- لقد انضجني الحزن ... فهل تعرفني الآن ... هل تعرفني .... ايها الصغير في مدينتنا ... لقد انفض الورد .... وانسحب الشتاء الفاتر.. وأنا اراقب شوارعك ودموعك ونخلتك المتبقية في ساحة الشهداء
اقتربت ُ العشية َ من بابك المتجمع
حول مساميره ، العشب والطلقات القديمة ...
وانفض قلبي ..
ماذا يبيت لي
ذلك النيزك المتمرد في الروح ..
هل تنتهي رحلة الوجع البدوي
على مرفأ بيروت ...
أم أن ليل المشانق يمتد حتى خليج السماء البعيدة
ياروحي المتشبث بالحلم ..
خل الأساطير ...
قد أزف الوقت للاشتباك ...
فخل الاساطير ... خل المودة ... خل الأحاسيس ...
والشعر.. والحزن ... والاندفاع الجنوني في الطرقات
المطيرة ...
والريح يصفر .... والليل يرعد ...
خل الطفولة وابتدأ الآن .
رسم حروف الكتابة باللغة الوطنية ..
ان يقتل الشعر من يتبقى ؟
وهل يمكن الآن قتل الموسيقى ...
... وفيك تعرفت ان المصابيح في الجسر قد بقيت
طيلة الليل مطفأة كالجراح
وانك أنت الغناء الوحيد بروحي ...
وقد غيروا النار في سفر الدف ء ...
أقصيت روحي الى آخر البقعة الهمجية
في كوكب الريح ... ثم انتظرت ....انتظرت
سألت القوافل ... أسهرت ُ قلبي وصمتي واشرعتي ...
فرأيت البحار تشير أصابعها للفنار البعيد :
هنالك بيروت تحترق الآن ..
بين الطبول وبين المدافع
يا أيها القيد في شفتي تكسر ..
ويا أيها النغم المتسلل كالطيف رخوا ...
على الشرفات توتر ... توتر
وعاد من حملته في البر نابليون ..
وابتدأت مسيرة القراصنة
:
لاتسرقوا البيوت ..
لاتقتلوا على الهوية ..
ولاتعذبوا الأطفال ..
أبوس أيديكم ْ ... وأعدو مفرد الصرخة في الصحراء ..
لاتقتلوا الأطفال
بيروت .. انك تحترقين ..
حنانيك ... ضمي البقية مما تبقى بروحي الى
صدرك الانثوي الممزق خلف جدار الرصاص ..
لقد أسفر الليل عن ليلة ... مالليلك صبح
مالبيتك سور ... لقد كشفوا الأغطية ..
فالشوارع عارية الا من الصمت والدم والرمل ..
أعمدة في الزوايا قد انتشرت ..
ألوذ بعينيك ... كوني لطفلك أُما حنونا ...
لقد أوشك الطوفان الصليبي
أن يتصاعد حتى السماء
فمن ذا يغني ... ومن ذا يصيح لذاك الغناء
وفي عطشي مايعلمني أن اغني ..
وترحل كل السفائن في نزوات البحار العميقة
ترحل شاجبة هذه الحرب ..
ان دما خط فوق جدار المدينة حرفا .. وثم اختفى
في دروب الدماء الطويلة ..
حرفا صغيرا ..
هو الألق المتبقي بأشرعة الفقراء ..
ونحن الوحيدون من جاع دوما ....وسوف يحوع
ونحن الذين يموتون دوما .. وسوف يزيدون موتا ..
ونحن لنا الحرب آخر مايتبقى ..
لنخرج أقدامنا من وحول المدينة
ياوطن القنص .. والخطف ... والحاجز المتنقل مشيا
وركضا ..
وفي كل باب ... وبيت ٍ .. وحبة قمح .. رصاصة
اطالبك الآن أن تتجرد من كل خوف ..
وتنهض من هذه الغمرة الطائفية
متحد الفقراء ..
وتفتح أبابك الواسعات ...
احبك أحمر ... أحمر ... أحمر ..
لا اسم للدين فوق الهوية ...
متحد الفقراء شجاعا جميلا
عنيف الغناء ...
لقد أداروا فوق جرحك كل نيران العواصف ..
كدسوا كل سنين الجدب والصحراء ..
ياوطن الجنوب لقد حملتك في ضلوعي ...
