(إنّ الأديبَ في بلادنا لا يُعرفُ قدرُه إلا بعد رحيله أو غيابه بصورة ما).
كاتب هذه العبارة هو الأديب والرّوائي والصحافي السّوداني (أبوبكر خالد مضوي) أحد رواد الرواية السودانية الحديثة، أعجب ما في الأمر أنه كان قد كتب مقولته تلك قبل رحيله بيوم واحد، وقد صدرت الصحيفة التي تحمل هذا المقال صباحاً ليقرأها الناس على سُرادق العزاء المقام (بحي المسالمة) بمدينة أمدرمان، حينها كان أقرباؤه وأصدقاؤه يهزون رؤوسهم عجبا ًويُعلقون قائلين: سبحان الله وكأنه كان يرثي نفسه.
وقد صدق حدسه، ولكن حتى معرفة قدر الأديب أبوبكر خالد مضوي نفسه جاءت متأخرة، فأبوبكر وعلى الرغم من اختلاف النقاد في السودان حول من الذي نال قصب السبق في كتابة أول رواية طويلة على القوالب الحديثة في السودان، ظل هو أول روائي سوداني يطرق باب النشر خارج السودان في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وينحصر الخلاف التاريخي الموثق لبكريات الأعمال الروائية السودانية الحديثة لروايتين هما: (بداية الربيع) 1958 لأبي بكر خالد، ورواية (إنهم بشر) للأديب السوداني (خليل عبد الله الحاج) التي كتبت في العام 1954، ولكنها لم تنشر إلا في العام 1960. باعتبار أن الروايتين تطرقتا لبداية النصوص التي تتناول الحياة الاجتماعية والسّياسية والقضايا التي تهم جيل ذلك الزمان في وقت مبكر، بحسب ما أسماه جابر عصفور بعصر الرواية المستنيرة في كتابة (الرواية والاستنارة).
والذي يقصد به تلك الفترة التي أبرزت كوكبة من الأسماء العربية الفكرية ممن أسهموا في تمهيد الدرب أمام الرواية العربية في الظهور، فظهرت الرواية كمتلازمة لما أسماه الوعي المديني، حيث فرضت الحياة العصرية وجود الصحافة، والتي من خلال الطباعة والمطابع أنتجت حركةً نهضوية ذات علاقة وثيقة بوجود طبقة تقرأ ما تقدمه تلك المطابع، سواء كان صُحفاً يوميةً أم كُتباً وروايات.
رواية بداية الربيع لأبي بكر خالد وثقت للحياة السياسية والاجتماعية بشكل ينم عن وعي الكاتب بمجريات الأمور وقتها، والمقدرة الكبيرة على التصوير وإبراز المقدرة الإبداعية، في وقت كان السودان يواجه رياح تغيير شديدة التأثير في نسيجه السياسي والاجتماعي، ومن بين ما مسته تلك التحولات الثورية، جيل جديد من المبدعين في الرواية والقصة القصيرة والشعر، فكان صلاح أحمد إبراهيم في (البرجوازية الصغيرة)، والزبير علي وخوجلي شكر الله في (النازحان والشتاء) مجموعة قصص قصيرة، وحسن الطاهر زروق، (حسن وبهية) قصص قصيرة، وأبو بكر خالد (بداية الربيع) 1958، والنبع المر 1960، والطيب زروق وأبوبكر خالد في قصص سودانية، 1975، والأرض الصفراء (قصص قصيرة) 1970.
ولعلّ السؤال الأبرز الذي يقلقني هل استطعنا التوثيق لرواد السّرد والكتابات الإبداعية والقصة القصيرة والرواية في السودان، ليتسنى لنا إحياء الذاكرة السردية السودانية، وتقييم التجربة الكتابية وتطورها لمسيرة السرد في السودان؟
أبوبكر خالد مضوي (1942–1976) من الأصوات السردية المتميزة في الأدب السوداني تلقى تعليمه الأولي بـ(خلوة ود السيد) بمدينة أم درمان شأن بداية التعليم في السودان وقتها، ثم التحق بمدرسة أمدرمان الأهلية الوسطى، ثم المعهد العلمي القسم الثانوي بمدينة أمدرمان، ثم إلى الأزهر الشريف حيث التحق بكلية أصول الدين.
