رسالتان من شفيق حبيب الى محمود درويش

عزيزي الشاعر محمود درويش رئيس اتحاد الكـُتاب والصحفيين الفلسطينيين – باريس.
أسعد الله أوقاتــك !!
وبعد...
منذ أن كتبتُ بعض الأسطر في مجلة "المصوّر " المحلية عدد 67 في 17 تشرين الأول 1962 أي قبل ربع قرن غير منقوص وذلك حول قصيدتك "عنقدَ الكرم" والتي كنتَ قد ألقيتـَها على مسامعنا ذات مساء في نادي الحزب الشيوعي بحيفا / شارع مار يوحنا (نادي الأخـوّة)، إذ كنتُ يومها أكتبُ بابا بعنوان " لقطات عصفور " وبعد أن عاتبتـَني على ذلك في مطعم " اسكندر" بحيفا بحضور الصديق نبيه خوري (البعنه )... منذ ذلك التاريخ لم نلتق ِ يا محمود!!
ومنذ مغادرتك أرض الوطن مرغما أو بمحض إرادتك، وأنا أتتبعُ أخبارك حتى أنني خصصتُ ركنا لمؤلفاتك في مكتبتي المتواضعة.
أودُّ يا محمود!! أن اوضح بعض النقاط على رسالتك " الحارّة "-على ذمّة "الإتحاد"- إلى شاعرنا سميح القاسم حول الخلاف "على وليد منذور لتوحيد العائلة"
ولا أخفيكَ سرا إذا قلتُ لك بأني لم أقرأ مقالكَ "الهامّ " – على ذمّة " الإتحاد" أيضا" – إلى سميح في مجلة "اليوم السابع " الصادرة في باريس بتاريخ 5.10.1987 تحت عنوان "منذ البداية " وإنما قرأتـُه مبتورا على صفحات
"الإتحاد " 13.10.87.
وردَ في مقالكَ يا محمود مخاطبا سميح: "ليس حدثا عاديّا، في ظروف غير عاديّة، أن تنجحَ أنت وأخوانك الكـُتاب في تأسيس أول اتحاد للكـُتاب العرب في الوطن ".
وتساءلتُ كما تساءَل الكثيرون:
ــ هل أصبح تأسيس اتحاد للكـُتـّاب حدثا غير عادي؟؟؟ وهل يقف في وجهنا أحدٌ ضدّ تأسيس أي اتحاد أو سَـمِّ ما شئت سوانا نحن؟؟؟.
ألم تقرأ يا محمود! هذا السّيلَ من الشتائم والاتهامات والتشكيكات على صفحات " الاتحاد " لمجرد أن مجموعة ً أخرى من الكـُتـّاب تريد إقامة إطار لها ؟؟ فإذا كان ما كتبْتـَه للاستهلاك خارج الوطن فعلى رسلك وإلا فإن هذا التضخيم حول واقعنا الأدبي لا مبرِّرَ له. كما وأن إقامة أي شكل آخر غير "إتحاد الكـُتاب المنذور " حسب رأيي هو ظاهرة صحيّة لا مبرر لدحضها والتشكيك بها إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءَها.
وعلى ما يبدو، ومع الأسف الشديد، أكتشفُ أن معلوماتك خاطئة بادعائكَ أن هذا الاتحاد "هو أول اتحاد للكـُتـّاب العرب في الوطن ".
ألم تعرف يا محمود أن راشد حسين كان ضمن "رابطة الأدباء والمثقفين العرب " سنة 1958 ، وكان هذا الانتماء يلازم اسمه في كل كتاباتــه؟؟ كذلك كان شكيب جهشان وسواهما في هذه الرابطة.
ألم تسمع يا محمود! عن "رابطة الكتاب العرب في إسرائيل" والتي ما تزال نابضة حية عندكم في قلب "نائب اتحاد الكتاب " فاروق مواسي ؟؟؟.
