ارتبطت كُرة القدم التنافسية في المغرب بالواقع الاستعماري، وتمُدّ جذورها إلى ما بين سنتي 1913 و1916. سنة 1913 تأسس أول الأندية، «الاتحاد الرياضي المغربي» بمدينة الدار البيضاء. والمنافسات الرسمية في البطولة المغربية كانت مفتوحة بوجه اللاعبين المعمّرين. كانت البطولة المغربية تحت إشراف الجامعة الفرنسية لكرة القدم، هذه الأخيرة أشرفت على 22 بطولة جهوية بما فيها 5 بطولات بشمال افريقيا (المغرب، وهران، الجزائر العاصمة، قسطنطينة وتونس).
استخدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية ملاعب الكرة كأداة للتأطير السياسي، وقبل كل شيء، كمتنفس للغضب الاجتماعي الناجم عن مظالم الاستعمار.
حافظ النظام المغربي على هذا الجانب وطوّره منذ الاستقلال الشكلي، لاحتواء الشباب وإبعاده عن قضايا البلد؛ عبر استعمال المؤسسة الكروية لخلق جيش من المصفقين المستلبين، وتعيين جنرال على رأسها. منذ سنة 1994، تم تعيين الجنرال بنسليمان رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إلى غاية 2009.
يجري توجيه الغضب الناشئ عن الإقصاء الاجتماعي والاحتقار والعسف البوليسيين، نحو منافسات بين «أعداء رياضيين»، تفاديا للسيناريو الآخر، أي توجيهه نحو الأعداء الطبقيين الذين يطحنون الكادحين: أرباب العمل ودولتهم.
ولأن دورها اقتصر في البداية على تشجيع أنديتههم، رحبت الدولة بفصائل الألتراس منذ ظهورها سنة 2005، لأن هذه الفصائل تحتوي جيلا بأكمله، وتحشره في عوالم المنافسات والتصفيق والتهليل. غير أن التطور النوعي الملحوظ هو تسيُّس متنامي لجماهير الكرة. وجرت محاولات منذ البدء لخنقه عبر الاعتقالات ومنع اللافتات السياسية والشعارات المنتقدة للنظام وعسكرة المدرجات وتفتيش الجمهور لمصادرة اللافتات… (أجرت الداخلية عشرات الاجتماعات مع المكاتب المسيرة للأندية لضبط جماهيرها ضمن قوانين حضيرة الاستبداد، وأصدرت بلاغات عدّة).
لكنّ جحيم الفقر والبؤس والبطالة والاستغلال الذي يعيش في ظله ملايين المغاربة والمغربيات، وتضييق الخناق على هوامش التعبير، جعل ملاعب كُرة القدم تتحول تدريجيا إلى فضاء للتعبير السياسي الأولي، رُغم سيطرة ورقابة أجهزة النظام عليه، ورُغم تدخلها في انتخاب مسيري جامعة كرة القدم ومكاتب الأندية.
لقد تحولت الملاعبُ إلى فضاء لتحدي المحظورات السياسية في أغاني فرق المشجعين ولافتاتهم وأشكالهم الإبداعية. وأصبحوا يحتجون ويصرخون ويُنشدون طلبا للكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وتضامنا مع المساجين والمقموعين.
أصبحت حركة الالتراس متنفسا جديدا للشباب المقهور، يجدون فيها إمكانية تنظيم أنفسهم في مجموعات، بعد أن صادر النّظام كل أدوات تنظيم الشباب. وأخوف خوف النظام أن ينتقل الاحتجاج من المُدرجات إلى الأحياء والشوارع والمدن والقرى.
في سبتمبر 2018، تحول استياء الألتراس إلى احتجاجات، حيث احتج ألتراس «نادي المغرب التطواني» لكرة القدم، على وفاة «حياة بلقاسم»، وهي طالبة قتلتها قوات البحرية في 25 سبتمبر أثناء محاولتها عبور البحر الأبيض المتوسط إلى إسبانيا… وبعد أسبوع، في 30 سبتمبر، أثناء مباراة بين «حسنية أكادير» و»أولمبياد خريبكة»، ردد الجمهور أغانٍ مطالبة بإسقاط الاستبداد… عشرات الاغاني والشعارات المطالبة بالحرية للكناوي، ومسيرات في مخارج الملاعب مطالبة بإطلاق سراح معتقلي الريف وجرادة ومندّدة بالظلم والقهر….
ليست فصائل الالتراس ظاهرة خاصة بالمغرب، بل تجد أحد حوافزها في انتفاضات عام 2011. لما هجرت فرق المشجعين المصريين المدرجات للانضمام إلى الميادين. وهو مشهد نعاينه اليوم في الجزائر حيث انضمت جماهير كرة القدم إلى الحراك الشعبي ضد نظام العسكر.
