"دمشق 4/3/2000
أخي العزيز فاروق
تحيات كثيرة وأشواق أكثر
كنت أتصور، في أحيان كثيرة أنني أكتب لنفسي، ولو لم أفعل يمكن أن أنفجر، فكل شيء يحيط بنا، يطوقنا ويضغط على رقابنا، يشعرنا بالاختناق، فإذا لم نبادر إلى عمل شيء ما يمكن أن نموت غيظاً.
كتبت "أرض السواد" بهذا الدافع، كنت أريد أن أقول ماذا يبني هذا البلد العظيم، العراق. لم أكن معنياً بصدام أو من يماثله من الحكام، فالبلد، الأرض والناس، أثمن لدي من أي حاكم، وهو الذي يستثيرني، خاصة عندما يُهان أو يتعرض للأذى. اخترت من حياة داود فترة قصيرة، فقط لأقول إن هؤلاء الأجانب، رغم القوة، ليسوا آلهة، وبالتالي يمكن هزيمتهم. طبيعي هناك فصول أخرى في نهاية وحياة داود، خاصة في العراق، لكني لم أجد ضرورة للإشارة إليها على الأقل في هذه الفترة.
اكتشفت بالتجربة، أن ما أكتبه لنفسي يعني الآخرين أيضاً، وهذا ما يجعلني أكثر جرأة في تناول بعض الموضوعات، والوصول فيها إلى الحواف الخطرة. واكتشفت، بالتجربة، أنك واقف لي في المرصاد، أو مثل لاعبي التنس، إذ ما أكاد أقترف الكرة، حتى تستقبلها بكثير من المعرفة والمودة، وتحاول أن تروضها وأن تعيدها إلى القارئ وإليّ معاً.
شكراً لقراءتك الهامة لأرض السواد، لقد شعرت أنني لا ألعب وحدي، ولا ألعب في الفراغ. ربما كانت أكثر الكرات المرسلة على شكل S كما يقال في مصطلحات لعبة التنس، لكن كنتَ قادراً على التقاطها، وكنت ترد بالطريقة المناسبة.
قدّرتُ أن "أرض السواد" تحتاج إلى بضع سنين لكي تُقرأ ويتم استيعابها، وقد وطّنت نفسي على الانتظار، لكن قبل أن تخرج من الفرن، كما يقال، كنت لها منتظراً، وكتبت هذه الدراسة التي أضفت على الرواية ألقاً مميزاً يشعرني بنوع من الحرج. أتمنى أن أكون عند حسن ظنك، وأتمنى أن أكتب أشياء أخرى تخرج من القلب وليس من الحنجرة.
"لهجة الرواية" لا تخلو من صعوبة، لكن وجدتها ضرورية من أجل نقل الجو وإيصال الرسالة. إن قهوة الشط، برجالها ومناخها وتوالي الفصول عليها، أعز عندي من أي مكان آخر، لكن هيهات من يقدر هذا الجو. ناس القاع شغلوني أكثر من داود وعليوي. الناس الذين ليس لهم أسماء أهم عندي من النياشين والألقاب الفخمة. أقدر أن هناك صعوبات في التقاط بعض الرسائل، لكن تثبيتها كان ضرورياً. زينب كوشان، أو فطوم، شغلتاني أكثر من شرين في سباق المسافات الطويلة، ويمكن أن تقول الشيء ذاته عن زنون وسيفو والآخرين. حتى الذين مروا سراعاً خفافاً، كانوا عندي يسهرون ليالي بطولها لكي يخرجوا بهذا الشكل وعلى تلك الصورة.
لا أريد أن أسترسل، لكن الرسالة إذا وصلت كلها أو بعضها، تخلق لي غبطة تنسيني التعب، وهذا هو التعويض المناسب.
أخي الكريم.
شكراً لك للمرة الألف، وشكراً على "أوراق التسعينات" الذي أتمتع بقراءته ليلة بعد أخرى.
لقد طلبت إلى ناشر "قضايا وشهادات" أن يرسل لك بضع نسخ من العدد المكرس لسعد الله، أرجو أن يكون قد فعل.
أكتب هذه الأيام "رسائل مفتوحة" وقضايا متعلقة بالفن. إنها استراحة المحارب كما يقال، وسوف أعود في الخريف إلى رواية جديدة، كما أرجو أن تكون هذه المرة قصيرة مركزة، كي يكف الناس عن شتمي على هذه الروايات الطويلة.
أتمنى أن أسمع منك، وأن نبقى على اتصال.
وأستأذنك، بأنني سآخذ المقطع الأخير في دراستك عن أرض السواد لكي أثبتها على أحد أجزاء الرواية، خاصة وأنها الآن في طور إعادة الطبع.
تقبل في الختام تحياتي الحارة وأشواقي الكثيرة.
عبد الرحمن منيف".
