( شوقي بزيع \ رئيس لجنة التحكيم / لبنان )
إذا كان الشعر , وفْق بعضِ النقاد , هو ما يتبقّى من النصّ المنظوم بعد تحويلهِ الى نثر , أو هو ما يتبقى من اللغة بعد تخليصها من الزوائد , فإن الروايةَ من بعض زواياها هي ما يتبقى من التاريخ بعد تخليصِ الحقيقةِ من عهدةِ المزوّرين , ومنتحلي الصفة , وكتبةِ التقاريرِ الرسمية . وليس ضرباً من ضروب المصادفة أن تحتلّ الروايةُ , تبعاً ذلك , تلك المنزلةَ المتقدمةَ التي بلغتْها خلال العقودِ المنصرمةِ من الزمن , بل إن الأمرَ مرتبطٌ بقدرة هذا النوع الأدبيّ على تلبية حاجة البشرِ الى اكتشاف ملامحهمْ في مرايا المتخيَّل السرديّ , أوالبحثِ عن مخارجَ ملائمةٍ لعلاقتهم المأزومة بالواقع ,عبر حيواتٍ افتراضيةٍ موازية , يمكنهم التماهي معها في لحظاتِ السعادةِ والظفَر , ويمكنهم بالمقابل أن يتنصّلوا منها في لحظاتِ الخيبةِ والهلاك وانسدادِ الأفق .
وفيما تملك الروايةُ , متسلحةً بخفّة النثر , أن تتعقبَ أكثر من أي فنّ آخر , المصائرَ المهملةَ للمجتمعات والأفراد , أو السَيرَ المنسيةَ للأماكن الغفْل , وللبشر المهمشين الذين لا يجدون من يخُصّهم بالتفاتةٍ تُذكر , تبدو أقربَ ما تكون الى الصناديق السوداء , التي لا بد من اللجوء إليها , للكشف عما وصَفه أمين معلوف باختلال العالم , وإماطةِ اللثام عن عيوبهِ وأعطابه .
ومع أن المواصفاتِ المطلوبةَ لهذا البيان لا تترك لي ترفَ التوغّل بعيداً في الكشفِ عن الملامح التفصيليةِ للروايات المرشحة , إلا أن ذلك لايجبُ أن يصرفنا , أنا وزملائي المحكمين , عن الاشارة الى أن الروايات التي قُدّمت هذا العام وإن كانت أقلّ من سابقاتها على صعيد الكم , إلا أنها تقف على المستوى النوعي , جنباً الى جنب مع أفضل الأعمال التي عرفتها هذه الجائزة منذ انطلاقتها . والسببُ في ذلك , لا يعود فقط الى أن جيلاً جديداً من الروائيين يتقدم الى ساحة الابداع مزوداً بما يتعدى الموهبةَ المجردةَ وحدها , ليتلمس بجرأةٍ بالغة كل مستلزمات الكتابةِ السرديةِ واختباراتها التجريبية , بل لأن هذه الأعمال قد تمت كتابتُها في لحظة الاشتباك النادرة بين الضجيج المتعاظم لتصدعات الواقع العربي المأزوم , وبين العزلة القسرية التي فرضها وباءُ الكوفيد 19 على البشرِ أجمعين , وعلى المبدعين منهم بشكلٍ خاص , حيث أمكن للكتابة الروائية أن تثمر , في ظلّ الكنف المزدوج للصمت والظلام .
إن أبرز ما كشفَ عنه التفحّصُ العميقُ للروايات الست التي بلغت القائمة القصيرة , هو انحسارُ الأنا المغلقة للمؤلفين , في مقابل التصاقِ هؤلاء بجذورهم السلاليّة , وترابهم الأم , وذاكرتهم الجمعية . وقد لا تكون الموضوعاتُ التي تصدتْ لها الأعمالُ المختارةُ جديدةً تماماً على القارئ المتخصص , فالحاضرُ العربيّ هو صورةٌ طِبقُ الأصلِ عن الماضي , والهيمنة الذكوريةُ في كامل سطوتها , والمرأةُ شبهُ مغيبة , والواقعُ مثخنٌ بكل أشكال الفساد , الذي لا يتورعُ سدنتهُ المتحكمون برقاب العباد , عن ارتكاب المذابح , او المتاجرةِ بالسموم , بُغيةَ تحقيقِ المكاسب المادية وتكديس الثروات , والأبطالُ فصاميونَ وقتلةٌ ومقتولون , والمكانُ رجراجٌ وعديمُ الصلابة , والأزمنةُ مشظاة , والعنف موزع بالتساوي بين السلطة الحاكمة وقوى التكفير الظلامي . إلا أن ما أكسبَ هذه الأعمالَ فرادتها هو شأنٌ آخر , يتعلق بثرائها الأسلوبي , وقدرتها على الادهاش وحبس الأنفاس , وحبكتها المتقنة والمشوقة , ولغتها الحاذقة ذاتِ العصب التعبيريّ المتفاوتِ ليونةً واشتداداً , كما باستثمارها الناجح على الأساطير والمتخيّل الجمعي .