ظهر شغفه واهتمامه بالأدب والقصة باكراً وتأثر بالأحاجي والقصص الشعبية السودانية والأدب والتراث الشعبي، واغترف منه وأضاف إليه، واهتم منذ المرحلة المتوسطة بعمل جرائد حائطية فأصدر أول جريدة حائطية في عام 1949 أطلق عليها (حرية الفكر)، وكان يحررها بمعاونة خاله (فؤاد الأمين) يعرضانها في صالون جدهما الكبير بالمنزل بأمدرمان، وكان أبوبكر يكتب كلمة العدد وقصص قصيرة ومواد أدبية أخرى وأول قصصه (ليلة عيد) كتبها هو في الرابعة عشر من عمره.
خلال دراسته بالمعهد العلمي بأمدرمان أسس جمعية أدبية قدم من خلالها الندوات والمحاضرات للطلاب، وخلال دراسته بمصر كان على اتصال بالأوساط الأدبية المصرية وله علاقة قوية بأدبائها وله صداقة مميزة بطه حسين وعباس العقاد، وكان يذيع قصصاً قصيرة من إذاعة (ركن السودان) بالقاهرة. كما كانت له مساجلات فكرية وأدبية مع صالح جودت وثريا جودت وعبدالرحمن الشرقاوي، وعلاقة طيبة مع بعض الكتاب والشعراء من الدول العربية، ومنهم وزير الثقافة اليمني الشاعر (عبدالله حمران) الذي جاء معزياً في وفاته.
تأثر أبوبكر خالد بالفكر الاشتراكي والقومية العربية وثورات التغيير العربي التي كانت في أوجها في ذلك الوقت، وكانت القاهرة تحنو عليه وعلى زملائه من أبناء السودان الطيب زروق، وجيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن، ومحي الدين فارس، ومحمد الفيتوري، وجعفر سمساعة، وعبد الله قرشاب، كما كانت الأم الرؤوم لزملائهم من بقية الدول العربية أمثال: الأديب الجزائري عبد الحميد مسعود وكبار كتاب وشعراء اليمن أمثال: أبوبكر السقاف، عبده عثمان، محمد أنعم غالب، عمر الحاوي (الأمين العام لاتحاد أدباء اليمن السابق) وأديب مصر الراحل فاروق منيب.
نظم أبوبكر خالد والشاعر الكبير (تاج السر الحسن) ندوة ثقافية أسبوعية وانطلقوا بعدها في إقامة الندوات الثقافية، وقدم خلالها نظريات نقدية جريئة واطلع على العديد من الأعمال لكبار الكُتاب العرب والأجانب، واطلع على ترجمات كثيرة لكتاب روس أمثال: مكسيم جوركي وإيليا أهرنبورج، حيث كانت مكتبات القاهر في الخمسينات تعج بالعديد من الكتب المترجمة التي تمثل تيارات الثقافة الاشتراكية التي أسهمت فيها شعوب عديدة، كما اطلع على كتابات جورج أمادو، رومان رولان، غابريل غارسيا ماركيز ولوركا، وغيرهم، ونتيجة لهذا التفاعل الذي أسهمت في إنضاجه قراءات الكاتب من جهة، والاشتراك الفعّال لأبي بكر خالد في الحركة الأدبية المنبثقة من تيار الحركة الوطنية التحررية أتاحت له الصلات الوثيقة بالكُتّاب المصريين الكبار حضور ندواتهم، واشتراكه فيما يقدمونه من مواضيع أدبية وثقافية.
ظهر عالم القصة والرواية في أعمال أبو بكر خالد مضوي الساحر، ودفع بمسيرة القصة القصيرة السودانية خطوات واسعة إلى الأمام حتى لفتت القصة السودانية أنظار المشتغلين بالأدب في العالم العربي والغربي، واكتسب اهتمامهم واحترامهم ونشرت له عشرات القصص القصيرة في الصحف والمجلات السودانية والعربية، وتُرجمت بعض قصصه إلى اللغة الروسية والإنجليزية.
طرق أبوبكر خالد عالم الرواية باكراً قبل بلوغ العشرين، وفي العام 1958 فاجأ الأوساط الأدبية بروايته (بداية الربيع)، وهي أول رواية طويلة جادة ذات مستوى رفيع، وقد طبعت بمصر وصدرت الطبعة الأولى عن دار الفكر في القاهرة، وكتب عنها الناقد السوري فؤاد دوارة قائلاً: أحسست وأنا أقرأ هذه الرواية السودانية الجديدة (بداية الربيع) بالدور الخطير الذى يستطيع الأدب أن يلعبه في حياتنا العربية لو وضع في أيدي أقلام أمينة وقادرة.