حن بالأمس الحمام البابلي الى القلوع ..
فرأيت ان جنوب كل العالم السفلي ..
جوع فوق جوع
ودم وقمع واستلاب ..
وجهها الفضي علمني
بأن الشمس تنذر بالطلوع
وان قافلة الى الأهواز قد عبرت
تبشر بالرجوع
هنا على ابواب عاصفة ستقبل ..
نحن ننتظر السماء ..
ونشعل النيران في قمم الجبال
ليوم تلتحم الجموع مع الجموع
اقاوم حتى بقايا الخريف الذي نام في شفتي ..
منذ غادرتني ..
وتركت البكاء على كل نافذة في طريقي ..
اقاوم نهر البنفسج يغمرني ..
وتموت العصافير في سره غرقا ..
واقاوم كل البحار التي تتراجع
والانتظار الذي يتراجع
والطلقات التي تتراجع ..
لو تتجمع كل الزهور الاباحية العطر فوق دمي وتصلي ..
ولو يزهق البحر امواجه السرحات الاباحية الزرق ..
لن تتحطم في شاطيء صخرة الحب ..
لن تستحيل الينابيع ساقية للطحالب
في المدن الهمجية ..
اني اعيذك ياموطن الحب في الفلوات البعيدة ،
في اعمق الهمسات بروحي .. ان تتراجع ..
انك آخر مايحمل الآن صوت الشذى
ويدافع عن حذره البلشفي المحاصر بين زوايا التراجع
ما انفض ليل البداوة الاّ ووجهك جسر
الى طرقات الضياء البعيدة
في الحلم المتواصل بين قلوع الخليج
اوقفي يارياح الشتاء الغريبة في الروح ... هذا الضجيج
لقد هدأت في دمي الصرخات ..
ومات الحنين الاباحي ..
عمدت بالنار صوتي ..
وأقفلت نافذة في جدار المساء
اقاوم حتى البقايا التي تتنفس في جثتي ..
آخر الهمسات ..
واعشق ... أعشق .. أعشق
وجه بنفسجة في حنايا المساء
وارفض .. أرفض .. ارفض ..
هذا الضجيج الاباحي ..
والكذب المتراكم تحت وحول الشتاء
ولو ان كل الضحك والفوضى قد اجتمعت على بابي ..
سأبقى صرخة في الريح .. دامية تغني
وأظل كالحلم الجنيني العميق ..
مقاوما كالطير خلف جدار سجني
وامد خلف الشبابيك البعيدة للمدى صوتي ..
واعبر فوق حزني
واحارب كل اللغات السرية ..
والألم المتوهج في الكبت
واحارب منطفئ اللوعة كل الهمسات الفوضى ..
واحارب مختنق الصوت
وأظل وحيدا ... لو كنت وحيدا سأظل ..
سأبقى عبق الروح ... اقاوم اوجاعي في الصمت
وابشر بالأمطار وبالريح ..
وبالحب ...وبالحب ... وبالحب
شراعيا ...وشراعيا حتى الموت
هذا النيزك في روحي ..
وتجمع في الطرقات ... وفي سقف الغرفة ..
جيش مودات الأيام الاولى ..
وتفرد في غربته النزق الوحشي الى عينيك ..
انت هنالك ؟
في هذي اللحظة .. تسقط كالرقصة في ذاكرة الموسيقى !
وتموت على العتبات ..
كجندي يسرق اغطية الفقراء
وأنا لا أملك في هذا البرد ..
غطاءا وسلاحا .. وزهورا
وعصافيرا..
اقفرني الموسم ..
واتجه النخل – هنالك حيث يموتون اليوم –
اتجه النخل
.. وامطرت الأيام شجونا
ياقلبي .. ياشجر الأيام المهجور ..
سوى من عاصفة الحزن البدوي
وأطرقت ُ .......
وكنت تعاشر كل مسا حات اللون الفاقع ..
والأضوية الفجة في الساحات ..
متى سأراك ... وقد عدت ..
تعرفت مكامن أوجاع القلب
لقد أسرفت بهذا النزق الطفلي المتراقص
في الساحات اباحيا
فتجمع .. واقرأ وجهك في منتصف اليقظة ..
اسرفت َ لقد اسرفت بترحالك
بين النزوات الغجرية .. اسرفت ... غدوت خرافيا
وتعلمت بك الادمان على الحزن
وكل رصاص الليل المتساقط ..