ومع ذلك , فلم يكن من السهولة بمكان أن تصل اللجنةُ المحكمة الى ما وصلت إليه من نتائج , فالجناس الناقص بين الحريةِ والحيرة ليس أمراً بلا دلالة , والامتحانَ الأصعب للحرية لا يتمثل بالمسالك الالزامية للرحلات , بل بمفترقات الطرق التي تُوقِفنا طويلاً في مهب الاحتمالات المتعاكسة , حيث للقرارات المتخذة ارتداداتٌ متباينةُ التبعات . ومن بين ثلاثين روايةً على وجه التقريب كانت تتقدم بثبات وبفروقٍ ضئيلةٍ الى ساحة المنافسة , كان علينا مكرهين وبقدرٍ غير قليلٍ من المكابدات , والمداولات الشاقة والنقاشات المعمقة, والتزاماً بشروط الجائزة وأنظمتها , أن نكتفي من بين الروايات الرائعة التي قرأناها , بستةَ عشرَ عملاً في مرحلة القائمة الطويلة , وبستةٍ أعمال في المرحلة الحالية . على أنني أستطيع أن أؤكد باسميَ الشخصي , وباسم زملائيَ الأربعة , أن ما توصلنا إليه من نتائج وخلاصات , قد استند من وجهة نظرنا الى اعتبارات فنية وإبداعية , لا علاقة لها بكل ما يتصل ببلد الكاتب أو عمره أو جنسه أو شهرتهِ , أوالجهة الناشرة لعمله المرشح . وقد ارتأت اللجنة المحكمة تبعاً لذلك , أن تتضمن القائمةُ القصيرة للجائزة , الأعمالَ الستةَ التي سأتولى تسميتها وفق الترتيب الأبجدي لأسماء أصحابها , وهي التالية :
1– دفاتر الوراق , جلال برجس ( الأردن ) - المؤسسة العربية للدراسات والنشر
2 – الاشتياقُ الى الجارة , الحبيب السالمي ( تونس ) , دار الآداب
3 – الملف 42 – عبد المجيد سباطة ( المغرب ) , المركز الثقافي العربي
4 – عين حمورابي - عبد اللطيف ولد عبدالله ( الجزائر ) – ميم للنشر
5 – نازلة دار الأكابر – أميرة غنيم ( تونس ) , مسعى للنشر والتوزيع
6 – وشم الطائر – دنيا ميخائيل ( العراق ) – دار الرافدين
إذا كان الشعر , وفْق بعضِ النقاد , هو ما يتبقّى من النصّ المنظوم بعد تحويلهِ الى نثر , أو هو ما يتبقى من اللغة بعد تخليصها من الزوائد , فإن الروايةَ من بعض زواياها هي ما يتبقى من التاريخ بعد تخليصِ الحقيقةِ من عهدةِ المزوّرين , ومنتحلي الصفة , وكتبةِ التقاريرِ الرسمية . وليس ضرباً من ضروب المصادفة أن تحتلّ الروايةُ , تبعاً ذلك , تلك المنزلةَ المتقدمةَ التي بلغتْها خلال العقودِ المنصرمةِ من الزمن , بل إن الأمرَ مرتبطٌ بقدرة هذا النوع الأدبيّ على تلبية حاجة البشرِ الى اكتشاف ملامحهمْ في مرايا المتخيَّل السرديّ , أوالبحثِ عن مخارجَ ملائمةٍ لعلاقتهم المأزومة بالواقع ,عبر حيواتٍ افتراضيةٍ موازية , يمكنهم التماهي معها في لحظاتِ السعادةِ والظفَر , ويمكنهم بالمقابل أن يتنصّلوا منها في لحظاتِ الخيبةِ والهلاك وانسدادِ الأفق .
وفيما تملك الروايةُ , متسلحةً بخفّة النثر , أن تتعقبَ أكثر من أي فنّ آخر , المصائرَ المهملةَ للمجتمعات والأفراد , أو السَيرَ المنسيةَ للأماكن الغفْل , وللبشر المهمشين الذين لا يجدون من يخُصّهم بالتفاتةٍ تُذكر , تبدو أقربَ ما تكون الى الصناديق السوداء , التي لا بد من اللجوء إليها , للكشف عما وصَفه أمين معلوف باختلال العالم , وإماطةِ اللثام عن عيوبهِ وأعطابه .
