كنت كأى قميص عجوز،
مجموعة من بذور القطن فى كيس ملقى
بجوار الحصير الذى ينام عليه الفلاح المصرى
"أمين عبد القادر"، وذات صباح ارتفع
نباح الكلب خارج الدار كالعادة،
وأيقظ أمين من نومه العميق،
وقام أمين وأمسك بالكيس المملوء ببذور القطن،
والتى هى أنا فى ذلك الحين،
ومضى فى الطريق الزراعى نحو حقله.
فى هذه السنة كان النيل كريماً جداً،
مر فى موسم الفيضان على أراضى الفلاحين،
وأهداهم كمية طيبة من الطمى،
وكانت الأرض لينة،
وأمسك أمين فى كفه بكمية من البذور
ووضعها فى حفرة صغيرة،
واستمر فى عمله حتى قبل الغروب،
وجاء جاره "عطية" فاستأذنه "أمين"
فى أن يستخدم زحافته لكى يسوى الأرض
ويغطى البذور، وقال له "عطية":
- اتفضل يا أمين ياخويا
طفولتى . .
عشت أياماً طيبة هنية فى بطن الأرض،
ثم اطلقت سيقانى وتكاثرت أوراقى وكبرت،
وطلع اللوز وكبر، وكان أكثر ما أحببته
فى الدنيا عندما رأيتها هو الشمس .
ثم تفتح النوار وهاجمتنى الدودة..!
ودافع عنى "أمين عبد القادر"، دفاع الأبطال،
وهزم الدودة، وجاء أوان الجمع
واشترك فى جمعى بنات وصبيان كثيرون،
وفارقت القرية بعد أن سلمنى"أمين"
للجمعية التعاونية وقبض ثمنى.
صباى . .
حجزونى فى شونة الجمعية مدة قصيرة،
تعرفت خلالها على كثير من الأصدقاء
كل منهم حكى لى حكايته مع صاحبه الفلاح..
ثم أخذونا فى عربات كبيرة بعد الوزن إلى
المحطة، وركبت القطار لأول مرة فى حياتى،
وفرحت بهذا كثيرا.
وصلت فى صباح اليوم التالى إلى "المحلج"..
ضربونى هناك ضرباً قاسياً، وفصلوا منا البذور،
جمعت أنفاسى من التعب،
وركبت العربات مرة أخرى..
ثم دخلنا إلى مكان مررنا فيه بعمليات كثيرة
لا يفهمها إلا العمال الأذكياء
والمهندسون أصدقاؤهم..
وعرفت أننى خرجت من مصنع النسيج،
عندما رأيت نفسى قماشًا زاهياً مختلف الألوان.
شبابى . .
وكانت فرحتى كبيرة عندما رأيت نفسى
قميصاً جميلاً معروضاً فى أحلى "فترينة"
بأحد المحلات المشهورة.
وفى يوم جمعة جاء موظف محترم
ومعه زوجته، ووقفا أمامى،
وأشارت إلى زوجته فوافق الزوج،
وأشار بدوره إلى أحد عمال المحل..
وتناولتنى الأيدى.. ووجدتنى فى النهاية
ملفوفاً فى ورقة فى يد الموظف المحترم
الذى ركب تاكسيًا، ورقصت من الفرحة،
فهذه أول مرة أرى فيها "التاكسى"،
ومن شدة الفرح نسيت أن أودع أصدقائى..
وعندما لبسنى "الأستاذ أحمد"،
الموظف المحترم، صاحت زوجته قائلة:
- يا سلام .. حلو جداً.. يستاهل حفلة..!
وأقيمت لى حفلة كبيرة كنت فيها ضيف الشرف،
وكان صاحبى مزهواً بى
وبنفسه إلى درجة الغرور..
وبدأت أتعلم منه ذلك،
وكان صاحبى أيضاً لا يحب إلا أصدقاءه الذين
يمكنه أن يستفيد منهم شيئاً، وتعلمت منه ذلك،
وأهملت كل القمصان القديمة المسكينة المهملة،
وصادقت القمصان الجديدة اللامعة فقط.
كهولتى . .
ومرت بى أيام كثيرة سعيدة، إلى أن جاء يوم
بدأ فيه الأستاذ "أحمد" يهملنى ويخجل منى..
وحاولت أن أرجع إلى صداقة القمصان القديمة،
خصوصاً بعد أن جاء قميص جديد
بدأ يعاملنى فى جفاء، وهكذا كبر بى العمر.. ,
وأعطتنى زوجة الأستاذ "أحمد"
لزوجة البواب التى لفت بى ابنها الصغير،
ثم أصبحت تمسح بى الأرض،
وعلمتنى زوجة البواب أشياء كثيرة
لو كنت عرفتها فى شبابى،
لكنت متواضعاً مثلما أنا الآن،
ومعترفاً بقيمة الآخرين..!