والامطار جميعا
والطرقات تئن .. وأصوات الموتى ..
توشك ان تهتف رغم النزف المتسارع في الروح ..
تعال
فان مصابيح الوجد على الجسر .. هنالك يقظى ..
تنتظر خطاك .. ولاتعرف ان كنت تجيئ ..
ام انك اسرفت بترحالك في البال
وفي البال ... قوافل تشرين الاولى .. والعربات .. ونيران الحرب ..
ولعب الأطفال
أصيخ الى وقع الخطوات الليلة في روحي ..
وافتش في ثغرات الجوع ..
وتقترب محطات النأي
وتزدحم " قواويش " الليل .. هناك مدينة وعي في الروح
وأما الآن .. فان قطارات الايام تشق سكون الليل ..
ومازلت افتش عنك ..
واسهر بين دفاتر احزاني ..
وشبابيك الوعي المطري ..
هو الآن سحابة شوق .. وستمضي ..
وترش دروب " سماوتك " الاولى ..
وأراك هناك وحيدا ..
في تلك الزاوية الدكناء من المقهى .. وأصيخ الى صوت حنين ..
ترسله الزنزانة : أن اتلقاك ..
واعرف صوتك رغم الغربة
مغمورا خلف المتراس
واعرف انك قد اسرفت بتغريب البال ..
وهجرت بقية ازهار الدفلى البيضاء ..
وتسأل في المكتوب – تأخر منذ سنين مكتوبك –
كيف غدوت .. وكيف الحال
فتختض الفيحاء .. وترقص نخلتها المطوية
في التذكار الموحش
.. ان لها في الروح شراع
وأطلت بعينيك السفر المتشرد ..
هل تسمع .. هل تسمع أوجاع القلب ..
وصوت الألق المتقطع في الاوجاع ..
لقد اسرفت .. لقد اسرفت ..
وعودت القلب على الف وداع .. ووداع
وتوقف نهر الرصاص .. واوشكت ان اخلع الخاتم من
يدي ... القميص القديم .. واعبر جسر الشهداء
نحو وجهك البعيد
ياوجهك البعيد..
ياتغرب المحارب الصغير خلف يقظة المتراس في الشياح
والترقب السري " لبناء عالم جديد
ولقبر مشعلي الحروب
في هدى اكتوبر المجيد "
يفتح المتراس عينيه ..
وتستفيق رغبة الشتاء في اصابع الجليد
ويسرح الندى مع الطفولة البيضاء والفراش ..
في صوت المغني ... يعبر الخلجان والحدود
" هلي بيكم يلذ العيش ويطيب
هلي منكم تعلمت الوفا والطيب
هلي يا اهل المضايف والدلال "
" والمحار واللؤلؤ والردى " ....
والموقف الوحيد
لاتغامر الآن بكشف جرحك السري ..
ما اسم جرحك السري ..
ما اسم جرحك السري .. لاتبح ..
وما اسم بيتك السري .. لاتبح ..
وكيف تكتبون الشعر ...كيف ترسمون
كيف تمطر الغيوم ...
وبين بغداد ... وبيروت .. وعينيك..
نوافذ الحب ..
واستحالة للصوت في سكونه العنيد
في صراخه العنيد
في عناده العنيد
ومازلت رغم انسكاب الطفولة في ساحة
الزنبق المتقطر من شفتيك
احبك دافيء ... والقطرات الاليفة كانت تضيء ..
زجاج المدينة ..
عاصمة لبلاد المحبة .. والسفر المتواصل انت
وقلت سيرجع يوما .. واقفلني الرصاص
واقفلت خلف السنين الباب ..
فتشت الشوارع عنك .. والشرفات ..
لاهمس ... ولاذكرى ولاحلم ..
أيمكن ان يكون الطالع القمري ... قبل طلوعه قد غاب
أيمكن ان يكون قد استحال الشاطئ الوردي
في شفتيك اغصانا مجدلة ..
وفتشت الشواطئ ..
ابحرت كل السفائن .
ماتبقى الآن غير النورس العنيد
غير النورس العنيد
: حبك كان النورس العنيد
وغادر الرصاص أبواب المدائن القديمة ..
وراجع المحاربون أوراق السياسيين ..
