السردية وفي المقطع الثالث يرجع الى أصل روايته ومنبعها وافتتانه بتوالد اللحكايات وتكاثرها في ألف ليلة وليلة وانتقال الاحداث والشخصيات من حكاية الى أخرى بكل سهولة ولياقة داخل عالم سحري.
4.1- إن مغادرة السرد الحديث شكل بالدرجة الاولى لذلك نجد أن تداخل أن الاشكال التعبيرية والأدوات المختلفة والوسائل التي يستعملها القاص للقبض على تلك اللحظات الهاربة، المنزلقة أبدا الى الماضي كأنها مشدودة بخيط غير منظور. ولكي يقبض على جزئيات هذه التجربة الانسانية فإن القاص ينزلق بكل يسر في العالم الذي شكله قصصيا ويدخل في حوار وعلاقات حميمية مع أشخاصه ويلغي الحاجز الوهمي بين عالم المتخيل وعالم الواقع ويصير الراوي يشبه الرواية عيسى بن هشام أو أبى الفتح الاسكندراني نجد هذه التعرية للعبة السردية في رواية فاضل العزاوي الموسوعة "مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة" (16) حيث يتدخل الراوي بكل عنف بدءا من عنوان الرواية ويمارس على القارئ سلطة مزدوجة: الاولى بوصفه كتاب الرواية أي مشكل الاحداث ومرتبها، والثانية أن حضوره داخل فضاء الرواية يجعله نقطة بارزة تستقطب اهتمام القارئ.
ونلاحظ أن الكاتب المغربي أحمد المديني في مجموعته القصصية "سفر الانشاء والتدمير" يدخل عالما لقصة ولكنه بطريقة أقل عنف من فاضل العزاوي عندما يقول: "المطلوب القبض على المدعو أحمد المديني" ويصوغ اسمه في قالب أوتوبيوغرافي يقترب من الاعترافات والبوح بما عاناه من أجل إبقاء حريته واستقلاليته.
وفي جو اشراقي ومناخ صوفي ينزلق جمال الغيطاني بكل يسر في أجوائه لروائية في كتابه الذي يقع في ثلاثة أجزاء والموسوم "التجليات" ويظهر اسم الروائي جمال الغيطاني بكل جزئيات وتفاصيل حياته الشخصية والأدبية جنبا الى جنب مع شيخه ابن عربي والرئيس جمال عبد الناصر وحول هذا الثلاثي الذي يكون ثلاثة أقطاب متكاملة يربطها قاسم مشترك هو استبطان الواقع ومحاولة تجاوزه قصد بناء واقع أكثر تلاؤما مع حياة الناس تدور الخطابات اللغوية ذات المنحة الصوفي وتشكل تجليات الغيطاني.
وقد سبقت محاولة "التجليات" التي هي رحلة عبر الذات وعبر الاخرين وعبر التاريخ، محاولة أقل جرأة هي كتابه المعنون "خطط جمال الغيطاني". واسمه الذي يظهر مرتين على غلاف الكتاب: مرة ككتاب، ومرة أخرى كجزء من الكتاب كفيل بأن يمارس سلطة معينة على القارئ حتى قبل أن يتناول الكتاب.
إن إلصاق اسم الكتاب على جسد الحكاية وجعله يعيش داخل شبكة من العلاقات الحية التي تربطه بالاجزاء الاخرى داخل عالم السرد كفيل بأن يقوي هذه السلطة ويعطيها شرعية معينة، كما أن وجود اسم الكاتب على مساحة القص يعمل على تقوية عنصر الايهام بالواقع ويعمل على إزاحة الفاصل بين الواقعي والوهمي ويلغي أهم عنصر في القص التقليدي وهو عنصر التوقع.
5.1- إن الذي جعل شهرزاد تعيش وتنجو من قتل شهريار بعد أن أصيب بعقدة هي قدرتها على امتلاك سلطة الحكي. أن شهرزاد تحكي لتعيش. وهكذا تصير الحكاية موازية ومساوية للحياة والمثل على ذلك هو شهرزاد نفسها التي لا تستطيع أن تعيش إلا إذا استطاعت أن تواصل حكايتها". كما لاحظ ذلك تودوروف (17).
إن غياب الحكاية هو الموت ذاته. وخير دليل على ذلك هو الورقة البيضاء التي وردت قصتها في ألف ليلة وليلة عن ملك أراد قتل أحد الاطباء فأهداه هذا الاخير كتاب ضمخت أوراقه بالسم وفي الوقت الذي كان فيه الجلاء يدق عنق الطبيب كان الملك يقلب أوراق الكتاب الى أن وصل الى ورقة بيضاء أكث سما فسقط الى جنب ضحيته، إنه الفراغ المذهل والقاتل، الفراغ من الحكي وغياب القص (18). وهذه القصة التي كانت تفتن شهرزاد بها الملك هي في الحقيقة رمز مأساتها ورمز تراجيديا القص. إنها إستعارة. إن شهرزاد وهي تتمسك بخيط واه من الأمل، تنصب في كل ليلة فخا للملك وتبقيه في انتظار الليلة القادمة بعد أن تمضي معه عقدا (19) "وأدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح". إن القصة هنا مرتبطة بزمن محدد هو الليل، والصباح هو الذي ينهي القصة ويعلقها في انتظار قدوم الليل. إنها دورة الحكاية، مرتبطة بتداول الليل والنهار.
وبلغ الخوف من الموت شهرزاد مداه حيث صارت ذاكرتها تبدع القصص ولا شيء غير ذلك إلى أن وصلت أن توظف جسد زوجها في حكاياتها بعد أن عبرت عن تراجيديا الحكاية من خلال قصصها. وفي الليلة الثانية بعد الماء السادسة يتحول المتلقي / شهريار على إدخال مستمعها في بعد خيالي بتأثير سيطرة السرد وجعله يعيش مغامرة القص. وتحت تأثير فعل الحكاية يتحول شهريار من "كائن آدم" الى "كائن لفظي" مقابل الكائن الورقي الذي يتكلم عليه رولان بارت (20). إن سلطة الحكي في هذه القصة (الليلة رقم 602) هي رمز للسلطة المطلقة للحكاية حيث يجعل الرواية من جسد مستمعه جسدا قصصيا وينقله من حيزه الواقع الى عالم المتخيل. الشرط الوحيد في ذلك يكون هناك عقد ضمني بينهما.
وسلطة الحكي لا تتجلى بعمق إلا في النصوص التي توفر أكبر قدر ممكن من اللذة، لأن السلطة بمفهومها ادبي هي قدرة القصة على إبقاء القارئ يتابعها وتشده اليها، وهي تختلف عن مفهوم السلطة البوليسي أو الارهابي. إنها "النص الذي يأسر، النص الملتهب الذي يتأبى على كل مشابهة والذي يتنافس بوظيفته الارتباط التجاري بما هو مكتوب" كما يقول رولان بارت (21). إن النص الذي يأسر هو نص اللذة وهو الذي يحاول قدر الامكان أن يتمايز عن النصوص السابقة عليه ليؤسس سلطته الخاصة.
6.1- يكتب النص السردي سلطة ليس لكونه نصا يأسر أو نصا ملتهبا ولكن عن طريق بعض الثوابت السردية التي تكسرها الثقافة والممارسات المتعددة واستعمالاتها المتواترة والتي تجعل القارئ أو المستمع منذ البداية في قبضة الحكاية وأسر القصة.
كان يا مكان، قال الراوي، يحكي أن، كان في قديم الزمان، زعموا أن، قد سمعنا مثل كذا وكذا...إنها البوابات العديدة للولوج الى العالم السحري للسرد وبلغة علم القص تسمى عتبة النص القصصي وتسمى أيضا بلغة التحليل الشكلي الثوابت السردية التي نجدها تتكرر في بداية كل حكاية وتؤطر سلطتها وتميز ما بينها وبين الخبر الذي يفيد الاعلام والأخبار. إنها علامات وإشارات على أننا بين فكي الثعبان الخرافي وأننا مجبرون على اتباع طقوس الاغراء ورقصة أسطورية.
إن هذه السلطة تمتد حتى الى أبسط الاشياء لتذييبها في عالمها، مثل طريقة التحلق حول نار الموقد أو نبرة الحكاية أو كتابتها على الورق الى غير ذلك من الوسائل التي لا تدخل مباشرة في نسيج النص القصصي.
7.1- إن القصة هي في النهاية تحول، أي تغير مجموعة من الاحداث أو الحالات من وضع الى وضع، وهي أيضا الانتقال من حيز الى آخر وخير شاهد على ذلك هي قصص السندباد البحري الذي أبحر سبع مرات وفي كل مرة يعود محملا بالقصص الغريبة الى جانب حمولته من الجواهر واللآلئ، إن الحركة هنا تصير مساوية للقصة والتنقل والانتقال مساوي للحدث وتوقف سندباد عن الرحلة هو توقف السرد ذاته لأنه لا يجد ما يقول، إذ ذاك "يتوقف كل شيء ويتحجر الاشخاص في انتظار الموت" (عبد الفتاح كليطو..الادب والغرابة) (22).
إن الرحلة والتنقل هي التي تولد القصص، ومنذ القديم كانت الرحلة هي التي تفجر ينابع القص لأنها تحكي تفاصيل ودقائق عن غرائب لشاهدها من بقي جامدا في مكانه. فالانتقال من فضاء الى فضاء يحتاج الى اكتساب لغة جديدة لتحويل الفضاء الاول الى مرجع والفضاء الثاني الى ظل، إن القصة لا تسكن في الفضاء الاول ولا في الثاني ولكنها تتولد ما بينهما. تروي ما بين اللحظة واللحظة، ما بين اللقاء واللقاء ولا يبقى الفضاء إلا مجرد إطار لهذه اللقاءات والأحداث.
8.1- يحق لكل إنسان أن يتساءل: لماذا كل هذه العناية بأشكال السرد المختلفة واحتياجاتها لكل الممارسات التعبيرية في الثقافة المعاصرة؟ الجواب قد يكون من باب البداهة هو انتشار الخبر وما خصصت له من قنوات لنقله من قارة الى قارة. إن الخبر قد يكون مصدرا من مصادر القص لأنه يروي قصة العالم في نقطة معينة، ولا تنقل – عادة – إلا الاخبار التي تخص مصير الانسان والتي تحتوي على قدر من الاهمية والإثارة.
إن الخبر الذي يثير يتمتع بشرعية سياسية أو تاريخية وبالتالي فإن جوهره – في الاساس – هو قصصي. إلا أن اللغة التي قدم بها تريد له أن يكون جزءا من الاحداث التي يتناقلها الناس بسرعة. إن ما ينقصه هو بعض "البهارات" السردية، الى جانب "القصدية" intention. فنفس المادة يمكن أن يلقيها في شكل قصصي، كما يمكن أن تكون مادة صالحة للاستهلاك الاعلامي.
اللغة – في هذا الموقف بالذات – هي التي تحدد بين ما هو قصصي وما هو إعلامي – إخباري لأن النص الذي يقول الحقيقة يتمتع بسلطة شرعية (لأن مراجعة مراجع واقعية) في حين أن السردي هو نص اللذة التي لا تشترط الحقيقة كإطار مرجعي لاستهلاكه أو تقلبه. لأن لغة السرد هي "ميكانيزم لتمفصل المعنى والإشارة" وهي أيضا طريقة للتعبير ولا تظهر دلالتها إلا بنظم هذه الاشارات وتوليد الدلالات السردية. إن اللغة هنا هي لغة القول ولغة الحقيقة.
2- سلطة الحكي لا تمارس على مستوى النص فحسب ولكنها تمارس فعالياتها أيضا على المرسل / المتلقي وتصير الحكاية موازية للحرية بعد أن كانت الحرية مواسية للحياة، وعدمها للموت كما لاحظنا ذلك على مستوى النص وتصير كلمة العبور "أحك لي حكاية وأعطيك حريتك" بعد أن كانت "أحك لي حكاية أو أقتلك". وعن طريق هذا التغيير في المواقع واستراتيجيات السرد يصبح القارئ / المتلقي / المرسل إليه سجين الحكاية.
