رسالة لابن زيدون قام بإرسالها على لسان ولادة بنت المستكفي إلى أحمد بن عبدوس منافسه في حبها وذلك بإسلوب تهكمي ساخر , والرسالة تحتوي على كثير من الكنايات والتشبيهات والإشارات التاريخية والمعارف الأدبية , كما ضمنها الكثير من الأبيات والأمثال مما يعوزه التفسير لذلك قام ابن نباته بشرح الغريب فيها وترجم لاعلامها الذين ذكروا فيها ثم استطرد لذكر الوقائع والأيام ونصوص الشعر والخطب والحكم .
***
نص الرسالة الهزلية
أما بعد ، أيها المصاب بعقله ، المورط بجهله ، البين سقطه ، الفاحش غلطه ، العاثر في ذيل اغتراره ، الاعمى عن شمس نهاره ،الساقط سقوط الذباب على الشراب ، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب ، فان العجب أكبر ، ومعرفة المرء نفسه اصوب ، وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك ، متصديا من خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك ، مرسلا خليلتك مرتادة ، مستعملا عشيقتك قوادة ، كاذبا نفسك انك ستنزل عنها الي ، وتخلف بعدها علي
ولست بأول ذي همة = دعته لما ليس بالنائل
ولا شك أنها قلتك اذ لم تضن بك، وملتك اذ لم تغر عليك ، فإنها اعذرت في السفارة لك ، وما قصرت في النيابة عنك ، زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه ، والانسانية اسم انت جسمه وهيولاه ، قاطعة انك انفردت بالجمال ، واستاثرت بالكمال ، واستعليت في مراتب الجلال ، واستوليت على محاسن الخلال ، حتى خلت ان يوسف ـ عليه السلام ـ حاسنك فغضضت منه ، وان امراة العزيز رأتك فسلت عنه ، وأن قارون أصاب بعض ما كنزت ، والنّطِفَ عثر على فضل ما ركزت ، وكسرى حمل غاشيتك ، وقيصر رعى ماشيتك ، والسكندر قتل دارا في طاعتك ، وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك ، والضحاك استدعى مسالمتك ، وجذيمة الابرش تمنى منادمتك ، وشيرين قد نافست بوران فيك ، وبلقيس غايرت الزباء عليك ، وان مالك بن نويرة انما ردف لك ، وعروة بن جعفر إنما رحل اليك ، وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك ، وجساسا انما قتله بانفتك ، ومهلهلا انما طلب ثأره بهمتك ، والسموءل انما وفى عن عهدك ، والاحنف انما احتبى في بردك ، وحاتما انما جاد بوفرك ، ولقى الاضياف ببشرك ، وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك ، والسليك ابن السلكه انما عدا على رجليك ، وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك ، وقيس بن زهير انما استعان بدهائك ، واياس بن معاوية انمآستضاء بمصباح ذكائك ، وسحبان انما تكلم بلسانك ، وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك ، وان الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك ، والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك ، وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر حتى رضيا كان عن اشارتك، وجوابه لعمر ـ وقد سأله عن ايهما كان ينفر ـ وقع عن ارادتك ، وان الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك ، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك ، والمهلب اوهن شوكة الازارقة بأيدك ، وفرق ذات بينهم بكيدك ، وأن هرمس اعطي بلينوس ما اخذ منك ، وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك ، وبطليموس سوى الاسطرلاب بتدبيرك ، وصور الكرة على تقديرك ، وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك ، وجالينوس عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك ، وكلاهما قلدك في العلاج ، وسألك عن المزاج ، واستوصفك تركيب الاعضاء ، واستشارك في الداء والدواء ، وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء ، وأظهرت جابربن حيان على سر الكيمياء ، وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق ، وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق ، وإن صناعة الالحان اختراعك ، وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك ، وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك ، وسهل بن هارون مدون كلامك ، وعمرو بن بحر مستمليك ، ومالك بن انس مستفتيك ، وانك للذي أقام البراهين ، ووضع القوانين ، وحد الماهية ، وبين الكيفية والكمية ، وناظر في الجوهر والعَرَض ، وميز الصحة من المرض ، وفك المعمّى ، وفصل بين الأسم والمسمى ، وصرف وقسم ، وعدل وقوّم ، وصف الاسماء والافعال ، وبوب الظرف والحال ، وبنى وأعرب ، ونفى وتعجب ، ووصل وقطع ، وثنى وجمع ،وأظهر وأضمر ، واستفهم وأخبر ، وأهمل وقيد ، وأرسل وأسند ، وبحث ونظر ، وتصفح الاديان ، ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان ، وأشار بذبح الجعد ، وقتل بشار بن برد ، وأنك لو شأت خرقت العادات ، وخالفت المعهودات ، فأحلت البحار عذبة ، وأعدت السّلام رطبة ، ونقلت غدا فصار امسا ، وزدت في العناصر فكانت خمسا ، وأنك المقول فيه :
((كلّ الصيد في جوف الفرا)) .
