علي طرادية - عظيمةٌ من عظماءِ مدينةِ الفيحاءِ.

لقد مرَّ في تاريخِ طرابلسَ الفيحاءِ، القديمِ والحديثِ الّتي هي مدينةُ العلمِ والعلماءِ، العديدُ من العظماءِ في مجالاتٍ شتّى، وأسمى تلكَ المجالاتِ العلمُ، كيف لا والعلمُ هوالسُّلَّمُ الوحيدُ الَّذي نستطيعُ من خلالِهِ الوصولَ إلى قمّةِ الرُّقيِّ والحضارةِ؟!

في تاريخِنا المعاصرِ برزتِ المربيَّةُ الفاضلةُ، الأستاذةُ "عبيرملحم"، إبنةُ طرابلسَ الفيحاءِ، كواحدةٍ من عظماءِ المدينةِ،في مجالِ نشرِ العلمِ، و يشهدُ لها طُلّابُها بذلك، وكلُّ من عاشروها وشاهدوا إصرارَها وتفانيها في عملِها الدَّؤوبِ، فهي المُدَرِّسةُ النَّشيطةُ الَّتي لا تعرفُ كلَلاً ولا ملَلاً،حتّى في إيّامِ إجازتِها لم تكن تبخلُ في العطاءِ المستمرِّ والمثمرِ، وقد اعتادتْ على ذلكَ طوالَ خمسةَ عشرَ عاماً ،بكلِّ إخلاصٍ، متحدِّيةً كلَّ الصِّعابِ الَّتي كانت تواجهُها، عبرَ مسيرتِها العظيمةِ الشَّأنِ.

ولقدْ تلألأتْ تلكَ المسيرةُ بقواعدِ اللُّغةِ العربيَّةِ الَّتي كانت تُبَسِّطُها لنا عندما كنتُ تلميذاً عندَها أنا وزملائي في الصَّفِّ الثّامنِ والتّاسعِ_ في بلدتي قبعيت العكّاريّة_ وكذلكَ تكلَّلتْ مسيرتُها بتبسيطِ علمِ البيانِ والبديعِ بأسلوبٍ شيِّقٍ لا مثيلَ لهُ، وقد أمدَّتنا بكلِّ الإمكانيّاتِ للغوصِ في تعابيرِ النُّصوصِ وفهمِ معانيها لنصلَ إلى ما يرمي إليه الكاتبُ. وقد سلَّحتْنا آنذاكَ بمصطلحاتٍ وجملٍ ونصوصٍ، بغيةَ شحذِ أفكارِنا، لنصبحَ قادرينَ على تأليفِ نصٍّ متماسكٍ، لخوضِ اختباراتِ الشّهادةِ المتوسِّطةِ ، عامَ ألفينِ وسبعةٍ.وفي علمِ العروضِ كان لها دورٌ بارزٌ أيضاً...

وفي نهايةِ العامِ الدّراسيِّ كانت قد جمعتْ لنا زُبدةَ المعلوماتِ في كتابٍ، أطلقت عليهِ اسمَ "طريقُ الفلاحِ" وحينما غصنا في بحورِ سطورِهِ، أدركنا ذلكَ الفَلاحَ الَّتي كانت ترمي إليه،بفضلِ اللّٰهِ أوَّلاً ثمَّ بفضلِ جهودِها ثانياً، وأخيراً بفضلِ استجابتِنا لإرشاداتِها واتِّباعِ كلِّ ما كانت تأمرُنا بهِ في سبيلِ الوصولِ إلى مبتغانا الرّاقي ألا وهو النَّجاحُ في مادّةِ اللُّغةِ العربيَّةِ ثمَّ نيلُ الشَّهادةِ المتوسِّطةِ بشكلٍ عامٍّ.

هذا على الصَّعيدِ التَّربويِّ، أمَّا على الصّعيدِ الإجتماعيِّ، فلها أعمالٌ إنسانيَّةٌ عظيمةٌ،تتمثَّلُ في مشاركتِها لطلّابِها همومَهم ومشاكلَهُم، وتساعدُهم في حلِّها ، على حسابِ أوقاتِ فراغِها منَ التَّعليمِ، فقد علمتْ أنَّ رسالتَها لا يمكنُ أن تبلغَ مداها إذ لم يكنِ المتلقّي على قدرٍ كافٍ من الإرتياحِ النَّفسيِّ، ليَسهلَ عليهِ استقبالُ المعلوماتِ وحفظِها في وعائِهِ السّامي، الّذي لا يعرفُ طفحاً ولا امتلاءً...

وعطاؤُها لم يكنْ في بلدتي فحسب، بل في عدَّةِ مناطقَ، بحيثُ انتقلتْ للتَّعليمِ في طرابلسَ، تلك المدينةُ الّتي حضنتْ سجاذةَ طفولتِها، وأحلامِها البريئةِ...ثمَّ عادت إلى عكّار وتحديداً
في بلدةِ" تلّ حياة"، ولا زالَ العطاءُ مستمرّاً دونَ تمييزٍ بينَ منطقةٍ وأخرى، أو بينَ تلميذٍ وآخرَ،حتّى تسلّمتْ مَهمَّةَ التّنسيقِ والإشرافِ على معلًّمي اللُّغةِ العربيَّةِ، لكونِها الأكثرُ خبرةً من بينِهم في العطاءِ.

وتكريماً لها_بالإضافةِ إلى هذهِ السُّطورِ المتواضعةِ_ نظمتُ هذه الأبياتِ الثّلاثةَ، على وزنِ بحرِ المتقاربِ التّامِّ:

"تَســــامتْ بِجُهدٍ وحلَّتْ بدارِ ال
علــــــــومِ كركنٍ عظيمٍ متيــنِ

تُزيلُ همـــــومَ التَّلاميذِ كَيْ يَفْ
هَمُوا شـرحَها في العطاءِ الثَّمينِ

عبيرُ كشــــــــمسٍ تُميتُ الظَّلامَ
وتَهدي الجميـــــعَ لدربٍ رَزيــــنِ. "


وفي النِّهايةِ نصلُ إلى أنَّ العلمَ هو رسالةٌ عظيمةٌ، تحتاجُ إلى رُسلٍ عظماءَ يكونونَ على قدرٍ عالٍ من الأمانةِ لحملِها، فلن يفلحَ فيها إلّا من كان من أُولي العزمِ في التَّعليمِ، وأختمُ بعبارةٍ كانت تردِّدُها دوماً كتشجيعٍ لنا عندما تبرزُ مهارةُ أحدِ الطُّلّابِ "أحسنتَ، أنتَ ستكونُ خليفتي في تدريسِ اللُّغةِ العربيَّةِ".

# علي خضر طرادية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى