“بسم الله الرحمن الرحيم
أخي وحبيبي غسان
ليس عيبًا أن نتبادل الغزل، ليس عيبًا أيضًا أن نطيّر قلوبنا الصغيرة الفسيفسائية في ملكوت الرومانسية. نحن بحاجة إلى ذلك الطيران الشفّاف:
لا بُدّ من نظرةٍ مُحَلّقَةٍ = يُمسَحُ فيها بالراحَةِ النَّجمُ
مهيار الديلمي يحمل في جثته ذلك المخلوق الفسيفسائي الصغير أيضًا، إنه يبحث عن ذلك الطيران الشّفاف بفاعلية ضديّة عجيبة. النظرة هي التي تنقل الجسد (فيمسح النجم براحته) باتجاه الأعلى (النجم). هل كان في زمن مهيار الديلمي صحون طائرة؟ إنّه يخترع فكرة الإنسان الطائر. نحن على علاقة ضديّة بمهيار، وإن كنّا نفكّر بالإنسان الطائر. نحن عودة مهيار إلى الأرض، رحلة السماء الصدفية المنَجّمة إلى أعماقنا. نطير نعم، لكن لنحضر إلى قلوبنا الصغيرة نجمة أو نجمتين:
مثل الحصاةِ التي يُلقى بها أبدًا إلى السماء فترقى ثم تنعكِسُ
هكذا يشبِّهنا أبو فراس الحمداني العزيز.
ليس عيبًا إذن أن نتبادل الغزل لكي نعطي وجودنا ما يحرّكه. وأنت، أقسم لك، حبيبي فعلاً… لا أتملّقك… ولا أبتزّ ناصيتي. هذه الكلمة الممنوعة من الصرف –حبيبي- هي ما وجدته فقط على نافذة القلب. الكلمة لا تتقن الاختصار، هذا صحيح. ولكنها غير عاجزة عن الطيران… هي لا شك الحقيبة الوحيدة التي تتّسع لعواطفنا و(حبيبي) هي أجود ما وجدتُ من حقائب.
لا أستطيع أن أبرّر حبّي لك. كلمة الحبّ فضاء رحب غير قابل للغزو تمامًا. مثلّث ملائكي، كمثلّث برمودا، يأسرنا دون أن يترك أي أثر لنا، أو أي تفسير له. لذلك أعترف بعجزي –غير الكامل- عن إعطاء أي سبب. أعرف، فقط، أنّ في قلبي “نسرًا صغيرًا جميلاً” ملتصقًا كاللحمة بالعظم واللحم والروح.. بدفءٍ قاتل ولذّة صلويّة رائعة. أعترف أنني أحبّك لا أكثر. هل تعرف كيف تتصرف الأرض حين ترى غيمة عاشقة؟ أنا كذلك أعرف أنني كنت أشعر بالتيارات المائية العذبة المتجهة بعكس عقارب الساعة إليك من تحت سطح المحيط. هل أنا دقيق في تعبيري تُرى؟
الحبيب غسان
بالمناسبة فرحت جدًا حين قرأت عن (طوق الحمامة) الذي انزرع في مضغة الفسيفساء الرقيقة الموجودة في قلبك أقصد في داخلك. ولكن أخشى أن تغار حبيبتك من كلماتي. على أية حال هنيئًا لكما بهذه (الحرب الدافئة). وفي الرسالة قصيدة (لغز اللّيلكة) –جديدة جدًا- أرجو إهداءها –على لسانك طبعًا لا لساني- إلى نصفك الآخر… وهي هديّتي إليك أيضًا. أترى؟ نحن نتهادى بالشعر. أنت أول إنسان يقرأ هذه القصيدة. إنني أهديك أعزّ ما لديّ. سأستطرد قليلاً لأخبرك أن هذه القصيدة ولدت بعد أن وصلت إليّ رسالتان غراميّتان من الأردن – الزرقاء، دون اسم ولا عنوان! بنت الحلال هذه التي جادت عليّ بشعري هي حقًا (جندي مجهول) أم تراها مخلوق فضائي؟ أنا مسكون هذه الأيام بمخلوقات الفضاء.
أعود والعود أحمد…
فوجئت بقولك إنّك لم تقرأ رسالتي. الرسالة التي بعثتها يا أخي هي للجميع. أوّل رسالة أذكر أنني بدأتها ب(إخوتي الأحبّاء) أو ما شابه ذلك. إنّها لك أيضًا ومن حقّك أن تقرأها. وهي لكلّ الشباب الذين أحببتهم، بعكس رسالتي هذه التي أكتبها إليك وحدك.
لقد كتبت تلك الرسالة وأنا أخشى أن أترك في نفوس الذين أحببتهم بكلّ إحداثيّاتهم، شعورًا كشعوري تجاه فؤاد السنّي العاقّ. إنني أخاف أن أكون عاقًا لأحد ممّن أحبّ. لكنني اخترت (معن البيّاري) لكونه صلة بين اليرموك والرصيفة عدا عن كونه ممّن أحبّ أيضًا. هذا لا يعني أن الرسالة له فقط. إنّه رسول آخر إليك وإليه وإليه… وإليه وإليكم – إليهم جميعًا أيّها الحضور الغائبون.
