غاب مصطلح المرض العقلي في الكتابات الطبية اليونانية القديمة، غير أن النصوص الطبية ناقشت حالات مثل الاكتئاب والهوس وحالات الصداع والشلل، في وقت تعتبر فيه النظرة الفلسفية القديمة جميع الاضطرابات الطبية في الجسم ويمكن علاجها بنفس المبادئ المعتادة.
ولم يكن هناك أطباء نفسيون في الطب القديم كما هو الحال في الأزمنة الحديثة، لكن الفلاسفة القدماء منذ سقراط وديموقريطوس اعتبروا أنفسهم "أطباء الروح" الذين يعتنون بأمراض النفس والروح كما يعالج الأطباء أمراض الجسد.
وبخلاف العلاجات الدوائية التي يستخدمها الأطباء، صوّر الفلاسفة علاجاتهم بأنها معرفة فلسفية، فأصبحت فكرة الفلسفة كعلاج بارزة في حقبة الفلسفة الهلنستية بعد أرسطو.
وسعى المعالجون بالفلسفة إلى تحرير الناس من المخاوف والقلق بشأن الموت والحياة الأخرى، وتعليمهم القناعة والرضا البسيط بالاحتياجات الأساسية وتحقيق راحة البال.
غير أن هذه العلاجات -فيما يبدو- ركزت على القلق والسخط والمخاوف، وتجاهلت الاضطرابات المرضية التي تؤثر على صحة العقل، بحسب دراسة الأكاديمية بجامعة هلسنكي الفنلندية مارك أهونين عن الفلاسفة القدامى والمرض العقلي.
المرض في المدينة الفاضلة
أقر أفلاطون في كتاباته عن "المدينة الفاضلة" بوجود المرض العقلي، وناقش الموقف القانوني للمرضى العقلانيين، داعيا إلى تقييدهم وحبسهم في المنزل (ممارسة كانت شائعة في أثينا القديمة). واعتبر أن المجانين لا يتحملون المسؤولية عن الجرائم التي قد يرتكبونها (لكونهم مرضى لا أشرارا)، بينما ينبغي محاسبة عائلاتهم وأفراد أسرهم الذين ينبغي تغريمهم إذا فشلوا في واجب حراستهم. إلا أن الفيلسوف زينوفون المعاصر لأفلاطون دعا إلى التمييز بين المجانين فعلا وبين الحمقى.
وبخلاف القوانين، نظّر أفلاطون في محاورة "طيماوُس" التي تناول فيها موضوع الطبيعة ونشأة الكون والخالق، لضرورة التمييز بين أمراض الجسم وأمراض الروح، معتبرا الروح البشرية ثلاثية التكوين تتألف من العقل والنفس والرغبة، وتوجد على التوالي في الرأس والقلب والكبد، بحسب دراسة أهونين التي تدرس علاقة الفلسفة بالطب القديم.
ووصف أفلاطون الصرع بأنه مرض يصيب الجسم كما يصيب الروح، لكنَ ثمة ظروفا سماها "أمراضا نفسية"، إذ تؤثر الفكاهة والأبخرة الفاسدة على جميع أجزاء الروح الثلاثة، مسببةً "المزاج السيئ والإحباط والجبن والنسيان والغباء".
ومن الواضح أن الأعراض المصنفة على أنها "أمراض نفسية " في محاورة طيماوس، لها تأثير سلبي على الحياة الأخلاقية، في حين أن الصرع ربما لا يُنظر إليه على أن له مثل هذا التأثير، ومع ذلك فإن التمييز بين الاضطرابات الجسدية والنفسية غامض وغير مفهوم.
ويبدو أن هذه هي الفكرة التي يرغب أفلاطون في إيصالها، ويدعي أنه لا أحد شرير بسبب اختياره الخاص ولكن بسبب "الحالة الشريرة" للجسم والتعليم السيئ الذي تلقاه، كما تذكره دراسة أهونين المنشورة في دورية "تاريخ الطب النفسي".
أرسطو
رأى أرسطو عدم الحاجة إلى إيلاء الكثير من الاهتمام للمجانين، واعتبرهم كالأطفال الصغار "يحملون أفكارًا غريبة ولا يأخذهم أحد على محمل الجد" لكونهم غير قادرين على التفكير المنطقي، في حين يرى أن المرضى العقليين استثناء وانحراف عن قواعد الطبيعة البشرية.
ويعلّق على المزاجات النفسية التي تجعل الناس يتصرفون بطرق غير عادية، ويناقش المصابين بالهوس (العفوية العاطفية وسرعة الغضب) ممن قد يكون لديهم موهبة فنية بسبب قدرتهم على الشعور بمشاعر قوية.