على ماذا يدلّ هذا التجاهل إذن؟؟؟
وكم تغالط نفسك يا محمود! حين تقدّم التهاني إلى سميح قائلا ً:
"باسم اخوتك الكتاب في الخارج أهنئكَ بثقة زملائك الغالية بانتخابك رئيسا لاتحاد الكتاب بالاجماع..".
وهنا لا بد إلى نظرة سريعة يا محمود! وهي أن الصديق سميح لم يُنتخب ولم تجر ِ أية محاولة لانتخابه وإنما الأمر كان مجرد تعيين كتعيين المخاتير زمن الحكم البريطاني اللعين وذلك بعد ترشيح العائلة شخصا ما للمخترة، وهنا أصدقكَ القول أنني عجبتُ أشد العجب كيف رضي سميح بهذا المنصب دون انتخاب،.
لسنا ضدّ سميح أو غيره بركوب رئاسة اتحاد الكتاب، ولكن نحن ضدّ أي عمل غير ديمقراطي حتى لو كان التزكية.. خاصة على مستوى الفكر.
ولماذا يا محمود!! تتمنى لسميح "المقدرة على التعايش مع ما ينغص مناخ هذا الإنجاز من حديث انشقاق لا مبرر له".. فبهذا تدفعنا إلى لفتة نظر أخرى سائليك:
ــ هل كان هناك انضمام لاتحاد الكتاب ليكون هناك بالتالي انشقاق؟؟
ــ وهل كبّروا لك الحكاية إلى هذا الحــدّ؟؟؟
ــ وهل ما زلتَ يا محمود تقع في نفس الأخطاء التي ما يزال يقع فيها الكثيرون في داخل الخارج؟؟؟
وأراك تتساءل بلهفة:
ــ "فلماذا هذا الخلاف على وليد منذور لتوحيد العائلة؟؟"
ومرة أخرى تجبرني على التساؤل:
ــ هل مجرّد إقامة اتحاد للكتاب في المركز الثقافي البلدي بالناصرة أصبح رجاءَ وأملَ الفلسطينيين خارج الداخل وداخل الخارج لتوحيد العائلة؟؟؟
لقد ضاع إذن أربعون عاما ً وكان خطأنا الوحيد عدم إقامة اتحاد للكتاب العرب الأمر الذي أدى إلى مطاردة الفلسطينيين في الشتات وإلى مجازرهم الرهيبة.
ثم تتساءل يا محمود! :
ــ " ولماذا يستعير البعض من سلبياتنا ما يغريه بأن يفرض دكتاتورية الأقلية على الأغلبيــة..؟؟"
وتجبرنا يا محمود! على التساؤل مرة أخرى:
ــ هل قـُدِّمت لك إحصائيات موثـَّقة عن الأكثرية والأقلية بين اتحاد الكتاب وسواه؟؟؟
إذا كان جوابُك ايجابا، فإن ما لديك مزيّف.. وإذا كان جوابك سلبا، فلماذا هذه القسوة التي تصل حدّ الدكتاتورية؟؟؟
والغريب العجيب أن شاعرا كبيرا كمحمود درويش يقع في تناقضات حادّة، فاتحاد الكتاب وليد منذور لتوحيد العائلة على حد تعبير محمود في حين يطلب في نهاية رسالته "ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لكل من يخالفهم الرأي والعقيدة.."
فكيف تتوحد العائلة وهناك خلاف في الرأي والعقيدة؟؟؟؟.
لا أدري كيف أنهي رسالتي إليك أيها الأخ والصديق وليس عندي سوى السؤال تلو السؤال؟؟ فأقول :
ــ إمنح بركتك من تشاء وارفعها عمّن تشاء...
ولماذا كل هذا التحيز المرفوض والتمييز المقيت بين أبناء شعبك وأنت أنت الغيور على توحيد العائلة؟؟ أم أنها المصلحة المتبادلة في النشر والتطبيل والتزمير؟؟
هل كلـّفتَ نفسك يوما عناء سؤال الطرف الآخر – ابن الخاله- عن مدى صحة أو كذب ما يرد إليك؟؟.