لا بأس الآن أن أخبرك عن اليمن السعيد. نحن هنا في كوكب آخر. كوكب له أوكسجينه الخاص واستدارته الخاصّة. أنت بلا شك، تستطيع أن تتعرّف في اليمن، إلى أطلنطة المفقودة. وتستطيع أن تقرأ التاريخ مباشرة… هنا ما يزال الناس يتحدّثون عن الطوفان والسفينة فيما أظن. لولا الحرام لأقسمت على ذلك.
سافرت قبل مدة إلى مدينة اسمها (الحديدة). لا أزعم أنّني ركبت طائرة من نوع (بيجو هي الأسد)! ولكنّ الطريق، معظم الطريق كانت فوق الغيم… جبال شاقوليّة تذكّرني بوصف القرآن الكريم (وجعلنا الجبال أوتادا). الأفق في اليمن هو ما تنظر إليه فوقك لا ما تراه أمامك صدقًا. كانت الغيوم في كثير من الأحيان تكون تحتنا. ساعة كاملة بسرعة 100كم/ساعة استغرق اجتياز أحد الجبال ويسمّى (مناخة)، ونظرة واحدة تكفي لجعلك تتقيّأ كل ما في جوفك من الرعب. فالتحت بالنسبة لك بعيد جدًا، ولو سقطت، فربّما.. ربّما تصل /ساقطًا/ بعد ما لا يقلّ عن عشر دقائق. الغريب في الأمر هو أن اليمنيين المجانين حقًا يختارون القمم العالية جدًا ليبنوا بيوتهم عليها، والأمر الذي لا تجد له تفسيرًا هو كيف يصل هؤلاء إلى بيوتهم؟ بل كيف وصلت البيوت أصلا إلى تلك الأماكن؟
الجبال هنا درج طويل جدًا إلى السماء. لكنّ اليمنيين لا يستطيعون أن يتفاهموا مع ذلك الدرج دون (القات) وما أدراك ما القات؟ إنهم أرضيّون جدًا، ويؤرّضون كلّ شيء حتى أحلامهم. حتى مشاعرهم. والقات هو الأرض بالنسبة إليهم… شجرة يشبه ورقها ورق اللوز… هذا الورق أغلى من الريال اليمني … إنه البديل المفترس للبنّ، لا بنّ في اليمن الآن.. فيها القات هو الملك!
بعد عصر كل يوم يتفرّغ الشعب اليمني كلّه لمضغ هذا الورق اللّعين.. وحين يتفله بعد امتصاص عصارته، يتفل ما لا يختلف كثيرًا عن روث البهائم… الشكل والتكوين واللون نفسه لروث بهيمة مصابة بالإسهال… مملكة القات… واستعمار جديد للغاية… استعمار أخضر نباتي هذه المرة. يا للهول!
أما المرأة هنا، فقد تعجب إذا قلت لك إنّها الدكتاتور المحبوب المتسلِّط في كلّ خلايا الكائن اليمنيّ، رغم تلبّس (الشروش) السوداء بحيث لا يبين إلا العينين… أجمل ما في اليمن هو عينا المرأة … يا إلهي … نبعتان صغيرتان لؤلؤيّتان في محيط أسود… يا إلهي… يا إلهي… لم أر شيئًا حضاريًا في اليمن سوى عيني المرأة والجبال!
لا أريد أن أحدّثك عن سيئات اليمن… يكفي أن أتذكّر ما أحببت … يكفي أن أرصد ذاكرتي لكل بلقيس أراها ولا أراها.
ولكن في المقابل يكفي أن أقول لك إنّ أعظم سيّئات اليمن هو الجفاف، وأنا بصفتي مضمونًا يمنيًا الآن، أكاد أجفّ. منذ أن وصلت إلى هنا وأنا (أرجوحة الصمت أنا / وخندق الفراغ)، لكنّني في الأسبوعين الأخيرين كتبت بعض المقاطع القصيرة… هل هي إذن فترة تأمل باطني؟ أرجو ذلك فأنا بغير الشعر أموت. إنه رئتي الوحيدة.
على أيّة حال. لقد قرأت كثيرًا خلال هذه الفترة. ديوان يوسف الخال / ديوان البيّاتي / ديوان الزبيري / إناء لأزهار سارا-محمد القيسي / الخروج من سلاسل مؤاب-عبد الله رضوان / تغريبة بني فلسطين –وليد سيف / أشعار للمرأة الصعبة – حسن اللوزي / ديوان الشعر العربي، 3 مجلدات- أدونيس / دفاتر فلسطينية – معين بسيسو / البابا الأخضر – استورياس / عبّاد الشمس – سحر خليفة / ثورة الزنج – محمد عمارة / الجبل الصغير – إلياس خوري / دمشق الحرائق – زكريا تامر/ لن – أنسي الحاج / مثلّث برمودا – وليم كونترا / عيار الشعر –ابن طباطبا / المنهج والمصطلح- خلدون الشمعة / عملاق ماروسي – هنري ميللر / الإيديولوجية –ميشيل فاديه …. وغيرها, وأنا الآن أحاول أن أكوّن أرضية جيّدة، فيما أرجو، حول الإبستمولوجيا والأيديولوجيا وعلاقة كل من المفهومين بالأدب.. لديّ كتب .. حوالي 6 كتب عن ذلك.