واستعاد بعضهم رؤوسهم من درج المكاتب
كانت رؤوسهم بعض اسطوانات .. وجوز هند
وكانت الريح الشمالية تعوي ..
من يمد الآن كفيه .. لكي نحارب
من ينزع الجلد الفلسطيني والمصري والسوري ..
كي نحارب
من ينزع الجلد الطوائفي في لبنان كي نحارب
من يخرج السودان من زنزانة التعذيب ... كي نحارب
من يفتح الطريق للخليج .. انه الخليج .. انه الخليج "
واهب المحار واللؤلؤ والردى "
أصرخ بالخليج . ياخليج .. ياخليج .. ياخليج
مد لي يدا
اني تعرفت بعينيك قساوة الليل ..
وهاجس الالفة في تواصل النجوم والندى
فمن يجيئ .. من يجيئ ..
من يعبر سور الجاهلية القديم ..
هذا السور .. هذا السور ..
أكاد أن أجن عند هذا السور
أكاد أن اقتل عند هذا السور
وأمس حين كانت القذائف الكتائبية ،
تتابع ... الأطفال في شوارع الشياح
رأيت عند هذا السور نجمتين تسقطان في الغبار ..
وتسقطان في الضباب ..
وتسقطان في الليل ..
وكان اذاك هو الصباح
من يخرج هذا العصفور الرومانطيقي
من الغيم الأزرق
من يكسر أعمدة النيران الخضراء على روحي
فأرى روحي
البيضاء ... لقد هجعت كل طيور الغابات المهجورة ..
الا الطير النافر
مازال جناحاه الطفلان ..
على كل الأبواب يدقان ويضطربان
فمن ذا يفتح بابا في هذا الوقت المتأخر ..
والحرب أدارت منذ اواسط نيسان
مفاتيح جميع الأبواب
اني الطارق بابك ... لاتتأخر ..
ستنام الساعة في ملجئها السري ..
وينتحب الشارع .. والشرفة ..
والوعد المطري ... وفي الآفاق مواعيد سحاب
في الآفاق مواعيد سحاب
في الآفاق مواعيد سحاب
واذا لم تفتح بابك .. فالصبح سراب
الصبح سراب .
..................
2 كانون اول 1975 .
روشن ( اسم مستعار ) .
اسم المجلة : الى الأمام ... الثقافية ص30 - 33
التاريخ : 20/ 2 / 1976 .
العدد : 544
اقتربت ُ العشية َ من بابك المتجمع
حول مساميره ، العشب والطلقات القديمة ...
وانفض قلبي ..
ماذا يبيت لي
ذلك النيزك المتمرد في الروح ..
هل تنتهي رحلة الوجع البدوي
على مرفأ بيروت ...
أم أن ليل المشانق يمتد حتى خليج السماء البعيدة
ياروحي المتشبث بالحلم ..
خل الأساطير ...
قد أزف الوقت للاشتباك ...
فخل الاساطير ... خل المودة ... خل الأحاسيس ...
والشعر.. والحزن ... والاندفاع الجنوني في الطرقات
المطيرة ...
والريح يصفر .... والليل يرعد ...
خل الطفولة وابتدأ الآن .
رسم حروف الكتابة باللغة الوطنية ..
ان يقتل الشعر من يتبقى ؟
وهل يمكن الآن قتل الموسيقى ...
... وفيك تعرفت ان المصابيح في الجسر قد بقيت
طيلة الليل مطفأة كالجراح
وانك أنت الغناء الوحيد بروحي ...
وقد غيروا النار في سفر الدف ء ...
أقصيت روحي الى آخر البقعة الهمجية
في كوكب الريح ... ثم انتظرت ....انتظرت
سألت القوافل ... أسهرت ُ قلبي وصمتي واشرعتي ...
فرأيت البحار تشير أصابعها للفنار البعيد :
هنالك بيروت تحترق الآن ..
بين الطبول وبين المدافع
يا أيها القيد في شفتي تكسر ..
ويا أيها النغم المتسلل كالطيف رخوا ...
على الشرفات توتر ... توتر
وعاد من حملته في البر نابليون ..
وابتدأت مسيرة القراصنة
:
لاتسرقوا البيوت ..
لاتقتلوا على الهوية ..
ولاتعذبوا الأطفال ..
أبوس أيديكم ْ ... وأعدو مفرد الصرخة في الصحراء ..
لاتقتلوا الأطفال
بيروت .. انك تحترقين ..
