رسالة الی أ.م. غورگي

*_ هو أ.ف. دوبروفسکي ( هيئة التحرير)
الی أ.م. غورگي
25-2-1908

لم ارد علی رسالتك فورا، فقد قام بيننا ( وقد يبدو الامر غريبا للوهلة الاولی) شجار قوي الی درجة ما مع أل.أل. في هيئة التحرير. وسبب هذا الشجار او بعض سببه‌ هو مقالتك(11) …..هم…هم.. ولم اتكلم، كما ظننت، لا في ذلك المكان ولا بتلك المناسبة!

لقد حدث الامر علی النحو التالي.

لقد زاد كتاب ( دراسات في الفلسفة الماركسية) من حدة الخلافات القديمة القائمة بين البلاشفة في مسائل الفلسفة الی حد کبير. أنا لاأعتبر اني علی درجة من الكفاءة في هذه‌ المسائل تؤهلني لان اعالج هذه‌ الموضوعات كتابة.
لكنني كنت اتتبع دائما` وباهتمام مناظراتنا الحزبية في الفلسفة بدءا من نضال بليخانوف ضد ميخاييلوفسكي وشرکاه‌ في آخر العقد التاسع وحتی عام 1895، ثم نضال بليخانوف نفسه‌ ضد الکنطيين عام 1898 ومايليه‌ (وهنا لم اكتف بمتابعة مايجري بل شارکت فيه‌ جزئيا بوصفي عضوا في هيئة تحرير( زاريا) منذ عام 1900 )، واخيرا نضاله‌ ضد التجربيين الانتقاديين وشركاهم.

وتابعت مؤلفات بوغدانوف في الفلسفة منذ ظهور كتابه‌ القوي( النظرة التاريخية الی الطبيعة) الذي درسته‌ بإعمان خلال وجودي في سبيريا. ولم يكن موقف بوغدانوف هذا الا نظرات فلسفية اخری. وقد تعرفت عليه‌ شخصيا عام 1904 وأهدی کل منا إلی الآخر فورا احد کتبه‌: قدمت له‌ {خطوات} (12) وقدم لي أحد مؤلفاته‌ الصادرة آنذاك (13) ، ثم كتبت اليه‌ بعد ذلك بقليل ( في ربيع عام 1904 أو أوائل صيف ‌ذا العام) من جنيف الی باريس إن مؤلفاته‌ تثنيني بقوه‌ عن اعتقادي في صحة نظراته‌، و تقنعني اقناعا قويا بصحة نظرات بليخانوف.

وعندما كنت أعمل مع بليخانوف تحدثت معه‌ أکثر من مرة عن بوغدانوف، و قد شرح لي بليخانوف خطأ أفکار بوغدانوف. لكنه‌ لم يكن يعتبر انحرافه‌ هذا كبيرا إلی درجة ميئوس منها. وأذكر تماما إننا تحدثنا أنا وبليخانوف، في جنيف صيف 1903، باسم هيئة تحرير ( زاريا) مع مندوب عن هيئة تحرير (دراسات في النظرة الواقعية إلی العالم14). ووافقنا علی المساهمة معهم، انا في المسالة الزراعية و بليخانوف في الفلسفة ضد ماخ، وكان شرط بليخانوف، للمساهمة هو نشر مقاله‌ ضد ماخ. وقد قبل مندوب ( الدراسات) قبولا تاما هذا الشرط. كان بليخانوف يری في بوغدانوف آنذاك نصيرا في النضال ضد التحريفية، لكنه‌ نصير يخطيء بقدر مايسير وراء أوستفالد و بالتالي وراء ماخ.

وفي صيف عام 1904 و خريفه‌ التقيت نهائيا مع بوغدانوف بوصفنا من البلاشفة و عقدت معه‌ ذلك الحلف الصامت، والذي يبعد الفلسفة بصمت، باعتبارها مجالا محايدا. و قد استمر هدا الحلف طوال الثورة واتاح لنا أن نمارس معا في الثورة تكتيك الاشتراكية الديمقراطية الثورية ( البلشفية) الذي كان هو الصحيح وحده‌ حسب قناعتي العميقة.