إيه يا غسّان… لقد اشتقت إلى الهواء.. كنت أتنفس حين كنّا نقضي معًا ساعات (نفتّت اللحظات)… نتحدّث في أي شيء دون أن نبتعد كثيرًا عن الشعر والأدب، يفتخر الواحد منا بأنه قرأ الكتاب الفلاني قبل الآخرين. ولا نكتفي بذلك. الكتاب الحقيقي ليس هو الذي قرأناه، ولكن الذي فهمناه من خلال القراءات الجماعية –النقاشات- التي كنا نحتفل بها… لقد كنّا… آه يا عزيزي إن (كان) هذه في خيالي فعلٌ ماضٍ تامّ تمامًا، وكذب النحاة ولو صدقوا. أنتم الذين كنتم تكتبون الشعر بأصابعي ليس إلا. أنا كنت رحمًا شعريًا ليس إلاّ، مخلصًا للشعر كما كنت تقول لي. ويبدو أنّ للشعر طقسه ومناخه الخاصّ. أنتم كنتم مناخًا شعريًا. أحسّ الآن أنني أنقضُّ كالجدار القديم ولا أترك إلاّ الغبار، لأنّني لا أجد من أتحدّث معه في الشعر
(والشعر فرْجٌ ليست خصيصتُه طولَ الليالي إلاّ لمفترعِهْ)
كما يقول أبو تمام. لا بُدّ من الممارسة لكي نتذوّق، وإلاّ فأنت مُنظّرٌ فقط.
هل حان الوقت للقصيدة الأولى؟
لغز اللّيلكة(«)
(إلى غسّان وعرّابته الرائعين)
ومن أنتِ أيّتها اللّيلكَة؟
على شفتي الآن حبرُ الطفولةِ،
والشمسُ،
والفرحُ المفترسْ.
ومن أنتِ أيّتها الليلكَةْ؟
ومن أنتِ،
يا رشفةَ الضوْءِ في لُغَتي
أنتِ يا نكهةَ الزنجبيلْ؟
دمٌ يتقافز في الصدر،
كالفرس المنهكةْ.
ويرتاحُ في عرباتِ الصهيلْ.
-فمن أنتِ؟
من أنتِ يا ليلكة؟
****
تجيئين سرًّا إلى الكلماتِ،
فأشعُرُ أنّ المكان امرأةْ.
وأشعلُ في الليل نبضي،
وقيثارتي،
وبخورَ الرئةْ.
تجيئين في المطر المتسلّل بين الشرايين،
في طيران النّجوم الشكِسْ.
محمّلة بالطفولة،
والشمسِ،
والفرح المفترسْ.
فمن أنتِ يا سمكًا لا أراهْ؟
تباغتُني رذاذ المصابيحِ، عيناكِ،
أو في انصهار الشفاهْ.
وتبني على جسدي مملكةْ
فمن أنتِ،
من أنتِ،
من أنتِ أيّتها اللّيلكَةْ؟
***
الجمعة: 22/2/1985 – صنعاء.
لديّ رغبة الآن في أن أتكلّم حول قصيدتك. هي بلا شك مدٌّ في حياتك الشعرية. لا أجاملك كما لن أخدعك. أنت الآن تمتلك الوزن جيّدًا، أستدل على ذلك بالزحافات الدقيقة التي لا يتجاوزها إلاّ شاعر… مثل (فتنساب…) مفاعيلُ… إذن أنت الآن تمسك بطرف من الإيقاع. والإيقاع، يا غسّان، “بناء ثالوثي”.. وليس ثنائيًا كما يظنّ ممتهنو الكتابة (الجوفائيّون) حسب تسميتك… إنّها ليست إيقاع الشكل وإيقاع الكلمة فحسب… إن البنية الإيقاعيّة تحتوي طرفًا ثالثًا مهمًّا جدًّا هو إيقاع البنية، وهذا الطرف بالذات هو ما تمسّك به -وهمًا- دعاة قصيدة النثر أمثال أنسي الحاج وشوقي أبي شقرا. أنت بلا شك تمسك بالطرف الثاني أيضًا… إيقاع المفردة… كلمات نافورية فسفوريّة جميلة تنجح في تكوين نسق إيقاعيّ ما… وإيقاع الكلمة، كما تعلم، هو هذا الفيض الروحي الذي تختزنه الكلمة… وهذه التداعيات الذاكراتيّة في ذاكرة الكلمة انبثاقًا من حصادها التاريخي باتّجاه الشكل (مجموع حروفها المكوّنة). فمثلاً كلمة (أعتّق)، بصيغتها المعجميّة أساسًا، تحمل في ذاكرتها، مما يحضرني الآن، ثلاثة روافد… أو تداعيات… الأوّل يقترن بالخمرة… والثاني بالقِدَم الإحيائي لا التدميريّ… والثالث بمعنى الإطلاق والتحرير من (أعتق/حرّر) … هذا الفيض الذاكراتي يجتمع كلّه الآن في كلمة… ويتدفق باتجاه شكلها الكتابي (الهمزة؛ العين؛ التاء؛ التضعيف؛ القاف).