أم أنك تتلقى الإشارة من المايسترو في شارع الحريري ومن دائرة الضوء الأحمر بالذات؟؟؟
وأخيرا يا محمود!! أحمد الله –الذي لا يُحمدُ على مكروه ٍ سواه – أني لم أقرأ مقالك
"الهامّ " كاملا في "اليوم السابع" .. حينها ، ربما كان لي كلام آخر وبالذات مع خبراء تزوير وتشويه الحقائق.
ورجائي ألا تطول غربتك هناك، وغربتنا هنا على ثرى الوطن المنذور للتفرقة بين الفرد الفلسطيني وأخيه....وتصفية الحسابات.
وفي النهاية... نحن القاتل... ونحن المقتول...
دير حنا - في 13.10.1987
أخوك
بكلّ التمزُّق الفلسطينيّ
شفيـــق حبيـــب
************
الرسالــــــــــة الثانيــــــــة
نـُشرت في 13.11.1987
حتى أنتَ يا محمود...؟؟؟
شفيــق حبيــب
رابطة الكـُتاب الفلسطينيين
عزيزي محمود درويش – رئيس الاتحاد العام للكـُتاب والصحفيين الفلسطينيين – باريس.
وبعد...
أقمنا في 30.10.1987 "رابطة الكـُتاب والأدباء الفلسطينيين في إسرائيل"، حيث انتظمت فيها خيرة الأقلام الوطنية الصادقة، البعيدة كل البعد عن الغوغائية والديماغوغية غير راجين من إقامة هذه الرابطة أية شهادة حسن سلوك ممهورة بخاتم هذا أو تبريكات ذاك، لأننا لا نتلقى التعليمات إلا من ضمائرنا النظيفة اليقظة.
ونحن في الرابطة لم نـُضيِّع ينبوعنا وعنواننا واسمنا، هذه الأقانيم الثلاثة التي كنتَ تغنيتَ بها ذات يوم حين قلتَ:
وترعرعتُ على الجرح ِ وما قلتُ لأمّي
مــا الــذي يجعلـُهـــا في الليـــل ِ خيمــــــــــــه....
أنا ما ضيَّعتُ ينبوعي وعنوانيَ واسمي
ولذا أبصرتُ في أسمـــالهــا مليـــونَ نجمــــه....
ويسير ركبُنا بإصرار فلسطينيّ عنيد وإباءٍ عربيّ غير آبهين بالصراخ والزعيق والاتهامات المردودة إلى نحور أصحابها، فنحن لسنا بالمشبوهين... ولسنا بأصحاب الأيادي السوداء، ولكن رئيس اتحاد الكـُتاب قال يوما ونسي ما قال:
الناسُ.. كلُّ الناس ِ في قلبي...
يروون مـــن دفئي ومن حُبـّـــــــــي...
فأين هذا الدفء وأين ذاك الحب؟؟؟
بعد أربعين سنة، يتذكر الأشقاء في الخارج – وما أكثرهم في السرّاء وما أقلهم في الضرّاءـــ وجود عرب في هذه الديار لهم أقلامهم ومواقفهم ومعاناتهم، ولكن ولأسفنا الشديد يبدأ هؤلاء بإمطارنا بتصريحات متواترة ، وأسمح لنفسي بأن أقول موتورة، حيث يرحِّبون بابن ساره البيضاء ويلعنون وينبذون ابن هاجر السوداء، إذ إنهم على استعداد " للتعاون والتنسيق غير المشروطين" مع أصحاب الحظوة ويتهمون التيار العقلاني الجادّ، الذي يقارع الحجة بالحجة حضاريا ً فيتهمونه " بالدعوات الانقسامية وبمحاولة تشتيت القوى – كذا- التي تحركها حوافز انشقاقية لا مبرر ثقافي أو وطني لها"...
فأتساءل:
ــ لماذا هذا الموقف العدائي الصارخ منا يا محمـــود؟؟؟
إن جميع تصريحاتك يا محمود! مستعارة من قاموس البعث السوري لا أكثر ولا أقلّ، حيث كثرت في تصريحاتك نفس العبارات التي يطلقها من دمشق أسياد أبو صالح وأبو كويك عن الحركة العقلانية في المنظمة متهمين إياها: بالانقسام وتشتيت القوى وَ... وَ...