ولم يتيسر لي ان اهتم بالفلسفة في حمی الثورة الا قليلا. وفي أوائل عام 1906 كتب بوغدانوف وهو في السجن كتابا آخر هو الجزء الثالث من ( التجربة الاحادية) علی مايبدو. وفي صيف العام نفسه‌ قدم لي كتابه‌ فقرأته‌ بامعان. وما إن قراته‌، حتی غضبت وجن جنوني، إذ اتضح لي بشكل اكبر أنه‌ يسير في طريق غير صحيح بتاتا، طريق غير ماركسية. فكتبت اليه‌ آنذاك ( أعترافا بالحب)، وهو رسالة في الفلسفة بحجم ثلاثة دفاتر. وقد اوضحت له‌ فيها أني، بالطبع مارکسي عادي في الفلسفة. إلا أن مقالاته‌ الواضحة المبسطة المكتوبة بشكل رائع هي التي تقنعني نهائيا في خطأه‌ من حيث الجوهر، وبصواب آراء بليخانوف. وقد عرضت هذه‌ الدفاتر علی بعض الاصدقاء ومنهم ( لوناتشارسكي) وفکرت لبعض الوقت في طبعها بعنوان( ملاحظات ماركسي عادي حول الفلسفة)، لكني لم اقدم علی ذلك. والآن أ‌ندم علی كوني لم اطبعها فورا. ولقد كتبت منذ ايام إلی بطرسبرغ أطلب فيها البحث عن هذه‌ الدفاتر وارسالها إلي.

والآن صدرت ( دراسات في الفلسفة الماركسية). وقد قرأت مقالاتها كلها إلا مقالة سوفوروف ( فأنا أقرأها الأن) ، مع كل مقالة ارغي وازيد استياء. كلا ليس هذا بالماركسية. إن تجربيينا الانتقادين وأصحاب نظرية التجربية الاحادية والتجربية الرمزية ينزلقون إلی المستنقع. ان تؤكد للقاریء بأن ” الإيمان” بواقعية العالم الخارجي “صوفية” ( بازاروف)، وأن تخلط بشكل مزر بين المادية والكنطية ( بازاروف و بوغدانوف)، وأن تبشر بنوع من اللاأدرية ( هو التجربية الانتقادية)، ومن المثالية ( هو التجربية الاحادية)، وأن تعلم العمال ” الالحاد الديني” (وعبادة) الطاقات الانسانية العليا ( لوناتشارسکي)، وان تعلن تعاليم انجلس في الديالكتيك صوفية ( بيرمان)، وان تغرف من مصدر نتن ( لوضعين) افرنسيين نکرات- لاادريين او ميتافيزيقيين اصحاب ” النظرية الرمزية في المعرفة” ( بوشکافيتش)، ليأخذهم الشيطان جميعا_ كلا هذا يتجاوز كل حد !! اجل. نحن مارکسيون عاديون، اناس لم يقرؤوا الفلسفة كثيرا. ولكن لماذا يسيئون الينا هكذا، إذ يقدمون لنا مثل هذه الأشياء علی انها فلسفة مارکسية؟ إني افضل ان تقطع يداي و قدماي ورأسي علی الاشتراك في جريدة أو هيئة تحرير تدعو إلی اشياء كهذه‌.‌

وعاودني الحنين مرة اخری إلی( ملاحظات مارکسي عادي حول الفلسفة) فشرعت في کتابتها. وقد عرضت انطباعاتي خلال قراءتي( للدراسات)، علی أل. أل. بصورة صريحة وفظة بطبيعة الحال.

وستسأل: ما علاقة هذا كله‌ بمقالي؟ علاقته‌ هي انك تبدأ في مقالك المرسل إلی الپروليتاريا بشکل واضح تماما في عرض وجهات نظر اتجاه‌ واحد، في وقت تهدد فيه‌ هده‌ الخلافات بين البلاشفة بالتصاعد تصاعدا حادا. انا لا اعلم بالطبع ماذا سيخرج من بين يديك في النهاية وکيف سيکون. زد علی ذلك اني اعتقد ان الفنان يستطيع ان يغرف في کل فلسفة أشياء کثيرة تنفعه‌، واخيرا فإني اوافق موافقا تامة ومطلقة علی انه‌ يمکنك في مسائل الابداع الفني، ان تقرأ الکتب کلها، وعلی انك تستطيع حين تستخلص هذا النوع من الافکار من تجربتك الفنية ومن الفلسفة معا( وان تکن مثالية)، ان تصل إلی نتائج تعود بالنفع العظيم علی الحزب العمالي. هذا کله‌ صحيح. ومع هذا فإن علی ( الپروليتاري) ان تظل محايدة حيادا مطلقا من اختلافاتنا کلها حول الفلسفة وان لاتعطي القارئ ظلا` من سبب يجعل المرء يربط بين البلاشفة، بوصفهم اتجاها وخطا تکتيکيا للجناح الثوري من الاشتراکيين الديمقراطين الروس، وبين التجربية الانتقادية او التجربية الاحادية.

عندما قلت ل أ. أ.، بعد ان قرأت مقالك واعدت قراءته‌.، إني ضد نشره‌، اصبح وجهه‌ اقتم من غيمة سوداء، وخيم فوقنا علی الفور جو الانشقاق.

