في وقتنا الحالي نعيش عصر الذكاء الإصطناعي واسع الإنتشار والقائم على تعليم الأجسام الحاسوبيّة عن طريق المعطيات وخوارزميات التلقين. وهذا التطوّر هوّ في الحقيقة تراجعٌ لفلسفة وحلولٌ لفلسفة أخرى مكانها.
لقد إستقرّ العلم لفترة طويلة على أنّ الفكرة لا يقع إقرارها والعمل بها إلاّ إذا وقعت البرهنة عليها من خلال نظريّة، بما تحتويه النّظريّة من أكسيومات وقواعد ومقدّمات ونتائج. واستقرّ الأمر على أنّ المثال لا يقيم الدّليل على صحّة الطّرح مهما تعدّدت الأمثال الصّحيحة وأنّ الفكرة تبقى غير معترف بصحّتها في غياب البرهان النّظري الذي هو حلقة الوصل الوحيدة المعتمدة بين الشّك واليقين. وهذا ما يعرف بالتمشّي الدّيكارتي. وقد صبغت الفلسفة الديكارتيّة الفكر الأوروبي وأصبح الإشتغال على البرهان الهاجس الأكبر لكل العلماء أصحاب الأطروحات الجديدة.
سارت الأمور هكذا لعقود كثيرة عرف فيها العلم نجاحات كثيرة ولكن كذلك خيبات عديدة لأطروحات كثيرة تبدو جيّدة ولكن في غياب البرهان سقطت وأهملت وذهبت أدراج الرياح.
وعلى الضفّة الأخرى من الأطلسي، ظهر مذهب آخر يناهض التّمشي الديكارتي ولا يعيره بالا وهو التمشّي البراغماتي لشارل ساندرز بيرس والذي لا يولي للبرهان المنطقي الصّارم قيمة كبيرة ويعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد لصحّة الطّرح. بمعنى أنّه ما دام مُخرج العمل مُرضٍ ونتائجه مقبولة للمستهلك فلا داعي للبرهنة النّظريّة عليه. أي أنّ تعدّد الأمثلة النّاجحة بنسبة خطإ مقبولة يعدّ دليلا كافيا على صحّة الطّرح وإعتماده.
لقائل أن يقول ما علاقة الذّكاء الإصطناعي بالتّمشي الديكارتي والتّمشي البراغماتي؟
هنا سأفصّل وسأطرح سؤالا كمدخل.
ما معنى Big Data؟ وهي إحدى الأضلاع الرئيسيّة التي يعتمد عليها الذكاء الإصطناعي.
هي ببساطة مجموعة ضخمة من المعطيات تقدّم للحاسوب ليتفحّصها ويتدرّب عليها ويستخرج منها الأشباه والأمثال ويقيس الأمور بنظائرها عبر خوارزميات معروفة ثمّ بعد نهاية فترة التدرّب يصبح قادرا على إصدار القرارات على أيّ مجموعة من المعطيات تقدّم له ولم يتدرّب عليها. ويسمّى ذلك بالتنبؤ. وكلمة Big في Big Data هي فقط لتكثير الواقع حتى يكون القرار أصوب ما يكون.
لاحظ! القرار لا يستند إلى قواعد نظريّة بل إلى المعطيات فقط، والمعطيات إفراز الواقع، بل هيّ الواقع، أي أنّنا بالضبظ في قلب التمشّي البراغماتي ولم نعد نحتاج لديكارت وإجحافاته حتّى نقرّر.
وحين تخلّص الذكاء الإصطناعي من قيود ديكارت النظريّة ووجد ضالته في رحاب الفلسفة البراغماتيّة ذات الطّابع المتحرّر اِنطلق وازدهر وشاع ودخل كلّ المجالات من دون حاجة لبرهان نظري صارم. فالواقع برهان الواقع.
صديقي إذن، إذا رأيت شيئا قد شاع وانتشر فأعلم أنّ فلسفة ما قد صعدت وأخرى قد تراجعت، حتّى وإن كنت لم تفهم ما يجري في الطّبقة الأخرى من المعرفة التي كثيرا ما تكون ملتبسة..