حنانيك ... ضمي البقية مما تبقى بروحي الى
صدرك الانثوي الممزق خلف جدار الرصاص ..
لقد أسفر الليل عن ليلة ... مالليلك صبح
مالبيتك سور ... لقد كشفوا الأغطية ..
فالشوارع عارية الا من الصمت والدم والرمل ..
أعمدة في الزوايا قد انتشرت ..
ألوذ بعينيك ... كوني لطفلك أُما حنونا ...
لقد أوشك الطوفان الصليبي
أن يتصاعد حتى السماء
فمن ذا يغني ... ومن ذا يصيح لذاك الغناء
وفي عطشي مايعلمني أن اغني ..
وترحل كل السفائن في نزوات البحار العميقة
ترحل شاجبة هذه الحرب ..
ان دما خط فوق جدار المدينة حرفا .. وثم اختفى
في دروب الدماء الطويلة ..
حرفا صغيرا ..
هو الألق المتبقي بأشرعة الفقراء ..
ونحن الوحيدون من جاع دوما ....وسوف يحوع
ونحن الذين يموتون دوما .. وسوف يزيدون موتا ..
ونحن لنا الحرب آخر مايتبقى ..
لنخرج أقدامنا من وحول المدينة
ياوطن القنص .. والخطف ... والحاجز المتنقل مشيا
وركضا ..
وفي كل باب ... وبيت ٍ .. وحبة قمح .. رصاصة
اطالبك الآن أن تتجرد من كل خوف ..
وتنهض من هذه الغمرة الطائفية
متحد الفقراء ..
وتفتح أبابك الواسعات ...
احبك أحمر ... أحمر ... أحمر ..
لا اسم للدين فوق الهوية ...
متحد الفقراء شجاعا جميلا
عنيف الغناء ...
لقد أداروا فوق جرحك كل نيران العواصف ..
كدسوا كل سنين الجدب والصحراء ..
ياوطن الجنوب لقد حملتك في ضلوعي ...
حن بالأمس الحمام البابلي الى القلوع ..
فرأيت ان جنوب كل العالم السفلي ..
جوع فوق جوع
ودم وقمع واستلاب ..
وجهها الفضي علمني
بأن الشمس تنذر بالطلوع
وان قافلة الى الأهواز قد عبرت
تبشر بالرجوع
هنا على ابواب عاصفة ستقبل ..
نحن ننتظر السماء ..
ونشعل النيران في قمم الجبال
ليوم تلتحم الجموع مع الجموع
اقاوم حتى بقايا الخريف الذي نام في شفتي ..
منذ غادرتني ..
وتركت البكاء على كل نافذة في طريقي ..
اقاوم نهر البنفسج يغمرني ..
وتموت العصافير في سره غرقا ..
واقاوم كل البحار التي تتراجع
والانتظار الذي يتراجع
والطلقات التي تتراجع ..
لو تتجمع كل الزهور الاباحية العطر فوق دمي وتصلي ..
ولو يزهق البحر امواجه السرحات الاباحية الزرق ..
لن تتحطم في شاطيء صخرة الحب ..
لن تستحيل الينابيع ساقية للطحالب
في المدن الهمجية ..
اني اعيذك ياموطن الحب في الفلوات البعيدة ،
في اعمق الهمسات بروحي .. ان تتراجع ..
انك آخر مايحمل الآن صوت الشذى
ويدافع عن حذره البلشفي المحاصر بين زوايا التراجع
ما انفض ليل البداوة الاّ ووجهك جسر
الى طرقات الضياء البعيدة
في الحلم المتواصل بين قلوع الخليج
اوقفي يارياح الشتاء الغريبة في الروح ... هذا الضجيج
لقد هدأت في دمي الصرخات ..
ومات الحنين الاباحي ..
عمدت بالنار صوتي ..
وأقفلت نافذة في جدار المساء
اقاوم حتى البقايا التي تتنفس في جثتي ..
آخر الهمسات ..
واعشق ... أعشق .. أعشق
وجه بنفسجة في حنايا المساء
وارفض .. أرفض .. ارفض ..
هذا الضجيج الاباحي ..
والكذب المتراكم تحت وحول الشتاء
ولو ان كل الضحك والفوضى قد اجتمعت على بابي ..
سأبقى صرخة في الريح .. دامية تغني
وأظل كالحلم الجنيني العميق ..