هناك مقطع لي بعنوان (الوقت):
في رئتي فقاعةُ الوقت وفي دماغي.
أرجوحةُ الصمت أنا،
وخندقُ الفراغِ
ولحظةً فلحظةً
يسّاقط الفضاءُ كالرّموشِ.
تنفقئُ الفقاعةْ.
تختلط الطعنةُ بالدَمِّ،
ويبقى خنجر الجيوش.
ولحظةً فلحظةً تنفقئُ الفقاعةْ.
وتمّحي كرّاسة النهار،
في أظافرِ الخريفِ
أرجوحة الصمتِ أنا،
وكاهن النزيف.
يغتالني صمتي، ويمضي،
… تُقبلُ التعازي.
في أيّ بيتٍ أبيضٍ،
شارك في الدفن … أو الجَنازِ.
الثلاثاء: 12/3/1985 – صنعاء.
ومقطع أخير لي بلا عنوان حتّى الآن:
أجتاح في انقضاضي.
أسطورة الأبيض والبياضِ.
وعندما تكتملُ السَّكينَةْ.
وتصبح الموجةُ نقشًا عاريًا،
في جسد السفينةْ.
أجمع نبضي كُلّه في طلقةِ المخاضِ.
وأبدأ انتفاضي.
***
الثلاثاء: 12/3/1985 – صنعاء.
لا شك أنني أطلت، ولكن لا بدّ أن أتحدّث حول بحثك في قصيدة السيّاب؛ أتساءل أولاً: لماذا السيّاب؟ ولماذا أنشودة المطر؟ لمَ لا تفكّر مثلاً في أمل دنقل، الفيتوري، وليد سيف، محمّد القيسي مثلاً أو محمّد علي شمس الدين؟ السياب قُتِلَ دراسة وأبحاثًا واستُهلِك.. ثمّ إنّه فيما أعتقد ليس متميزًا كثيرًا… إنّ دوره التاريخي هو صاحب الفضل في شهرته… قد نختلف لكن بحقّ أحسّ أن أيّ واحد من هؤلاء، يمكن أن يتميز عن السياب ولك الخيار.
في ما يتعلّق بمنهج البحث… أقول لك بصراحة: لا تحبس نفسك في المدارس النقديّة؛ اتكئ فقط على المدارس ولا تغرق فيها… هؤلاء الذين أوجدوا البنيوية مثلاً ليسوا آلهة؛ وبوضوح أقول لك إننا مثلهم بل لم لا نتميز عنهم حتّى؟ حاول أن تشتقّ مصطلحاتك الخاصة مستفيدًا من المدارس. هنالك مثلاً قضية التداعيات التي حدّثتك عنها في استقراء قصيدتك. هذه لم أقرأها ولم آخذها من أي منهج. قد تكون موجودة باصطلاح آخر لكنني على الأقل لم أعلم بعد، ولذا فإنني أعتبرها كلمتي ومصطلحي الخاص. يمكنك أنت أيضًا أن توجد مصطلحاتك. هناك أيضًا مصطلح آخر قبسته من حضارتنا الإسلامية، نعم حضارتنا دون شك، هو (التقابليّة) التي تشابه من حيث التعريف مصطلحًا نفسيًا هو (Parrallalism). مصطلحي قائم على فكرة التطابق بين خلايا النص. التضاد -وهو مصطلح بنيوي (Paradox)- موجود فعلاً، لكن فاعليته تكمن في كونه رافدًا من روافد التطابق لا التنافر. فالتضاد هو بعدٌ لغوي جزئي، بينما التطابق هو بعدُ النصّ بأكمله لا مجال للشرح. نؤجل ذلك إلى اللقاء.
وأخيرًا
قبلاتي لك وتهانينا يا عم لك ولعرّابتك الصغيرة. قبلاتي وتحيّاتي لجميع الأخوة… عبد الكريم ومعن ومحمّد فرحان والجميع … الجميع يا غسّان. أرجوك بلّغهم حبّي واشتياقي وتحيّاتي إليهم… وأخصّ عبد الكريم إذا كنت تراه. بلّغه أنّني سأنتظر رسالة منه.. أنا مشتاق بحق إليه.. ومعن أيضًا… يبدو أنّه يريد أن يكون عاقًا… قل له أين جواب رسالتي؟
تحيّاتي وحبّي لكم جميعًا. راسلوني لا تقطعوني.. غسّان يا نسري الحبيب الصغير… أكون شاكرًا لك فعلاً لو تكرّمت عليّ برسالة أخرى… أنت لا تعلم مدى فرحي برسالتك.. والسلام.