ولا تأخذ هذه السلطة مداها إلا إذا تمكن السارد من تحقيق بعض الاستراتيجيات وهي سواء إبقاء القارئ في انتظار ما سيحدث أو التطلع الى النهاية المرتقبة والتي كانت مرسومة في بداية النص السردي. فإذا كانت هذه هي حالة السرد التقليدي فإن أساليب السرد الحديث تميل الى تحطيم عنصر التوقع حتى لا يبقى القارئ يلهث وراء النهاية بغية الوصول الى نهاية قاطعة وصارمة لا تترك المجال لأي تأويل أو تفكير في احتمالات النهاية وربطها بواقع مرجعية أكيدة لهذه القصة.
هذا النوع نجده في الروايات التقليدية وهو نقطة ضعف – لا محالة – لأن هذا النوع من النهاية لا يعبر عن عدم قدرة الكاتب على المضي في سرد القصة لذلك يؤجلها الى وقت آخر، ولولا هذا التأجيل لوجدنا الروايات من هذا النوع تنتهي عند الصفحات الاولى عندما يتعرض البطل الى أزمة أو الموت المحقق. إنها النهايات المزيفة، الموت المؤجل، لا لأسباب فنية، بل لأسباب مادية بحتة خارجة عن كل سياق حدثي.
هناك طريقة أخرى لتجاوز تقنية التأجيل هذه وتحطيم عنصر التوقع هي إلغاء الطابع التنبقؤي الذي كرسه الكاتب الانجليزي جورج أورويل G.ORWELL في روايته الموسومة 1984 (23). إن السلطة هنا تبدأ ممارسة فعاليتها منذ العنوان، أربعة أرقام لا غير، ولكنها دالة دلالة عميقة، لأنها تعني نهاية العالم. إن الكاتب يتنبأ بسقوط العالم في هذا التاريخ انطلاقا من رؤى تنبؤية ومصادر ميتافيزيقية في حين أن قيام الساعة موعد لا يعلمه إلا الله. لكن السلطة التي تمارسها الرواية على القارئ هي إبقاؤه في الانتظار والقفز على المؤشرات والدلائل التي تشير الى نهاية العالم، وهل هذا التاريخ يعني نهاية مادية أي انطباق السماء على الارض أم نهاية معنوية بفقدان بعض القيم والعلاقات واستبدالها بأخرى جديدة. الى غير ذلك من الاسئلة التي يمكن أن يطرحها القارئ – وهي شرعية دون شك -.
والسؤال الذي نطرحه على الرواية هو: هل يبقى القارئ في انتظار الموعد ثم يموت بعد هذا التاريخ ؟؟!.
ولكننا نلاحظ أن التأجيل – تأجيل الحدث خاصة – يأخذ أبعادا جمالية تتحول الى سلطة حقيقية على القارئ. وفي مسرحية "الملك لير" للشاعر العبقري وليام شكسبير يتأخر الموت تأخرا مريعا ورهيبا ويعاني البطل من العذابات القاتلة حتى إذا ما جاء الموت كان أهون من الانتظار. إن هذا الانتظار، انتظار الموت يتحول الى قسوة يمارسها الكاتب على القارئ وبالمقابل نلاحظ أن هذا التأخير المروع هو عبارة عن موت بالتقسيط في حق البطل.
2-1- بجل آخر من تجليات سلطة الحكي على المرسل وهذه المرة نجده في رواية غابريال غاريسا ماركيز المعنونة "حكاية بحار غريق" (24) حيث يظهر جدل الالحاح والرغبة من جانب البطل الذي أن يروي الاحداث التي قام بها طيلة عشرة أيام على متن عبارة واستطاع الانتصار.
وهذه بعض المقاطع من نص الرواية تؤكد ما ذهبنا إليه. يقول الراوي لويس أليخاندرو فيلاسكو: "شعرت برغبة في سرد مغامرتي التي كانت تلح علي أكثر من الجوع والعطش واليأس" (ص 92).
"ولم تعد لي رغبة إلا في رواية ما جرى لي" (ص 96).
"ألححت مرارا على سرد مغامرتي" (ص 96).
"كنت متأكدا أنهم حالما يوقعون بطاقة خروجي من المستشفى فسوف أضطر الى سرد حكايتي للجميع" (102)
يظهر جدل الرغبة والإلحاح في المقطع الاول (ص 92) حيث تظهر الرغبة ملحة في سرد الحكاية وتمتد سلطتها لتطغى حتى المطالب الحياتية للبطل، إن السرد يلح عليه أكثر من الجوع والعطش واليأس ونجد أن كلمة الرغبة والإلحاح تأخذ أبعادها الواسعة الى جنب السرد والحكاية. وهذا الافضاء من طرف البطل جعل السرد في صدارة اهتماماته.
ونجد الرغبة تعاود البطل من جديد (ص 96) مقترنة بسرد المقارنة، ويصبح البطل مهروسا بسرد مغامرته أكثر من اكتراثه بالجوع أو العطش أو الراحة بعد الاحداث التي كابدها أثناء عيشه فوق أمواج البحر لمدة عشرة أيام. ولعل الكاتب غابريال غاريسا ماركيز قد تنبه الى ذلك حيث يقول في مقدمة الرواية بعد أن نشرت كاملة في كتاب سنة 1970 عندما يقول: "وقد فوجئت بأن ذلك البحار الشديد البأس ذا العشرين سنة كانت سحنته من سحنة نافخ بوق منها الى سحنة بطل وطني يتمتع بموهبة غير عادية في فن السرد وقدرة على التحليل بالإضافة الى قدر كاف من عزة النفس الشعبية السليمة للسخرية من بطولته".
إذا "فيفيلاسكو" كان من البداية قصاصا وجاءت الاحداث التي وجد نفسه بطلا لها لتفجر هذه الموهبة وتطلق لسانه وذاكرته لتروي أدق تفاصيل المغامرة. وكان هذا البطل متأكدا من ذلك عندما قال " فسوف أضطر الى سرد حكايتي للجميع" (ص 102)، إذا فجدل الرغبة والإلحاح يتحول في الاخير الى الاضطرار، نظرا لغرابة الاحداث من جهة ولرغبته في السرد من جهة ثانية. وتباهي البطل بموهبته السردية، خاصة وهو يعيش أحداث مغامرته التي تتاخم حدود الغرابة، ونظرا لما يمتاز به من السخرية كما لاحظ ذلك الكاتب نراه يقول في اخر جملة من نص الرواية "وماذا تظنون أنني فعلت طيلة أيامي العشرة في البحر، إذن ؟ (ص 106). إن هذه الجملة الاستفهامية تفيد السخرية من المستمع ومن القارئ بعد ذلك.
إن موهبة السرد التي يتمتع بها أليخاندرو فيلاسكو جعلته يزحزح الروائي غابريال غاسيا ماركيز الى خلفية السرد ويجعله رواية من الدرجة الثانية وذلك لسببين على الاقل:
أولها أنه بطل هذه الاحداث التي تتخام الغرابة وتحاول الانزلاق في العالم العجائبي للخرافات وقد استطاع إعادة تركيب هذه الاحداث – المأساوية دون شك – وجعلها قصة/حكاية. وثانيا أن البطل استطاع أن يمارس نوعا من السلطة السردية على الراوي ويأسره ويجعله يحاول صياغتها، ونقل هذه السلطة الى القارئ. وقول غارسيا ماركيز الذي يلي يؤكد ما ذهبنا إليه: "هي حكاية مفصلة ومشوقة الى حد أن مشكلتي الادبية الوحيدة لم تتمث سوى في إقناع القارئ بصحتها. ولهذا السبب – وللإنصاف أيضا – قررنا كتابتها بضمير المتكلم وتحت توقيعه، وهذه، في الواقع، أول مرة يظهر فيها اسمي مرافقا للنص الذي بين يديك". أنها السلطة التي مارسها البطل على الراوي فنقلها إلينا بفعل هذا الافتتان والإعجاب بطريقة سرد البطل للأحداث الغريبة التي عاشها.
2-2- نجد أن سلطة السرد تمارس فعاليتها على البطل، ولكل نص طريقته في نقل تفاصيل هذه الحالة ودقائقها. وإذا كان السرد يتم في جميع الحالات التي تعرضنا إليها بواسطة اللغة وعن طريقها يأسر المتلقي ويجعله يتابع الاحداث الى النهاية، فإننا نجده في رواية "زوربا" للكاتب اليوناني نيكوس كزانتزاكي يتم بواسطة الحركة.
حيث نلاحظ أن كل الرواية تستغرق أحداثها في بناء المشروع الاقتصادي بين الكاتب الانجليزي وزوربا ومشاهدات الاول لطبيعة اليونان وعادات أهلها وعلاقاتهم الى غاية فشل المشروع واتخاذ الكاتب الانجليزي القرار بالرحيل الى بلده. وكان زوربا من حين الى اخر يعبر عن حالات النشوة أو السكر أو الحزن بالعزف على آلته أو الرقص.
ويأتي الموقف العاطفي والأكثر حسما في الرواية والذي يعتبر النهاية الفعلية لها، وما جاء بعده هو أصداء واهمة تحاول ترجيع الاحداث وجبر ما انكسر، هذا الموقف الاكثر عاطفية وقساوة هو لحظة الفراق بين الرجلين. ولكي يضع زوربا حدا لتأجج عاطفته في تلك اللحظة ويودع الكاتب الانجليزي الوداع الاخير توجه إليه قائلا: "سأرقص لك ذات يوم رقصة رجلين يفترقان فراقا أبديا". إن الرقص هنا يصبح مساويا للقص. والترجمة العربية الانيقة لجورج طرابيشي ساعت على تأكيد هذه العلاقة، وما بين القص والرقص غير خيط دقيق، وهما من جهة البلاغة جناس ناقص حيث تشترك الكلمتان في حرفين ويزيد الرقص عنهما بحرف، مثلما يزيد بالحركة في الواقع إضافة الى تعبيره عن موقف معين أو حدث محدد. ويمكن أن نترجم وعد زوربا الى لغة السرد فيصير "سأقص لك ذات يوم قصة رجلين يفترقان فراقا أبديا".
إن جوهر المعنى يبقى كما هو، وهو سلطة السرد التي كانت تشد بخناق زوربا والتي يعبر عنها بالحركة أو بالكلمة. إن القصة تسكن جوانحه ولا تهم الاداة التي يخرجها بها.
2-3- منذ مدة لاحظ النقاد أن الكاتب هو مبدأ لتجمع الخطابات ويعتبر أيضا وحدة وأصل دلالاتها، يمفصلها داخل حياته وتجاربه المعاشة وداخل التاريخ العام (25). ولهذا فإن اللذة التي يحصل عليها الراوي تتمثل في كونه أصل المعرفة والسرد.
وتمثل هذه الحالة، خاصة في الرواية "المقامر" للكاتب الروسي فيدور دوستويفسكي، إذ أن البطل بعد أن يخسر جولة في لعبة الورق يبدأ في سرد قصته. ويمكن أن نتساءل عن صلة هذه الرواية بالحياة الشخصية للكاتب، ألا يمكن أن تكون استعارة عن حياة الكاتب (26). فبعد أن حالفه الحظ وتنكرت له الارقام فإن البطل يبدأ في البحث عن "معنى" ويبدأ الكتابة. وتصير القصة هنا امتداد للعبة الورق، لأنها لا تعد وأن تكون في الاخير إلا مؤامرة، قد تفلح في أداء رسالتها وقد تخسر الجولة وتصير مجرد حطام للكلمات ولا تفي بأي غرض أو أية دلالة.
