لم ير يقيناً احد تلك الجدران , ولكن كان هناك العديد ممن قالوا بأنهم قد شاهدوا ظلالاً ضخمة زحفت على الأحياء عند شروق الشمس , و قيل ايضاً انه قد جاء في روايات يرجع عهدها الى عصور ما قبل الكتب السماوية انّ الهة كانت قد وعدت و لأجل الأحتفاظ بعروشها ببناء اسوار فاصلة بين الأفراد من الأنسان , فعلى الرغم من لامعقولية الموضوع الا ان كثرة الاحاديث عنها قد جعلت الفكرة مقبولة , من يدري .. ربما انه عمل شياطين سعوا لأضافة فارق آخر لبني البشر كي يصنفهم على اسس لا يدركها الناس . لم يكن الموضوع بذات الأهمية في باديء الامر , ولكن ما اخاف الناس و نشر الذعر بينهم هو انّ غضب ما يحل على من يجتاز الجدران هذه خصوصاً و انّ لها القابلية على الامتداد و التعدد . ففي البدء امتنع الناس من السفر من مدنهم الى مدن اخرى , و من ثم و بدافع الخوف المسيطر عليهم رأوا صعوبة في التنقل من احيائهم الى احياء اخرى . و مع مرور الايام اصبح الامر مروعاً , فتلافياً من حلول الغضب الالهي هذا شرع الناس تلقائياً و بأنفسهم بوضع حواجز وهمية فاصلة بين الأحياء , ثم قام بتقسيم المحلات و الأزقة و حتى الشوارع الفرعية . جاء الناس لما يفعلوه بشتى انواع المبررات , و أقنعوا أنفسهم بأنه لابد من وجود حِكم لما فُرض عليهم , لم يكتف بذلك فحسب بل فصلت المنازل عن بعضها و كذلك الساكنين فيها . انتهت الزيارات العائلية , انتهت التجمعات , زالت الاماكن العامة عن المدينة , تنافر الناس عن بعضهم البعض كما لو انّ هناك مسبباً فايروسياً ينتقل من شخص الى آخر خلال فترات الاحتكاك , بقي اعضاء العوائل في البيوت انفرادياً . حذر الآباء الابناء من لمس بعضهم البعض . خيم الخوف على الأذهان , تغلب الموضوع على مظاهر الحياة من كسب القوت و العلاقات الاجتماعية . مرت الأيام , حنّ الناس الى بعضهم بعضاً , احتاج الناس الى بعضهم بعضاً , و قد سلبت الجدران منهم الحياة عنوة , سأم الجميع من امر الجدران , و استعادوا جرئتهم , و اتفقوا ان يخرجوا جميعاً لمظاهرات حاشدة تنديداً للجدران و غضبها , فخرجوا من منازلهم و أزقتهم و أحيائهم التي قد تطوقها الجدران . لم تكن هناك جدران على الأرض بل في مخيلتهم .