والبارحة دعونا اعضاء هيئة التحرير الثلاثة الی اجتماع خاص لمناقشة المسألة، وهناك ساعدنا علی غير انتظار فلتة وجدناها في نيوزيت. فقد نشر مترجم مجهول في العدد 20 مقالة بوغدانوف عن ماخ واشار دون مبرر في المقدمة الی ان الخلافات بين بليخانوف و بوغدانوف تتجة الی ان تصبح خلافا انشقاقيا بين البلاشفة والمناشفة من الاشتراکيين الديمقراطيين الروس.

لقد وحدنا هذا الأحمق( اوالحمقاء)، کاتب هذه‌ المقدمة، بکلماته‌، واتفقنا فورا علی ضرورة الاعلان حتما عن حيدانا فوو اول عدد من البرولتياري وکان هذا يتوافق الی اقصی حد مع مزاجي بعد صدور( الدراسات). وقد کتبنا الاعلان ووافقنا عليه‌ بالاجماع، وسيصدر غدا في العدد الحادي والعشرين من البروليتاري وسنبعثه‌ اليك. اما بخصوص مقالك، فقد قررنا تأجيل البحث فيه‌ حتی نعرض عليك الوضع في ثلاث رسائل من کل من محرري البرولتياري الثلاثة، وبعد ان نسرع انا و بغدانوف بالذهاب اليك.

وعلی هذا، انتظر رسالة من ال. ال. ورسالة من المحرر الثالث الذي کتبت لك عنه‌ سابقا`.

اما انا فأعتقد ان من الضروري ان اقول رايي بصراحة تامة. إني اری ان الاقتتال بين البلاشفة في مسائل الفلسفة امر لا بد منه‌، اما الانشقاق بسبب ذلك فغباء. لقد وقعنا حلفا لنمارس تکتيکا` محددا` في الحزب العمالي، ولقد مارسنا هذا التکتيك ولانزال نمارسه‌ حتی الآن دون خلافات( الخلاف الوحيد کان بخصوص مقاطعة الدوما الثالثة، لکن هذا الخلاف لم يتصاعد الی حد الاشارة الی الانشقاق). هذا اولا`، ثم ان هذا الخلاف لم يكن يتطابق والخلاف بين ماخيين و ماديين، اذا کان الماخي بازاروف مثلا، کما کنت انا، ضد المقاطعة، وقد کتب ( في البروليتاري) مقالة هجائية في هدا الموضوع.

إن إعاقة ممارسة تکتيك الاشتراکية الديمقراطية الثورية بسبب المناقشات حول المادية والماخية غباء لا يغتفر في نظري. علينا ان نتخاصم في شؤون الفلسفة بشکل لاتمس معه‌ وحدة” البروليتاري” والبلاشفة بوصفهم جناحا من الحزب وهذا امر ممکن تماما`.

وفي رأيي أن من واجبك ان تساعدنا في ذلک. وانت قادر علی مساعدنا بعملك معنا في” البروليتاري”، ومساهمتك في المسائل الحيادية ( أي المسائل التي ليس لها أي علاقة بالفلسفة)، کمسائل النقد الأدبي والمقالة الاجتماعية و الابداع الفني الخ. وعليك أن تعيد صياغة مقالك، أي أن تنقل ما له‌ علاقة بفلسفة بوغدانوف إلی مکان آخر ( حتی ولو کانت علاقة غير مباشرة )، اذا أردت أن تحول دون الانشقاق، وأن تساعدنا علی حصر المعرکة الجديدة. لديك، والحمدلله‌، مجالات اخری غير البروليتاري تستطيع أن تکتب فيها. کما يمکنك أن تکتب في کل ما ليس له‌ علاقة بفلسفة بوغدانوف_ وقسم کبير من مقالك لا علاقة له‌ بها_ في عدة مقالات” للبروليتاري”.

إن اي تصرف اخر من جانبك، أي رفض اعادة النظر في المقال أو رفضك المساهمة في ”

البروليتاري”، سيؤدي حتما` في رأيي الی ازدياد حدة النزاع بين البلاشفة، والی عرقلة حصر النزاع الجديد واضعاف قضية الاشتراکيين الديمقراطيين الروس الحيوية والضرورية عمليا` وسياسيا`.

هذا هو رأيي. وقد قلت لك کل ما کنت أفکر فيه‌، وانا الآن في انتظار جوابك.

کنا نريد أن ناتي اليك اليوم ولکن تبين أن علينا أن نؤجل سفرنا اسبوعا` علی الأقل و ربما اسبوعين أو ثلاثة.

أشد علی يدك بقوة.

لينين_ جنيف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...