عند مدخل قوس بوابة حديقة الحيوانات في دلهي ، وسط ملاهي اللعب وإزدحام الزوّار المتلهّفين للدخول ، وبينَ لغط المزدحمين ووقع خطى الناس المتعجّلة للتسلية في مدينة الألعاب ، كانت حزمة من النفّاخات الملوّنة المنفوخة تتطايرُ في الهواء ، حاول بائع النفّاخات اختيار واحدة لطفلة صغيرة ، انقطعت حزمة النفّاخات بكاملها وسقطت على الأرض ، حضر في تلك اللحظة فجأة لصٌّ شرس فإنتشلها من الأرض وركضَ بها بسرعة خاطفة والحزمة بيدهِ تتطايرُ من ورائه بلّغ صاحب الحانوت الشرطة عن ذلك اللص فأخذت تطاردهُ ومن خوفهِ سقطت منه حزمة النفاخات كلّها على الأرض ما عدا ثلاث نفّاخات بقيت بيديه ، بعد خروجه من مدينة الألعاب بسلام من قبضة الشرطة ترك النفّاخات الثلاث على مصطبة خشبية حينها ذهب ليقضي حاجتهُ ، يتوسّط المصطبة كشك صغير لبائع شعر البنات وحوض كبير من البلاستيك يحوي بداخله أسماكاً صغيرة ملوّنة ومتنوّعة ، وحولَ المصطبة بقايا تمثال كلب منحوت من الخشب المحروق ، كانَ الوقتُ ضحى ، وكانت النفاخات الثلاث جالسات على المصطبة تتنفّس الصعداء موليات ظهورهنّ لظلّ شجرة صنوبر طويلة ، وعلى وجوههنّ تلوحُ علامات الخوف واليأس ، ربّما كان ذلك بسبب إفراغ الهواء من بطونهم الذي كان يبعثُ في عظامهم نفحة الحياة الوردية ، أو ربّما كان سبباً آخراً هو فواجع الدنيا وأهوالها التي باغتت حظّهم العاثر خلال الفترة القصيرة الماضية التي مرّت بهم .
كانت إحدى النفّاخات كبيرة الحجم ناحلة الجسد مثقلة ترتدي لوناً أحمر شاحباً بثيابها ، بقت جالسة على المصطبة بجانب حوض السمك ، تنفخُ نفسها إلى ما لا نهاية ، أما النفّاخة الوسطى الأخرى كانت ترتدي مئزراً وردياً .... تنظرُ بخوفٍ إلى المارة في المتنزّه دونَ إكتراثها بما ترى من الأشياء التي أمامها ، أمّا النفّاخة الثالثة كانت صغيرة جدّاً لونها أصفر لا يتجاوز عمرها السنة مجاورة لبائع شعر البنات ، نحو ساعة من الزمن كنّ ثلاثتهم ينتظرنّ أحد ما لينتشلهنّ من محنتهنّ ويحسنُ إليهنّ أو يخفّف من آلامهم وجوعهم ، بدأت ذكرياتهم تمرّ كالشريط السينمائي مواضيع جديدة ليتكلّموا فيها .
تنبّهت النفّاخات الثلاث على جلبة أصوات وإذا برجل يجلسُ على النفّاخة الكبيرة محدثةً صفيراً مشفوفاً وهو غارقٌ بالضحك لمصدر الصوت ، كان ممدّداً ساقيه على الأرض ضاق النفسُ بالنفّاخة الكبيرة وهي تختنقُ تتذّكر بقايا الحديقة التي كانت تتطايرُ من فوقها أغمي عليها وغفت لبرهة من الزمن ، بدأ صوتُ المشي يصل إلى آذان النفّاختين الأخريتين ، وإذا بطفلٍ يخطفُ النفّاخة المتوسّطة راكضاً بها إلى مالئ الغاز وكأنّها عنده طائرة ورقية يتسلّى بها كيفما شاء يملؤها لحدّ التخمة ، بدأت عيونها تدمعُ من غاز الهليوم العديم اللون والطعم والرائحة ودموعها تسقطً على ملابسه دُونَ أن يكترث لذلك .
