كان جالساً على السرير النحاسي العالي المرفوع على قوالب عدة من الطوب الأحمر، هي كانت جالسة على الأرض مستندة إلى دولاب ذي زخارف عتيقة معبقة برائحة بخور هندي، متربعة في جلبابها الأسود الذي لا تبدله؛ فقد ماتت أمها ومات أبوها وزوجها وخمسة من الأولاد. أخذ يحكى لها عن أحزانه الدفينة والتى لا يفصح عنها إلا لها.. لها فقط. كانت تأخذ همومه وأسراره وتحشرها فى الشقوق التى حفرها الزمن تجاعيد غائرة.. هل كان لابد أن يصبح وجهها الذى كان جميلا كرغيف خبز ؟
فتحت درج الدولاب أمام الذى جاءها شاكيا وأخرجت له منديلا مربعا نظيفا مكويا بلون البحر، دُهش وقال: أنا لا أبكى، قالت: حرم الله عليك البكاء خذه معك، دسه فى جيبه، لما عاد إلى بيته أخرجه من جيبه تمخط فيه وتركه على الطاولة. فى البيت أولاد، والأولاد يلعبون أخذوا المنديل تجاذبوا أطرافه حتى كاد يتمزق. فى البيت أخذت الزوجة المنديل الناعم لتضعه فوق فستانها الوحيد كى لا تترك المكواة فوقه أثرا من حرارة الكى، الحرارة غيرت لون المنديل وهو غير عابئ به.
لما أصابه هم فوق هم ذهب إليها وطلب كوبا من الشاى بالرغم من الصهد المارق إلى الحجرة الصغيرة، سحبت القلة وصبت الماء فى البراد الصاج، وبينما يحكى لها عن همومه وكأنها أشياءً عابرة وقفت عصفورة ملونة على الشباك بين أسياخ الحديد، لمحتها ؛ فمدت يدها. ربتت على ركبته وقالت له: بشرة خير كل همومك ستذهب مع الهواء الناعم الذى سيأتى غدا. تعجب.. كيف عرفت أن العصفورة بشرة خير ؟
فتحت الدرج وأخرجت منديلا بلون الأرض عليه خطان وكأنهما نخلتان سعفتهما على وشك الاهتزاز، دسه فى جيبه وغادر المكان، لما عاد إلى البيت وجد صغيره يهذي فأخرج المنديل من جيبه بلله بالماء وضعه على جبين الصغير، وأخذ يهذي بلا سخونة.
لم تكن المسافة من بيته إلى بيتها طويلة إلا أنه كان يحسها دائما طويلة، وأن المرتين اللتين يذهب فيهما إليها كل أسبوع غير كافيتين حتى يحكى لها ويحاول أن يبث إليها تجاوبه مع كلامها البسيط. كلما كان يذهب إليها تدعو له وتعطيه منديلا. للمناديل ألوان مختلفة وتشكيلات كثيرة قابلة للتأويل، هكذا رآها عندما لملمها من على الطاولة ورأس الصغير ومن جيبه ومن المكان الذى تكوي فيه زوجته الملابس ومن أماكن أخرى متناثرة كان آخرها على رأس عروسة ابنته. عصبة كعصبة لامرأة روسية بعدها قرر أن يسألها لماذا كل هذه المناديل؟ لما سألها ردت بأن عليه أن يجمعها ويحتفظ بها فى درج يخصه ثم ضغطت على ركبته بحنو: ستحتاج إليها. فى هذه المرة سألته مشيرة إلى الدرج الذى لا تفتحه أمام أحدـ أتعرف ماذا فى الدرج ؟ سألها: وهل يعرف أحد ؟
ـ أنت فقط الذى سيعرف.. انزل جانبي.
فتحت الدرج فحسبه خاليا، قالت: انظر.. وأشارت دون أن تلمس الأشياء وكأن هذه الأشياء معروضة خلف زجاج فى متحف بهى.. السن الوحيدة التى خلعها أبوك، نظارته التى كان يراكم بها، طربوشه، مال نحوها.. ربت عليها، سألها مداعبا: أبى، ألم يكن عنده سوى طربوش واحد؟!
ترحمت عليه.. لا كان عنده ثلاثة أو أربعة أخري إلا أن الزمن والتراب والفئران كانت أقوى مني.
فى هذه الليلة كانت واهنة وشاحبة، قبل أن يمشى أعطته منديلا أبيض خاليا من أية خطوط ودعت له: حرم الله عليك البكاء.
سأل نفسه: لماذا كل هذه المناديل؟!!
