شهادة:
…مات عبد الكبير يوم الإثنين، 16 مارس، حوالي الساعة الواحدة صباحا.
وصلني الخبر الذي تأثر البلد كله لسماعه، وبدل أن أذهب إليه هذا الإثنين صباحا لأقرأ عليه نص المقدمة، قصدت بيت أرملته وطفليه، لأقبلهم وأعبر لهم عن مواساتي.
طلبت أن أصطحب إلى مكتبه، ذهلت لما لمحت نظارتيه، ومحفظته، وآخر أدويته، الملفات، الكتب، ملفات الأوراق المكتنزة: لم ينته العمل بعد! شرعت كاتبته الخاصة في البكاء، كانت تبحث عن وثائق رسمية…الآن. كان يلزم تنظيم هذه الأشياء المبعثرة، التي كان يملكها صديقي عبد الكبير، لم تعد أبدا في حيازته الآن. صارت منقولة إلى الأغيار…حتما، طالما أن كل ما يتركه كاتب، هو دوما رصيد مكتبي، للاستقصاء، والنشر، والفهم، والكشف.
كان يكتب ناظرا إلى البحر؛ أرى من مكتبه، الشاطئ والصخور والأطلسي. لا مجال للشك، أنه كان يكتب، تحت مراقبة هذا المحيط الجبار. كان حلمه أن يرى كل تلك الزرقة، وهذه الأمواج بالأزمنة جميعها… ما شغلني أكثر، هو ما كشفه لي هذا الفضاء المكتنز بالعمل الفكري للخطيبي، أعمال لحياة بكاملها، ولهالته، ولحضوره، وأخيرا، تألما لفكر ذلك الذي كان يناديني، حينما يجرحني الآخرون جميعهم أو لا يفهمونني. أجرؤ على القول إن إحساسا يغمرني بالوحدة؛ لأن عبد الكبير هو جذع ونخلة، أخ كبير ومرشد، عظيم وخالد – حفظ اسمه في سجل الشخصيات التي أنارت العالم بالمعرفة والفن – دلف مرة أخرى نحو الأطلسي ورحل، دون عودة هذه المرة…
(هذه الشهادة هي جزء من مداخلة ساهمت بها الكاتبة غيثة الخياط في مناسبات تكريمية للراحل عبد الكبير الخطيبي. وسبق نشرها ضمن كتاب جماعي بعنوان: ” Le jour d’après, Dédicaces à Abdelkébir KHATIBI « أشرفت عليه الباحثة الأكاديمية آسية بلحبيب، ضمن منشورات إفريقيا الشرق، 2010).
استهلال:
كتبت هذه السلسلة من الرسائل ما بين دجنبر 1995و أكتوبر 1999، وهي تعرض تبادلا خاصا وأكثر تفردا، بالنظر إلى الأزمنة وهي تتسارع مسعورة.
التبادل بين مثقفين اثنين، يعيشان ويمارسان مهنتهما المزدوجة بالمغرب.
غيثة الخياط، هي في ذات الوقت كاتبة ومحللة نفسية، وعبد الكبير الخطيبي، وهو كاتب أيضا وجامعي وباحث في العلوم الإنسانية. ونحن سويا ننتمي بذلك إلى الحضارة الإسلامية ونظامها الاجتماعي الأبوي.
من الراجح أن هذا التبادل هو الأول من نوعه، منشورا في العالم العربي، وفق ما قاله لي أحد العارفين. وهذا يعني أن رهانا رمزيا ينضبط لعبور الرسالة من وضعها الخصوصي إلى النشر والتعميم. وانضبط منذ البداية لموضوعة «التحاب» «Aimance »، الذي ّأحددها كالآتي: « أقصد ب «تحاب» لغة الحب التي تثبت المحبة الأكثر نشاطا بين الكائنات، والذي يستطيع أن يمنح شكلا لتوادهم ولمفارقاته. أنا مقتنع أن محبة، من هذا القبيل، بإمكانها تحرير بعضا الفضاءات حيث تحظر المباهج بين الشركاء مكان للعبور والتسامح، معرفة بالعيش المشترك بين الأجناس والحساسيات والثقافات المختلفة»
*(نص الاستهلال الذي وقعه عبد الكبير الخطيبي ل»مراسلة مفتوحة» Correspondance ouverte عن منشورات «مرسم»، 2005 ).
الكاتب : ترجمة وتقديم: محمد معطسيم
…مات عبد الكبير يوم الإثنين، 16 مارس، حوالي الساعة الواحدة صباحا.