إن خسران جولة الورق في هذه الرواية يولد القصة كتعويض عن هذه الخسارة وتجاوز لحالة فقدان الشيء. إن ربح جولة أثناء لعب الورق يسبب لذة ولا شك، لكن للسرد أيضا فتنته التي لا تقاوم (27). ففي مقابل الراوي الذي يحصل على لذة وأثناء سرده لحكاية ما أن نجد أن القارئ أو المستمع – هو الاخر – يحصل على لذة. وهكذا يغدو أصل السرد وجوهرة لذة، ولكنها لا تحصل إلا إذا كرس السرد سلطة معينة واستطاع أن يأسر بها القارئ / المتقبل. إن سلطة السرد هي عرض احتمالات دون تدخل من السارد في افتراض حلول لها، وهكذا يبقى القارئ في جيئة وذهاب بين أقطابها محاولا في كل مرة أن يؤرجح هذا القطب على ذلك. إنها اللعبة السردية، لعبة المغامر الذي لا يعلم هل سيربح الجولة أم يخسرها. إن قواعد اللعبتين هي التي تضمن سلطتها وتضبط المسافة بين اللاعبين وبين الراوي والمستمع وهي التي تقرر هل نجح اللاعب في هذه الدورة أم خسر، وهل استطاع السارد أن يأسر القارئ أم عزف عن قصته بعد أن بدأ يخطو فيها خطواته الاولى وهجرها الى غير رجعة. إنها المغامرة.
إن الجهاز التي تمارس به الحكاية سلطتها هو اللغة، في البدء كانت الكلمة، وفي البدء كانت الحكاية، إنها الحكايات التي تناقلتها البشرية منذ فجر التاريخ، وقوة الكلمة ومعجزتها هي قدرتها على نقل هذه التجارب عبر الحقب الزمنية المختلفة، لذلك نرى أن سلطة الكلمة تفوق بكثير أية سلطة أخرى، فعن طريقها تسير كل المؤسسات شؤونها. لذلط نجدها قد أخذت اهتماما كبيرا في مختلف مراحل البشرية وفي الثقافات جميعا.
3-1- ونجد هذا الافتتان باللغة والاحتفال بها الى أقصى درجة عند الكاتب المغربي أحمد المديني في مجموعته القصصية "سفر الانشاء والتدمير" حيث يتكلم عن اللغة بأسلوب شاعري معبرا عن هذا الافتتان اللامحدود. يقول المديني: " لاتحدث عن اللغة المغتصبة لغة غاصت في أصابعها، جذوعها وأظافرها، ولم يبق منها إلا مسام مفتوحة أو مختنقة، فالأمر سيان. ما يخرج من المسام هو الرشح، هو بقية الكلام، هو الخطاب المفتت، هو فرقعة تعطي بعض الصدى وتروح في تلاش واهن، هو بعض الجرح ونزيفه لأن الجرح مخبوء، الجرح هو الجرح، الشرخ الاول الذي مس الارض حرق الدهر، الذاكرة، ولم يكن له التآم ولا انغلاق، ولن يغلق، كما لن يكف عن النزيف، كما لن ينقطع الصمت – الدوي العميق، كما لن يكف امتداد الجذور وعناق ومواكب الخلق الغابوي؟ تلك هي اللغة" انتهى. إن هذا المقطع المأخوذ عن المديني بين هذا الافتتان والسلطة التي تتمتع بها اللغة منذ الشرخ الاول للأرض وهي السهم الذي خرق الدهر وسكن أعماق الذاكرة وأبقاها مفتوحة على الماضي كما هي مفتوحة على المستقبل.
وهذا الافتتان باللغة نصادفه أيضا عند الراوي رشيد بوجدرة في روايته "ليليات امرأة آرق" (28) حين يبدي إعجابه ببعض الكلمات فيبحث في أصولها ومترادفاتها وتراكبها المختلفة وميزانها الصرفي، وفي غمرة هذا الاعجاب ببعض الكلمات يدخل الاجواء الاسطورية للكلمة محاولا البحث عن طفولتها الاولى وعن ظلاها الاسطورية العبقة بأريج التاريخ ورائحة الأصول، إنها اللغة المعجمية كما ظهرت في التآليف اللغوية الاولى.
أما الكاتب المصري جمال الغيطاني فإن له تجربة فريدة مع اللغة، وتنقلب في مستوياتها المختلفة وخاصة المستوى التاريخي والمستوى الصوفي بعد أن عبر المستوى التسجيلي الصحفي الذي يعتمد على تدوين الشاهدات والانطباعات.
فاللغة التاريخية نجد أنها استبدت به خاصة في مجموعيته "ذكر ما جرى" و "أوراق شاب عاشق منذ ألف عام" حيث وظف اللغة "المملوكية" للتعبير عن هموم وانشغالات راهنة يعيشها المجتمع المصرين. ولكن افتتانه اللاشروط باللغة التراثية الصوفية جعلها تسيطر عليه بدل أن تسيطر عليها، ويظهر ذلك خاصة في روايته الضخمة "التجليات" التي كتبها في ثلاثة أجزاء، إذ يبلغ الذوبان في لغة محي الدين ابن عربي وبعض متصوفة مداه ويبقى القارئ حائرا هل هو أمام نص روائي معاصر أم أمام كتابة لأحد المتصوفة تحاول القبض على تلك اللحظات النادرة من لحظات التجلي ثم البوح بها. إن "التجليات" هي النموذج الاعلى لسيطرة مستوى لغوي معين على الروائي وجعله يتكلم من خلال هذا المستوى ولا يستطيع الخلاص من أسره.
3-2- إن اللغة السردية تقول الاستبدادي، ما في ذلك شك، لأنها كمؤسسة سلطوية تساهم في دعم سلطة أو إسقاطها. لذلك فإن اللغة التي لا تقول أي شيء وكما هو الحال عند السريانيين والعبثيين هي لغة آسرة ومأسورة، هي اللغة التي تحبس الاشياء وتجمدها ولا تظهر منها إلا الجانب المسطح وتلغي الزخم الشعري للكلمة وتبقي فضائها السحري داخل عالم فارغ ولا يمكن لها أن تحدث أي إشعاع عند ملامستها للنفس البشرية، لأن دلالتها لا تتعدى أن تكون تشكيلا بلاستيكيا هدفه إثارة البصر لا غير.
وفي كتاب "الحب اللاواعي أو ما بعد الاغراء "لدنيال سيبوني" يوضح الكاتب بدقة خلال تحليله للغة الاغراء (وحسب المصطلح النقدي والبلاغي القديم أغراض الغزل) كيف يعمل هذا النوع من الخطاب، ويعمل الكاتب على تفكيك ميكانيزماته الداخلية ويبين كيف يستطيع الانسان أن يقوم بدور المغري الذي يؤثر على الآخر بواسطة اللغو ويغري اللغة ذاتها كما يمكن أن يكون ضحية لنفس اللغة التي يستعملها.
فاللغة تصبح قاتلة بالنسبة للإنسان الذي تمتلك عليه حواسه، وتظهر سلطاتها خاصة في لغة المتصوفة. ألم تكن اللغة هي سبب مقتل المتنبي بعد أن قتل بها كافورا وغيره.
(*) D.SIBONY : L’AMOUR inconscient ou au de là du principe de séduction, Paris - Grasset 1983.
ألم تتسبب اللغة في قتل طفلة بدوية كانت تطلب الماء من أبيها في صحراء تشبه بوابة الجحيم ولكنها كانت ضحية اللغة، مثلها مثل أبيها، لأنها كانت تطلب الماء بصيغة المخاطب فأبدلت عطشت (أنا) بعطشت (أنت/المخاطب المذكر). فسقطت ميتة بتأثير عطشها وعدم امتلاكها للغة مشتركة. ألا يمكن أن يلعب دور الذرة التي تفجر الاحياء رغم تناهيها في الصغر وتأتي الاخضر واليابس ؟؟
إنه قدر الانسان الذي تأخذ عليه اللغة مجامع قلبه وتأسره فتجعل منه إما قاتلا أو ضحية ؟؟!
4- والنقد؟ ألا يعتبر النقد شكلا من أشكال الاحتفال بهذه السلطة وتكريسا لها ؟؟ بهذا المفهوم يصير الناقد قارئا افتتن بالنص الذي مارس عليه سلطة معينة (جمالية أو أدبية أو معرفية) ثم أراد بدوره أن ينقل هذا الافتتان الى قارئ آخر. وهكذا تتمفصل سلطة النص السردي في سياقين: السياق الاول هو السياق الابداعي والسياق الثاني هو السياق النقدي الذي يحاول أن يمفصل أهم تجليات السلطة والقنوات التي تمر بها والتأكيد عليها باعتبارها الركائز التي يقوم عليها النص. إن النقد يصير هو الآخر سلطة، لأنه نص جمالي بالدرجة الأولى، أي غايته إبراز أهم زوايا الجما ل في النص المنقود ولأنه أيضا يتمتع بقدرة على جعل لذة النص الادبي ممكنة.
وقد عرف محمد الغذامي الناقد بقوله: "ما الناقد إلا قارئ متطور غزا النص، ثم أخذ يروي أحداث هذه المغامرة" (الخطيئة والتفكير ص 6) (29) هذا التعريف للناقد يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع خطابنا، وأخذنا له دون غيره – رغم السياق البراغجماتي – الذي ورد فيه تأكيد لشيء قائم في هذا الخطاب، هو أن كل أشكال التواصل تحتوي على قدر معين من السرد.
والنقد باعتباره طريقة من طرق التواصل هو أيضا سرد لمجموعة من الاحداث والحالات وربما نجد النص النقدي الذي يفوق بكثير النص الابداعي في جماليته وشعريته. فتعريف الغذامي للناقد بأنه قارئ متطور يدخل من باب البديهيات، وهو تعريف نصادفه كثيرا وخاصة في الكتب المدرسية، أما طرافة التعريف فتكمن في قول الباحث (الغذامي) غزا النص ثم أخذ يروي أحداث هذه المغامرة. فالناقد حسب هذا التعريف هو رواية لأحداث مغامرة قرائية قام بها في حدود نص معين أخذ يروي رحلته هذه عبر النص متعرضا لمشاهداته لتضاريس النص ومناخاته وحدوده، ثم ما صادفه من التشكيلات الغربية وما سمعه من الاصوات المتنوعة. إنها فعلا مغامرة أن يقوم الانسان بالكلام عن نص ما ثم يشرع في حكاية هذا النص.
إن الحكي هنا هو الكلام وهو ركن أساسي في عملية التواصل ولكن علم اللسانيات والسيميائيات لم يركز على "سردية التواصل" ويبقى هذا الركن من أهم المناحي التي غفلت عنها اللسانيات أثناء حديثها عن عملية التواصل لأنها اهتمت بقنواتها ونظام تنقلها وشبكة العلاقات بين أجزائها، ولكنها لم تتعرض الى جانب السردية فيها. وفي هذا الصدد يمكن أن نقول أن التواصل جزء من عملية السرد ككل.
ولكن السؤال الذي نطرحه الآن: كيف نقرأ النقد؟ هل نقرأه من خلال شبكة المفاهيم النقدية والأدوات المعرفية التي توظف في العملية النقدية لكي تقوم بدورها، أم نقرأ النقد من خلال النص أو النصوص الابداعية. يجيب رولان بارت على السؤال كيف تقرأ النقد؟ بقوله: "هناك وسيلة واحدة هي بما أنني هنا قارئ من الدرجة الثانية يجب علي تغيير موضعي، هذه اللذة النقدية يجب أن أحصل عليها من خلال ملاحظتي – خلسة – للذة الآخر، فيتحول التعليق أمامي الى نص والى تخيل" (30). إذن في غياب النص الاصلي – الاولي يتحول النص النقدي الى صورة له تعكس أهم، مفاصله وتحاول أن تبدي مناطقه الغامضة والتي تخبئ فيها جواهره الفريدة.
إن قراءة النقد هي قراءة النص الذي لم يكتب لأجلنا، بل كتب أصلا للنقد، لذا نحاول أن نقتنص تلك اللحظات التي لم نحصل عليها من النص الأولي، لأنه غائب، ونحاول أيضا، من خلال ترسانة المفاهيم النقدية وسلطويتها أن نعيد تركيب أجزاء النص الابداعي الذي فتته النص النقدي وأعاد تفصيله لأغراض نقدية لأن القراءة الابداعية تختلف عن القراءة النقدية في سياقها أو في هدفها.