لماذا هذا الظلم الذي لا مبرر له يا محمود! وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة...؟؟؟
ولأسفي الشديد أقولها مرة أخرى، إنه بهجومك هذا تقف في صف واحد مع كثيرين لا تحبهم يا محمود!! إنك تقف على سبيل المثال لا الحصر، مع محمد حمزة غنايم رئيس تحرير "لقـــاء " المجلة التابعة للهستدروت، هذا الكاتب الذي يتطاول بدون سبب اللهمَّ استجداء كلمة "برافو" من بعضهم، فاقرأ ما كتب:
"في بلادنا فكر سياسيّ- اجتماعي متأزم يحاول استجداء بعض مفردات العجز العربي المعشش في الأدمغة منذ عهد أحمد سعيد سيِّء الصيت، ليسخـِّرَها في صراعه من أجل السيطرة الآيديولوجية على ساحة النشاط الثقافي العربي في هذه البلاد، وممثلو هذا الفكر، الذين تحتضنهم عندنا "حركة تقدمية " هم قلة عددا ً وعدة وتنقصهم الحجة في إثبات نجاعة خطابهم السياسي المباشر فلا يعود لديهم سوى الحل الدائم والأمثل الذي يلجأون إليه باستمرار: اختيار نظريات انهزامية وربما ابتكارها..."
كلام جميل من حيث السَّبْك ُ والترابط ُ ولا أجملَ منه أسلوبا ً سوى كلام الكاتب أنطوان شلحت، الذي تطاول يوما على حنـّـا أبو حنـّـا .. لكنه غـُسِلَ فانكمــش...
أيُفرحك هذا الكلام ذو الرائحة الآسنــــة؟؟؟
إذا كنتم يا محمود! جادّين في مواقفكم بعدم مدّ يد التعاون إلى كل القوى على الساحة الوطنية الداخلية تكونون بهذا قد قدّمتم عملا ً لا يُثمّـن لأعداء شعبنا الفلسطيني وذلك عن طريق شقّ الصف الذي تلجأون إليه، إذ لم يصدر عنكم أي تصريح ـ وما أكثرها في الآونة الأخيرة ـ لتوحيد الصف والكلمة على مستوى النـّد للنـّد بل كل التصريحات مبطنة بالاتهامات الرخيصة وبالتعالي والتهديدات، فهذه الأساليب مرفوضة جملة وتفصيلا وغير مقبولة على أقلامنا النظيفة.
يقيني،… أنك لا تعرف الكثير عنا باستثناء المعلومات السوداء المزيفة التي تصلك فتـرانا من خلالها بمنظار أسود أعاروه لك لغرض في نفس يعقوب.
لسنا بحاجة إلى دعمكم المادّي والمعنوي، ولسنا بحاجة إلى لقاءات أيضا إذا كان المقصود من وراء هذا كله الإذلال والركوع على أبواب الأسيــــاد.
سنظلّ نكتب من وحي ضمائرنا وواقعنا شئتم أم أبيتم هنا وهناك، ولا نقبل الإملاءات
ولا نقبل الوصاية أيّا ً كان مصدرها.
فصرِّح ما شئتَ من باريس يا محمود!! ولكن اسمح لي أن أقول لك يا سيادة وزير الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية: إنه أصبح لصوتكَ طعمٌ ومذاق ٌ مرّ..
قبل أن نفترق أذكـِّرك بما قلتـَهُ ذات يوم:
يا رفاقي الشعــراءْ!!
نحن في دنيا جديده
فاتَ ما فاتَ، فمن يكتبْ قصيـــده
في زمان الريح والـذرّة ِ
يخلقْ أنبيــــاءْ...
سنظلُّ نكتب لنخلقَ الأنبياء الحقيقيين، وسوانا يخلق الأنبيــاء الكـَذبَه....
دير حنـــا
ــ 1.11.1987
شفيـــق حبيـــب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...