والعلاقة بين ما يحدث في العلم وما يحدث في الفلسفة علاقة "ضرب بمطرقة ورجع للصّدى"..
لقد إستقرّ العلم لفترة طويلة على أنّ الفكرة لا يقع إقرارها والعمل بها إلاّ إذا وقعت البرهنة عليها من خلال نظريّة، بما تحتويه النّظريّة من أكسيومات وقواعد ومقدّمات ونتائج. واستقرّ الأمر على أنّ المثال لا يقيم الدّليل على صحّة الطّرح مهما تعدّدت الأمثال الصّحيحة وأنّ الفكرة تبقى غير معترف بصحّتها في غياب البرهان النّظري الذي هو حلقة الوصل الوحيدة المعتمدة بين الشّك واليقين. وهذا ما يعرف بالتمشّي الدّيكارتي. وقد صبغت الفلسفة الديكارتيّة الفكر الأوروبي وأصبح الإشتغال على البرهان الهاجس الأكبر لكل العلماء أصحاب الأطروحات الجديدة.
سارت الأمور هكذا لعقود كثيرة عرف فيها العلم نجاحات كثيرة ولكن كذلك خيبات عديدة لأطروحات كثيرة تبدو جيّدة ولكن في غياب البرهان سقطت وأهملت وذهبت أدراج الرياح.
وعلى الضفّة الأخرى من الأطلسي، ظهر مذهب آخر يناهض التّمشي الديكارتي ولا يعيره بالا وهو التمشّي البراغماتي لشارل ساندرز بيرس والذي لا يولي للبرهان المنطقي الصّارم قيمة كبيرة ويعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد لصحّة الطّرح. بمعنى أنّه ما دام مُخرج العمل مُرضٍ ونتائجه مقبولة للمستهلك فلا داعي للبرهنة النّظريّة عليه. أي أنّ تعدّد الأمثلة النّاجحة بنسبة خطإ مقبولة يعدّ دليلا كافيا على صحّة الطّرح وإعتماده.
لقائل أن يقول ما علاقة الذّكاء الإصطناعي بالتّمشي الديكارتي والتّمشي البراغماتي؟
هنا سأفصّل وسأطرح سؤالا كمدخل.
ما معنى Big Data؟ وهي إحدى الأضلاع الرئيسيّة التي يعتمد عليها الذكاء الإصطناعي.
هي ببساطة مجموعة ضخمة من المعطيات تقدّم للحاسوب ليتفحّصها ويتدرّب عليها ويستخرج منها الأشباه والأمثال ويقيس الأمور بنظائرها عبر خوارزميات معروفة ثمّ بعد نهاية فترة التدرّب يصبح قادرا على إصدار القرارات على أيّ مجموعة من المعطيات تقدّم له ولم يتدرّب عليها. ويسمّى ذلك بالتنبؤ. وكلمة Big في Big Data هي فقط لتكثير الواقع حتى يكون القرار أصوب ما يكون.
لاحظ! القرار لا يستند إلى قواعد نظريّة بل إلى المعطيات فقط، والمعطيات إفراز الواقع، بل هيّ الواقع، أي أنّنا بالضبظ في قلب التمشّي البراغماتي ولم نعد نحتاج لديكارت وإجحافاته حتّى نقرّر.
وحين تخلّص الذكاء الإصطناعي من قيود ديكارت النظريّة ووجد ضالته في رحاب الفلسفة البراغماتيّة ذات الطّابع المتحرّر اِنطلق وازدهر وشاع ودخل كلّ المجالات من دون حاجة لبرهان نظري صارم. فالواقع برهان الواقع.
صديقي إذن، إذا رأيت شيئا قد شاع وانتشر فأعلم أنّ فلسفة ما قد صعدت وأخرى قد تراجعت، حتّى وإن كنت لم تفهم ما يجري في الطّبقة الأخرى من المعرفة التي كثيرا ما تكون ملتبسة..
والعلاقة بين ما يحدث في العلم وما يحدث في الفلسفة علاقة "ضرب بمطرقة ورجع للصّدى"..