عيسى بن محمود - الأرملة السوداء.. قصة قصيرة

حدجته بنظرة و قد حملق في النهدين البارزين عمدا ، لما أن انحنت النادلة التي لطخت وجهها بعناية ، واضعة المشروب و ورق الحساب على الطاولة المنخفضة جدا لأجل ذاك.
و كان موعدهما بعد أن التقاها في مكتب الضمان الاجتماعي ذات حزن يعلو هامته ، لما أن قطبت ثم نظرت متفحصة وثائق التعويض :
رحمها الله
مفتعلة حنوا.
و ها اللقاء لاستكمال التعارف .
سألته : منذ متى ترملت ؟
ثم استدركت: نسيت أن الملف عندي ،
هل كان وقتها بصدد البحث عن التي تعيد لجدران قلبه حيوية ، و تبعث في رحابتها بعض الدفء؟
أم تراه لما يتهيأ بعد حين استدرجته؟
تمادت في رفع كتفها مرارا و هي تقترب منه أكثر ليحس بمداعبة رهيفة من نعومة الفرو الذي اختارته لهذا اللقاء ، مع أن الفصل لم يحن بعد ليرسل جام برده ، و إن هي إلا بوادر خفيفة لشتاء قادم قد يتأخر.
الدور دوره و البديهة حاضرة غائبة في تزامن ، و ما يعوزه قط لفظ تتلوه علامات تساؤل حتى و إن كانت مفتعلة ، ليزيل جو الصمت الذي يأتي بعد أن تبرد تلك الجمل الحاملة إستفهامات تسبقها همزة التساؤل، لكنه لم يجزم بعد إن كان بصدد الزواج بهذه السرعة.
بادلها السؤال و قد تخابث بأدب:
في أوج الشباب و النظارة ، ماشاء الله ، تكونين ما سبق لك الزواج قط؟
و قد واصل في سره:
و هن يغرهن الثناء
تمادت في إظهار أناقتها و كما الكهرباء تسري هذه الملاطفة:
الكل يخالني كذلك ، الحقيقة اني تزوجت قبلا.
حقا؟
نعم و ترملت مثلك
حقا؟
لم يدم زواجي طويلا
كيف؟
لا أريد أن أتذكر
أسحب سؤالي
لا، لا ، لا أقصد أني لا أريد الإجابة ، المسألة فقط أني أتضايق من الذكريات أحيانا.
للزمن ترك الرد ، و حملا عشيتهما معا يطوفان بها المدينة الغارقة في صمت الاهتمام.
منحته كل الصباحات الجميلة ، كأن لا ليل يترادف ، و جميل الأماني متواقتة مع مراسيمها التي أعدتها مشدودة بخيوط فضية في غير عنف.
إلى العش الذي أرادت قادته باستعجال جلي ، استطالت الليالي ، استبدت و استلذ، و تطبيق معايير المعاشرة يكتسب طقوسا جديدة كل ليلة و السرير يئن.
أنوي التوجه غدا إلى..
هل ضقت ذرعا بدفء السرير
لا ، لا أقصد..
مللت مني ؟ يمكننا تبادل الأدوار
لا أقصد..
يمكنني أن أقصد المكان الذي لك فيه حاجة ، أنوبك يا حبيبي ، ليس عليك أن تتعب نفسك.
انصاع و أطاع و استلقى ، و ما عادت مخملية تلك الفراش و الأثداء مترهلة بعد نزع حاملها ، و قد برزت في الأصابع أظافر أخرى ، و ارتفعت السيقان متقوسة عن السرير ، و أشواك كما الإبر تخترق الجلد بتأني ،
و امتد رأسها تجاه ملامحه و استطال اللسان ، أشاح بوجهه فأمتد لسان الأرملة السوداء في الشريط الوثائقي الذي كانت تعيد بثه القناة للمرة الرابعة على التوالي ، بعد أن أحكمت شراكها على ذكر الفراش ،
و بلهب رهيب في تلك العينين البارزتين حدقت حيث التفت فتكسرت كل المرايا.

عيسى بن محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...