5-0- بين البداية والنهاية تتشكل الاحداث. وعلى طول المسافة الفاصلة بين هاتين النقطتين يتمدد جسد الحكاية ويسس سلطته الخاصة متحديا بذلك كل المؤسسات السلطوية رافضا لأشكال الهيمنة المتعددة والمختلفة الوجوه.
إن القص الحديث يقول الممكن والمحتمل عكس السرد التقليدي الذي يسير في اتجاه واحد وهو انسجام النهاية مع البداية وما تنويع النهايات إلا بقصد خلق عالم جديد واقتراح حلول عديدة لأزمات الانسان المعاصر والتي تحصى وفتح طريق الأمل في وجهه.
بقلم الدكتور حسين خمري من جامعة قسنطينة
----------------------------------------------------
الــــــهـــــوامـــــــــش:
- عبد الكبير الخطيبي: الليلة الثالثة بعد الالف – ص188، ضمن الرواية العربية واقع وأفاق – دار ابن رشد 1981
- هـ – بليث: البلاغة والأسلوبية ص 17، ت/محمد العمري – المغرب 1990
- ايديث كيرزويل: عصر البنيوية – ص102، ت/جابر عصفور – بغداد 1985
- صنع الله ابراهيم: اللجنة – مطبوعات القاهرة 1982 – ط2
- M.Blanchot : l’espace littéraire, p90 ; Gallimard 1978
- L.Marin : le récit est un piège, ed – minuit 1978
- فرانز كافكا: المحاكمة – ص157 ت/ ابراهيم العريس – دار الطليعة 1981
- الجهشياري: كتاب الوزراء والكتاب – القاهرة 1937
- ايديث كيرزوويل: مس – ص225
- فرانك كرمود: الاحساس بالنهاية ص 90، ت/عنان غازوان وجعفر الخليلي. بغداد 1979
- عبد الفتاح كليطو: الادب والغرابة ص 32 – دار الطليعة 1982
- Gérard genette : figures III p148 seuil 1972
- J.P Goldenstein : pour lire le roman, p14, Bruxelles 1985
- R.Barths : Roland Barthes, p36 seuil 1975
E.Amrane el Mellah: ailem ou la nuit du récit – Maspéro 1983
فاضل العزاوي: مخلوقات، فاضل العزاوي الجميلة. دار الكلمة بغداد 1969
- T.Todorov : poétique de la prose, p41, seuil 1978
- عبد الكريم الخطيبي: م-س- ص119
- عبد الفتاح كليطو: م-س-ص103
- R.Barths : l’analyse structurale des récits, insommunicatio n° 8, p19.
- جابر عصفور: عصر البنيوية ص 89
- ع. كليطو: م-س-ص98
- جورج أورويل: العالم سنة 1984، ت/شفيق فريد وعبد الحميد محبوب – الانجلو المصرية 1956
- غابريال غاسيا ماركيز: حكاية بحار غريق
- ت/ محمد علي اليوسفي. دار ابن رشد 1980
- M. Foucault : l’ordre du discours, p28 et 30, Gallilmard 1971
- D.Sibony : l’amour inconscient, p22, Grasset 1983
- ع. كليطو: م-س-ص103
- رشيد بوجدرة: ليليات امرأة آرق. م و ك . الجزائر 1985
- محمد عبد الله الغذامي: الخطيئة والتفكير. جدة 1981
- R.Barthes : le plaisir du texte, p31, seuil 1973
وسلطة الحكي لا تتجلى في مستوى واحد من مستويات النص السردي ولا في أداة من أدواته ولكننا نجدها ماثلة في مستويات متعددة من كل نص وتظهر بوضوح وجلاء خلال مستوى محدد لتعطيه نكهة خاصة وتشدد على هويته ومغايرته للنصوص السابقة عليه.
وهذا الطرح الجديد لمستويات السلطة السردية أو ما يسمى تقليديا يجب أن يكون في آخر القصة ليكون بمثابة السخرية من القارئ وعدم مجاراته لتوقعاته والاحتمالات الممكنة التي رسمها لمسار القصة.
والتشديد على عنصر التشويق وانقلاب الخط في نهاية كل قصة جعل سلطة الحكاية تضعف لأن القارئ يقرأ المواقف الاولى ثم يعمد الى القفز على عملية القراءة قصد الوصول الى النهاية / الحل وهكذا تضيع اللحظات المهمة في حياة الانسان ويبقى القارئ يلهث وراء عدم المنطوق للوصول الى المتعة الكاملة من النص.
وإذا كانت هذه الممارسة لهذا الشكل من القراءة مقبولة وتأتي بثمارها في القص التقليدي الذي يحافظ قدر الامكان على الترتيب المبالغ فيه للوحدات الثلاث: وحدة العمل ووحدة المكان ووحدة الزمان، فإن القص الحديث قد أسس جمالياته الخاصة به والتي تقول الممكن والمحتمل ولا تكتفي بترتيب المعادلة بين القارئ والنص. ونجد هذين النوعين من المعادلة في تراثنا العربي متمثلا في كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، حيث تبدو المعادلة المقلوبة لسلطة الحكي في النوع الاول كليلة ودمنة وحكي السلطة في ألف ليلة وليلة، فالأولى عن طريق سلطة الحكي تعطي الرسوم البيانية لشكل السلطة التي يجب اتباعها وإخلاق السلطان القادر على إدارة شؤونه. في حين أن حكي السلطة والذي تمثله خير تمثيل ألف ليلة وليلة فإن المبدأ فيه يقوم عبى سرد سلسلة من الحكايات يتعلق فيها الموت مع الرغبة واللذة، لأن الشرط الذي قامت عليه هو "أحك حكاية وإلا قتلتك". وانطلاقا من هذا المبدأ تنزلق شهرزاد في أخطار الخطاب القاتلة وملذاته (1).
2.0- وأهم أداة تمارس بها سلطة الحكي هي اللغة. وقد لعبت اللغة دورا أساسيا في عملية التواصل بين أبناء البشر، فكانت في البدء وكانت في المنتهى وعن طريقها تناقل الناس حكاية العالم. وقد تجلت سلطتها في أقد نص درامي حفظه التاريخ وهو مسرحية "أوديب ملكا" لسوفوكليس والتي تقترب من بنيتها من الرواية البوليسية لأنها تبدأ من نهاية الاحداث لتأتي الى استعراض التفاصيل الدقيقة في الاحداث.
ويشهد القارئ اللحظات المهمة في المسرحية حيث تنتصر أوديب على التنين بواسطة اللوغوس عندما يفلح في حل اللغز الذي طرح عليه ويدخل أوديب المدينة ملكا بعد أن قتل ببابها التنين بواسطة اللغة لا غير.
وسلطة اللغة في القصص البوليسية – وحتى الواقعية منها – تتجلى في ضعف المحقق أمام الحجج التي يقدمها المتهم شفويا لإقناع القاضي أو المفتش ببراءته. وقد خصصت البلاغة الاغريقية لهذا النوع من الخطاب جنسا بلاغيا خاصا هو الجنس التداولي Genre délibératif (2) الذي يعتمد على تقوية عنصر الاقناع ليبقى "المتهم بريئا حتى تثبت إدانته". وهذه الفكرة ترتبط بالجذور الفلسفية لوظيفة الكلمة وقدرتها على إجلاء أسرار العالم وإحقاق الحق. ولهذا نجد بول ريكور P.Ricoeur يقول: "معجزة الكلمة أو اللوغوس logos منها وحدها تنطلق لحظات الحق لتعود إليها"(3). وهذه الفكرة تبدو جلية عند عبد القاهر في نظرية الاعجاز حيث رد معجزة القرآن الكريم الى اللغة وصياغة نظمها ولا شيء غير ذلك.
وفي الوقت الحاضر تشهد القضايا الكبرى التي تشبه في غرابتها القصص الخيالي تطوي ملفاتها ويكتب على المحاضر البوليسية "أغلق الملف لعدم توفر الادلة الكافية". إنه انتصار اللوغوس على الانسان وممارسته لسلطة اللغة للتغلب على سلطة خارجية.
3.0- هناك روايتنا أدبيتان مهمتان تنطويان على بنية بوليسية. وليس السبب في كون العنصر البوليسي هو المحرك للأحداث ولكن طريقة بناء النص وشكله وطريقة تسلسل الافعال هو الذي يؤكد هذه الملاحظات. الروايتان هما اللجنة لصنع الله ابراهيم (4) والمحاكمة لفرانز كافكا حيث تبدو البنية البوليسية في غياب الاحداث وتوالي الخطابات اللغوية حول حدث محتمل أو وهي، ففي اللجنة يجرى البحث عن أعمال الدكتور –الذي يبقى اسمه غائبا الى الابد- وأثره على حياة المجتمع. أما في المحاكمة فإن البطل k يتعرض لمضايقات الشرطة بسبب جريمة لم يرتكبها. "إن المحاكمة هي عثرا لبطل والفخ الذي وقع فيه، إنها أيضا أحد المعطيات التي لا يجب تجاهلها عند ذكرهلعدالة سامية عن طريق خطابات جوفاء" كما يقول موريس بلانشو (5) M.BLANCHOT
يجب التشديد في هذا السياق على كلمة فخ Piège لأنها كانت في أصل هذه المحاولة بعد الاطلاع والعودة الى كتاب لوي ماران الذي يعتبر السلطة فخا وعلى هذا المبدأ أسس دراساته التحليلية لبعض الحكايات في كتاب أسماه "الحكاية كمصيدة" (6).
الملفت للنظر في روايتي "اللجنة" لصنع الله ابراهيم و"المحاكمة" لفرانز كافكا أن اللغة (كنظام من الكلمات) هي البطل الحقيقي وليس الراوي في "اللجنة" ولا جوزيف ك kفي "المحاكمة". ويتجلى ذلك في الهدف الذي رسمته كل رواية منذ البداية. ففي "اللجنة" ينتصر الراوي على أعضاء اللجنة عن طريق اللغة ويغريهم ويقنعهم بعدم قدرته على تحقيق المهمة المطلوبة منه، في حين أن بطل "المحاكمة" جوزيف ك kتتغلب عليه العدالة بواسطة اللغة ويخضع لخطاباتها الجوفاء ويتمثل ذلك في العنف الذي تمارسه اللغة على المتلقي.
وهذا المقطع المأخوذ من رواية "المحاكمة" يفصح عن كيفية وقوع البطل "ك" ضحية لعنف اللغة:
" المحامي: هل تعتقد أن بإمكانك إقناع المحكمة لأنك غير مسؤول بسبب من استلابك؟
ك: أعتقد بالأحرى أن المحكمة هي التي تحاول إقناعي بهذا. نعم هناك هي المؤامرة.
المؤامرة الحقيقية ... يقوم الامر في جعلنا نعتقد أن العالم كله قبيح ومشوه وعبثي...
إذن فها أنا قد خسرت قضيتي" (7).
إن خسران القضية هنا هو خسران اللغة من طرف البطل وعدم قدرته على إقناع الحكمة ببراءته. إنه انسحاق البطل أمام الحجج التي قدمتها المحكمة وجعل البطل يعيش الاستلاب اللغوي.
4.0- يتمثل هذا بصفة عامة في اشكالية السلطة (كجهاز تنظيمي) في علاقتها باللغة والثقافة. وقد تنبه لهذه العلاقة ذات الحساسية البالغة الجهشياري (ت 331 هــ) وألف لهذا الغرض "كتاب الوزراء والكتاب" (8) الذي عرض فيه لمجموعة من النوادر بين من يملكون اللغة (الكتاب) ومن يملكون السلطة (الوزراء) ومحاولة كل قطب جذب الاخر اليه لتدجينه واحتوائه وجعله تابعا له. إن القطبين يبدوان في علاقة تنافر ظاهر، لكنهما في الاخير يتحدان، لأن امتلاك اللغة هو امتلاك سلطة معرفية والسلطة هي إقناع الاخرين بواسطة اللغة. والشواهد التاريخية كثيرة من أن تحصى وتضرب مثلين لا غير للاستشهاد لا فقط: الحجاج بن يوسف وخطبته السياسية البليغة ومناظراته مع العلماء والأدباء وطارق بن زياد رغم التشكيك في خطبته التي ألقاها في خليج الزقاق.