و : ليس على الله بمستنكرِ أن يجمع العالم في واحد
والمعنيّ بقول ابي تمام :
فلو صورت نفسك لم تزدها = على ما فيك من كرم الطباعِ
والمراد بقول ابي الطيب :
ذكر الأنام لنا فكان قصيدة = كنت البديع الفرد من أبياتها
فكدمت في غير مكدم ، واستسمنت ذا ورم ، ونفخت في غير ضرم ، ولم تجد لرمح مهزا ، ولا لشفرة محزا ،
بل رضيت من الغنيمة بالأياب ، وتمنت الرجوع بخفي حنين ، لأني قلت :
* لقد هان من بالت عليه الثعالب *
وأنشدت :
على أنها الايام قد صرن كلها = عجائب ، حتى ليس فيها عجائب
ونخرت وكفرت ، وعبست وبسرت ، وأبدأت وأعدت ، وأبرقتُ وأرعدت .
و :
* هممت ولم أفعل وكدت وليتني*
ولولا ان للجوار ذمة ، وللضيافة حرمة ، لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ ، والنعل حاضرة ، ان عادت العقرب ،والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب .وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ، ملؤها حبيبها ، حسنٌ فيها من تود ، وكانت انما حلّتك بحُلاك ، ووسمتك بسيماك ، ولم تعرك شهادة ، ولا تكلفت لك زيادة ، بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ ، ووضعتِ الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك ، ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك ، فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه .
هجين القذال ، ارعن السبال ، طويل العنق والعلاوةِ ، مُفرط الحمق والغباوة ، جافي الطبع ، سيئ الاجابة والسمع ، بغيض الهيئة ، سخيف الذهاب والجيئة ، ظاهر الوسواس ، منتن الانفاس ، كثير المعايب ، مشهور المثالب ، كلامكَ تمتمة ، وحديثُك غمغمة ، وبينك فهفهة ، وضحكك قهقهة ، ومشيُك هرولة ، وغناك مسألة ، ودينُك زندقة ، وعلمُك مخرقةمَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك ، وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك ، وطويسا مأثور عن يمن الطائر اذا قيس عليك ، فوجودك عدم ، والاغتباط بك ندم ، والخيبة منك ظفر ، والجنة معك سقر .
كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء ، وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء ، واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها ، والطير إنما تقع على الافها ، وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان ، و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ، وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان ، وتمثلت :
ايها المنكح الثريا سهيلا = عمرك الله كيف يلتقيان
وذكتَ اني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد ، وطائرٌ لا يصيده من اراد ، وغرض لا يصيبه الا من اجاد ، ما احسبك الا كنت قد تهيأت للتهنئة ، وترشحت للترفئة ، ولولا ان جرح العجماء جبار ، للقيت من الكواعب ما لاقى يسار،فما هم الا بدون ما هممت به ، ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت .
اين ادعاؤكك رواية الاشعار ، وتعاطيك حفظ السير والاخبار ، اما ثاب لك قول الشاعر :
بنو دارم اكفاؤهم ال مسمع وتنكح في اكفائها الحبطاتُ وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم ، أو ترجع بصحبة المتلمس ، او افعل بك ما فعله عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا ، فدهن استه بزيت ، وأدناه من قرية النمل .ومتى كثر تلاقينا ، واتصل ترائينا ، فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طول السواد ، وقرب الوساد !
وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ ، او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود ، خير من قعود !
ولعمري لو بلغت هذا المبلغ ، لارتفعت ، عن هذه الحِطة ، ولا رضيت بهذه الخطة ، فالنار ولا العار ،
والمنية ولا الدنية ، والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها فكيف وفي ابناء قومي منكح وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد ، ولا امتطي الثور بعد الجواد ، فانما يتيمم من لم يجد ماء ، ويرعى الهشيمَ ، من عدِمَ الجميم ، ويركب الصعب من لا ذلول له ، ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ،
وشَهِدت مساعفتي له ، من أقمار العصر ، وريحان المصر ، اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ ، والرياضُ طيب شيم من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فحن قدح ليس منها ، ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم ، وكالوشيظة في العظم بينهم !