مقاوما كالطير خلف جدار سجني
وامد خلف الشبابيك البعيدة للمدى صوتي ..
واعبر فوق حزني
واحارب كل اللغات السرية ..
والألم المتوهج في الكبت
واحارب منطفئ اللوعة كل الهمسات الفوضى ..
واحارب مختنق الصوت
وأظل وحيدا ... لو كنت وحيدا سأظل ..
سأبقى عبق الروح ... اقاوم اوجاعي في الصمت
وابشر بالأمطار وبالريح ..
وبالحب ...وبالحب ... وبالحب
شراعيا ...وشراعيا حتى الموت
هذا النيزك في روحي ..
وتجمع في الطرقات ... وفي سقف الغرفة ..
جيش مودات الأيام الاولى ..
وتفرد في غربته النزق الوحشي الى عينيك ..
انت هنالك ؟
في هذي اللحظة .. تسقط كالرقصة في ذاكرة الموسيقى !
وتموت على العتبات ..
كجندي يسرق اغطية الفقراء
وأنا لا أملك في هذا البرد ..
غطاءا وسلاحا .. وزهورا
وعصافيرا..
اقفرني الموسم ..
واتجه النخل – هنالك حيث يموتون اليوم –
اتجه النخل
.. وامطرت الأيام شجونا
ياقلبي .. ياشجر الأيام المهجور ..
سوى من عاصفة الحزن البدوي
وأطرقت ُ .......
وكنت تعاشر كل مسا حات اللون الفاقع ..
والأضوية الفجة في الساحات ..
متى سأراك ... وقد عدت ..
تعرفت مكامن أوجاع القلب
لقد أسرفت بهذا النزق الطفلي المتراقص
في الساحات اباحيا
فتجمع .. واقرأ وجهك في منتصف اليقظة ..
اسرفت َ لقد اسرفت بترحالك
بين النزوات الغجرية .. اسرفت ... غدوت خرافيا
وتعلمت بك الادمان على الحزن
وكل رصاص الليل المتساقط ..
والامطار جميعا
والطرقات تئن .. وأصوات الموتى ..
توشك ان تهتف رغم النزف المتسارع في الروح ..
تعال
فان مصابيح الوجد على الجسر .. هنالك يقظى ..
تنتظر خطاك .. ولاتعرف ان كنت تجيئ ..
ام انك اسرفت بترحالك في البال
وفي البال ... قوافل تشرين الاولى .. والعربات .. ونيران الحرب ..
ولعب الأطفال
أصيخ الى وقع الخطوات الليلة في روحي ..
وافتش في ثغرات الجوع ..
وتقترب محطات النأي
وتزدحم " قواويش " الليل .. هناك مدينة وعي في الروح
وأما الآن .. فان قطارات الايام تشق سكون الليل ..
ومازلت افتش عنك ..
واسهر بين دفاتر احزاني ..
وشبابيك الوعي المطري ..
هو الآن سحابة شوق .. وستمضي ..
وترش دروب " سماوتك " الاولى ..
وأراك هناك وحيدا ..
في تلك الزاوية الدكناء من المقهى .. وأصيخ الى صوت حنين ..
ترسله الزنزانة : أن اتلقاك ..
واعرف صوتك رغم الغربة
مغمورا خلف المتراس
واعرف انك قد اسرفت بتغريب البال ..
وهجرت بقية ازهار الدفلى البيضاء ..
وتسأل في المكتوب – تأخر منذ سنين مكتوبك –
كيف غدوت .. وكيف الحال
فتختض الفيحاء .. وترقص نخلتها المطوية
في التذكار الموحش
.. ان لها في الروح شراع
وأطلت بعينيك السفر المتشرد ..
هل تسمع .. هل تسمع أوجاع القلب ..
وصوت الألق المتقطع في الاوجاع ..
لقد اسرفت .. لقد اسرفت ..
وعودت القلب على الف وداع .. ووداع
وتوقف نهر الرصاص .. واوشكت ان اخلع الخاتم من
يدي ... القميص القديم .. واعبر جسر الشهداء
نحو وجهك البعيد
ياوجهك البعيد..
ياتغرب المحارب الصغير خلف يقظة المتراس في الشياح
والترقب السري " لبناء عالم جديد
ولقبر مشعلي الحروب
في هدى اكتوبر المجيد "
يفتح المتراس عينيه ..
