محمد أمنصور - الكوليزيوم القصصي.. حركة التجريب القصصي في المغرب.. بيان رقم 1

بيان رقم 1

القصة التجريبية : أو شهادة من لا شهود له

هذا نص في سفر شهادة الجيل الثالث. كتاب مرحلة ما بعد المراحل: التسعينيات. الجيل اللقيط أدبيا، الذي يعمه في الجرائد والمجلات، ويبحث عن بداية حيث لا بدايات. لا الشعر صوته ولا النثر جلده، وإنما النظريات وجعجعة الترجمات وسقط مقررات برامج التدريس، ذاك الهدير الذي يبدأ من مدرجات الجامعات لينتهي (أولا ينتهي، ولكن يتردد) صدى في منابر الإعلام الثقافي).

جيل يسمع أكثر مما يقرأ، ويقرأ أكثر مما يكتب، ويكتب أقل مما يتوهم، فقير هو، متداخل مصادر الاطلاع، ونادرا ما يقاوم سلطة الاختزال التي ترافق أشكال وصيغ الغزو السمعي – البصري، ثم كيف يقاوم معسكر الحرف معسكرات اللون والصوت والضوء وظله وليس له (لن يبقى له بعد اليوم) من أفق غير رهان التجريب؟

التجريب!... لماذا؟

أولا: لأن الصراع تحول إلى لعب، أي صراع في كل الاتجاهات وضد كل تقاطب ثنائي محكوم بالجدلية الآلية!

ثانيا: لأن التأسيس اجتاز لحظة الانبهار باكتشاف مؤسسة الجنس، رعشة السبق فصار محكوما باختراق ذاكرته الحديثة العهد بالنشأة، وإلا فإن نص الأمس القريب! سيصير عائقا في مسار نص الغـد.

إن التجريب لعب.

واللعب يبدأ من الرؤيا، فاللغة، فالمعمار، ولا ينتهي عند حدود التلقي. إنه يبدأ من النص ولا يتوقف عند حدود إرباك معايير أفق انتظار القراءة المفترضة. أما التأسيس المنتج، فيخرج من طور الجمالية المريحة إلى إرباك مجموع عمليات التأثيث السردي، وبالتالي، الدخول في متاهات الهدم: التجريب.

إن التجريب تقويض.

ولأن المرحلة انتقالية، صعبة وغامضة، فإن القصة التجريبية لا تتأسس إلا في خضم التفكك والتداخل: تفكك ثنائية الشكل والمضمون، وتداخل النثر مع الشعر. إنه الزواج السعيد للرؤيا بالمعمار. وحيث يكون تدمير الحدود، ينشأ اللعب الرؤيوي، ولا تتناهى تمظهرات الرؤيا اللعوب.

إن التجريب لعب باللغة وفيها ثم تيه في أجساد النص. إعادة هيكلة هو لأنماط الكلام، وتوزيع شيطاني لكل الأصوات الممكنة، إنه تفتيت كلي لطبقات السخري في جسد الكتابة، وتمثيل سردي لما يلتقط أو يستعصي على الالتقاط من العلامات.

من هنا الرهان:

رهان الشهادة ضد الذات لصالح اللامرجع أو اللامحدد، واللامرجع يتأسس منذ نبذ انعكاسية العلاقة بين المرسل والإرسالية، هكذا تولد القصة القصيرة التجريبية ولادة قيصرية من رحم المرحلة مسخا إيجابيا لمكونات المرجع المتحرك في تعدديته (الذات الواقع/ التاريخ/ التراث/ الفضاءات...)، تخرج أو تنفلت بما هي شهادة ضد مرسلها ولصالح مجهول القراءة الذي يكون عليه أن يمغنط إشعاع الكلمات في اتجاه السديم. إنها رسالة تلامذة التلقين المدرسي الرديء. أو رسالة أباطرة العطانة أو رسالة ساكنة المقاهي. حيث الخيال مجرد رائحة عطنة لنميمة قوم شل حلمهم/ أحلامهم تكرار الذهاب والمجيء بين حدي الطباشير والقهوة السوداء!

ماذا عساه يكون في القصة التجريبية غير الغضب!

