عبدالله فراجي - سِفْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسْ

عَبَرْتُ فِي شُجُونِ لَيْلَةٍ بَهِيمَةٍ،
مَدِيَنةً جَرِيحَةً أَصَابَهَا الْعَطَبْ
حَزِينَةً، كَئِيبَةً بِلاَ جَرِيرَةٍ،
وَلاَ انْعِتَاقَ فِي الْهُمُومِ وَالسَّغَبْ
مَدِينَةً تَسَاقَطَتْ عِمَادُهَا،
وَتَاهَ كُلُّ مَنْ رَوَى نَحِيبَهَا،
مِنَ الْخَلِيجِ لِلْمُحِيطِ فِي الْكَلامِ وَالْخُطَبْ..
عَبَرْتُ فِي سَمَاءِ أَرْضِهَا وَحُبِّهَا
مَواطِنَ السُّقُوطِ وَالأَلَمْ،
كَشَفْتُ كُحْلَ وَشْمِهَا عَلَى الْجَسَدْ
عَلَى شَقَاوَةِ الْحَيَاةِ فِي الظُّلَمْ
ظَنَنْتُ أَنَّنِي عَلَى بِسَاطِ عَاشِقٍ
يَطُوفُ كَعْبَةَ الْغَرَامِ غَانِمًا،
يُوَزِّعُ الْبِذَارَ وَالنَّوَى،
وَيَزْرَعُ الْحَيَاةَ فِي صَلَابَةِ الْعَدَمْ..
ظَنَنْتُ أَنَّنِي عَلَى صَفَاءِ صُبْحِهَا مُدَثَّرٌ
كَزَاهِدٍ يَرُومُ في الصَّلاةِ تَوْبَةً،
يَزُورُ مَقْدِسَ السَّمَاءِ وَالرُّسُلْ،
وَيَغْرِفُ السّلامَ والقُبَلْ
ظَنَنْتُ أَنَّنِي شَهِيدَهَا الَّذِي تَزَرْكَشَتْ
عَلَى مَقَامهِ الْعَلِيِّ يَاقَةٌ وَأَنْجُمٌ
مِنَ الْبَهَاءِ وَالْجَمَالِ وَالْحُلَلْ،
وَحَوْلَهُ الْجُنُودُ يَكْتُبُونَ بِالرَّصَاصِ مَجْدَهُمْ،
وَخَلْفَهُ الشَّوَارِعُ الْحَزِينَةُ الْمُدَنَّسَهْ..
ظَنَنْتُ أَنَّنِي قَطَفْتُ مِنْ جِنَانِهَا زَنَابِقاً،
وَخَمْرَةً تَدَفَّقَتْ عَلَى الثَّرَى بِلاَ قُلَلْ..
ظَنَنْتُ أَنَّنِي كَطَائِرٍ تَسَامَقَتْ بِهِ السَّمَاءُ فِي رِحَابِهَا،
يَحُومُ فِي الْعُلَى بِلاَ مَلَلْ..
ظَنَنْتُ أَنَّني.. ظَنَنْتُ أَنَّنِي..
وَلَمْ أَصِلْ لِرُؤْيَةِ انْتِصَارِهَا عَلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرْ،
وَسُرْبَةُ الطُّيُورُ فِي الْبِلَادِ لَمْ تَصِلْ..
وَلَمْ أَصِلْ أَنَا مَعَ اسْتِفَاقَةِ الصَّبَاحِ،
وَالطَّرِيقُ ضَمَّنِي وَلَمْ يصِلْ..
وَصِرْتُ خَائِفًا عَلَى جِنَانِ مَقْدِسِ الْأَمَلْ
كَسِنْدِبَادَ في رَحِيلِهِ كَآبَةٌ وَحُرْقَةٌ
فَقَدْتُ أَنْجُمِي وَمَرْكَبِي،
وَصِرْتُ لاجِئًا عَلَى تُخُومِهَا،
