أربع رسائل بين قرّاء والكاتبة سان ماو

لا أستطيع مَنحكَ السعادة
عندما كنت أشعر بالضيق منذ وقت مضى، طلبتُ من صديق لي بجامعة الثقافة أن يساعدني في السؤال عن المكان الذي تتواجدين فيه، أتطلع إلى أن أستمتع بقدر من تفاؤلكِ، فيجعلني هذا ألامس لقاح السعادة، ولكن كانت النتيجة، أنني لم أتخذ هذه الخطوة، وأذهب إلى قاعة المحاضرات للبحث عنكِ؛ لذلك اضطررت إلى حمل القلم وكتابة رسالة لأدردش فيها معكِ، يبدو لي أننا متقاربان في بعض الجوانب، وأن لدينا مشاعر مماثلة، ولكن، ربما لا تحبين الأشخاص المتشابهين معكِ في الشخصية والطباع، فيكون ذلك خسارة كبيرة.
عندما أردتُ الذهاب لزيارتكِ في المرة السابقة، كان لدي دافع قوي جداً لذلك؛ وهو أنني شعرت أنه بوسعكِ إسعاد الآخرين. أريد أن أدعوكِ لتأتي للقيام ببعض الأعمال الاجتماعية (لتتحدثي مع الناس، وتستمعي إلى شكاواهم ...وأشياء من هذا القبيل)، ولكن ربما تودين إغلاق الباب عليكِ من جديد. ( لدي انطباع بأنكِ لا تحبين الاختلاط بالناس).
فأنا أريد أن أحدد موعدًا معكِ، لنتجاذب أطراف الحديث، فهل هذا ممكن؟
تشن فيي خوا
 
فيي خوا
أن يخطر ببالك البحث عني، لأن مزاجك ليس على ما يرام، فأنا أرى هذا الأمر من ناحية، أنه تقدير لي، بل وثقة بي أيضًا؛ لذلك فأنا ممنونة لكَ. ولكن ليس لهذا الأمر زاوية واحدة، يمكن أن يفسر من خلالها كل شيء. أعتقد أن الاتكال على الآخرين للحصول على السعادة هو تصرف لا يُعتمد عليه كثيراً في الحياة، فضلاً عن أنكَ قد أصبحت شخصًا ناضجًا.
إن منبع السعادة يتدفق من أعماق قلب كل إنسان، فإذا كان قلبك مغمومًا غير سعيد، فلا سبيل للآخرين أن ينتشلوك من ذلك الوضع الصعب. شكراً لكَ؛ لأنك لم تحضر إلى قاعة الدرس بجامعة الثقافة لمقابلتي، لأنني، أثناء عملي، لا يمكنني أن أشتت انتباهي لأمنحك السعادة. فمجرد أن تغدو أنتَ سعيداً، قد أصبح أنا تعيسة للغاية، لأنني قصرت في عملي وواجبي تجاه التدريس.
  
أحب كل المتواضعين والبسطاء واللطفاء، ولا يهمني كثيراً ما إذا كانت شخصياتهم متشابهة معي أم لا. تقول إنكَ تود أن تدعوني إلى القيام بأعمال اجتماعية، تريدني أن أصطحب الناس للدردشة معهم، وأن أصغي إلى ما يثقل صدورهم... إلخ، وهذا أصابني بقدر من الدهشة: لأنه على الرغم من أن كلينا غريب عن الآخر، فهذا جعلك تصدر حُكمًا مسبقًا عليّ، وتتصور أن حياتي اليومية هي عبارة عن باب موصد. ففي الواقع، لدي في الكلية ما يقرب من 160 طالباً، بالإضافة إلى العديد من الطلاب المستمعين، فإن مشاعرنا كأستاذة وطلاب عميقة وعلاقتنا وطيدة أيضًا؛ فأنا وجميع الشباب الذين أعُلّمهم، نتبادل التشجيع والحوار، قليلاً كان أو كثيرًا، بعد انتهاء المحاضرات. إن الإلهام الذي يهبني إياه الطلاب كبير جداً، فعلى ما يبدو أنني في الواقع أستفيد كثيراً أثناء عملي بالتدريس. أنا لم أعمل على الابتعاد عن هذا المجتمع، ولكن لأن قدراتي محدودة، فما أستطيع فعله هو هذه الأشياء. ولهذا السبب، اعذرني من فضلك، فأنا توقفت عن القيام بهذا العمل الاجتماعي الذي قمت باقتراحه، اتفقنا؟
تريد أن تلتقي بي لنتحدث، ولكن وقتي ضيق للغاية، فإذا لم تكن هناك ضرورة لذلك، فمن الأفضل ألا نلتقي، حسنًا؟ فلنستغل وقتنا ونستفيد منه في أمور مفيدة ولها معنى أكثر. فلنستمتع بالحياة، كما تمنيت لي. شكرًا جزيلاً لكَ، فأنا بالتأكيد أحيا بسعادة.
أتمنى لكَ دوام الصحة،
تحياتي
سان ماو
***********
انصرفي عما لا تريدينه
عزيزتي سان ماو
أنا عاملة في أحد المصانع، أشعر بالوحدة، لأنني مغتربة في سبيل السعي وراء الرزق. تَعرفتُ إلى مجموعة من الأصدقاء، ولكن في الحقيقة أن قلبي ليس راضيًا عنهم، كما أنني أشعر بداخلي بالتشتت والضياع معهم، وكذلك أشعر أن قلبي في منتهى الحيرة، ومتضارب أيضًا، تتملكني رغبة في الابتعاد عن هؤلاء الأصدقاء الذين يفتقرون إلى الأخلاق الحميدة، ولكن، لو تركتهم سأشعر بالعجز والوحدة، فأنا حقًا لا أعرف كيف أتصرف؟
خالة سان ماو، لا أدري إذا كنتِ ستوافقين أم لا على إعطائي بعض النصائح والتوجيهات بشأن هذا الأمر، لكي أستطيع أن أختار اختياراً موفقًا وصائبًا؟
مع فائق احترامي،
ماي لينغ
ماي لينغ
إذا لم يذهب السيىء، لن يأتي الحَسن.
من الأفضل ألا تتخذي أصدقاء سيئي الخُلق.
تحياتي،
سان ماو
* سان ماو كاتبة ورحالة تايوانية، لها بصمة مختلفة ومؤثرة جدًا في الأدب الصيني والتايواني. ولدت عام 1943 في الصين وتحديدًا في مدينة تشونغ تشينغ، ثم انتقلت مع والديها سنة 1948 لتعيش في تايوان. كانت سان ماو من صغرها شغوفة بالقراءة. التحقت بقسم الفلسفة بجامعة الثقافة بتايبي، ثم سافرت إلى إسبانيا للدراسة. لها أكثر من 20 كتاباً. رحلت سان ماو عام 1991، عن عمر يناهز 48 عاماً.




المترجم: ترجمتها عن الصينية : مي عاشور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...