وعلى عكس أفلاطون، يعزو أرسطو الموقع المادي للإدراك إلى القلب، ويجادل بأن الروح يجب أن تكون في منتصف الجسم، ويدعي أن القلب أول عضو ينمو في الجنين ويمنحه دمًا وحرارة، ويقترح -وفقًا لذلك- أن الاضطرابات العقلية تحدث في منطقة القلب، والصرع كذلك، بينما رأى فلاسفة المدرسة الرواقية أن "الجميع مجانين"، واعتبروا جنون البشرية جنونا حقيقيا، لكنه -رغم ذلك- ليس نفس جنون المرضى العقليين.
ويلاحظ أرسطو أن الأدوية تعالج الهوس وأعراضه عبر تطهير الجسم بالعقاقير والتدابير الغذائية، مما يدل على الترابط الوثيق بين الجسد والروح، وبالتالي فإن الفيلسوف لا يدعي الخبرة فيما يتعلق بمعالجة الأمراض العقلية، لكنه يعتمد على خبرة الأطباء، وهو النهج الذي اتبعه معظم الفلاسفة القدامى، بينما كان أفلاطون الرافض للأدوية استثناءً نادرًا.
اضطرابات
كانت الأمراض العقلية بالنسبة للفلاسفة القدامى اضطرابات جسدية في الرأس أو القلب أو الدماغ، وتحتاج عادة إلى علاج طبي (دواء)، وهي بذلك تبقى مختلفة عن "أمراض الروح" التي تعالج عبر العلاج الفلسفي والتنوير والضبط الذاتي للإنسان. بيد أن الخط الفاصل غير واضح في بعض الأحيان، كما هو الحال في محاورة أفلاطون وعند الطبيب اليوناني غالينوس.
وبالنظر إلى تقسيم العمل بين الأطباء والفلاسفة القدامى، فإن التمييز بين المرض العقلي والمشاكل النفسية غير الطبية يبدو واضحا للغاية نظريا، ومع ذلك هناك نقاش قليل في النصوص الفلسفية القديمة حول كيفية التمييز بين الاثنين في الممارسة العملية.
وبينما يلاحظ المؤلفون الأطباء أحيانا مسألة التمييز بين المرض العقلي والنفسي، كان الفلاسفة يرون الفرق بديهيًّا. وعلاوة على ذلك، تم اعتبار "أمراض النفس" تعبيرات عن رغبات الإنسان ومخاوفه الشائعة، في حين أن الأمراض العقلية كانت غالبًا ما تكون "غريبة" وغير مفهومة.
ولم يكن هناك أطباء نفسيون في الطب القديم كما هو الحال في الأزمنة الحديثة، لكن الفلاسفة القدماء منذ سقراط وديموقريطوس اعتبروا أنفسهم "أطباء الروح" الذين يعتنون بأمراض النفس والروح كما يعالج الأطباء أمراض الجسد.
وبخلاف العلاجات الدوائية التي يستخدمها الأطباء، صوّر الفلاسفة علاجاتهم بأنها معرفة فلسفية، فأصبحت فكرة الفلسفة كعلاج بارزة في حقبة الفلسفة الهلنستية بعد أرسطو.
وسعى المعالجون بالفلسفة إلى تحرير الناس من المخاوف والقلق بشأن الموت والحياة الأخرى، وتعليمهم القناعة والرضا البسيط بالاحتياجات الأساسية وتحقيق راحة البال.
غير أن هذه العلاجات -فيما يبدو- ركزت على القلق والسخط والمخاوف، وتجاهلت الاضطرابات المرضية التي تؤثر على صحة العقل، بحسب دراسة الأكاديمية بجامعة هلسنكي الفنلندية مارك أهونين عن الفلاسفة القدامى والمرض العقلي.
المرض في المدينة الفاضلة
أقر أفلاطون في كتاباته عن "المدينة الفاضلة" بوجود المرض العقلي، وناقش الموقف القانوني للمرضى العقلانيين، داعيا إلى تقييدهم وحبسهم في المنزل (ممارسة كانت شائعة في أثينا القديمة). واعتبر أن المجانين لا يتحملون المسؤولية عن الجرائم التي قد يرتكبونها (لكونهم مرضى لا أشرارا)، بينما ينبغي محاسبة عائلاتهم وأفراد أسرهم الذين ينبغي تغريمهم إذا فشلوا في واجب حراستهم. إلا أن الفيلسوف زينوفون المعاصر لأفلاطون دعا إلى التمييز بين المجانين فعلا وبين الحمقى.