أخوك زهير
صنعاء – الجمعة 15/3/85″
أخي وحبيبي غسان
ليس عيبًا أن نتبادل الغزل، ليس عيبًا أيضًا أن نطيّر قلوبنا الصغيرة الفسيفسائية في ملكوت الرومانسية. نحن بحاجة إلى ذلك الطيران الشفّاف:
لا بُدّ من نظرةٍ مُحَلّقَةٍ = يُمسَحُ فيها بالراحَةِ النَّجمُ
مهيار الديلمي يحمل في جثته ذلك المخلوق الفسيفسائي الصغير أيضًا، إنه يبحث عن ذلك الطيران الشّفاف بفاعلية ضديّة عجيبة. النظرة هي التي تنقل الجسد (فيمسح النجم براحته) باتجاه الأعلى (النجم). هل كان في زمن مهيار الديلمي صحون طائرة؟ إنّه يخترع فكرة الإنسان الطائر. نحن على علاقة ضديّة بمهيار، وإن كنّا نفكّر بالإنسان الطائر. نحن عودة مهيار إلى الأرض، رحلة السماء الصدفية المنَجّمة إلى أعماقنا. نطير نعم، لكن لنحضر إلى قلوبنا الصغيرة نجمة أو نجمتين:
مثل الحصاةِ التي يُلقى بها أبدًا إلى السماء فترقى ثم تنعكِسُ
هكذا يشبِّهنا أبو فراس الحمداني العزيز.
ليس عيبًا إذن أن نتبادل الغزل لكي نعطي وجودنا ما يحرّكه. وأنت، أقسم لك، حبيبي فعلاً… لا أتملّقك… ولا أبتزّ ناصيتي. هذه الكلمة الممنوعة من الصرف –حبيبي- هي ما وجدته فقط على نافذة القلب. الكلمة لا تتقن الاختصار، هذا صحيح. ولكنها غير عاجزة عن الطيران… هي لا شك الحقيبة الوحيدة التي تتّسع لعواطفنا و(حبيبي) هي أجود ما وجدتُ من حقائب.
لا أستطيع أن أبرّر حبّي لك. كلمة الحبّ فضاء رحب غير قابل للغزو تمامًا. مثلّث ملائكي، كمثلّث برمودا، يأسرنا دون أن يترك أي أثر لنا، أو أي تفسير له. لذلك أعترف بعجزي –غير الكامل- عن إعطاء أي سبب. أعرف، فقط، أنّ في قلبي “نسرًا صغيرًا جميلاً” ملتصقًا كاللحمة بالعظم واللحم والروح.. بدفءٍ قاتل ولذّة صلويّة رائعة. أعترف أنني أحبّك لا أكثر. هل تعرف كيف تتصرف الأرض حين ترى غيمة عاشقة؟ أنا كذلك أعرف أنني كنت أشعر بالتيارات المائية العذبة المتجهة بعكس عقارب الساعة إليك من تحت سطح المحيط. هل أنا دقيق في تعبيري تُرى؟
الحبيب غسان
بالمناسبة فرحت جدًا حين قرأت عن (طوق الحمامة) الذي انزرع في مضغة الفسيفساء الرقيقة الموجودة في قلبك أقصد في داخلك. ولكن أخشى أن تغار حبيبتك من كلماتي. على أية حال هنيئًا لكما بهذه (الحرب الدافئة). وفي الرسالة قصيدة (لغز اللّيلكة) –جديدة جدًا- أرجو إهداءها –على لسانك طبعًا لا لساني- إلى نصفك الآخر… وهي هديّتي إليك أيضًا. أترى؟ نحن نتهادى بالشعر. أنت أول إنسان يقرأ هذه القصيدة. إنني أهديك أعزّ ما لديّ. سأستطرد قليلاً لأخبرك أن هذه القصيدة ولدت بعد أن وصلت إليّ رسالتان غراميّتان من الأردن – الزرقاء، دون اسم ولا عنوان! بنت الحلال هذه التي جادت عليّ بشعري هي حقًا (جندي مجهول) أم تراها مخلوق فضائي؟ أنا مسكون هذه الأيام بمخلوقات الفضاء.
أعود والعود أحمد…
فوجئت بقولك إنّك لم تقرأ رسالتي. الرسالة التي بعثتها يا أخي هي للجميع. أوّل رسالة أذكر أنني بدأتها ب(إخوتي الأحبّاء) أو ما شابه ذلك. إنّها لك أيضًا ومن حقّك أن تقرأها. وهي لكلّ الشباب الذين أحببتهم، بعكس رسالتي هذه التي أكتبها إليك وحدك.
لقد كتبت تلك الرسالة وأنا أخشى أن أترك في نفوس الذين أحببتهم بكلّ إحداثيّاتهم، شعورًا كشعوري تجاه فؤاد السنّي العاقّ. إنني أخاف أن أكون عاقًا لأحد ممّن أحبّ. لكنني اخترت (معن البيّاري) لكونه صلة بين اليرموك والرصيفة عدا عن كونه ممّن أحبّ أيضًا. هذا لا يعني أن الرسالة له فقط. إنّه رسول آخر إليك وإليه وإليه… وإليه وإليكم – إليهم جميعًا أيّها الحضور الغائبون.
