- رسالة من ناديا ماندلشتام إلى زوجها الشاعر أوسيب ماندلشتام

أوسيا، حبيبي البعيد
لا كلمات لي، حبيبي، لأكتب هذه الرسالة التي قد لا تقرأها أبداً. أكتب إليك من مكان خال. ربما قد تعود ولن تجدني هنا. وسيكون هذا كل ما سيذكّرك بي.
أوسيا، كم كانت مفرحة حياتنا معا كالأطفال – كل شجاراتنا ونقاشاتنا، الألعاب التي لعبنا، حبنا. الآن لا أستطيع حتى أن أنظر إلى السماء. لو رأيت غيمة عابرة، فمن سأخبره عنها؟
هل تذكر كيف كنا نعود بالمؤونة لنقيم وليمتنا البسيطة بكل الأمكنة حيث كنا ننصب خيمتنا كبدو رحل؟ هل تذكر طعم الخبز اللذيذ حين حصلنا عليه بأعجوبة وأكلناه سويا؟ ثم شتاؤنا الأخير بفورونيج، فقرنا السعيد، والشعر الذي كنتَ تكتب. أذكرُ اللحظة التي كنا عائدين مرة من الحمّامات، حين جئنا ببعض البيض والنقانق، وكيف امتلأت العربة بالتبن. كان الطقس لا يزال باردا وكنت متجمدة في الجاكيت القصيرة (لكن لا شي من ذلك يشبه ما نعانيه الآن: أعرف كم أنت تعاني من البرد). تذكرت ذلك اليوم الآن. أراه بوضوح، وأعاني من آلامه، أيام الشتاء تلك، رغم قساوتها، كانت أعظم وآخر أوقات سعادتنا التي منحتنا إياها الحياة.
كل ما أفكر فيه هو أنت. كل دمعة أو ابتسامة مني هي لك. أنعمُ بكل يوم أو ساعة في حياتنا الصعبة معا، يا حبيبي، ورفيقي ودليلي الأعمى في الحياة. كنا كجروين يشم أحدنا الآخر، شاعرين بالرضا معا. كم كان رأسك المريض محموما، وكيف بددنا أيام حياتنا بجنون. كم كان ذلك مبهجا، وكم كنا دائما نعرف كيف كان مبهجا. قد تطول الحياة كثيرا. وكم سيكون صعبا وطويلا على كل منا أن يموت وحيدا. هل سيكون هذا مصيرنا نحن اللذين لا نفترق أبدا؟ نحن الجروين الطفلين، هل نستحق هذا؟ هل تستحق هذا، يا ملاكي؟ كل شيء يمضي على حاله كما من قبل. لا أعرف شيئا. ومع ذلك أعرف كل شيء – كل يوم أو ساعة من حياتك تبدو لي بوضوح كما في حالات الهذيان. تأتيني في حلمي كل ليلة، وأظل أتساءل عما حدث لك، لكنك لا تجيب.
في حلمي الأخير رأيتني أشتري لك طعاما من مطعم بفندق حقير. والناس من حولي كانوا غرباء. وحين اشتريته، لم أعرف إلى أين آخذه، لأني لا أعرف أين أنت. ثم حين أفقت من نومي قلت لشورا: «لقد مات أوسيا». لا أدري ما إذا كنت لا زلت حيا أم لا، لكني منذ ذلك الحلم أضعت أثرك. لا أعرف أين أنت. هل ستسمعني؟ هل تعرف كم أحبك؟ لن أستطيع أبداً أن أقول لك كم أحبك. أعجز عن أن اقوله لك الآن. لا أتحدث سوى إليك، إليك أنت وحدك. ترافقني دائما، أنا المتوحشة الغاضبة التي لم تتعلم كيف تبكي ببساطة – أبكي الآن ثم أبكي و أبكي.
هذه أنا ناديا، فأين أنت؟
وداعا
ناديا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...