وأعقبها في أواسط الستينات برائعته الثانية (النبع المُر) 1966، ليعود مرة أخرى ويخرج مجموعة قصصية بعنوان: (كلاب القرية)، وهي مجموعة قصص قصيرة تم نشرها مرة باسم (كلاب القرية) ومرة باسم (وجاء الصيف)، ثم رواية (القفز فوق الحائط القصير) 1973، وطبعت بدار الهلال بمصر ثم توالت قصص وروايات أبوبكر خالد، وعند ظهور الثنائيات الأدبية كتب مجموعة قصص قصيرة بعنوان: (قصص سودانية) بالاشتراك مع الكاتب الكبير الطيب زروق.
حظيت هذه الأعمال الروائية والقصصية باهتمام بالغ من كبار الكتاب في مصر والسودان، وتناولوها بالنقد والتحليل إضافة إلى عدد كبير من القصص القصيرة يقارب الثمانين قصة قصيرة نشرت بالصحف والمجلات السودانية والعربية، كما كانت له إسهاماته الدائمة في الصحف والمجلات السودانية والمصرية، وتلفزيون السودان وعدد من التمثيليات بإذاعة وادي النيل بمصر، وركن السودان منها تمثيلية (تاجوج والرهان)، (أشياء صغيرة) وهناك روايات لم تنشر، وبعضها لم يكتمل منها: (نقوش على الذاكرة)، (ضل الدليب)، (البؤساء الصغار) و(الأعواد الخضر).
رحل الأديب أبوبكر خالد مضوي وشهر أغسطس يكاد يودع أيامه الأخيرة في الحادي والعشرين منه في العام 1976، وعدد ذلك اليوم من صحيفة (الصحافة) يصدُر صباحاً ويخرج عمود أبوبكر خالد (من وجدان الناس) ولكنه لا يجد كاتبه، ففي ذلك الصباح الماطر الحزين وقبل أن تشرق الشمس وتصل الصحف إلى عتبات البيوت المبلولة بماء المطر، وفي عمودِه الثابث كان قد كتب قبل رحيله بيوم واحد عبارة قال فيها: (الناس في بلادي لا يعرفون قدر الأدباء إلا بعد رحيلهم)، فكأنما كان ينعي نفسه.
كاتب هذه العبارة هو الأديب والرّوائي والصحافي السّوداني (أبوبكر خالد مضوي) أحد رواد الرواية السودانية الحديثة، أعجب ما في الأمر أنه كان قد كتب مقولته تلك قبل رحيله بيوم واحد، وقد صدرت الصحيفة التي تحمل هذا المقال صباحاً ليقرأها الناس على سُرادق العزاء المقام (بحي المسالمة) بمدينة أمدرمان، حينها كان أقرباؤه وأصدقاؤه يهزون رؤوسهم عجبا ًويُعلقون قائلين: سبحان الله وكأنه كان يرثي نفسه.
وقد صدق حدسه، ولكن حتى معرفة قدر الأديب أبوبكر خالد مضوي نفسه جاءت متأخرة، فأبوبكر وعلى الرغم من اختلاف النقاد في السودان حول من الذي نال قصب السبق في كتابة أول رواية طويلة على القوالب الحديثة في السودان، ظل هو أول روائي سوداني يطرق باب النشر خارج السودان في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وينحصر الخلاف التاريخي الموثق لبكريات الأعمال الروائية السودانية الحديثة لروايتين هما: (بداية الربيع) 1958 لأبي بكر خالد، ورواية (إنهم بشر) للأديب السوداني (خليل عبد الله الحاج) التي كتبت في العام 1954، ولكنها لم تنشر إلا في العام 1960. باعتبار أن الروايتين تطرقتا لبداية النصوص التي تتناول الحياة الاجتماعية والسّياسية والقضايا التي تهم جيل ذلك الزمان في وقت مبكر، بحسب ما أسماه جابر عصفور بعصر الرواية المستنيرة في كتابة (الرواية والاستنارة).
والذي يقصد به تلك الفترة التي أبرزت كوكبة من الأسماء العربية الفكرية ممن أسهموا في تمهيد الدرب أمام الرواية العربية في الظهور، فظهرت الرواية كمتلازمة لما أسماه الوعي المديني، حيث فرضت الحياة العصرية وجود الصحافة، والتي من خلال الطباعة والمطابع أنتجت حركةً نهضوية ذات علاقة وثيقة بوجود طبقة تقرأ ما تقدمه تلك المطابع، سواء كان صُحفاً يوميةً أم كُتباً وروايات.