لا بأس الآن أن أخبرك عن اليمن السعيد. نحن هنا في كوكب آخر. كوكب له أوكسجينه الخاص واستدارته الخاصّة. أنت بلا شك، تستطيع أن تتعرّف في اليمن، إلى أطلنطة المفقودة. وتستطيع أن تقرأ التاريخ مباشرة… هنا ما يزال الناس يتحدّثون عن الطوفان والسفينة فيما أظن. لولا الحرام لأقسمت على ذلك.
سافرت قبل مدة إلى مدينة اسمها (الحديدة). لا أزعم أنّني ركبت طائرة من نوع (بيجو هي الأسد)! ولكنّ الطريق، معظم الطريق كانت فوق الغيم… جبال شاقوليّة تذكّرني بوصف القرآن الكريم (وجعلنا الجبال أوتادا). الأفق في اليمن هو ما تنظر إليه فوقك لا ما تراه أمامك صدقًا. كانت الغيوم في كثير من الأحيان تكون تحتنا. ساعة كاملة بسرعة 100كم/ساعة استغرق اجتياز أحد الجبال ويسمّى (مناخة)، ونظرة واحدة تكفي لجعلك تتقيّأ كل ما في جوفك من الرعب. فالتحت بالنسبة لك بعيد جدًا، ولو سقطت، فربّما.. ربّما تصل /ساقطًا/ بعد ما لا يقلّ عن عشر دقائق. الغريب في الأمر هو أن اليمنيين المجانين حقًا يختارون القمم العالية جدًا ليبنوا بيوتهم عليها، والأمر الذي لا تجد له تفسيرًا هو كيف يصل هؤلاء إلى بيوتهم؟ بل كيف وصلت البيوت أصلا إلى تلك الأماكن؟
الجبال هنا درج طويل جدًا إلى السماء. لكنّ اليمنيين لا يستطيعون أن يتفاهموا مع ذلك الدرج دون (القات) وما أدراك ما القات؟ إنهم أرضيّون جدًا، ويؤرّضون كلّ شيء حتى أحلامهم. حتى مشاعرهم. والقات هو الأرض بالنسبة إليهم… شجرة يشبه ورقها ورق اللوز… هذا الورق أغلى من الريال اليمني … إنه البديل المفترس للبنّ، لا بنّ في اليمن الآن.. فيها القات هو الملك!
بعد عصر كل يوم يتفرّغ الشعب اليمني كلّه لمضغ هذا الورق اللّعين.. وحين يتفله بعد امتصاص عصارته، يتفل ما لا يختلف كثيرًا عن روث البهائم… الشكل والتكوين واللون نفسه لروث بهيمة مصابة بالإسهال… مملكة القات… واستعمار جديد للغاية… استعمار أخضر نباتي هذه المرة. يا للهول!
أما المرأة هنا، فقد تعجب إذا قلت لك إنّها الدكتاتور المحبوب المتسلِّط في كلّ خلايا الكائن اليمنيّ، رغم تلبّس (الشروش) السوداء بحيث لا يبين إلا العينين… أجمل ما في اليمن هو عينا المرأة … يا إلهي … نبعتان صغيرتان لؤلؤيّتان في محيط أسود… يا إلهي… يا إلهي… لم أر شيئًا حضاريًا في اليمن سوى عيني المرأة والجبال!
لا أريد أن أحدّثك عن سيئات اليمن… يكفي أن أتذكّر ما أحببت … يكفي أن أرصد ذاكرتي لكل بلقيس أراها ولا أراها.
ولكن في المقابل يكفي أن أقول لك إنّ أعظم سيّئات اليمن هو الجفاف، وأنا بصفتي مضمونًا يمنيًا الآن، أكاد أجفّ. منذ أن وصلت إلى هنا وأنا (أرجوحة الصمت أنا / وخندق الفراغ)، لكنّني في الأسبوعين الأخيرين كتبت بعض المقاطع القصيرة… هل هي إذن فترة تأمل باطني؟ أرجو ذلك فأنا بغير الشعر أموت. إنه رئتي الوحيدة.
على أيّة حال. لقد قرأت كثيرًا خلال هذه الفترة. ديوان يوسف الخال / ديوان البيّاتي / ديوان الزبيري / إناء لأزهار سارا-محمد القيسي / الخروج من سلاسل مؤاب-عبد الله رضوان / تغريبة بني فلسطين –وليد سيف / أشعار للمرأة الصعبة – حسن اللوزي / ديوان الشعر العربي، 3 مجلدات- أدونيس / دفاتر فلسطينية – معين بسيسو / البابا الأخضر – استورياس / عبّاد الشمس – سحر خليفة / ثورة الزنج – محمد عمارة / الجبل الصغير – إلياس خوري / دمشق الحرائق – زكريا تامر/ لن – أنسي الحاج / مثلّث برمودا – وليم كونترا / عيار الشعر –ابن طباطبا / المنهج والمصطلح- خلدون الشمعة / عملاق ماروسي – هنري ميللر / الإيديولوجية –ميشيل فاديه …. وغيرها, وأنا الآن أحاول أن أكوّن أرضية جيّدة، فيما أرجو، حول الإبستمولوجيا والأيديولوجيا وعلاقة كل من المفهومين بالأدب.. لديّ كتب .. حوالي 6 كتب عن ذلك.