تابعنا في الثورة المصرية، آلاف الشباب يقتحمون الميادين ضد قمع الشرطة والعسكر، إلى درجة أن شباب الألتراس كانوا أكثر الفصائل المنظمة في المظاهرات التي واجهت قوات الداخلية المصرية. نضالهم الباسل والمنظم هو ما دفع النظام العسكري للانتقام منهم وقتل العشرات دفعة واحدة في مجزرة بورسعيد الشهيرة في فبراير 2012.
الشباب الشعبي الموجود في مدرجات الملاعب، بكل تنوّعاته، والذي يتنظّم في فصائل المشجّعين، شبابٌ يائسٌ وساخطٌ من أوضاع معيشية غير محتملة. يعبر بأشكاله الخاصة عن الغضب الاجتماعي الكامن في أعماق المجتمع.
الشعارات السياسية التي تخترق الملاعب تعبر عن عمق الأزمة الاجتماعية وحدّتها، في صفوف الشباب، ولكن أيضًا في المجتمع ككل. والشيئ المؤكد أن فرق الالتراس ستكون أحد فصائل الانتفاضة المغربية القادمة.
ثقافة الألتراس مرتبطة بالنادي، وبالنزعة المناطقية، وأيضا بهوّية معينة محدودة بالمدينة وبالنادي، إلخ. وهذا تعبير عن الانطواء، يظهر هذا أثناء مواجهات المشجعين فيما بينهم. ما يستوجب بلورة منظُور جماعيّ، وهوّية جماعيّة، هي الهوية الطبقية، هوية المطحونين والمقهورين أيّا كانت مناطقتهم.
هاجمت صحف الاستبداد في صفحاتها الأولى، ومواقع النت، كعادتها، فصائل الالتراس بالتّهم المألوفة «الشعارات السياسية تعبر عن اختراق المشجعين من طرف عناصر تريد زعزعة استقرار البلد». واعتبرتها «كيانات غير قانونية «. هجوم ينم عن رعب الحاكمين من قوة الشباب حين يبدأ في التسيّس.
لا يتجاوز منظور الانتقاد الذي تتضمنه شعارات الألتراس الأيديولوجية السائدة في المجتمع، حيث تنطوي على منظور أخلاقي يرد أشكال الاضطهاد إلى انحرافات عن صحيح الدين أو شراهة الحكام، ما يفتح المجال لشتى أشكال المعارضات البرجوازية (دينية كانت أو ليبرالية) لاستغلال قتالية هؤلاء الشباب وإبقائها في حدود مناوشات مع النظام السياسي وترقيعات على نفس نظام الاضطهاد الطبقي والسياسي: نظام رأسمالي تابع يحميه استبداد سياسي.
وجوابنا نحن أنصار النضال العمالي والشعبي سيكون مزيدا من تسييس جماهير كرة القدم، بكسبهم للنضال السياسي والاجتماعي الشامل والعميق.
فصائل الالتراس تخطو خطوة أولى في الطريق الصحيح، لكنها لم تتسيّس بعد، فالسياسة الحقيقية-التي ترعب ساكني القّصور- ليست ترديدُ الشّعارات في المدرجات، بل «اقتحام الشوارع والساحات ليس بالألاف، بل بالملايين».
من أجل الترفيه.. والتسلية.. ولكن، الأهم من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية
عاش الشعب.. ولا عاش من خانه
محمد الساعي
www.almounadila.info
استخدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية ملاعب الكرة كأداة للتأطير السياسي، وقبل كل شيء، كمتنفس للغضب الاجتماعي الناجم عن مظالم الاستعمار.
حافظ النظام المغربي على هذا الجانب وطوّره منذ الاستقلال الشكلي، لاحتواء الشباب وإبعاده عن قضايا البلد؛ عبر استعمال المؤسسة الكروية لخلق جيش من المصفقين المستلبين، وتعيين جنرال على رأسها. منذ سنة 1994، تم تعيين الجنرال بنسليمان رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إلى غاية 2009.
يجري توجيه الغضب الناشئ عن الإقصاء الاجتماعي والاحتقار والعسف البوليسيين، نحو منافسات بين «أعداء رياضيين»، تفاديا للسيناريو الآخر، أي توجيهه نحو الأعداء الطبقيين الذين يطحنون الكادحين: أرباب العمل ودولتهم.
ولأن دورها اقتصر في البداية على تشجيع أنديتههم، رحبت الدولة بفصائل الألتراس منذ ظهورها سنة 2005، لأن هذه الفصائل تحتوي جيلا بأكمله، وتحشره في عوالم المنافسات والتصفيق والتهليل. غير أن التطور النوعي الملحوظ هو تسيُّس متنامي لجماهير الكرة. وجرت محاولات منذ البدء لخنقه عبر الاعتقالات ومنع اللافتات السياسية والشعارات المنتقدة للنظام وعسكرة المدرجات وتفتيش الجمهور لمصادرة اللافتات… (أجرت الداخلية عشرات الاجتماعات مع المكاتب المسيرة للأندية لضبط جماهيرها ضمن قوانين حضيرة الاستبداد، وأصدرت بلاغات عدّة).