وان كنت إنما بلغت قعر تابوتك ، وتجافيت عن بعض قوتك ، وعطرت اردانك ، وجررت هميانك ، واختلت في مشيتك ، وحذفت فضول لحيتك ، واصلحت شاربك ، ومططت حاجبك ، ورفعت خط عذارك ، واستانفت عقد ازارك ، رجاء الاكتنان فيهم ، وطمعا في الاعتداد منهم ، فظننت عجزا ، واخطات استك الحفرة .
والله لو كساك محرق البردين ، وحلّتك مارية بالقرطين ، وقلدك عمرو الصمصامة ، وحملك الحارث على النعامة ، ما شككت فيك ، ولا سترت اباك ، ولا كنتَ الا ذاك .
وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب ، وجاريتهم في غاية الظرف والادب ، اليس تأوي الى بيت قعيدته لكاع ، اذا كلهم عزب خالي الذراع !
واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة ، والشهوة الوافرة ، والنفس المصروفة الي ، واللذة الموقوفة علي ، وبين اخر قد نضب غديره ، ونزحت بيره ، وذهب نشاطه ، ولم يبقى الا ضراطه !
وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة ، ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية !
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك ، وتربع علي ضلعك ، ولاتكن براقش الدالة على اهلها ، وعنز السوء المستثيرة لحتفها ، فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان ، وبك لا بظبي أعفر ، أعذرت ان اغنيت شيا ، وأسمعت لو ناديت حيا
إن العصا قرعت لذي الحلم = والشيئ تحقره وقد ينمي
وإن بادرت بالندامة ، ورجعت على نفسك بالملامة ، كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك ، وان قلت :
(( جعجعة بلا طحن ))، و ((رب صلف تحت الراعدة ))، وانشدت :
لا يؤيسنك من مخدرة = قول تغلظه وان جرحا
فعدت لما نهيت عنه ، وراجعت ما استعفيت منه ، بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا ، ويستحثك نحوها وكزا وصفعا .
فاذا صرت اليها عبث أكاروها بك ، وتسلط نواطيرها عليك ، فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ،
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك ، ذلك بما قدمت يداك ، لتذوق وبال امرك ، وترى ميزان قدرك
فمن جهلت نفسه قدره = راى غيره منه ما لا يرى.
إقتباس رد
اختر للإدارة إبلاغ تحرير حذف
***
نص الرسالة الهزلية
أما بعد ، أيها المصاب بعقله ، المورط بجهله ، البين سقطه ، الفاحش غلطه ، العاثر في ذيل اغتراره ، الاعمى عن شمس نهاره ،الساقط سقوط الذباب على الشراب ، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب ، فان العجب أكبر ، ومعرفة المرء نفسه اصوب ، وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك ، متصديا من خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك ، مرسلا خليلتك مرتادة ، مستعملا عشيقتك قوادة ، كاذبا نفسك انك ستنزل عنها الي ، وتخلف بعدها علي
ولست بأول ذي همة = دعته لما ليس بالنائل
ولا شك أنها قلتك اذ لم تضن بك، وملتك اذ لم تغر عليك ، فإنها اعذرت في السفارة لك ، وما قصرت في النيابة عنك ، زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه ، والانسانية اسم انت جسمه وهيولاه ، قاطعة انك انفردت بالجمال ، واستاثرت بالكمال ، واستعليت في مراتب الجلال ، واستوليت على محاسن الخلال ، حتى خلت ان يوسف ـ عليه السلام ـ حاسنك فغضضت منه ، وان امراة العزيز رأتك فسلت عنه ، وأن قارون أصاب بعض ما كنزت ، والنّطِفَ عثر على فضل ما ركزت ، وكسرى حمل غاشيتك ، وقيصر رعى ماشيتك ، والسكندر قتل دارا في طاعتك ، وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك ، والضحاك استدعى مسالمتك ، وجذيمة الابرش تمنى منادمتك ، وشيرين قد نافست بوران فيك ، وبلقيس غايرت الزباء عليك ، وان مالك بن نويرة انما ردف لك ، وعروة بن جعفر إنما رحل اليك ، وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك ، وجساسا انما قتله بانفتك ، ومهلهلا انما طلب ثأره بهمتك ، والسموءل انما وفى عن عهدك ، والاحنف انما احتبى في بردك ، وحاتما انما جاد بوفرك ، ولقى الاضياف ببشرك ، وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك ، والسليك ابن السلكه انما عدا على رجليك ، وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك ، وقيس بن زهير انما استعان بدهائك ، واياس بن معاوية انمآستضاء بمصباح ذكائك ، وسحبان انما تكلم بلسانك ، وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك ، وان الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك ، والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك ، وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر حتى رضيا كان عن اشارتك، وجوابه لعمر ـ وقد سأله عن ايهما كان ينفر ـ وقع عن ارادتك ، وان الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك ، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك ، والمهلب اوهن شوكة الازارقة بأيدك ، وفرق ذات بينهم بكيدك ، وأن هرمس اعطي بلينوس ما اخذ منك ، وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك ، وبطليموس سوى الاسطرلاب بتدبيرك ، وصور الكرة على تقديرك ، وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك ، وجالينوس عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك ، وكلاهما قلدك في العلاج ، وسألك عن المزاج ، واستوصفك تركيب الاعضاء ، واستشارك في الداء والدواء ، وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء ، وأظهرت جابربن حيان على سر الكيمياء ، وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق ، وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق ، وإن صناعة الالحان اختراعك ، وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك ، وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك ، وسهل بن هارون مدون كلامك ، وعمرو بن بحر مستمليك ، ومالك بن انس مستفتيك ، وانك للذي أقام البراهين ، ووضع القوانين ، وحد الماهية ، وبين الكيفية والكمية ، وناظر في الجوهر والعَرَض ، وميز الصحة من المرض ، وفك المعمّى ، وفصل بين الأسم والمسمى ، وصرف وقسم ، وعدل وقوّم ، وصف الاسماء والافعال ، وبوب الظرف والحال ، وبنى وأعرب ، ونفى وتعجب ، ووصل وقطع ، وثنى وجمع ،وأظهر وأضمر ، واستفهم وأخبر ، وأهمل وقيد ، وأرسل وأسند ، وبحث ونظر ، وتصفح الاديان ، ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان ، وأشار بذبح الجعد ، وقتل بشار بن برد ، وأنك لو شأت خرقت العادات ، وخالفت المعهودات ، فأحلت البحار عذبة ، وأعدت السّلام رطبة ، ونقلت غدا فصار امسا ، وزدت في العناصر فكانت خمسا ، وأنك المقول فيه :
((كلّ الصيد في جوف الفرا)) .
و : ليس على الله بمستنكرِ أن يجمع العالم في واحد
والمعنيّ بقول ابي تمام :
فلو صورت نفسك لم تزدها = على ما فيك من كرم الطباعِ
والمراد بقول ابي الطيب :
ذكر الأنام لنا فكان قصيدة = كنت البديع الفرد من أبياتها
فكدمت في غير مكدم ، واستسمنت ذا ورم ، ونفخت في غير ضرم ، ولم تجد لرمح مهزا ، ولا لشفرة محزا ،
بل رضيت من الغنيمة بالأياب ، وتمنت الرجوع بخفي حنين ، لأني قلت :
* لقد هان من بالت عليه الثعالب *
وأنشدت :
على أنها الايام قد صرن كلها = عجائب ، حتى ليس فيها عجائب
ونخرت وكفرت ، وعبست وبسرت ، وأبدأت وأعدت ، وأبرقتُ وأرعدت .
و :
* هممت ولم أفعل وكدت وليتني*
ولولا ان للجوار ذمة ، وللضيافة حرمة ، لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ ، والنعل حاضرة ، ان عادت العقرب ،والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب .وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ، ملؤها حبيبها ، حسنٌ فيها من تود ، وكانت انما حلّتك بحُلاك ، ووسمتك بسيماك ، ولم تعرك شهادة ، ولا تكلفت لك زيادة ، بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ ، ووضعتِ الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك ، ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك ، فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه .
هجين القذال ، ارعن السبال ، طويل العنق والعلاوةِ ، مُفرط الحمق والغباوة ، جافي الطبع ، سيئ الاجابة والسمع ، بغيض الهيئة ، سخيف الذهاب والجيئة ، ظاهر الوسواس ، منتن الانفاس ، كثير المعايب ، مشهور المثالب ، كلامكَ تمتمة ، وحديثُك غمغمة ، وبينك فهفهة ، وضحكك قهقهة ، ومشيُك هرولة ، وغناك مسألة ، ودينُك زندقة ، وعلمُك مخرقةمَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك ، وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك ، وطويسا مأثور عن يمن الطائر اذا قيس عليك ، فوجودك عدم ، والاغتباط بك ندم ، والخيبة منك ظفر ، والجنة معك سقر .
كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء ، وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء ، واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها ، والطير إنما تقع على الافها ، وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان ، و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ، وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان ، وتمثلت :
ايها المنكح الثريا سهيلا = عمرك الله كيف يلتقيان
وذكتَ اني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد ، وطائرٌ لا يصيده من اراد ، وغرض لا يصيبه الا من اجاد ، ما احسبك الا كنت قد تهيأت للتهنئة ، وترشحت للترفئة ، ولولا ان جرح العجماء جبار ، للقيت من الكواعب ما لاقى يسار،فما هم الا بدون ما هممت به ، ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت .
اين ادعاؤكك رواية الاشعار ، وتعاطيك حفظ السير والاخبار ، اما ثاب لك قول الشاعر :
بنو دارم اكفاؤهم ال مسمع وتنكح في اكفائها الحبطاتُ وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم ، أو ترجع بصحبة المتلمس ، او افعل بك ما فعله عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا ، فدهن استه بزيت ، وأدناه من قرية النمل .ومتى كثر تلاقينا ، واتصل ترائينا ، فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طول السواد ، وقرب الوساد !
وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ ، او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود ، خير من قعود !
ولعمري لو بلغت هذا المبلغ ، لارتفعت ، عن هذه الحِطة ، ولا رضيت بهذه الخطة ، فالنار ولا العار ،
والمنية ولا الدنية ، والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها فكيف وفي ابناء قومي منكح وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد ، ولا امتطي الثور بعد الجواد ، فانما يتيمم من لم يجد ماء ، ويرعى الهشيمَ ، من عدِمَ الجميم ، ويركب الصعب من لا ذلول له ، ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ،
وشَهِدت مساعفتي له ، من أقمار العصر ، وريحان المصر ، اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ ، والرياضُ طيب شيم من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فحن قدح ليس منها ، ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم ، وكالوشيظة في العظم بينهم !
وان كنت إنما بلغت قعر تابوتك ، وتجافيت عن بعض قوتك ، وعطرت اردانك ، وجررت هميانك ، واختلت في مشيتك ، وحذفت فضول لحيتك ، واصلحت شاربك ، ومططت حاجبك ، ورفعت خط عذارك ، واستانفت عقد ازارك ، رجاء الاكتنان فيهم ، وطمعا في الاعتداد منهم ، فظننت عجزا ، واخطات استك الحفرة .
والله لو كساك محرق البردين ، وحلّتك مارية بالقرطين ، وقلدك عمرو الصمصامة ، وحملك الحارث على النعامة ، ما شككت فيك ، ولا سترت اباك ، ولا كنتَ الا ذاك .
وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب ، وجاريتهم في غاية الظرف والادب ، اليس تأوي الى بيت قعيدته لكاع ، اذا كلهم عزب خالي الذراع !
واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة ، والشهوة الوافرة ، والنفس المصروفة الي ، واللذة الموقوفة علي ، وبين اخر قد نضب غديره ، ونزحت بيره ، وذهب نشاطه ، ولم يبقى الا ضراطه !
وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة ، ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية !
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك ، وتربع علي ضلعك ، ولاتكن براقش الدالة على اهلها ، وعنز السوء المستثيرة لحتفها ، فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان ، وبك لا بظبي أعفر ، أعذرت ان اغنيت شيا ، وأسمعت لو ناديت حيا
إن العصا قرعت لذي الحلم = والشيئ تحقره وقد ينمي
وإن بادرت بالندامة ، ورجعت على نفسك بالملامة ، كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك ، وان قلت :
(( جعجعة بلا طحن ))، و ((رب صلف تحت الراعدة ))، وانشدت :
لا يؤيسنك من مخدرة = قول تغلظه وان جرحا
فعدت لما نهيت عنه ، وراجعت ما استعفيت منه ، بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا ، ويستحثك نحوها وكزا وصفعا .
فاذا صرت اليها عبث أكاروها بك ، وتسلط نواطيرها عليك ، فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ،
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك ، ذلك بما قدمت يداك ، لتذوق وبال امرك ، وترى ميزان قدرك
فمن جهلت نفسه قدره = راى غيره منه ما لا يرى.
إقتباس رد
اختر للإدارة إبلاغ تحرير حذف