أمّا النفّاخة الصغيرة الصفراء فتابعت جلستها الساكنة على المصطبة ، بعد قليل أطفأ الرجل الجالس على المصطبة عقب سيكارته بجسدها الصغير الرقيق ، ومن شدّة ألم الكوية طلبت من السماء بلهفة لتسقط زخّات مطر صيفي كي يبردَ ألمها وتبقى كما كانت على عهدها في السابق تتلاطمُ مع قطرات المطر وهي تستنشقُ هواء الحرية ولكن الآن من دُون جدوى .
كان صوتها المخنوق لا يكادُ يُسمَع ورغم ذلك رفعت رأسها نحو السماء فأخرجت صوتها من حنجرتها المحترقة ، تمتمَ الرجل الجالس دُونَ أن تُفهَم كلماتهُ وهي ما زالت تدمدمُ في إستياء ، بعدَ قليل ألقت النفاخة المتوسطة التي بيد الطفل نظرة وداع أليفة على وجه النفّاختين الباقيتين ، بدأت النفاخة الكبيرة ذات الصوت المخنوق تنظرُ من خلف دابر الرجل المنبطح عليها دُونَ اهتمام ، وفي تلك الأثناء حدثت زوبعة شديدة أثارت معها الأتربة على شكل دوّامة عالية تشبه حيواناً خرافياً قديماً مثل الديناصور إلتهمت معها كلّ شيء صادفتهُ ، حتى كادَ الرجل الجالس على المصطبة أن ينهضَ من مكانه ويرتادُ لهُ مكاناً آخراً غير مُسمّى ، وفي تلك اللحظة جلبَ الهواء معهُ النفّاخة المتوسّطة التي كانت بيد الطفل إلى المصطبة ، أمّا النفّاخة الصغيرة إلتصقت سرّتها بأحد مسامير المصطبة الصدئ وهي ما زالت تصارعُ شدّة هبوب الرياح ، بدأ العدّ التنازلي للرياح وهي تهدأ رويداً ... رويداً بعد هدوئها بدأت تظهرُ علامات الحركة المزدحمة بين الناس وهم يقومون بجمع أغراضهم المبعثرة ، أمّا النفّاخات الثلاث ألقينَ نظرة أمل لما حولهنّ من الأشياء ولكن لا شيء هناك سوى بعض أوراق الأشجار المتساقطة والتمثال الخشبي للكلب المحروق الذي ما زال شاخصاً كما هو في مكانه ينتظرُ عويل الأصدقاء ، بدأت النفّاخات بالتحرّك واستجماع الطاقات والقوى لغرض البحث عن ملاذ أمين كي يشهقوا فيه هواءاً نقياً لعلّهُ يوماً ما قد يعودوا إلى حانوت بائع النفّاخات وهم يساهموا في رفرفة الحزمة الجديدة المعلّقة في مدينة الألعاب من جديد وأن تشرق على وجوههن سيماء شمس الحرية بعيدينَ عن العنف والمصائب وأن ترتسم في سمائهم ألوان زاهية سعيدة معهم إلى الأبد .
ــ انتهت ــ
كانت إحدى النفّاخات كبيرة الحجم ناحلة الجسد مثقلة ترتدي لوناً أحمر شاحباً بثيابها ، بقت جالسة على المصطبة بجانب حوض السمك ، تنفخُ نفسها إلى ما لا نهاية ، أما النفّاخة الوسطى الأخرى كانت ترتدي مئزراً وردياً .... تنظرُ بخوفٍ إلى المارة في المتنزّه دونَ إكتراثها بما ترى من الأشياء التي أمامها ، أمّا النفّاخة الثالثة كانت صغيرة جدّاً لونها أصفر لا يتجاوز عمرها السنة مجاورة لبائع شعر البنات ، نحو ساعة من الزمن كنّ ثلاثتهم ينتظرنّ أحد ما لينتشلهنّ من محنتهنّ ويحسنُ إليهنّ أو يخفّف من آلامهم وجوعهم ، بدأت ذكرياتهم تمرّ كالشريط السينمائي مواضيع جديدة ليتكلّموا فيها .