إيه يا غسّان… لقد اشتقت إلى الهواء.. كنت أتنفس حين كنّا نقضي معًا ساعات (نفتّت اللحظات)… نتحدّث في أي شيء دون أن نبتعد كثيرًا عن الشعر والأدب، يفتخر الواحد منا بأنه قرأ الكتاب الفلاني قبل الآخرين. ولا نكتفي بذلك. الكتاب الحقيقي ليس هو الذي قرأناه، ولكن الذي فهمناه من خلال القراءات الجماعية –النقاشات- التي كنا نحتفل بها… لقد كنّا… آه يا عزيزي إن (كان) هذه في خيالي فعلٌ ماضٍ تامّ تمامًا، وكذب النحاة ولو صدقوا. أنتم الذين كنتم تكتبون الشعر بأصابعي ليس إلا. أنا كنت رحمًا شعريًا ليس إلاّ، مخلصًا للشعر كما كنت تقول لي. ويبدو أنّ للشعر طقسه ومناخه الخاصّ. أنتم كنتم مناخًا شعريًا. أحسّ الآن أنني أنقضُّ كالجدار القديم ولا أترك إلاّ الغبار، لأنّني لا أجد من أتحدّث معه في الشعر
(والشعر فرْجٌ ليست خصيصتُه طولَ الليالي إلاّ لمفترعِهْ)
كما يقول أبو تمام. لا بُدّ من الممارسة لكي نتذوّق، وإلاّ فأنت مُنظّرٌ فقط.
هل حان الوقت للقصيدة الأولى؟
لغز اللّيلكة(«)
(إلى غسّان وعرّابته الرائعين)
ومن أنتِ أيّتها اللّيلكَة؟
على شفتي الآن حبرُ الطفولةِ،
والشمسُ،
والفرحُ المفترسْ.
ومن أنتِ أيّتها الليلكَةْ؟
ومن أنتِ،
يا رشفةَ الضوْءِ في لُغَتي
أنتِ يا نكهةَ الزنجبيلْ؟
دمٌ يتقافز في الصدر،
كالفرس المنهكةْ.
ويرتاحُ في عرباتِ الصهيلْ.
-فمن أنتِ؟
من أنتِ يا ليلكة؟
****
تجيئين سرًّا إلى الكلماتِ،
فأشعُرُ أنّ المكان امرأةْ.
وأشعلُ في الليل نبضي،
وقيثارتي،
وبخورَ الرئةْ.
تجيئين في المطر المتسلّل بين الشرايين،
في طيران النّجوم الشكِسْ.
محمّلة بالطفولة،
والشمسِ،
والفرح المفترسْ.
فمن أنتِ يا سمكًا لا أراهْ؟
تباغتُني رذاذ المصابيحِ، عيناكِ،
أو في انصهار الشفاهْ.
وتبني على جسدي مملكةْ
فمن أنتِ،
من أنتِ،
من أنتِ أيّتها اللّيلكَةْ؟
***
الجمعة: 22/2/1985 – صنعاء.
لديّ رغبة الآن في أن أتكلّم حول قصيدتك. هي بلا شك مدٌّ في حياتك الشعرية. لا أجاملك كما لن أخدعك. أنت الآن تمتلك الوزن جيّدًا، أستدل على ذلك بالزحافات الدقيقة التي لا يتجاوزها إلاّ شاعر… مثل (فتنساب…) مفاعيلُ… إذن أنت الآن تمسك بطرف من الإيقاع. والإيقاع، يا غسّان، “بناء ثالوثي”.. وليس ثنائيًا كما يظنّ ممتهنو الكتابة (الجوفائيّون) حسب تسميتك… إنّها ليست إيقاع الشكل وإيقاع الكلمة فحسب… إن البنية الإيقاعيّة تحتوي طرفًا ثالثًا مهمًّا جدًّا هو إيقاع البنية، وهذا الطرف بالذات هو ما تمسّك به -وهمًا- دعاة قصيدة النثر أمثال أنسي الحاج وشوقي أبي شقرا. أنت بلا شك تمسك بالطرف الثاني أيضًا… إيقاع المفردة… كلمات نافورية فسفوريّة جميلة تنجح في تكوين نسق إيقاعيّ ما… وإيقاع الكلمة، كما تعلم، هو هذا الفيض الروحي الذي تختزنه الكلمة… وهذه التداعيات الذاكراتيّة في ذاكرة الكلمة انبثاقًا من حصادها التاريخي باتّجاه الشكل (مجموع حروفها المكوّنة). فمثلاً كلمة (أعتّق)، بصيغتها المعجميّة أساسًا، تحمل في ذاكرتها، مما يحضرني الآن، ثلاثة روافد… أو تداعيات… الأوّل يقترن بالخمرة… والثاني بالقِدَم الإحيائي لا التدميريّ… والثالث بمعنى الإطلاق والتحرير من (أعتق/حرّر) … هذا الفيض الذاكراتي يجتمع كلّه الآن في كلمة… ويتدفق باتجاه شكلها الكتابي (الهمزة؛ العين؛ التاء؛ التضعيف؛ القاف).