وبخلاف القوانين، نظّر أفلاطون في محاورة "طيماوُس" التي تناول فيها موضوع الطبيعة ونشأة الكون والخالق، لضرورة التمييز بين أمراض الجسم وأمراض الروح، معتبرا الروح البشرية ثلاثية التكوين تتألف من العقل والنفس والرغبة، وتوجد على التوالي في الرأس والقلب والكبد، بحسب دراسة أهونين التي تدرس علاقة الفلسفة بالطب القديم.
ووصف أفلاطون الصرع بأنه مرض يصيب الجسم كما يصيب الروح، لكنَ ثمة ظروفا سماها "أمراضا نفسية"، إذ تؤثر الفكاهة والأبخرة الفاسدة على جميع أجزاء الروح الثلاثة، مسببةً "المزاج السيئ والإحباط والجبن والنسيان والغباء".
ومن الواضح أن الأعراض المصنفة على أنها "أمراض نفسية " في محاورة طيماوس، لها تأثير سلبي على الحياة الأخلاقية، في حين أن الصرع ربما لا يُنظر إليه على أن له مثل هذا التأثير، ومع ذلك فإن التمييز بين الاضطرابات الجسدية والنفسية غامض وغير مفهوم.
ويبدو أن هذه هي الفكرة التي يرغب أفلاطون في إيصالها، ويدعي أنه لا أحد شرير بسبب اختياره الخاص ولكن بسبب "الحالة الشريرة" للجسم والتعليم السيئ الذي تلقاه، كما تذكره دراسة أهونين المنشورة في دورية "تاريخ الطب النفسي".
أرسطو
رأى أرسطو عدم الحاجة إلى إيلاء الكثير من الاهتمام للمجانين، واعتبرهم كالأطفال الصغار "يحملون أفكارًا غريبة ولا يأخذهم أحد على محمل الجد" لكونهم غير قادرين على التفكير المنطقي، في حين يرى أن المرضى العقليين استثناء وانحراف عن قواعد الطبيعة البشرية.
ويعلّق على المزاجات النفسية التي تجعل الناس يتصرفون بطرق غير عادية، ويناقش المصابين بالهوس (العفوية العاطفية وسرعة الغضب) ممن قد يكون لديهم موهبة فنية بسبب قدرتهم على الشعور بمشاعر قوية.
وعلى عكس أفلاطون، يعزو أرسطو الموقع المادي للإدراك إلى القلب، ويجادل بأن الروح يجب أن تكون في منتصف الجسم، ويدعي أن القلب أول عضو ينمو في الجنين ويمنحه دمًا وحرارة، ويقترح -وفقًا لذلك- أن الاضطرابات العقلية تحدث في منطقة القلب، والصرع كذلك، بينما رأى فلاسفة المدرسة الرواقية أن "الجميع مجانين"، واعتبروا جنون البشرية جنونا حقيقيا، لكنه -رغم ذلك- ليس نفس جنون المرضى العقليين.
ويلاحظ أرسطو أن الأدوية تعالج الهوس وأعراضه عبر تطهير الجسم بالعقاقير والتدابير الغذائية، مما يدل على الترابط الوثيق بين الجسد والروح، وبالتالي فإن الفيلسوف لا يدعي الخبرة فيما يتعلق بمعالجة الأمراض العقلية، لكنه يعتمد على خبرة الأطباء، وهو النهج الذي اتبعه معظم الفلاسفة القدامى، بينما كان أفلاطون الرافض للأدوية استثناءً نادرًا.
اضطرابات
كانت الأمراض العقلية بالنسبة للفلاسفة القدامى اضطرابات جسدية في الرأس أو القلب أو الدماغ، وتحتاج عادة إلى علاج طبي (دواء)، وهي بذلك تبقى مختلفة عن "أمراض الروح" التي تعالج عبر العلاج الفلسفي والتنوير والضبط الذاتي للإنسان. بيد أن الخط الفاصل غير واضح في بعض الأحيان، كما هو الحال في محاورة أفلاطون وعند الطبيب اليوناني غالينوس.
وبالنظر إلى تقسيم العمل بين الأطباء والفلاسفة القدامى، فإن التمييز بين المرض العقلي والمشاكل النفسية غير الطبية يبدو واضحا للغاية نظريا، ومع ذلك هناك نقاش قليل في النصوص الفلسفية القديمة حول كيفية التمييز بين الاثنين في الممارسة العملية.
وبينما يلاحظ المؤلفون الأطباء أحيانا مسألة التمييز بين المرض العقلي والنفسي، كان الفلاسفة يرون الفرق بديهيًّا. وعلاوة على ذلك، تم اعتبار "أمراض النفس" تعبيرات عن رغبات الإنسان ومخاوفه الشائعة، في حين أن الأمراض العقلية كانت غالبًا ما تكون "غريبة" وغير مفهومة.