وَنَارُ غُرْبَتِي تَلُوكُنِي.. تَلُوكُنِي..
طُرِدْتُ كاَلشَّرِيدِ مِنْ نَعِيمِهَا عَلَى عَجَلْ..
وَفِي دَوائِرِ الْمَخَافِرِ الّتِي عَرَفْتُهَا،
وَذُقْتُ مِنْ صَغَارِهَا
وَمِنْ حِصَارِهَا..
كَشَفْتُ دَوْرَةَ الدَّمَارِ فِي مَدِينَتِي،
عَلَى جِنَانِ دَوْحَةٍ كَسَى جُرُوحَهَا الْضَّجَرْ..
وَفِي الْغَيَاهِبِ الَّتِي تُعِيدُ فِي الظَّلاَمِ مَوْتَهَا،
وَصَوْتَهَا.. وَفِي الصَّبَاحِ لاَ تُنِيرُ وَجْهَهَا،
صَرَخْتُ فِي وِهَادِهَا بِنَارِ عَاشِقٍ لِتُرْبِهَا:
أَنَا الّذِي زَرَعْتُهَا زَنَابِقًا وَنَرْجِسًا،
أَنَا الّذِي وَهَبْتُهَا قَلائِدَ الْكَلاَمِ فِي فَمِي،
أَنَا الّذِي نَثرْتُ فِي شِعَابِهَا تَمَرُّدِي،
وَصُنْتُ حُبَّهَا بِأَضْلُعِي،
كَتَبْتُهَا بِجَوْرِ لَيْلَةٍ كَئِيبَةٍ،
وَصُغْتُهَا عَلَى جَدَاوِلِ السُّقُوطِ آيَةً تُنِيرُ صَحْوَتِي..
أَنَا الَّذِي تَغُصُّهُ الْعِبارَةُ الْمُنَمَّقَهْ
تَغُصُّهُ الْحِكَايَةُ الْمُفَصَّلَهْ
وَسُكَّرُ الْخِطَابِ خَمْرَةٌ تَذُوبُ فِي دَمِهْ
تَغُصُّهُ شَقَاوَةُ الطَّرِيقِ وَالثَّرَى
وَجَمْرَةُ الْحَيَاةِ فِي الْهَشِيمِ وَالرُّبَى تُؤَبِّنُهْ..
وَفِي الْبِلَادِ مُبْعَدٌ وَتَائِهٌ
مَدَارِجُ الزُّؤَامِ فِي فَمِهْ،
كَسُمِّ عَقْرَبٍ سَقَى الْفُؤَادَ،
بِالْحِمَامِ عَلَّلَهْ..
أَنَا الَّذِي اكْتَوَيْتُ مِنْ صُرَاخِ مَقْدِسِ السُّقُوطِ وَالْحِمَمْ،
وَزَهْرَةُ الْحَيَاةِ فِي رُؤَايَ أَحْرَقَ اخْضِرَارَهَا الْغَضَبْ..
وَحِينَ ضَمَّنِي الْحَبِيبُ فِي نَحِيبِهِ، انْتَهَيْتُ فِي صَحَائِفِ الطُّغَاةِ وَالْخُطَبْ،
وَتِهْتُ فِي مَنَابِرِ الْيَهُودِ وَالعَرَبْ..
وَحِينَ خَانَنِي الْهَوَانُ صُنْتُ أَحْرُفِي..
وَتِهْتُ فِي عَجَاجَةِ الْمَنَابِرِ التَّعِيسَةِ الرُّؤَى،
فَقَدْتُ وِجْهَةَ الطَّرِيقِ وَاخْتَنَقْتُ فِي مَسَارِهَا
فَقَدْتُ مَقْدِسَ الْحَيَاةِ وَالصَّلَاةِ وَالْأَمَلْ..



عبدالله فراجي - مكناس - المغرب.

* مشاركتي في ديوان " فلسطين في عيون الأدباء العرب".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...