...
أخي العزيز فاروق
تحيات كثيرة وأشواق أكثر
كنت أتصور، في أحيان كثيرة أنني أكتب لنفسي، ولو لم أفعل يمكن أن أنفجر، فكل شيء يحيط بنا، يطوقنا ويضغط على رقابنا، يشعرنا بالاختناق، فإذا لم نبادر إلى عمل شيء ما يمكن أن نموت غيظاً.
كتبت "أرض السواد" بهذا الدافع، كنت أريد أن أقول ماذا يبني هذا البلد العظيم، العراق. لم أكن معنياً بصدام أو من يماثله من الحكام، فالبلد، الأرض والناس، أثمن لدي من أي حاكم، وهو الذي يستثيرني، خاصة عندما يُهان أو يتعرض للأذى. اخترت من حياة داود فترة قصيرة، فقط لأقول إن هؤلاء الأجانب، رغم القوة، ليسوا آلهة، وبالتالي يمكن هزيمتهم. طبيعي هناك فصول أخرى في نهاية وحياة داود، خاصة في العراق، لكني لم أجد ضرورة للإشارة إليها على الأقل في هذه الفترة.
اكتشفت بالتجربة، أن ما أكتبه لنفسي يعني الآخرين أيضاً، وهذا ما يجعلني أكثر جرأة في تناول بعض الموضوعات، والوصول فيها إلى الحواف الخطرة. واكتشفت، بالتجربة، أنك واقف لي في المرصاد، أو مثل لاعبي التنس، إذ ما أكاد أقترف الكرة، حتى تستقبلها بكثير من المعرفة والمودة، وتحاول أن تروضها وأن تعيدها إلى القارئ وإليّ معاً.
شكراً لقراءتك الهامة لأرض السواد، لقد شعرت أنني لا ألعب وحدي، ولا ألعب في الفراغ. ربما كانت أكثر الكرات المرسلة على شكل S كما يقال في مصطلحات لعبة التنس، لكن كنتَ قادراً على التقاطها، وكنت ترد بالطريقة المناسبة.
قدّرتُ أن "أرض السواد" تحتاج إلى بضع سنين لكي تُقرأ ويتم استيعابها، وقد وطّنت نفسي على الانتظار، لكن قبل أن تخرج من الفرن، كما يقال، كنت لها منتظراً، وكتبت هذه الدراسة التي أضفت على الرواية ألقاً مميزاً يشعرني بنوع من الحرج. أتمنى أن أكون عند حسن ظنك، وأتمنى أن أكتب أشياء أخرى تخرج من القلب وليس من الحنجرة.
"لهجة الرواية" لا تخلو من صعوبة، لكن وجدتها ضرورية من أجل نقل الجو وإيصال الرسالة. إن قهوة الشط، برجالها ومناخها وتوالي الفصول عليها، أعز عندي من أي مكان آخر، لكن هيهات من يقدر هذا الجو. ناس القاع شغلوني أكثر من داود وعليوي. الناس الذين ليس لهم أسماء أهم عندي من النياشين والألقاب الفخمة. أقدر أن هناك صعوبات في التقاط بعض الرسائل، لكن تثبيتها كان ضرورياً. زينب كوشان، أو فطوم، شغلتاني أكثر من شرين في سباق المسافات الطويلة، ويمكن أن تقول الشيء ذاته عن زنون وسيفو والآخرين. حتى الذين مروا سراعاً خفافاً، كانوا عندي يسهرون ليالي بطولها لكي يخرجوا بهذا الشكل وعلى تلك الصورة.
لا أريد أن أسترسل، لكن الرسالة إذا وصلت كلها أو بعضها، تخلق لي غبطة تنسيني التعب، وهذا هو التعويض المناسب.
أخي الكريم.
شكراً لك للمرة الألف، وشكراً على "أوراق التسعينات" الذي أتمتع بقراءته ليلة بعد أخرى.
لقد طلبت إلى ناشر "قضايا وشهادات" أن يرسل لك بضع نسخ من العدد المكرس لسعد الله، أرجو أن يكون قد فعل.
أكتب هذه الأيام "رسائل مفتوحة" وقضايا متعلقة بالفن. إنها استراحة المحارب كما يقال، وسوف أعود في الخريف إلى رواية جديدة، كما أرجو أن تكون هذه المرة قصيرة مركزة، كي يكف الناس عن شتمي على هذه الروايات الطويلة.
أتمنى أن أسمع منك، وأن نبقى على اتصال.
وأستأذنك، بأنني سآخذ المقطع الأخير في دراستك عن أرض السواد لكي أثبتها على أحد أجزاء الرواية، خاصة وأنها الآن في طور إعادة الطبع.
تقبل في الختام تحياتي الحارة وأشواقي الكثيرة.
عبد الرحمن منيف".
...