وتتجلى سلطة الحكي على مستويات عديدة من النص السردي: مستوى المرسل، مستوى القارئ ومستوى النص ذاته وذلك عن طريق كشف ميكانيزمات السرد وقوانينها الداخلية وكذا على مستوى اللغة والنقد.
1-يتمتع النص السردي باستقلالية نسبية عن الخطابات الادبية الاخرى وهذه الاستقلالية جعلت منه عنصرا ثقافيا هاما لأنه يحاول أن يروي قصة الخطابات الادبية الاخرى ويعيد تشكيلها في بنية سردية خاصة. ولهذا نجد أن أشكال الخطاب المتنوعة والمتعددة في الثقافة المعاصرة تحاول – قدر الامكان – أن تحافظ على جزء – ولو يسير – من السردية لأنها تؤمن عملية التواصل عن طرق السرد. والسرد في هذا الصدد ليس عنصرا مضمونيا بل إنه تشكيل سردي لعناصر هذا المضمون وأجزائه وفي مفهوم الثقافة المعاصرة أن عملية التواصل – بأشكالها المتعددة – هي عملية سرد لتجربة أو حادثة أو معرفة. (9)
1.1-في أشكال الحكي التقليدية تمارس السلطة على مستوى النص عن طريق تأجيل النهاية وتعطيل المحاكاة وهو جعل النقطة القوية في القصة أو اللحظات المهمة في آخر القصة. وهذا التأجيل للنهاية جعل أشكال السرد مجالا مفتوحا على البداية لكنه مغلق على النهاية لأن النهايات في النص التقليدي مهما تنوعت فإنه يمكن حصرها، لأنها حتمية وتتبع خطأ مستقيما يمكن قياسه للتعرف على نهاية القصة وغالبا ما ينهي الراوي حكايته بقتل البطل أو زواجه أي بحصوله على شيء أو حرمانه منه كما نجد ذلك في القص الشعبي والأسطوري ولا نجد أبدا نهاية واقعية أو منزلة بين المنزلتين أي احتمال وجود حالة ثالثة بين السلب والإيجاب "المعتزلة والثالث المرفوع".
في حين أن السرد الحديث يعول كثيرا على مجموع الاحتمالات لأن الواقع غير محكوم بعلاقات مرتبة تخضع لقانون السببية، بل إن قانون الجدلية والتفاعل بين العناصر والعلاقات هو الذي يحكم العالم. لهذا نجد أن السرد يحاول تعطيل المحاكاة لتحرير فعل السرد من قانون الوحدات الثلاث وأخذه بالمنطق الجمالي بدل السببية التي تبنى على إتساق النتيجة مع المقدمات.
ولتحرير فعل السرد من قانون السببية فإن المبدعين قد غيروا مراكز الثقل في النص السردي ولم يولوا النهاية كبير اهتمامهم لأنها في عرفهم عنصرا شكليا لا غير يستغله القاص لإنهاء نصه في حين أن السرد كان – من المفروض – أن يتواصل لأن موت البطل مثلا لا يعني أن مجرى العالم قد تجمد.
2.1- وتأجيل النهاية في السرد التقليدي نجد ما يقابله في المحاولات التجديدية لهذه الانواع من الخطاب. ويتمثل ذلك في مفهوم التعليق، وهذا المفهوم يقترب من المفهوم التقليدي "لعنصر التشويق" (11) ولكنه لا يتمفصل في مستوى معين من النص السردي مثلما هو الحال بالنسبة لمفهوم تأجيل النهاية. ويتجلى هذا المظهر الجديد في شكلين أساسيين هما التكرار والتعليق.
إن آليات السلطة السردية تشتد قوتها بفعل التكرار الدائري لصيغ أو مواقف معينة كما هو الحال في رواية غابريال غاريسا ماركيز "مائة عام من العزلة"عندما يتحدث الروي عن الجزمة التي كان على الكولونيل أن يرتديها يوم واجه فصيلة الاعدام والتي لن يواجهها أبدا.
فالسلطة هنا تتجلى في مظهرين:
1- التكرار: حيث يتكرر الموقف بصورة دائرية أكثر من ست مرات.
2- تعليق فعل الاعدام والتذكير به فقط ولكن رغم ذلك يحدث ويبقى القارئ في انتظار فصيلة الاعدام التي ستنفذ عملها في حق الكولونيل العجوز المتسبب في إشعال حربين أهليتين خاسرتين ويتجلى التعليق أيضا بصورة حادة في رواية "الزلزال" لطاهر وطار، حيث يبقى القارئ يقتفي خطوات "بولرواح" مدة يوم كامل عبر الاسواق الشعبية في انتظار الزلزال الموعود إلا أن الاحباط الذي يصاب به بولرواح هو إحباط السرد وعدم قدرته على متابعة التواصل مع القارئ بعد ذلك.
ويبلغ هذا الاحباط مداه المأساوي عند كاتب آخر مثل جيمس جويس J.JOYCE في روايته الضخمة "يوليسيز" التي يتبع فيها القارئ مسيرة البطل دقيقة بعد دقيقة خلال يوم كامل عبر شوارع "دوبلن" لكنه يصاب بخيمة أمل عندما يكتشف أنه عاد الى نقطة البداية بعد أن وقع تحت ركان تفاصيل يوم تافه رغم جمالية النص الروائي ولذته الطاغية.
أما المظهر التكرار فإننا نجده جليا خاصة في ممارسات أصحاب الرواية الجديدة وبشكل أخص عند ألان روب غرييه الذي يعيد تكرار صفحات بأكملها وبحرفيتها وذلك ليؤكد على تكرار مواقف الحياة أو الخطابات الادبية أو السخرية من القص التقليدي الذي يحاول قدر الإمكان أن لا يسقط في الاستطرادات أو التكرار.
ومفهوم التكرار récit itératif (12) يقترب كثيرا من مفهوم الوصف ويساعد على التذكير بالحدث المراد التذكير به، كما يمكن أن يكون فاصلا بين مجموعة من الاحداث ومجموعة أخرى تختلف عنها في الطبيعة أو في الوظيفة.
وتقنية التكرار هذه تكاد تكون أهم عنصر في المحاولات التجديدية التي اقترحها الرواية الجديدة وممارستها من خلال نصوصها الابداعية مثل رواية "الغيرة" لألان روب غرييه أو رواية "الصخب والعنف" لوليام فولكز.
3.1- والرواية الجديدة لا تقوم على عنصر السرد الخالص ولكنها تجمع داخل مساحة النص السردي العناصر الحكائية الى جانب التنظير. وقد انعكس الجانب التنظيري في ما يسمى بفضح ميكانيزمات الاسلوب السردي (13) dénudation du procédé littéraire ولعل بارت أو ناقد جروء على فضح استبداد اللوغوس عندما قال: "كل قانون يقمع أي خطاب من قانون ينقصه التأسيس" (14) وهذه الفكرة نجد بذورها العميقة في كتابه النظري الاول "الكتابة في الدرجة الصفر" عند حديثه عن تداخل جميع الاجناس الادبية للتعبير عن التجربة الانسانية في غناها وتشابك علاقاتها وقد طغت هذه الموجة على النصوص السردية الحديثة التي تجمع الى جانب العنصر الحكائي التأسيسي النظري، ومن خلال هذه العملية المزدوجة تمارس نوعا من التحليل لذاتها وتفكك بنفسها عناصرها الداخلية.
وهذه بعض المقاطع من رواية "عيلان أو ليلة الحكاية" للكاتب المغربي ادموون عمران الملاح حيث يحاكي فعل السرد في حكايات ألف ليلة وليلة، ويحاول أن يمارس نوعا من التنظير. يقول الملاح: "الاحداث! لم يدر بالضبط لماذا يلوح على معرفة ما حدث، ما هي هذه القوة التي تدفعه الى الأمام، هذه الرغبة التي تحفزه بإلحاح وتختفي في الضوء هذه الاصوات التي تحثه إنها حكاية داخل مجالها الصارم والمأساوي (ص 18).
استدارة كل الاحداث في مراكش كأنها محاجر عميان لاشيء انتهى، لا شيء قد كف تماما، الشيء الاكثر شراسة استمر في تكراره (ص 54).
أين ولدت الحكاية، من أي منبع انبثقت لتأتي فتقاطع وتتكاثف وتضمحل في حكايات أخرى (76) (15) هذه المقاطع المأخوذة من رواية "عيلان أو ليلة الحكاية" تجمع الى جانب الحداثة العناصر السردية التراثية وتحاول أن تمارس عليها نوعا من التحليل النظري. في المقطع الاول يحاول أن يجد لروايته شكلا داخل النظام المتسق لحكايات شهرزاد. وفي الثاني يركز على فعل التكرار سواء في الاحداث التي عرفتها مراكش في الستينيات أو تكرار المواقف السردية وفي المقطع الثالث يرجع الى أصل روايته ومنبعها وافتتانه بتوالد اللحكايات وتكاثرها في ألف ليلة وليلة وانتقال الاحداث والشخصيات من حكاية الى أخرى بكل سهولة ولياقة داخل عالم سحري.
4.1- إن مغادرة السرد الحديث شكل بالدرجة الاولى لذلك نجد أن تداخل أن الاشكال التعبيرية والأدوات المختلفة والوسائل التي يستعملها القاص للقبض على تلك اللحظات الهاربة، المنزلقة أبدا الى الماضي كأنها مشدودة بخيط غير منظور. ولكي يقبض على جزئيات هذه التجربة الانسانية فإن القاص ينزلق بكل يسر في العالم الذي شكله قصصيا ويدخل في حوار وعلاقات حميمية مع أشخاصه ويلغي الحاجز الوهمي بين عالم المتخيل وعالم الواقع ويصير الراوي يشبه الرواية عيسى بن هشام أو أبى الفتح الاسكندراني نجد هذه التعرية للعبة السردية في رواية فاضل العزاوي الموسوعة "مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة" (16) حيث يتدخل الراوي بكل عنف بدءا من عنوان الرواية ويمارس على القارئ سلطة مزدوجة: الاولى بوصفه كتاب الرواية أي مشكل الاحداث ومرتبها، والثانية أن حضوره داخل فضاء الرواية يجعله نقطة بارزة تستقطب اهتمام القارئ.
ونلاحظ أن الكاتب المغربي أحمد المديني في مجموعته القصصية "سفر الانشاء والتدمير" يدخل عالما لقصة ولكنه بطريقة أقل عنف من فاضل العزاوي عندما يقول: "المطلوب القبض على المدعو أحمد المديني" ويصوغ اسمه في قالب أوتوبيوغرافي يقترب من الاعترافات والبوح بما عاناه من أجل إبقاء حريته واستقلاليته.
وفي جو اشراقي ومناخ صوفي ينزلق جمال الغيطاني بكل يسر في أجوائه لروائية في كتابه الذي يقع في ثلاثة أجزاء والموسوم "التجليات" ويظهر اسم الروائي جمال الغيطاني بكل جزئيات وتفاصيل حياته الشخصية والأدبية جنبا الى جنب مع شيخه ابن عربي والرئيس جمال عبد الناصر وحول هذا الثلاثي الذي يكون ثلاثة أقطاب متكاملة يربطها قاسم مشترك هو استبطان الواقع ومحاولة تجاوزه قصد بناء واقع أكثر تلاؤما مع حياة الناس تدور الخطابات اللغوية ذات المنحة الصوفي وتشكل تجليات الغيطاني.
وقد سبقت محاولة "التجليات" التي هي رحلة عبر الذات وعبر الاخرين وعبر التاريخ، محاولة أقل جرأة هي كتابه المعنون "خطط جمال الغيطاني". واسمه الذي يظهر مرتين على غلاف الكتاب: مرة ككتاب، ومرة أخرى كجزء من الكتاب كفيل بأن يمارس سلطة معينة على القارئ حتى قبل أن يتناول الكتاب.