نشرت هذه القصة فى مجلة سميرفى الستينيات
مجموعة من بذور القطن فى كيس ملقى
بجوار الحصير الذى ينام عليه الفلاح المصرى
"أمين عبد القادر"، وذات صباح ارتفع
نباح الكلب خارج الدار كالعادة،
وأيقظ أمين من نومه العميق،
وقام أمين وأمسك بالكيس المملوء ببذور القطن،
والتى هى أنا فى ذلك الحين،
ومضى فى الطريق الزراعى نحو حقله.
فى هذه السنة كان النيل كريماً جداً،
مر فى موسم الفيضان على أراضى الفلاحين،
وأهداهم كمية طيبة من الطمى،
وكانت الأرض لينة،
وأمسك أمين فى كفه بكمية من البذور
ووضعها فى حفرة صغيرة،
واستمر فى عمله حتى قبل الغروب،
وجاء جاره "عطية" فاستأذنه "أمين"
فى أن يستخدم زحافته لكى يسوى الأرض
ويغطى البذور، وقال له "عطية":
- اتفضل يا أمين ياخويا
طفولتى . .
عشت أياماً طيبة هنية فى بطن الأرض،
ثم اطلقت سيقانى وتكاثرت أوراقى وكبرت،
وطلع اللوز وكبر، وكان أكثر ما أحببته
فى الدنيا عندما رأيتها هو الشمس .
ثم تفتح النوار وهاجمتنى الدودة..!
ودافع عنى "أمين عبد القادر"، دفاع الأبطال،
وهزم الدودة، وجاء أوان الجمع
واشترك فى جمعى بنات وصبيان كثيرون،
وفارقت القرية بعد أن سلمنى"أمين"
للجمعية التعاونية وقبض ثمنى.
صباى . .
حجزونى فى شونة الجمعية مدة قصيرة،
تعرفت خلالها على كثير من الأصدقاء
كل منهم حكى لى حكايته مع صاحبه الفلاح..
ثم أخذونا فى عربات كبيرة بعد الوزن إلى
المحطة، وركبت القطار لأول مرة فى حياتى،
وفرحت بهذا كثيرا.
وصلت فى صباح اليوم التالى إلى "المحلج"..
ضربونى هناك ضرباً قاسياً، وفصلوا منا البذور،
جمعت أنفاسى من التعب،
وركبت العربات مرة أخرى..
ثم دخلنا إلى مكان مررنا فيه بعمليات كثيرة
لا يفهمها إلا العمال الأذكياء
والمهندسون أصدقاؤهم..
وعرفت أننى خرجت من مصنع النسيج،
عندما رأيت نفسى قماشًا زاهياً مختلف الألوان.
شبابى . .
وكانت فرحتى كبيرة عندما رأيت نفسى
قميصاً جميلاً معروضاً فى أحلى "فترينة"
بأحد المحلات المشهورة.
وفى يوم جمعة جاء موظف محترم
ومعه زوجته، ووقفا أمامى،
وأشارت إلى زوجته فوافق الزوج،
وأشار بدوره إلى أحد عمال المحل..
وتناولتنى الأيدى.. ووجدتنى فى النهاية
ملفوفاً فى ورقة فى يد الموظف المحترم
الذى ركب تاكسيًا، ورقصت من الفرحة،
فهذه أول مرة أرى فيها "التاكسى"،
ومن شدة الفرح نسيت أن أودع أصدقائى..
وعندما لبسنى "الأستاذ أحمد"،
الموظف المحترم، صاحت زوجته قائلة:
- يا سلام .. حلو جداً.. يستاهل حفلة..!
وأقيمت لى حفلة كبيرة كنت فيها ضيف الشرف،
وكان صاحبى مزهواً بى
وبنفسه إلى درجة الغرور..
وبدأت أتعلم منه ذلك،
وكان صاحبى أيضاً لا يحب إلا أصدقاءه الذين
يمكنه أن يستفيد منهم شيئاً، وتعلمت منه ذلك،
وأهملت كل القمصان القديمة المسكينة المهملة،
وصادقت القمصان الجديدة اللامعة فقط.
كهولتى . .
ومرت بى أيام كثيرة سعيدة، إلى أن جاء يوم
بدأ فيه الأستاذ "أحمد" يهملنى ويخجل منى..
وحاولت أن أرجع إلى صداقة القمصان القديمة،
خصوصاً بعد أن جاء قميص جديد
بدأ يعاملنى فى جفاء، وهكذا كبر بى العمر.. ,
وأعطتنى زوجة الأستاذ "أحمد"
لزوجة البواب التى لفت بى ابنها الصغير،
ثم أصبحت تمسح بى الأرض،
وعلمتنى زوجة البواب أشياء كثيرة
لو كنت عرفتها فى شبابى،
لكنت متواضعاً مثلما أنا الآن،
ومعترفاً بقيمة الآخرين..!
نشرت هذه القصة فى مجلة سميرفى الستينيات