تنبّهت النفّاخات الثلاث على جلبة أصوات وإذا برجل يجلسُ على النفّاخة الكبيرة محدثةً صفيراً مشفوفاً وهو غارقٌ بالضحك لمصدر الصوت ، كان ممدّداً ساقيه على الأرض ضاق النفسُ بالنفّاخة الكبيرة وهي تختنقُ تتذّكر بقايا الحديقة التي كانت تتطايرُ من فوقها أغمي عليها وغفت لبرهة من الزمن ، بدأ صوتُ المشي يصل إلى آذان النفّاختين الأخريتين ، وإذا بطفلٍ يخطفُ النفّاخة المتوسّطة راكضاً بها إلى مالئ الغاز وكأنّها عنده طائرة ورقية يتسلّى بها كيفما شاء يملؤها لحدّ التخمة ، بدأت عيونها تدمعُ من غاز الهليوم العديم اللون والطعم والرائحة ودموعها تسقطً على ملابسه دُونَ أن يكترث لذلك .
أمّا النفّاخة الصغيرة الصفراء فتابعت جلستها الساكنة على المصطبة ، بعد قليل أطفأ الرجل الجالس على المصطبة عقب سيكارته بجسدها الصغير الرقيق ، ومن شدّة ألم الكوية طلبت من السماء بلهفة لتسقط زخّات مطر صيفي كي يبردَ ألمها وتبقى كما كانت على عهدها في السابق تتلاطمُ مع قطرات المطر وهي تستنشقُ هواء الحرية ولكن الآن من دُون جدوى .
كان صوتها المخنوق لا يكادُ يُسمَع ورغم ذلك رفعت رأسها نحو السماء فأخرجت صوتها من حنجرتها المحترقة ، تمتمَ الرجل الجالس دُونَ أن تُفهَم كلماتهُ وهي ما زالت تدمدمُ في إستياء ، بعدَ قليل ألقت النفاخة المتوسطة التي بيد الطفل نظرة وداع أليفة على وجه النفّاختين الباقيتين ، بدأت النفاخة الكبيرة ذات الصوت المخنوق تنظرُ من خلف دابر الرجل المنبطح عليها دُونَ اهتمام ، وفي تلك الأثناء حدثت زوبعة شديدة أثارت معها الأتربة على شكل دوّامة عالية تشبه حيواناً خرافياً قديماً مثل الديناصور إلتهمت معها كلّ شيء صادفتهُ ، حتى كادَ الرجل الجالس على المصطبة أن ينهضَ من مكانه ويرتادُ لهُ مكاناً آخراً غير مُسمّى ، وفي تلك اللحظة جلبَ الهواء معهُ النفّاخة المتوسّطة التي كانت بيد الطفل إلى المصطبة ، أمّا النفّاخة الصغيرة إلتصقت سرّتها بأحد مسامير المصطبة الصدئ وهي ما زالت تصارعُ شدّة هبوب الرياح ، بدأ العدّ التنازلي للرياح وهي تهدأ رويداً ... رويداً بعد هدوئها بدأت تظهرُ علامات الحركة المزدحمة بين الناس وهم يقومون بجمع أغراضهم المبعثرة ، أمّا النفّاخات الثلاث ألقينَ نظرة أمل لما حولهنّ من الأشياء ولكن لا شيء هناك سوى بعض أوراق الأشجار المتساقطة والتمثال الخشبي للكلب المحروق الذي ما زال شاخصاً كما هو في مكانه ينتظرُ عويل الأصدقاء ، بدأت النفّاخات بالتحرّك واستجماع الطاقات والقوى لغرض البحث عن ملاذ أمين كي يشهقوا فيه هواءاً نقياً لعلّهُ يوماً ما قد يعودوا إلى حانوت بائع النفّاخات وهم يساهموا في رفرفة الحزمة الجديدة المعلّقة في مدينة الألعاب من جديد وأن تشرق على وجوههن سيماء شمس الحرية بعيدينَ عن العنف والمصائب وأن ترتسم في سمائهم ألوان زاهية سعيدة معهم إلى الأبد .
ــ انتهت ــ