رواية بداية الربيع لأبي بكر خالد وثقت للحياة السياسية والاجتماعية بشكل ينم عن وعي الكاتب بمجريات الأمور وقتها، والمقدرة الكبيرة على التصوير وإبراز المقدرة الإبداعية، في وقت كان السودان يواجه رياح تغيير شديدة التأثير في نسيجه السياسي والاجتماعي، ومن بين ما مسته تلك التحولات الثورية، جيل جديد من المبدعين في الرواية والقصة القصيرة والشعر، فكان صلاح أحمد إبراهيم في (البرجوازية الصغيرة)، والزبير علي وخوجلي شكر الله في (النازحان والشتاء) مجموعة قصص قصيرة، وحسن الطاهر زروق، (حسن وبهية) قصص قصيرة، وأبو بكر خالد (بداية الربيع) 1958، والنبع المر 1960، والطيب زروق وأبوبكر خالد في قصص سودانية، 1975، والأرض الصفراء (قصص قصيرة) 1970.
ولعلّ السؤال الأبرز الذي يقلقني هل استطعنا التوثيق لرواد السّرد والكتابات الإبداعية والقصة القصيرة والرواية في السودان، ليتسنى لنا إحياء الذاكرة السردية السودانية، وتقييم التجربة الكتابية وتطورها لمسيرة السرد في السودان؟
أبوبكر خالد مضوي (1942–1976) من الأصوات السردية المتميزة في الأدب السوداني تلقى تعليمه الأولي بـ(خلوة ود السيد) بمدينة أم درمان شأن بداية التعليم في السودان وقتها، ثم التحق بمدرسة أمدرمان الأهلية الوسطى، ثم المعهد العلمي القسم الثانوي بمدينة أمدرمان، ثم إلى الأزهر الشريف حيث التحق بكلية أصول الدين.
ظهر شغفه واهتمامه بالأدب والقصة باكراً وتأثر بالأحاجي والقصص الشعبية السودانية والأدب والتراث الشعبي، واغترف منه وأضاف إليه، واهتم منذ المرحلة المتوسطة بعمل جرائد حائطية فأصدر أول جريدة حائطية في عام 1949 أطلق عليها (حرية الفكر)، وكان يحررها بمعاونة خاله (فؤاد الأمين) يعرضانها في صالون جدهما الكبير بالمنزل بأمدرمان، وكان أبوبكر يكتب كلمة العدد وقصص قصيرة ومواد أدبية أخرى وأول قصصه (ليلة عيد) كتبها هو في الرابعة عشر من عمره.
خلال دراسته بالمعهد العلمي بأمدرمان أسس جمعية أدبية قدم من خلالها الندوات والمحاضرات للطلاب، وخلال دراسته بمصر كان على اتصال بالأوساط الأدبية المصرية وله علاقة قوية بأدبائها وله صداقة مميزة بطه حسين وعباس العقاد، وكان يذيع قصصاً قصيرة من إذاعة (ركن السودان) بالقاهرة. كما كانت له مساجلات فكرية وأدبية مع صالح جودت وثريا جودت وعبدالرحمن الشرقاوي، وعلاقة طيبة مع بعض الكتاب والشعراء من الدول العربية، ومنهم وزير الثقافة اليمني الشاعر (عبدالله حمران) الذي جاء معزياً في وفاته.
تأثر أبوبكر خالد بالفكر الاشتراكي والقومية العربية وثورات التغيير العربي التي كانت في أوجها في ذلك الوقت، وكانت القاهرة تحنو عليه وعلى زملائه من أبناء السودان الطيب زروق، وجيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن، ومحي الدين فارس، ومحمد الفيتوري، وجعفر سمساعة، وعبد الله قرشاب، كما كانت الأم الرؤوم لزملائهم من بقية الدول العربية أمثال: الأديب الجزائري عبد الحميد مسعود وكبار كتاب وشعراء اليمن أمثال: أبوبكر السقاف، عبده عثمان، محمد أنعم غالب، عمر الحاوي (الأمين العام لاتحاد أدباء اليمن السابق) وأديب مصر الراحل فاروق منيب.