وتستفيق رغبة الشتاء في اصابع الجليد
ويسرح الندى مع الطفولة البيضاء والفراش ..
في صوت المغني ... يعبر الخلجان والحدود
" هلي بيكم يلذ العيش ويطيب
هلي منكم تعلمت الوفا والطيب
هلي يا اهل المضايف والدلال "
" والمحار واللؤلؤ والردى " ....
والموقف الوحيد
لاتغامر الآن بكشف جرحك السري ..
ما اسم جرحك السري ..
ما اسم جرحك السري .. لاتبح ..
وما اسم بيتك السري .. لاتبح ..
وكيف تكتبون الشعر ...كيف ترسمون
كيف تمطر الغيوم ...
وبين بغداد ... وبيروت .. وعينيك..
نوافذ الحب ..
واستحالة للصوت في سكونه العنيد
في صراخه العنيد
في عناده العنيد
ومازلت رغم انسكاب الطفولة في ساحة
الزنبق المتقطر من شفتيك
احبك دافيء ... والقطرات الاليفة كانت تضيء ..
زجاج المدينة ..
عاصمة لبلاد المحبة .. والسفر المتواصل انت
وقلت سيرجع يوما .. واقفلني الرصاص
واقفلت خلف السنين الباب ..
فتشت الشوارع عنك .. والشرفات ..
لاهمس ... ولاذكرى ولاحلم ..
أيمكن ان يكون الطالع القمري ... قبل طلوعه قد غاب
أيمكن ان يكون قد استحال الشاطئ الوردي
في شفتيك اغصانا مجدلة ..
وفتشت الشواطئ ..
ابحرت كل السفائن .
ماتبقى الآن غير النورس العنيد
غير النورس العنيد
: حبك كان النورس العنيد
وغادر الرصاص أبواب المدائن القديمة ..
وراجع المحاربون أوراق السياسيين ..
واستعاد بعضهم رؤوسهم من درج المكاتب
كانت رؤوسهم بعض اسطوانات .. وجوز هند
وكانت الريح الشمالية تعوي ..
من يمد الآن كفيه .. لكي نحارب
من ينزع الجلد الفلسطيني والمصري والسوري ..
كي نحارب
من ينزع الجلد الطوائفي في لبنان كي نحارب
من يخرج السودان من زنزانة التعذيب ... كي نحارب
من يفتح الطريق للخليج .. انه الخليج .. انه الخليج "
واهب المحار واللؤلؤ والردى "
أصرخ بالخليج . ياخليج .. ياخليج .. ياخليج
مد لي يدا
اني تعرفت بعينيك قساوة الليل ..
وهاجس الالفة في تواصل النجوم والندى
فمن يجيئ .. من يجيئ ..
من يعبر سور الجاهلية القديم ..
هذا السور .. هذا السور ..
أكاد أن أجن عند هذا السور
أكاد أن اقتل عند هذا السور
وأمس حين كانت القذائف الكتائبية ،
تتابع ... الأطفال في شوارع الشياح
رأيت عند هذا السور نجمتين تسقطان في الغبار ..
وتسقطان في الضباب ..
وتسقطان في الليل ..
وكان اذاك هو الصباح
من يخرج هذا العصفور الرومانطيقي
من الغيم الأزرق
من يكسر أعمدة النيران الخضراء على روحي
فأرى روحي
البيضاء ... لقد هجعت كل طيور الغابات المهجورة ..
الا الطير النافر
مازال جناحاه الطفلان ..
على كل الأبواب يدقان ويضطربان
فمن ذا يفتح بابا في هذا الوقت المتأخر ..
والحرب أدارت منذ اواسط نيسان
مفاتيح جميع الأبواب
اني الطارق بابك ... لاتتأخر ..
ستنام الساعة في ملجئها السري ..
وينتحب الشارع .. والشرفة ..
والوعد المطري ... وفي الآفاق مواعيد سحاب
في الآفاق مواعيد سحاب
في الآفاق مواعيد سحاب
واذا لم تفتح بابك .. فالصبح سراب
الصبح سراب .
..................
2 كانون اول 1975 .
روشن ( اسم مستعار ) .
اسم المجلة : الى الأمام ... الثقافية ص30 - 33
التاريخ : 20/ 2 / 1976 .
العدد : 544