إن إلصاق اسم الكتاب على جسد الحكاية وجعله يعيش داخل شبكة من العلاقات الحية التي تربطه بالاجزاء الاخرى داخل عالم السرد كفيل بأن يقوي هذه السلطة ويعطيها شرعية معينة، كما أن وجود اسم الكاتب على مساحة القص يعمل على تقوية عنصر الايهام بالواقع ويعمل على إزاحة الفاصل بين الواقعي والوهمي ويلغي أهم عنصر في القص التقليدي وهو عنصر التوقع.
5.1- إن الذي جعل شهرزاد تعيش وتنجو من قتل شهريار بعد أن أصيب بعقدة هي قدرتها على امتلاك سلطة الحكي. أن شهرزاد تحكي لتعيش. وهكذا تصير الحكاية موازية ومساوية للحياة والمثل على ذلك هو شهرزاد نفسها التي لا تستطيع أن تعيش إلا إذا استطاعت أن تواصل حكايتها". كما لاحظ ذلك تودوروف (17).
إن غياب الحكاية هو الموت ذاته. وخير دليل على ذلك هو الورقة البيضاء التي وردت قصتها في ألف ليلة وليلة عن ملك أراد قتل أحد الاطباء فأهداه هذا الاخير كتاب ضمخت أوراقه بالسم وفي الوقت الذي كان فيه الجلاء يدق عنق الطبيب كان الملك يقلب أوراق الكتاب الى أن وصل الى ورقة بيضاء أكث سما فسقط الى جنب ضحيته، إنه الفراغ المذهل والقاتل، الفراغ من الحكي وغياب القص (18). وهذه القصة التي كانت تفتن شهرزاد بها الملك هي في الحقيقة رمز مأساتها ورمز تراجيديا القص. إنها إستعارة. إن شهرزاد وهي تتمسك بخيط واه من الأمل، تنصب في كل ليلة فخا للملك وتبقيه في انتظار الليلة القادمة بعد أن تمضي معه عقدا (19) "وأدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح". إن القصة هنا مرتبطة بزمن محدد هو الليل، والصباح هو الذي ينهي القصة ويعلقها في انتظار قدوم الليل. إنها دورة الحكاية، مرتبطة بتداول الليل والنهار.
وبلغ الخوف من الموت شهرزاد مداه حيث صارت ذاكرتها تبدع القصص ولا شيء غير ذلك إلى أن وصلت أن توظف جسد زوجها في حكاياتها بعد أن عبرت عن تراجيديا الحكاية من خلال قصصها. وفي الليلة الثانية بعد الماء السادسة يتحول المتلقي / شهريار على إدخال مستمعها في بعد خيالي بتأثير سيطرة السرد وجعله يعيش مغامرة القص. وتحت تأثير فعل الحكاية يتحول شهريار من "كائن آدم" الى "كائن لفظي" مقابل الكائن الورقي الذي يتكلم عليه رولان بارت (20). إن سلطة الحكي في هذه القصة (الليلة رقم 602) هي رمز للسلطة المطلقة للحكاية حيث يجعل الرواية من جسد مستمعه جسدا قصصيا وينقله من حيزه الواقع الى عالم المتخيل. الشرط الوحيد في ذلك يكون هناك عقد ضمني بينهما.
وسلطة الحكي لا تتجلى بعمق إلا في النصوص التي توفر أكبر قدر ممكن من اللذة، لأن السلطة بمفهومها ادبي هي قدرة القصة على إبقاء القارئ يتابعها وتشده اليها، وهي تختلف عن مفهوم السلطة البوليسي أو الارهابي. إنها "النص الذي يأسر، النص الملتهب الذي يتأبى على كل مشابهة والذي يتنافس بوظيفته الارتباط التجاري بما هو مكتوب" كما يقول رولان بارت (21). إن النص الذي يأسر هو نص اللذة وهو الذي يحاول قدر الامكان أن يتمايز عن النصوص السابقة عليه ليؤسس سلطته الخاصة.
6.1- يكتب النص السردي سلطة ليس لكونه نصا يأسر أو نصا ملتهبا ولكن عن طريق بعض الثوابت السردية التي تكسرها الثقافة والممارسات المتعددة واستعمالاتها المتواترة والتي تجعل القارئ أو المستمع منذ البداية في قبضة الحكاية وأسر القصة.
كان يا مكان، قال الراوي، يحكي أن، كان في قديم الزمان، زعموا أن، قد سمعنا مثل كذا وكذا...إنها البوابات العديدة للولوج الى العالم السحري للسرد وبلغة علم القص تسمى عتبة النص القصصي وتسمى أيضا بلغة التحليل الشكلي الثوابت السردية التي نجدها تتكرر في بداية كل حكاية وتؤطر سلطتها وتميز ما بينها وبين الخبر الذي يفيد الاعلام والأخبار. إنها علامات وإشارات على أننا بين فكي الثعبان الخرافي وأننا مجبرون على اتباع طقوس الاغراء ورقصة أسطورية.
إن هذه السلطة تمتد حتى الى أبسط الاشياء لتذييبها في عالمها، مثل طريقة التحلق حول نار الموقد أو نبرة الحكاية أو كتابتها على الورق الى غير ذلك من الوسائل التي لا تدخل مباشرة في نسيج النص القصصي.
7.1- إن القصة هي في النهاية تحول، أي تغير مجموعة من الاحداث أو الحالات من وضع الى وضع، وهي أيضا الانتقال من حيز الى آخر وخير شاهد على ذلك هي قصص السندباد البحري الذي أبحر سبع مرات وفي كل مرة يعود محملا بالقصص الغريبة الى جانب حمولته من الجواهر واللآلئ، إن الحركة هنا تصير مساوية للقصة والتنقل والانتقال مساوي للحدث وتوقف سندباد عن الرحلة هو توقف السرد ذاته لأنه لا يجد ما يقول، إذ ذاك "يتوقف كل شيء ويتحجر الاشخاص في انتظار الموت" (عبد الفتاح كليطو..الادب والغرابة) (22).
إن الرحلة والتنقل هي التي تولد القصص، ومنذ القديم كانت الرحلة هي التي تفجر ينابع القص لأنها تحكي تفاصيل ودقائق عن غرائب لشاهدها من بقي جامدا في مكانه. فالانتقال من فضاء الى فضاء يحتاج الى اكتساب لغة جديدة لتحويل الفضاء الاول الى مرجع والفضاء الثاني الى ظل، إن القصة لا تسكن في الفضاء الاول ولا في الثاني ولكنها تتولد ما بينهما. تروي ما بين اللحظة واللحظة، ما بين اللقاء واللقاء ولا يبقى الفضاء إلا مجرد إطار لهذه اللقاءات والأحداث.
8.1- يحق لكل إنسان أن يتساءل: لماذا كل هذه العناية بأشكال السرد المختلفة واحتياجاتها لكل الممارسات التعبيرية في الثقافة المعاصرة؟ الجواب قد يكون من باب البداهة هو انتشار الخبر وما خصصت له من قنوات لنقله من قارة الى قارة. إن الخبر قد يكون مصدرا من مصادر القص لأنه يروي قصة العالم في نقطة معينة، ولا تنقل – عادة – إلا الاخبار التي تخص مصير الانسان والتي تحتوي على قدر من الاهمية والإثارة.
إن الخبر الذي يثير يتمتع بشرعية سياسية أو تاريخية وبالتالي فإن جوهره – في الاساس – هو قصصي. إلا أن اللغة التي قدم بها تريد له أن يكون جزءا من الاحداث التي يتناقلها الناس بسرعة. إن ما ينقصه هو بعض "البهارات" السردية، الى جانب "القصدية" intention. فنفس المادة يمكن أن يلقيها في شكل قصصي، كما يمكن أن تكون مادة صالحة للاستهلاك الاعلامي.
اللغة – في هذا الموقف بالذات – هي التي تحدد بين ما هو قصصي وما هو إعلامي – إخباري لأن النص الذي يقول الحقيقة يتمتع بسلطة شرعية (لأن مراجعة مراجع واقعية) في حين أن السردي هو نص اللذة التي لا تشترط الحقيقة كإطار مرجعي لاستهلاكه أو تقلبه. لأن لغة السرد هي "ميكانيزم لتمفصل المعنى والإشارة" وهي أيضا طريقة للتعبير ولا تظهر دلالتها إلا بنظم هذه الاشارات وتوليد الدلالات السردية. إن اللغة هنا هي لغة القول ولغة الحقيقة.
2- سلطة الحكي لا تمارس على مستوى النص فحسب ولكنها تمارس فعالياتها أيضا على المرسل / المتلقي وتصير الحكاية موازية للحرية بعد أن كانت الحرية مواسية للحياة، وعدمها للموت كما لاحظنا ذلك على مستوى النص وتصير كلمة العبور "أحك لي حكاية وأعطيك حريتك" بعد أن كانت "أحك لي حكاية أو أقتلك". وعن طريق هذا التغيير في المواقع واستراتيجيات السرد يصبح القارئ / المتلقي / المرسل إليه سجين الحكاية.
ولا تأخذ هذه السلطة مداها إلا إذا تمكن السارد من تحقيق بعض الاستراتيجيات وهي سواء إبقاء القارئ في انتظار ما سيحدث أو التطلع الى النهاية المرتقبة والتي كانت مرسومة في بداية النص السردي. فإذا كانت هذه هي حالة السرد التقليدي فإن أساليب السرد الحديث تميل الى تحطيم عنصر التوقع حتى لا يبقى القارئ يلهث وراء النهاية بغية الوصول الى نهاية قاطعة وصارمة لا تترك المجال لأي تأويل أو تفكير في احتمالات النهاية وربطها بواقع مرجعية أكيدة لهذه القصة.
هذا النوع نجده في الروايات التقليدية وهو نقطة ضعف – لا محالة – لأن هذا النوع من النهاية لا يعبر عن عدم قدرة الكاتب على المضي في سرد القصة لذلك يؤجلها الى وقت آخر، ولولا هذا التأجيل لوجدنا الروايات من هذا النوع تنتهي عند الصفحات الاولى عندما يتعرض البطل الى أزمة أو الموت المحقق. إنها النهايات المزيفة، الموت المؤجل، لا لأسباب فنية، بل لأسباب مادية بحتة خارجة عن كل سياق حدثي.
هناك طريقة أخرى لتجاوز تقنية التأجيل هذه وتحطيم عنصر التوقع هي إلغاء الطابع التنبقؤي الذي كرسه الكاتب الانجليزي جورج أورويل G.ORWELL في روايته الموسومة 1984 (23). إن السلطة هنا تبدأ ممارسة فعاليتها منذ العنوان، أربعة أرقام لا غير، ولكنها دالة دلالة عميقة، لأنها تعني نهاية العالم. إن الكاتب يتنبأ بسقوط العالم في هذا التاريخ انطلاقا من رؤى تنبؤية ومصادر ميتافيزيقية في حين أن قيام الساعة موعد لا يعلمه إلا الله. لكن السلطة التي تمارسها الرواية على القارئ هي إبقاؤه في الانتظار والقفز على المؤشرات والدلائل التي تشير الى نهاية العالم، وهل هذا التاريخ يعني نهاية مادية أي انطباق السماء على الارض أم نهاية معنوية بفقدان بعض القيم والعلاقات واستبدالها بأخرى جديدة. الى غير ذلك من الاسئلة التي يمكن أن يطرحها القارئ – وهي شرعية دون شك -.
والسؤال الذي نطرحه على الرواية هو: هل يبقى القارئ في انتظار الموعد ثم يموت بعد هذا التاريخ ؟؟!.
ولكننا نلاحظ أن التأجيل – تأجيل الحدث خاصة – يأخذ أبعادا جمالية تتحول الى سلطة حقيقية على القارئ. وفي مسرحية "الملك لير" للشاعر العبقري وليام شكسبير يتأخر الموت تأخرا مريعا ورهيبا ويعاني البطل من العذابات القاتلة حتى إذا ما جاء الموت كان أهون من الانتظار. إن هذا الانتظار، انتظار الموت يتحول الى قسوة يمارسها الكاتب على القارئ وبالمقابل نلاحظ أن هذا التأخير المروع هو عبارة عن موت بالتقسيط في حق البطل.