نظم أبوبكر خالد والشاعر الكبير (تاج السر الحسن) ندوة ثقافية أسبوعية وانطلقوا بعدها في إقامة الندوات الثقافية، وقدم خلالها نظريات نقدية جريئة واطلع على العديد من الأعمال لكبار الكُتاب العرب والأجانب، واطلع على ترجمات كثيرة لكتاب روس أمثال: مكسيم جوركي وإيليا أهرنبورج، حيث كانت مكتبات القاهر في الخمسينات تعج بالعديد من الكتب المترجمة التي تمثل تيارات الثقافة الاشتراكية التي أسهمت فيها شعوب عديدة، كما اطلع على كتابات جورج أمادو، رومان رولان، غابريل غارسيا ماركيز ولوركا، وغيرهم، ونتيجة لهذا التفاعل الذي أسهمت في إنضاجه قراءات الكاتب من جهة، والاشتراك الفعّال لأبي بكر خالد في الحركة الأدبية المنبثقة من تيار الحركة الوطنية التحررية أتاحت له الصلات الوثيقة بالكُتّاب المصريين الكبار حضور ندواتهم، واشتراكه فيما يقدمونه من مواضيع أدبية وثقافية.
ظهر عالم القصة والرواية في أعمال أبو بكر خالد مضوي الساحر، ودفع بمسيرة القصة القصيرة السودانية خطوات واسعة إلى الأمام حتى لفتت القصة السودانية أنظار المشتغلين بالأدب في العالم العربي والغربي، واكتسب اهتمامهم واحترامهم ونشرت له عشرات القصص القصيرة في الصحف والمجلات السودانية والعربية، وتُرجمت بعض قصصه إلى اللغة الروسية والإنجليزية.
طرق أبوبكر خالد عالم الرواية باكراً قبل بلوغ العشرين، وفي العام 1958 فاجأ الأوساط الأدبية بروايته (بداية الربيع)، وهي أول رواية طويلة جادة ذات مستوى رفيع، وقد طبعت بمصر وصدرت الطبعة الأولى عن دار الفكر في القاهرة، وكتب عنها الناقد السوري فؤاد دوارة قائلاً: أحسست وأنا أقرأ هذه الرواية السودانية الجديدة (بداية الربيع) بالدور الخطير الذى يستطيع الأدب أن يلعبه في حياتنا العربية لو وضع في أيدي أقلام أمينة وقادرة.
وأعقبها في أواسط الستينات برائعته الثانية (النبع المُر) 1966، ليعود مرة أخرى ويخرج مجموعة قصصية بعنوان: (كلاب القرية)، وهي مجموعة قصص قصيرة تم نشرها مرة باسم (كلاب القرية) ومرة باسم (وجاء الصيف)، ثم رواية (القفز فوق الحائط القصير) 1973، وطبعت بدار الهلال بمصر ثم توالت قصص وروايات أبوبكر خالد، وعند ظهور الثنائيات الأدبية كتب مجموعة قصص قصيرة بعنوان: (قصص سودانية) بالاشتراك مع الكاتب الكبير الطيب زروق.
حظيت هذه الأعمال الروائية والقصصية باهتمام بالغ من كبار الكتاب في مصر والسودان، وتناولوها بالنقد والتحليل إضافة إلى عدد كبير من القصص القصيرة يقارب الثمانين قصة قصيرة نشرت بالصحف والمجلات السودانية والعربية، كما كانت له إسهاماته الدائمة في الصحف والمجلات السودانية والمصرية، وتلفزيون السودان وعدد من التمثيليات بإذاعة وادي النيل بمصر، وركن السودان منها تمثيلية (تاجوج والرهان)، (أشياء صغيرة) وهناك روايات لم تنشر، وبعضها لم يكتمل منها: (نقوش على الذاكرة)، (ضل الدليب)، (البؤساء الصغار) و(الأعواد الخضر).
رحل الأديب أبوبكر خالد مضوي وشهر أغسطس يكاد يودع أيامه الأخيرة في الحادي والعشرين منه في العام 1976، وعدد ذلك اليوم من صحيفة (الصحافة) يصدُر صباحاً ويخرج عمود أبوبكر خالد (من وجدان الناس) ولكنه لا يجد كاتبه، ففي ذلك الصباح الماطر الحزين وقبل أن تشرق الشمس وتصل الصحف إلى عتبات البيوت المبلولة بماء المطر، وفي عمودِه الثابث كان قد كتب قبل رحيله بيوم واحد عبارة قال فيها: (الناس في بلادي لا يعرفون قدر الأدباء إلا بعد رحيلهم)، فكأنما كان ينعي نفسه.