ومع أن المواصفاتِ المطلوبةَ لهذا البيان لا تترك لي ترفَ التوغّل بعيداً في الكشفِ عن الملامح التفصيليةِ للروايات المرشحة , إلا أن ذلك لايجبُ أن يصرفنا , أنا وزملائي المحكمين , عن الاشارة الى أن الروايات التي قُدّمت هذا العام وإن كانت أقلّ من سابقاتها على صعيد الكم , إلا أنها تقف على المستوى النوعي , جنباً الى جنب مع أفضل الأعمال التي عرفتها هذه الجائزة منذ انطلاقتها . والسببُ في ذلك , لا يعود فقط الى أن جيلاً جديداً من الروائيين يتقدم الى ساحة الابداع مزوداً بما يتعدى الموهبةَ المجردةَ وحدها , ليتلمس بجرأةٍ بالغة كل مستلزمات الكتابةِ السرديةِ واختباراتها التجريبية , بل لأن هذه الأعمال قد تمت كتابتُها في لحظة الاشتباك النادرة بين الضجيج المتعاظم لتصدعات الواقع العربي المأزوم , وبين العزلة القسرية التي فرضها وباءُ الكوفيد 19 على البشرِ أجمعين , وعلى المبدعين منهم بشكلٍ خاص , حيث أمكن للكتابة الروائية أن تثمر , في ظلّ الكنف المزدوج للصمت والظلام .
إن أبرز ما كشفَ عنه التفحّصُ العميقُ للروايات الست التي بلغت القائمة القصيرة , هو انحسارُ الأنا المغلقة للمؤلفين , في مقابل التصاقِ هؤلاء بجذورهم السلاليّة , وترابهم الأم , وذاكرتهم الجمعية . وقد لا تكون الموضوعاتُ التي تصدتْ لها الأعمالُ المختارةُ جديدةً تماماً على القارئ المتخصص , فالحاضرُ العربيّ هو صورةٌ طِبقُ الأصلِ عن الماضي , والهيمنة الذكوريةُ في كامل سطوتها , والمرأةُ شبهُ مغيبة , والواقعُ مثخنٌ بكل أشكال الفساد , الذي لا يتورعُ سدنتهُ المتحكمون برقاب العباد , عن ارتكاب المذابح , او المتاجرةِ بالسموم , بُغيةَ تحقيقِ المكاسب المادية وتكديس الثروات , والأبطالُ فصاميونَ وقتلةٌ ومقتولون , والمكانُ رجراجٌ وعديمُ الصلابة , والأزمنةُ مشظاة , والعنف موزع بالتساوي بين السلطة الحاكمة وقوى التكفير الظلامي . إلا أن ما أكسبَ هذه الأعمالَ فرادتها هو شأنٌ آخر , يتعلق بثرائها الأسلوبي , وقدرتها على الادهاش وحبس الأنفاس , وحبكتها المتقنة والمشوقة , ولغتها الحاذقة ذاتِ العصب التعبيريّ المتفاوتِ ليونةً واشتداداً , كما باستثمارها الناجح على الأساطير والمتخيّل الجمعي .
ومع ذلك , فلم يكن من السهولة بمكان أن تصل اللجنةُ المحكمة الى ما وصلت إليه من نتائج , فالجناس الناقص بين الحريةِ والحيرة ليس أمراً بلا دلالة , والامتحانَ الأصعب للحرية لا يتمثل بالمسالك الالزامية للرحلات , بل بمفترقات الطرق التي تُوقِفنا طويلاً في مهب الاحتمالات المتعاكسة , حيث للقرارات المتخذة ارتداداتٌ متباينةُ التبعات . ومن بين ثلاثين روايةً على وجه التقريب كانت تتقدم بثبات وبفروقٍ ضئيلةٍ الى ساحة المنافسة , كان علينا مكرهين وبقدرٍ غير قليلٍ من المكابدات , والمداولات الشاقة والنقاشات المعمقة, والتزاماً بشروط الجائزة وأنظمتها , أن نكتفي من بين الروايات الرائعة التي قرأناها , بستةَ عشرَ عملاً في مرحلة القائمة الطويلة , وبستةٍ أعمال في المرحلة الحالية . على أنني أستطيع أن أؤكد باسميَ الشخصي , وباسم زملائيَ الأربعة , أن ما توصلنا إليه من نتائج وخلاصات , قد استند من وجهة نظرنا الى اعتبارات فنية وإبداعية , لا علاقة لها بكل ما يتصل ببلد الكاتب أو عمره أو جنسه أو شهرتهِ , أوالجهة الناشرة لعمله المرشح . وقد ارتأت اللجنة المحكمة تبعاً لذلك , أن تتضمن القائمةُ القصيرة للجائزة , الأعمالَ الستةَ التي سأتولى تسميتها وفق الترتيب الأبجدي لأسماء أصحابها , وهي التالية :
1– دفاتر الوراق , جلال برجس ( الأردن ) - المؤسسة العربية للدراسات والنشر
2 – الاشتياقُ الى الجارة , الحبيب السالمي ( تونس ) , دار الآداب
3 – الملف 42 – عبد المجيد سباطة ( المغرب ) , المركز الثقافي العربي
4 – عين حمورابي - عبد اللطيف ولد عبدالله ( الجزائر ) – ميم للنشر
5 – نازلة دار الأكابر – أميرة غنيم ( تونس ) , مسعى للنشر والتوزيع
6 – وشم الطائر – دنيا ميخائيل ( العراق ) – دار الرافدين