وصلني الخبر الذي تأثر البلد كله لسماعه، وبدل أن أذهب إليه هذا الإثنين صباحا لأقرأ عليه نص المقدمة، قصدت بيت أرملته وطفليه، لأقبلهم وأعبر لهم عن مواساتي.
طلبت أن أصطحب إلى مكتبه، ذهلت لما لمحت نظارتيه، ومحفظته، وآخر أدويته، الملفات، الكتب، ملفات الأوراق المكتنزة: لم ينته العمل بعد! شرعت كاتبته الخاصة في البكاء، كانت تبحث عن وثائق رسمية…الآن. كان يلزم تنظيم هذه الأشياء المبعثرة، التي كان يملكها صديقي عبد الكبير، لم تعد أبدا في حيازته الآن. صارت منقولة إلى الأغيار…حتما، طالما أن كل ما يتركه كاتب، هو دوما رصيد مكتبي، للاستقصاء، والنشر، والفهم، والكشف.
كان يكتب ناظرا إلى البحر؛ أرى من مكتبه، الشاطئ والصخور والأطلسي. لا مجال للشك، أنه كان يكتب، تحت مراقبة هذا المحيط الجبار. كان حلمه أن يرى كل تلك الزرقة، وهذه الأمواج بالأزمنة جميعها… ما شغلني أكثر، هو ما كشفه لي هذا الفضاء المكتنز بالعمل الفكري للخطيبي، أعمال لحياة بكاملها، ولهالته، ولحضوره، وأخيرا، تألما لفكر ذلك الذي كان يناديني، حينما يجرحني الآخرون جميعهم أو لا يفهمونني. أجرؤ على القول إن إحساسا يغمرني بالوحدة؛ لأن عبد الكبير هو جذع ونخلة، أخ كبير ومرشد، عظيم وخالد – حفظ اسمه في سجل الشخصيات التي أنارت العالم بالمعرفة والفن – دلف مرة أخرى نحو الأطلسي ورحل، دون عودة هذه المرة…
(هذه الشهادة هي جزء من مداخلة ساهمت بها الكاتبة غيثة الخياط في مناسبات تكريمية للراحل عبد الكبير الخطيبي. وسبق نشرها ضمن كتاب جماعي بعنوان: ” Le jour d’après, Dédicaces à Abdelkébir KHATIBI « أشرفت عليه الباحثة الأكاديمية آسية بلحبيب، ضمن منشورات إفريقيا الشرق، 2010).
استهلال:
كتبت هذه السلسلة من الرسائل ما بين دجنبر 1995و أكتوبر 1999، وهي تعرض تبادلا خاصا وأكثر تفردا، بالنظر إلى الأزمنة وهي تتسارع مسعورة.
التبادل بين مثقفين اثنين، يعيشان ويمارسان مهنتهما المزدوجة بالمغرب.
غيثة الخياط، هي في ذات الوقت كاتبة ومحللة نفسية، وعبد الكبير الخطيبي، وهو كاتب أيضا وجامعي وباحث في العلوم الإنسانية. ونحن سويا ننتمي بذلك إلى الحضارة الإسلامية ونظامها الاجتماعي الأبوي.
من الراجح أن هذا التبادل هو الأول من نوعه، منشورا في العالم العربي، وفق ما قاله لي أحد العارفين. وهذا يعني أن رهانا رمزيا ينضبط لعبور الرسالة من وضعها الخصوصي إلى النشر والتعميم. وانضبط منذ البداية لموضوعة «التحاب» «Aimance »، الذي ّأحددها كالآتي: « أقصد ب «تحاب» لغة الحب التي تثبت المحبة الأكثر نشاطا بين الكائنات، والذي يستطيع أن يمنح شكلا لتوادهم ولمفارقاته. أنا مقتنع أن محبة، من هذا القبيل، بإمكانها تحرير بعضا الفضاءات حيث تحظر المباهج بين الشركاء مكان للعبور والتسامح، معرفة بالعيش المشترك بين الأجناس والحساسيات والثقافات المختلفة»
*(نص الاستهلال الذي وقعه عبد الكبير الخطيبي ل»مراسلة مفتوحة» Correspondance ouverte عن منشورات «مرسم»، 2005 ).
الكاتب : ترجمة وتقديم: محمد معطسيم
من رسائل غيثة الخياط إلى عبد الكبير الخطيبي 31- عبد الكبير: الجذع والنخلة - AL ITIHAD
شهادة: …مات عبد الكبير يوم الإثنين، 16 مارس، حوالي الساعة الواحدة صباحا. وصلني الخبر الذي تأثر البلد كله لسماعه، وبدل
alittihad.info