هناك مقطع لي بعنوان (الوقت):
في رئتي فقاعةُ الوقت وفي دماغي.
أرجوحةُ الصمت أنا،
وخندقُ الفراغِ
ولحظةً فلحظةً
يسّاقط الفضاءُ كالرّموشِ.
تنفقئُ الفقاعةْ.
تختلط الطعنةُ بالدَمِّ،
ويبقى خنجر الجيوش.
ولحظةً فلحظةً تنفقئُ الفقاعةْ.
وتمّحي كرّاسة النهار،
في أظافرِ الخريفِ
أرجوحة الصمتِ أنا،
وكاهن النزيف.
يغتالني صمتي، ويمضي،
… تُقبلُ التعازي.
في أيّ بيتٍ أبيضٍ،
شارك في الدفن … أو الجَنازِ.
الثلاثاء: 12/3/1985 – صنعاء.
ومقطع أخير لي بلا عنوان حتّى الآن:
أجتاح في انقضاضي.
أسطورة الأبيض والبياضِ.
وعندما تكتملُ السَّكينَةْ.
وتصبح الموجةُ نقشًا عاريًا،
في جسد السفينةْ.
أجمع نبضي كُلّه في طلقةِ المخاضِ.
وأبدأ انتفاضي.
***
الثلاثاء: 12/3/1985 – صنعاء.
لا شك أنني أطلت، ولكن لا بدّ أن أتحدّث حول بحثك في قصيدة السيّاب؛ أتساءل أولاً: لماذا السيّاب؟ ولماذا أنشودة المطر؟ لمَ لا تفكّر مثلاً في أمل دنقل، الفيتوري، وليد سيف، محمّد القيسي مثلاً أو محمّد علي شمس الدين؟ السياب قُتِلَ دراسة وأبحاثًا واستُهلِك.. ثمّ إنّه فيما أعتقد ليس متميزًا كثيرًا… إنّ دوره التاريخي هو صاحب الفضل في شهرته… قد نختلف لكن بحقّ أحسّ أن أيّ واحد من هؤلاء، يمكن أن يتميز عن السياب ولك الخيار.
في ما يتعلّق بمنهج البحث… أقول لك بصراحة: لا تحبس نفسك في المدارس النقديّة؛ اتكئ فقط على المدارس ولا تغرق فيها… هؤلاء الذين أوجدوا البنيوية مثلاً ليسوا آلهة؛ وبوضوح أقول لك إننا مثلهم بل لم لا نتميز عنهم حتّى؟ حاول أن تشتقّ مصطلحاتك الخاصة مستفيدًا من المدارس. هنالك مثلاً قضية التداعيات التي حدّثتك عنها في استقراء قصيدتك. هذه لم أقرأها ولم آخذها من أي منهج. قد تكون موجودة باصطلاح آخر لكنني على الأقل لم أعلم بعد، ولذا فإنني أعتبرها كلمتي ومصطلحي الخاص. يمكنك أنت أيضًا أن توجد مصطلحاتك. هناك أيضًا مصطلح آخر قبسته من حضارتنا الإسلامية، نعم حضارتنا دون شك، هو (التقابليّة) التي تشابه من حيث التعريف مصطلحًا نفسيًا هو (Parrallalism). مصطلحي قائم على فكرة التطابق بين خلايا النص. التضاد -وهو مصطلح بنيوي (Paradox)- موجود فعلاً، لكن فاعليته تكمن في كونه رافدًا من روافد التطابق لا التنافر. فالتضاد هو بعدٌ لغوي جزئي، بينما التطابق هو بعدُ النصّ بأكمله لا مجال للشرح. نؤجل ذلك إلى اللقاء.
وأخيرًا
قبلاتي لك وتهانينا يا عم لك ولعرّابتك الصغيرة. قبلاتي وتحيّاتي لجميع الأخوة… عبد الكريم ومعن ومحمّد فرحان والجميع … الجميع يا غسّان. أرجوك بلّغهم حبّي واشتياقي وتحيّاتي إليهم… وأخصّ عبد الكريم إذا كنت تراه. بلّغه أنّني سأنتظر رسالة منه.. أنا مشتاق بحق إليه.. ومعن أيضًا… يبدو أنّه يريد أن يكون عاقًا… قل له أين جواب رسالتي؟
تحيّاتي وحبّي لكم جميعًا. راسلوني لا تقطعوني.. غسّان يا نسري الحبيب الصغير… أكون شاكرًا لك فعلاً لو تكرّمت عليّ برسالة أخرى… أنت لا تعلم مدى فرحي برسالتك.. والسلام.
أخوك زهير
صنعاء – الجمعة 15/3/85″