رسالة من محمود تيمور الى ابراهيم عبد القادر المازني

سيدي الأستاذ الأجل:

أشرت إليّ في حديثك الطريف المنشور بالعدد 200 من الرسالة الغراء، إشارة تنطوي على دعابة من دعاباتك اللطيفة التي تعودنا أن نسمعها منك. فقد ذكرت أنك كنت مدعوا إلى مأدبة عشاء، واتفق أن أجلسوك بجانب سيدة (وقور) ظنتك إياي. فانطلقت تمتدحك. وتمدح مؤلفاتك، وتخبرك مسرورة أن أولادها يقرؤون كتبك (أي كتبي ولا مؤاخذة) وأنهم جد معجبين بك.

أشكرك يا سيدي الأستاذ على نشرك هذا الخبر. وسواء أكان من مبتكرات خيالك أم هو حقيقة واقعة لا شأن للخيال فيها، فإني أرى فيه دعاية طيبة لي ولمؤلفاتي، خصوصاً وأني اعد في هذه الآونة مجموعة جديدة. ولعلك قد علمت بخبر هذه المجموعة فتطوعت، من تلقاء نفسك، حبا في مساعدة زملائك الصغار (الصغار في المنزلة، وليس في السن طبعا) والأخذ بيدهم في معترك هذه الحياة الأدبية العابسة. أشكرك على طيبة قلبك؛ فأنت حقا زميل نافع لزملائه. وإني أخشى أن يفطن الأستاذ الزيات إلى هذه الطريقة المخادعة التي لجأنا إليها - أنت وأنا - فاستغللنا بضع أعمدة مم رسالته في الإعلان عن أنفسنا ومؤلفاتنا. فتكون العاقبة غير حميدة!

لا أدري، أي شيطان أجلسك بجوار هذه السيدة الوقور، فصرفتك بحديثها الثقيل عن مغازلة - بريئة أو غير بريئة - لجارتك الأخرى، تلك الغادة الهيفاء التي صوتها كالتغريد (على حد تعبيرك). لو علمت هذه السيدة الوقور أي خسارة لحقت بأدبنا العربي، بصرفها إياك عن غادتك الهيفاء، لتركتك على الفور طليقا تنعم بحريتك مع فتاتك، تستمتع بتغريدها العذب، ولفاز أدبنا بقصة رائعة من قلمك، تصف لنا فيها مغامرة جديدة من مغامراتك الغرامية، تلك المغامرات التي سيكون لزوجك (الخيالية) أثر كبير فيها، فنسمعك تقول لها: يا امرأة، ما شأنك أنت وهذه الغادة الهيفاء التي صوتها كتغريد الطيور. . . .؟ فلا تكاد تتم جملتك حتى تشعر بيد قد استولت على إذنك، وأخذت تعركها عرك أستاذية عريقاً. . .!

ولكن ما لنا ولهذا؟ إني أراهن أن هذه السيدة الوقور لم تقرأ سطراً واحداً من مؤلفاتي و لما تركتها بين يدي صبيانها (فتيان وفتيات) يقرءونها بلا تحرج. هذه المؤلفات يا سيدي الأستاذ لا تخلو - كما تعلم أو لعلك لا تعلم - من قطع نعتها البعض بأنها من الأدب المكشوف. وإني شخصيا لا أميز بين هذه القطع وبين غيرها؛ فالأدب ليس له عندي غير اسم واحد هو الأدب بمعناه الواسع؛ وليس له إلا هدف واحد: هو الفن، أو على الأصح هذا ما نزعمه - والله أعلم!

فهل لك يا سيدي المحترم أن تبادر إلى هذه السيدة، وتعلن لها تلك النتيجة المحزنة، ثم تدعوها باسم الفضيلة والأخلاق أن تسلمك هذه المؤلفات الموبوءة لتطهر البيت منها؟ ولك أن تقترح استبدالها بغيرها مما يعنى بالتربية والتهذيب، وزرع الفضيلة في النشء الصغير. وكنت أود أن تحل كتبك محل كتبي، ولكني أشك في صلاحيتها لهذا الأسرة المحترمة؛ إذ أن مغامراتك الغرامية المنقطعة النظير، وهذا الشجار العائلي القائم على الدوام بينك وبين أهل بيتك (في عالم الخيال طبعا)، خطر لا يقل في نظري عن الأدب المكشوف. إذن، عليك أن توجه نفسك شطر مكتبة الأطفال. وليس أمامك إلا صديقنا الأستاذ كامل الكيلاني، فهو خير من يزودك بما تشتهي وتحب.

إن ذكر الأدب المكشوف والمغامرات الغرامية والشجار العائلي، سيدعو الفتيان والفتيات، من الأدباء وغير الأدباء، إلا أن يلتفتوا بنوع خاص لهذا النوع الجديد من الأدب، فيهرعوا إلى المكاتب متزاحمين. . . ومن ثم ينهال علينا وافر الربح. . .

وبعد هذا، ألا ترى أننا مازلنا نستغل طيبة الأستاذ الزيات في سبيل الدعاية لأنفسنا؟ إذاً فلنختصر ولنقفل الباب

والشكر الوافر والتحية القلبية من المعجب بأدبك

محمود تيمور

========================
* مجلة الرسالة - العدد 202
بتاريخ: 17 - 05 - 1937

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...