لما تراكمت عليه الهموم ذهب إليها إلا أنها كانت قد غادرت المكان.. كل الأماكن, السرير العالى كان نظيفا مرتبا كعهده به دائما إلا أن أعمدته النحاسية بدت باهتة ضائعة اللمعان، وكان على الوسادة منديل أسود موضوع باهتمام بالغ، أخذه ودسه فى جيبه. لما عاد إلى بيته جلس على سريره فتح الدرج، سحب منديلا وأخذ يبكى بكاءً مريراً.. نظر إلى المناديل المتراصة فى الدرج وبوجع أحس: كم هى قليلة كل هذه المناديل.
فتحت درج الدولاب أمام الذى جاءها شاكيا وأخرجت له منديلا مربعا نظيفا مكويا بلون البحر، دُهش وقال: أنا لا أبكى، قالت: حرم الله عليك البكاء خذه معك، دسه فى جيبه، لما عاد إلى بيته أخرجه من جيبه تمخط فيه وتركه على الطاولة. فى البيت أولاد، والأولاد يلعبون أخذوا المنديل تجاذبوا أطرافه حتى كاد يتمزق. فى البيت أخذت الزوجة المنديل الناعم لتضعه فوق فستانها الوحيد كى لا تترك المكواة فوقه أثرا من حرارة الكى، الحرارة غيرت لون المنديل وهو غير عابئ به.
لما أصابه هم فوق هم ذهب إليها وطلب كوبا من الشاى بالرغم من الصهد المارق إلى الحجرة الصغيرة، سحبت القلة وصبت الماء فى البراد الصاج، وبينما يحكى لها عن همومه وكأنها أشياءً عابرة وقفت عصفورة ملونة على الشباك بين أسياخ الحديد، لمحتها ؛ فمدت يدها. ربتت على ركبته وقالت له: بشرة خير كل همومك ستذهب مع الهواء الناعم الذى سيأتى غدا. تعجب.. كيف عرفت أن العصفورة بشرة خير ؟
فتحت الدرج وأخرجت منديلا بلون الأرض عليه خطان وكأنهما نخلتان سعفتهما على وشك الاهتزاز، دسه فى جيبه وغادر المكان، لما عاد إلى البيت وجد صغيره يهذي فأخرج المنديل من جيبه بلله بالماء وضعه على جبين الصغير، وأخذ يهذي بلا سخونة.
لم تكن المسافة من بيته إلى بيتها طويلة إلا أنه كان يحسها دائما طويلة، وأن المرتين اللتين يذهب فيهما إليها كل أسبوع غير كافيتين حتى يحكى لها ويحاول أن يبث إليها تجاوبه مع كلامها البسيط. كلما كان يذهب إليها تدعو له وتعطيه منديلا. للمناديل ألوان مختلفة وتشكيلات كثيرة قابلة للتأويل، هكذا رآها عندما لملمها من على الطاولة ورأس الصغير ومن جيبه ومن المكان الذى تكوي فيه زوجته الملابس ومن أماكن أخرى متناثرة كان آخرها على رأس عروسة ابنته. عصبة كعصبة لامرأة روسية بعدها قرر أن يسألها لماذا كل هذه المناديل؟ لما سألها ردت بأن عليه أن يجمعها ويحتفظ بها فى درج يخصه ثم ضغطت على ركبته بحنو: ستحتاج إليها. فى هذه المرة سألته مشيرة إلى الدرج الذى لا تفتحه أمام أحدـ أتعرف ماذا فى الدرج ؟ سألها: وهل يعرف أحد ؟
ـ أنت فقط الذى سيعرف.. انزل جانبي.
فتحت الدرج فحسبه خاليا، قالت: انظر.. وأشارت دون أن تلمس الأشياء وكأن هذه الأشياء معروضة خلف زجاج فى متحف بهى.. السن الوحيدة التى خلعها أبوك، نظارته التى كان يراكم بها، طربوشه، مال نحوها.. ربت عليها، سألها مداعبا: أبى، ألم يكن عنده سوى طربوش واحد؟!
ترحمت عليه.. لا كان عنده ثلاثة أو أربعة أخري إلا أن الزمن والتراب والفئران كانت أقوى مني.
فى هذه الليلة كانت واهنة وشاحبة، قبل أن يمشى أعطته منديلا أبيض خاليا من أية خطوط ودعت له: حرم الله عليك البكاء.
سأل نفسه: لماذا كل هذه المناديل؟!!
لما تراكمت عليه الهموم ذهب إليها إلا أنها كانت قد غادرت المكان.. كل الأماكن, السرير العالى كان نظيفا مرتبا كعهده به دائما إلا أن أعمدته النحاسية بدت باهتة ضائعة اللمعان، وكان على الوسادة منديل أسود موضوع باهتمام بالغ، أخذه ودسه فى جيبه. لما عاد إلى بيته جلس على سريره فتح الدرج، سحب منديلا وأخذ يبكى بكاءً مريراً.. نظر إلى المناديل المتراصة فى الدرج وبوجع أحس: كم هى قليلة كل هذه المناديل.