2-1- بجل آخر من تجليات سلطة الحكي على المرسل وهذه المرة نجده في رواية غابريال غاريسا ماركيز المعنونة "حكاية بحار غريق" (24) حيث يظهر جدل الالحاح والرغبة من جانب البطل الذي أن يروي الاحداث التي قام بها طيلة عشرة أيام على متن عبارة واستطاع الانتصار.
وهذه بعض المقاطع من نص الرواية تؤكد ما ذهبنا إليه. يقول الراوي لويس أليخاندرو فيلاسكو: "شعرت برغبة في سرد مغامرتي التي كانت تلح علي أكثر من الجوع والعطش واليأس" (ص 92).
"ولم تعد لي رغبة إلا في رواية ما جرى لي" (ص 96).
"ألححت مرارا على سرد مغامرتي" (ص 96).
"كنت متأكدا أنهم حالما يوقعون بطاقة خروجي من المستشفى فسوف أضطر الى سرد حكايتي للجميع" (102)
يظهر جدل الرغبة والإلحاح في المقطع الاول (ص 92) حيث تظهر الرغبة ملحة في سرد الحكاية وتمتد سلطتها لتطغى حتى المطالب الحياتية للبطل، إن السرد يلح عليه أكثر من الجوع والعطش واليأس ونجد أن كلمة الرغبة والإلحاح تأخذ أبعادها الواسعة الى جنب السرد والحكاية. وهذا الافضاء من طرف البطل جعل السرد في صدارة اهتماماته.
ونجد الرغبة تعاود البطل من جديد (ص 96) مقترنة بسرد المقارنة، ويصبح البطل مهروسا بسرد مغامرته أكثر من اكتراثه بالجوع أو العطش أو الراحة بعد الاحداث التي كابدها أثناء عيشه فوق أمواج البحر لمدة عشرة أيام. ولعل الكاتب غابريال غاريسا ماركيز قد تنبه الى ذلك حيث يقول في مقدمة الرواية بعد أن نشرت كاملة في كتاب سنة 1970 عندما يقول: "وقد فوجئت بأن ذلك البحار الشديد البأس ذا العشرين سنة كانت سحنته من سحنة نافخ بوق منها الى سحنة بطل وطني يتمتع بموهبة غير عادية في فن السرد وقدرة على التحليل بالإضافة الى قدر كاف من عزة النفس الشعبية السليمة للسخرية من بطولته".
إذا "فيفيلاسكو" كان من البداية قصاصا وجاءت الاحداث التي وجد نفسه بطلا لها لتفجر هذه الموهبة وتطلق لسانه وذاكرته لتروي أدق تفاصيل المغامرة. وكان هذا البطل متأكدا من ذلك عندما قال " فسوف أضطر الى سرد حكايتي للجميع" (ص 102)، إذا فجدل الرغبة والإلحاح يتحول في الاخير الى الاضطرار، نظرا لغرابة الاحداث من جهة ولرغبته في السرد من جهة ثانية. وتباهي البطل بموهبته السردية، خاصة وهو يعيش أحداث مغامرته التي تتاخم حدود الغرابة، ونظرا لما يمتاز به من السخرية كما لاحظ ذلك الكاتب نراه يقول في اخر جملة من نص الرواية "وماذا تظنون أنني فعلت طيلة أيامي العشرة في البحر، إذن ؟ (ص 106). إن هذه الجملة الاستفهامية تفيد السخرية من المستمع ومن القارئ بعد ذلك.
إن موهبة السرد التي يتمتع بها أليخاندرو فيلاسكو جعلته يزحزح الروائي غابريال غاسيا ماركيز الى خلفية السرد ويجعله رواية من الدرجة الثانية وذلك لسببين على الاقل:
أولها أنه بطل هذه الاحداث التي تتخام الغرابة وتحاول الانزلاق في العالم العجائبي للخرافات وقد استطاع إعادة تركيب هذه الاحداث – المأساوية دون شك – وجعلها قصة/حكاية. وثانيا أن البطل استطاع أن يمارس نوعا من السلطة السردية على الراوي ويأسره ويجعله يحاول صياغتها، ونقل هذه السلطة الى القارئ. وقول غارسيا ماركيز الذي يلي يؤكد ما ذهبنا إليه: "هي حكاية مفصلة ومشوقة الى حد أن مشكلتي الادبية الوحيدة لم تتمث سوى في إقناع القارئ بصحتها. ولهذا السبب – وللإنصاف أيضا – قررنا كتابتها بضمير المتكلم وتحت توقيعه، وهذه، في الواقع، أول مرة يظهر فيها اسمي مرافقا للنص الذي بين يديك". أنها السلطة التي مارسها البطل على الراوي فنقلها إلينا بفعل هذا الافتتان والإعجاب بطريقة سرد البطل للأحداث الغريبة التي عاشها.
2-2- نجد أن سلطة السرد تمارس فعاليتها على البطل، ولكل نص طريقته في نقل تفاصيل هذه الحالة ودقائقها. وإذا كان السرد يتم في جميع الحالات التي تعرضنا إليها بواسطة اللغة وعن طريقها يأسر المتلقي ويجعله يتابع الاحداث الى النهاية، فإننا نجده في رواية "زوربا" للكاتب اليوناني نيكوس كزانتزاكي يتم بواسطة الحركة.
حيث نلاحظ أن كل الرواية تستغرق أحداثها في بناء المشروع الاقتصادي بين الكاتب الانجليزي وزوربا ومشاهدات الاول لطبيعة اليونان وعادات أهلها وعلاقاتهم الى غاية فشل المشروع واتخاذ الكاتب الانجليزي القرار بالرحيل الى بلده. وكان زوربا من حين الى اخر يعبر عن حالات النشوة أو السكر أو الحزن بالعزف على آلته أو الرقص.
ويأتي الموقف العاطفي والأكثر حسما في الرواية والذي يعتبر النهاية الفعلية لها، وما جاء بعده هو أصداء واهمة تحاول ترجيع الاحداث وجبر ما انكسر، هذا الموقف الاكثر عاطفية وقساوة هو لحظة الفراق بين الرجلين. ولكي يضع زوربا حدا لتأجج عاطفته في تلك اللحظة ويودع الكاتب الانجليزي الوداع الاخير توجه إليه قائلا: "سأرقص لك ذات يوم رقصة رجلين يفترقان فراقا أبديا". إن الرقص هنا يصبح مساويا للقص. والترجمة العربية الانيقة لجورج طرابيشي ساعت على تأكيد هذه العلاقة، وما بين القص والرقص غير خيط دقيق، وهما من جهة البلاغة جناس ناقص حيث تشترك الكلمتان في حرفين ويزيد الرقص عنهما بحرف، مثلما يزيد بالحركة في الواقع إضافة الى تعبيره عن موقف معين أو حدث محدد. ويمكن أن نترجم وعد زوربا الى لغة السرد فيصير "سأقص لك ذات يوم قصة رجلين يفترقان فراقا أبديا".
إن جوهر المعنى يبقى كما هو، وهو سلطة السرد التي كانت تشد بخناق زوربا والتي يعبر عنها بالحركة أو بالكلمة. إن القصة تسكن جوانحه ولا تهم الاداة التي يخرجها بها.
2-3- منذ مدة لاحظ النقاد أن الكاتب هو مبدأ لتجمع الخطابات ويعتبر أيضا وحدة وأصل دلالاتها، يمفصلها داخل حياته وتجاربه المعاشة وداخل التاريخ العام (25). ولهذا فإن اللذة التي يحصل عليها الراوي تتمثل في كونه أصل المعرفة والسرد.
وتمثل هذه الحالة، خاصة في الرواية "المقامر" للكاتب الروسي فيدور دوستويفسكي، إذ أن البطل بعد أن يخسر جولة في لعبة الورق يبدأ في سرد قصته. ويمكن أن نتساءل عن صلة هذه الرواية بالحياة الشخصية للكاتب، ألا يمكن أن تكون استعارة عن حياة الكاتب (26). فبعد أن حالفه الحظ وتنكرت له الارقام فإن البطل يبدأ في البحث عن "معنى" ويبدأ الكتابة. وتصير القصة هنا امتداد للعبة الورق، لأنها لا تعد وأن تكون في الاخير إلا مؤامرة، قد تفلح في أداء رسالتها وقد تخسر الجولة وتصير مجرد حطام للكلمات ولا تفي بأي غرض أو أية دلالة.
إن خسران جولة الورق في هذه الرواية يولد القصة كتعويض عن هذه الخسارة وتجاوز لحالة فقدان الشيء. إن ربح جولة أثناء لعب الورق يسبب لذة ولا شك، لكن للسرد أيضا فتنته التي لا تقاوم (27). ففي مقابل الراوي الذي يحصل على لذة وأثناء سرده لحكاية ما أن نجد أن القارئ أو المستمع – هو الاخر – يحصل على لذة. وهكذا يغدو أصل السرد وجوهرة لذة، ولكنها لا تحصل إلا إذا كرس السرد سلطة معينة واستطاع أن يأسر بها القارئ / المتقبل. إن سلطة السرد هي عرض احتمالات دون تدخل من السارد في افتراض حلول لها، وهكذا يبقى القارئ في جيئة وذهاب بين أقطابها محاولا في كل مرة أن يؤرجح هذا القطب على ذلك. إنها اللعبة السردية، لعبة المغامر الذي لا يعلم هل سيربح الجولة أم يخسرها. إن قواعد اللعبتين هي التي تضمن سلطتها وتضبط المسافة بين اللاعبين وبين الراوي والمستمع وهي التي تقرر هل نجح اللاعب في هذه الدورة أم خسر، وهل استطاع السارد أن يأسر القارئ أم عزف عن قصته بعد أن بدأ يخطو فيها خطواته الاولى وهجرها الى غير رجعة. إنها المغامرة.
إن الجهاز التي تمارس به الحكاية سلطتها هو اللغة، في البدء كانت الكلمة، وفي البدء كانت الحكاية، إنها الحكايات التي تناقلتها البشرية منذ فجر التاريخ، وقوة الكلمة ومعجزتها هي قدرتها على نقل هذه التجارب عبر الحقب الزمنية المختلفة، لذلك نرى أن سلطة الكلمة تفوق بكثير أية سلطة أخرى، فعن طريقها تسير كل المؤسسات شؤونها. لذلط نجدها قد أخذت اهتماما كبيرا في مختلف مراحل البشرية وفي الثقافات جميعا.
3-1- ونجد هذا الافتتان باللغة والاحتفال بها الى أقصى درجة عند الكاتب المغربي أحمد المديني في مجموعته القصصية "سفر الانشاء والتدمير" حيث يتكلم عن اللغة بأسلوب شاعري معبرا عن هذا الافتتان اللامحدود. يقول المديني: " لاتحدث عن اللغة المغتصبة لغة غاصت في أصابعها، جذوعها وأظافرها، ولم يبق منها إلا مسام مفتوحة أو مختنقة، فالأمر سيان. ما يخرج من المسام هو الرشح، هو بقية الكلام، هو الخطاب المفتت، هو فرقعة تعطي بعض الصدى وتروح في تلاش واهن، هو بعض الجرح ونزيفه لأن الجرح مخبوء، الجرح هو الجرح، الشرخ الاول الذي مس الارض حرق الدهر، الذاكرة، ولم يكن له التآم ولا انغلاق، ولن يغلق، كما لن يكف عن النزيف، كما لن ينقطع الصمت – الدوي العميق، كما لن يكف امتداد الجذور وعناق ومواكب الخلق الغابوي؟ تلك هي اللغة" انتهى. إن هذا المقطع المأخوذ عن المديني بين هذا الافتتان والسلطة التي تتمتع بها اللغة منذ الشرخ الاول للأرض وهي السهم الذي خرق الدهر وسكن أعماق الذاكرة وأبقاها مفتوحة على الماضي كما هي مفتوحة على المستقبل.