أما الترصيص اللغوي والمعماري، فيعوض مغيب الأعماق السيكولوجية، ذاك المكبوت المتواري خلف قهر سلطة الموضوعي:

فضد الذات والذاتية

وضد التعبير والتعبيرية

وضد الغناء والغنائية

وضد الوضوح

وضد التماسك

وضد الانسجام

ومع اللابلاغة... أو بلاغة الرديء المكتظ غيظا لغويا حتى التنافر في المبنى، ثم اللاسؤال!!

ماذا عساه يكون اللاسؤال سوى منبع هذا النص في سفر شهادة الجيل الثالث؟ وهنا بالضبط تبدأ المكاشفة. من حيث لا أحد يسأل أو يسأل. من حيث كل قصة قصيرة جديدة لا تبدأ أبدا ولا تنتهي أبدا.

وإن هي بدأت فإنما لكي تكرس غموضا في الوعي النقدي الموازي. فكل ما يكتب يكون ضد المعنى أولا يكون. ضد التواصل العبيط وضد جمالية الراحة.... وهكذا، ضد التسلسل تتناثر أعضاء أجساد الحكايات، وقائع، وذكريات، واستيهامات، وأضغاث أحلام، ورؤى، وأوهاما موهمة باقتراب تشكل الحدث الممكن. الحدث المفترض الذي لا يأتي، يكون أو لا يكون لكنه، أبدا لا يأتي، فهو فعل الاختراق ذاته، وهو مجموع اللغات المنزاحة والأفكار والعواطف المتداعية، ثم هو القول من كل الجهات. في البداية والوسط والنهاية. وهل من حدث قصصي أكثر تبنينا من توتر الشفوي في رحم المكتوب؟ من قلق الكلام داخل الكتابة؟ ثم قلق الذات. آه! تلك القلعة المضطهدة أبدا خارج جنة النص.

الذات التي طردها الغرب (أو قتلها!) طردا شرعيا ومؤسسا، بينما نحن (ورثة الميتافيزيقا) نكتفي باللهاث وراء وهج السراب الجميل لفعل القتل. وما دخلت الذات (ذاتنا) النص بعد حتى تخرج منه!! ناهيك عن أن تقتل (يا للفضيحة!).

إنه القلق والتوتر المضادان لذاتية النص (الرحم المجهض: أنا الكاتب الفعلي!) والتغريب!!

إن التجريب تغريب يعري اللعبة تماما. ولأن القصة التجريبية تكتب تاريخها تحت مطرقة إرهاب وفاشية النقد المؤكدم! (الوجه الجديد للنقد الكلاسيكي)، فهي محكومة بالتعقيد، ثم الغموض دائما ودائما، غموض اللعبة من أولها إلى آخرها. وأما إلى أين ستتجه القصة القصيرة التجريبية بهذا الوجود المأزقي؟ فالجواب يكمن في رحم النهايات... تلك التي لا تأتي نهاية القرون/ هذا القرن...

نهاية الحداثات/ حداثة الجنوب... الشرق... الغرب... المغرب!! نهاية الأدب نفسه/ والقصة القصيرة في المقدمة.

لقد آن الأوان لكي يستقيل كتاب القصة القصيرة الذين يضايقهم طموح التجريب... لأنهم في حال استمرارهم في النعيق، سوف لن يكونوا سوى غربان مقبرة (أو جنة) نظرية الأدب المنشودة... والاستقالة هنا لا تكون بالانقطاع القسري عن حق الكتابة أو حق النشر... لا.. لسنا فاشيين جددا !! ولكن، تبدأ الاستقالة من لحظة الاعتراف بأن الوقت للملعونين:

- اعتراف فني بجدارة تجريب الشباب أولا.

- واعتراف نقدي بجدة وجدية طموح التجريب ثالثا.

وإلى أن يقتنع الأساتذة بأن لا أستاذية إلا للغضب الحقيقي، واللعنة المحتومة، والنسيان الأبدي، فستستمر القصة القصيرة التجريبية في تقويض أسطورتها بما هي اتجاه (متبصر أو أعمى!) في منحى الموت.

موت النص في انتظار موت المؤلف!

محمد أمــنصـور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...