وهذا الافتتان باللغة نصادفه أيضا عند الراوي رشيد بوجدرة في روايته "ليليات امرأة آرق" (28) حين يبدي إعجابه ببعض الكلمات فيبحث في أصولها ومترادفاتها وتراكبها المختلفة وميزانها الصرفي، وفي غمرة هذا الاعجاب ببعض الكلمات يدخل الاجواء الاسطورية للكلمة محاولا البحث عن طفولتها الاولى وعن ظلاها الاسطورية العبقة بأريج التاريخ ورائحة الأصول، إنها اللغة المعجمية كما ظهرت في التآليف اللغوية الاولى.
أما الكاتب المصري جمال الغيطاني فإن له تجربة فريدة مع اللغة، وتنقلب في مستوياتها المختلفة وخاصة المستوى التاريخي والمستوى الصوفي بعد أن عبر المستوى التسجيلي الصحفي الذي يعتمد على تدوين الشاهدات والانطباعات.
فاللغة التاريخية نجد أنها استبدت به خاصة في مجموعيته "ذكر ما جرى" و "أوراق شاب عاشق منذ ألف عام" حيث وظف اللغة "المملوكية" للتعبير عن هموم وانشغالات راهنة يعيشها المجتمع المصرين. ولكن افتتانه اللاشروط باللغة التراثية الصوفية جعلها تسيطر عليه بدل أن تسيطر عليها، ويظهر ذلك خاصة في روايته الضخمة "التجليات" التي كتبها في ثلاثة أجزاء، إذ يبلغ الذوبان في لغة محي الدين ابن عربي وبعض متصوفة مداه ويبقى القارئ حائرا هل هو أمام نص روائي معاصر أم أمام كتابة لأحد المتصوفة تحاول القبض على تلك اللحظات النادرة من لحظات التجلي ثم البوح بها. إن "التجليات" هي النموذج الاعلى لسيطرة مستوى لغوي معين على الروائي وجعله يتكلم من خلال هذا المستوى ولا يستطيع الخلاص من أسره.
3-2- إن اللغة السردية تقول الاستبدادي، ما في ذلك شك، لأنها كمؤسسة سلطوية تساهم في دعم سلطة أو إسقاطها. لذلك فإن اللغة التي لا تقول أي شيء وكما هو الحال عند السريانيين والعبثيين هي لغة آسرة ومأسورة، هي اللغة التي تحبس الاشياء وتجمدها ولا تظهر منها إلا الجانب المسطح وتلغي الزخم الشعري للكلمة وتبقي فضائها السحري داخل عالم فارغ ولا يمكن لها أن تحدث أي إشعاع عند ملامستها للنفس البشرية، لأن دلالتها لا تتعدى أن تكون تشكيلا بلاستيكيا هدفه إثارة البصر لا غير.
وفي كتاب "الحب اللاواعي أو ما بعد الاغراء "لدنيال سيبوني" يوضح الكاتب بدقة خلال تحليله للغة الاغراء (وحسب المصطلح النقدي والبلاغي القديم أغراض الغزل) كيف يعمل هذا النوع من الخطاب، ويعمل الكاتب على تفكيك ميكانيزماته الداخلية ويبين كيف يستطيع الانسان أن يقوم بدور المغري الذي يؤثر على الآخر بواسطة اللغو ويغري اللغة ذاتها كما يمكن أن يكون ضحية لنفس اللغة التي يستعملها.
فاللغة تصبح قاتلة بالنسبة للإنسان الذي تمتلك عليه حواسه، وتظهر سلطاتها خاصة في لغة المتصوفة. ألم تكن اللغة هي سبب مقتل المتنبي بعد أن قتل بها كافورا وغيره.
(*) D.SIBONY : L’AMOUR inconscient ou au de là du principe de séduction, Paris - Grasset 1983.
ألم تتسبب اللغة في قتل طفلة بدوية كانت تطلب الماء من أبيها في صحراء تشبه بوابة الجحيم ولكنها كانت ضحية اللغة، مثلها مثل أبيها، لأنها كانت تطلب الماء بصيغة المخاطب فأبدلت عطشت (أنا) بعطشت (أنت/المخاطب المذكر). فسقطت ميتة بتأثير عطشها وعدم امتلاكها للغة مشتركة. ألا يمكن أن يلعب دور الذرة التي تفجر الاحياء رغم تناهيها في الصغر وتأتي الاخضر واليابس ؟؟
إنه قدر الانسان الذي تأخذ عليه اللغة مجامع قلبه وتأسره فتجعل منه إما قاتلا أو ضحية ؟؟!
4- والنقد؟ ألا يعتبر النقد شكلا من أشكال الاحتفال بهذه السلطة وتكريسا لها ؟؟ بهذا المفهوم يصير الناقد قارئا افتتن بالنص الذي مارس عليه سلطة معينة (جمالية أو أدبية أو معرفية) ثم أراد بدوره أن ينقل هذا الافتتان الى قارئ آخر. وهكذا تتمفصل سلطة النص السردي في سياقين: السياق الاول هو السياق الابداعي والسياق الثاني هو السياق النقدي الذي يحاول أن يمفصل أهم تجليات السلطة والقنوات التي تمر بها والتأكيد عليها باعتبارها الركائز التي يقوم عليها النص. إن النقد يصير هو الآخر سلطة، لأنه نص جمالي بالدرجة الأولى، أي غايته إبراز أهم زوايا الجما ل في النص المنقود ولأنه أيضا يتمتع بقدرة على جعل لذة النص الادبي ممكنة.
وقد عرف محمد الغذامي الناقد بقوله: "ما الناقد إلا قارئ متطور غزا النص، ثم أخذ يروي أحداث هذه المغامرة" (الخطيئة والتفكير ص 6) (29) هذا التعريف للناقد يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع خطابنا، وأخذنا له دون غيره – رغم السياق البراغجماتي – الذي ورد فيه تأكيد لشيء قائم في هذا الخطاب، هو أن كل أشكال التواصل تحتوي على قدر معين من السرد.
والنقد باعتباره طريقة من طرق التواصل هو أيضا سرد لمجموعة من الاحداث والحالات وربما نجد النص النقدي الذي يفوق بكثير النص الابداعي في جماليته وشعريته. فتعريف الغذامي للناقد بأنه قارئ متطور يدخل من باب البديهيات، وهو تعريف نصادفه كثيرا وخاصة في الكتب المدرسية، أما طرافة التعريف فتكمن في قول الباحث (الغذامي) غزا النص ثم أخذ يروي أحداث هذه المغامرة. فالناقد حسب هذا التعريف هو رواية لأحداث مغامرة قرائية قام بها في حدود نص معين أخذ يروي رحلته هذه عبر النص متعرضا لمشاهداته لتضاريس النص ومناخاته وحدوده، ثم ما صادفه من التشكيلات الغربية وما سمعه من الاصوات المتنوعة. إنها فعلا مغامرة أن يقوم الانسان بالكلام عن نص ما ثم يشرع في حكاية هذا النص.
إن الحكي هنا هو الكلام وهو ركن أساسي في عملية التواصل ولكن علم اللسانيات والسيميائيات لم يركز على "سردية التواصل" ويبقى هذا الركن من أهم المناحي التي غفلت عنها اللسانيات أثناء حديثها عن عملية التواصل لأنها اهتمت بقنواتها ونظام تنقلها وشبكة العلاقات بين أجزائها، ولكنها لم تتعرض الى جانب السردية فيها. وفي هذا الصدد يمكن أن نقول أن التواصل جزء من عملية السرد ككل.
ولكن السؤال الذي نطرحه الآن: كيف نقرأ النقد؟ هل نقرأه من خلال شبكة المفاهيم النقدية والأدوات المعرفية التي توظف في العملية النقدية لكي تقوم بدورها، أم نقرأ النقد من خلال النص أو النصوص الابداعية. يجيب رولان بارت على السؤال كيف تقرأ النقد؟ بقوله: "هناك وسيلة واحدة هي بما أنني هنا قارئ من الدرجة الثانية يجب علي تغيير موضعي، هذه اللذة النقدية يجب أن أحصل عليها من خلال ملاحظتي – خلسة – للذة الآخر، فيتحول التعليق أمامي الى نص والى تخيل" (30). إذن في غياب النص الاصلي – الاولي يتحول النص النقدي الى صورة له تعكس أهم، مفاصله وتحاول أن تبدي مناطقه الغامضة والتي تخبئ فيها جواهره الفريدة.
إن قراءة النقد هي قراءة النص الذي لم يكتب لأجلنا، بل كتب أصلا للنقد، لذا نحاول أن نقتنص تلك اللحظات التي لم نحصل عليها من النص الأولي، لأنه غائب، ونحاول أيضا، من خلال ترسانة المفاهيم النقدية وسلطويتها أن نعيد تركيب أجزاء النص الابداعي الذي فتته النص النقدي وأعاد تفصيله لأغراض نقدية لأن القراءة الابداعية تختلف عن القراءة النقدية في سياقها أو في هدفها.
5-0- بين البداية والنهاية تتشكل الاحداث. وعلى طول المسافة الفاصلة بين هاتين النقطتين يتمدد جسد الحكاية ويسس سلطته الخاصة متحديا بذلك كل المؤسسات السلطوية رافضا لأشكال الهيمنة المتعددة والمختلفة الوجوه.
إن القص الحديث يقول الممكن والمحتمل عكس السرد التقليدي الذي يسير في اتجاه واحد وهو انسجام النهاية مع البداية وما تنويع النهايات إلا بقصد خلق عالم جديد واقتراح حلول عديدة لأزمات الانسان المعاصر والتي تحصى وفتح طريق الأمل في وجهه.
بقلم الدكتور حسين خمري من جامعة قسنطينة
----------------------------------------------------
الــــــهـــــوامـــــــــش:
- عبد الكبير الخطيبي: الليلة الثالثة بعد الالف – ص188، ضمن الرواية العربية واقع وأفاق – دار ابن رشد 1981
- هـ – بليث: البلاغة والأسلوبية ص 17، ت/محمد العمري – المغرب 1990
- ايديث كيرزويل: عصر البنيوية – ص102، ت/جابر عصفور – بغداد 1985
- صنع الله ابراهيم: اللجنة – مطبوعات القاهرة 1982 – ط2
- M.Blanchot : l’espace littéraire, p90 ; Gallimard 1978
- L.Marin : le récit est un piège, ed – minuit 1978
- فرانز كافكا: المحاكمة – ص157 ت/ ابراهيم العريس – دار الطليعة 1981
- الجهشياري: كتاب الوزراء والكتاب – القاهرة 1937
- ايديث كيرزوويل: مس – ص225
- فرانك كرمود: الاحساس بالنهاية ص 90، ت/عنان غازوان وجعفر الخليلي. بغداد 1979
- عبد الفتاح كليطو: الادب والغرابة ص 32 – دار الطليعة 1982
- Gérard genette : figures III p148 seuil 1972
- J.P Goldenstein : pour lire le roman, p14, Bruxelles 1985
- R.Barths : Roland Barthes, p36 seuil 1975
E.Amrane el Mellah: ailem ou la nuit du récit – Maspéro 1983
فاضل العزاوي: مخلوقات، فاضل العزاوي الجميلة. دار الكلمة بغداد 1969
- T.Todorov : poétique de la prose, p41, seuil 1978
- عبد الكريم الخطيبي: م-س- ص119
- عبد الفتاح كليطو: م-س-ص103
- R.Barths : l’analyse structurale des récits, insommunicatio n° 8, p19.
- جابر عصفور: عصر البنيوية ص 89
- ع. كليطو: م-س-ص98
- جورج أورويل: العالم سنة 1984، ت/شفيق فريد وعبد الحميد محبوب – الانجلو المصرية 1956
- غابريال غاسيا ماركيز: حكاية بحار غريق
- ت/ محمد علي اليوسفي. دار ابن رشد 1980
- M. Foucault : l’ordre du discours, p28 et 30, Gallilmard 1971
- D.Sibony : l’amour inconscient, p22, Grasset 1983
- ع. كليطو: م-س-ص103
- رشيد بوجدرة: ليليات امرأة آرق. م و ك . الجزائر 1985
- محمد عبد الله الغذامي: الخطيئة والتفكير. جدة 1981
- R.Barthes : le plaisir du texte, p31, seuil 1973