لكنّ جحيم الفقر والبؤس والبطالة والاستغلال الذي يعيش في ظله ملايين المغاربة والمغربيات، وتضييق الخناق على هوامش التعبير، جعل ملاعب كُرة القدم تتحول تدريجيا إلى فضاء للتعبير السياسي الأولي، رُغم سيطرة ورقابة أجهزة النظام عليه، ورُغم تدخلها في انتخاب مسيري جامعة كرة القدم ومكاتب الأندية.
لقد تحولت الملاعبُ إلى فضاء لتحدي المحظورات السياسية في أغاني فرق المشجعين ولافتاتهم وأشكالهم الإبداعية. وأصبحوا يحتجون ويصرخون ويُنشدون طلبا للكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وتضامنا مع المساجين والمقموعين.
أصبحت حركة الالتراس متنفسا جديدا للشباب المقهور، يجدون فيها إمكانية تنظيم أنفسهم في مجموعات، بعد أن صادر النّظام كل أدوات تنظيم الشباب. وأخوف خوف النظام أن ينتقل الاحتجاج من المُدرجات إلى الأحياء والشوارع والمدن والقرى.
في سبتمبر 2018، تحول استياء الألتراس إلى احتجاجات، حيث احتج ألتراس «نادي المغرب التطواني» لكرة القدم، على وفاة «حياة بلقاسم»، وهي طالبة قتلتها قوات البحرية في 25 سبتمبر أثناء محاولتها عبور البحر الأبيض المتوسط إلى إسبانيا… وبعد أسبوع، في 30 سبتمبر، أثناء مباراة بين «حسنية أكادير» و»أولمبياد خريبكة»، ردد الجمهور أغانٍ مطالبة بإسقاط الاستبداد… عشرات الاغاني والشعارات المطالبة بالحرية للكناوي، ومسيرات في مخارج الملاعب مطالبة بإطلاق سراح معتقلي الريف وجرادة ومندّدة بالظلم والقهر….
ليست فصائل الالتراس ظاهرة خاصة بالمغرب، بل تجد أحد حوافزها في انتفاضات عام 2011. لما هجرت فرق المشجعين المصريين المدرجات للانضمام إلى الميادين. وهو مشهد نعاينه اليوم في الجزائر حيث انضمت جماهير كرة القدم إلى الحراك الشعبي ضد نظام العسكر.
تابعنا في الثورة المصرية، آلاف الشباب يقتحمون الميادين ضد قمع الشرطة والعسكر، إلى درجة أن شباب الألتراس كانوا أكثر الفصائل المنظمة في المظاهرات التي واجهت قوات الداخلية المصرية. نضالهم الباسل والمنظم هو ما دفع النظام العسكري للانتقام منهم وقتل العشرات دفعة واحدة في مجزرة بورسعيد الشهيرة في فبراير 2012.
الشباب الشعبي الموجود في مدرجات الملاعب، بكل تنوّعاته، والذي يتنظّم في فصائل المشجّعين، شبابٌ يائسٌ وساخطٌ من أوضاع معيشية غير محتملة. يعبر بأشكاله الخاصة عن الغضب الاجتماعي الكامن في أعماق المجتمع.
الشعارات السياسية التي تخترق الملاعب تعبر عن عمق الأزمة الاجتماعية وحدّتها، في صفوف الشباب، ولكن أيضًا في المجتمع ككل. والشيئ المؤكد أن فرق الالتراس ستكون أحد فصائل الانتفاضة المغربية القادمة.
ثقافة الألتراس مرتبطة بالنادي، وبالنزعة المناطقية، وأيضا بهوّية معينة محدودة بالمدينة وبالنادي، إلخ. وهذا تعبير عن الانطواء، يظهر هذا أثناء مواجهات المشجعين فيما بينهم. ما يستوجب بلورة منظُور جماعيّ، وهوّية جماعيّة، هي الهوية الطبقية، هوية المطحونين والمقهورين أيّا كانت مناطقتهم.
هاجمت صحف الاستبداد في صفحاتها الأولى، ومواقع النت، كعادتها، فصائل الالتراس بالتّهم المألوفة «الشعارات السياسية تعبر عن اختراق المشجعين من طرف عناصر تريد زعزعة استقرار البلد». واعتبرتها «كيانات غير قانونية «. هجوم ينم عن رعب الحاكمين من قوة الشباب حين يبدأ في التسيّس.
لا يتجاوز منظور الانتقاد الذي تتضمنه شعارات الألتراس الأيديولوجية السائدة في المجتمع، حيث تنطوي على منظور أخلاقي يرد أشكال الاضطهاد إلى انحرافات عن صحيح الدين أو شراهة الحكام، ما يفتح المجال لشتى أشكال المعارضات البرجوازية (دينية كانت أو ليبرالية) لاستغلال قتالية هؤلاء الشباب وإبقائها في حدود مناوشات مع النظام السياسي وترقيعات على نفس نظام الاضطهاد الطبقي والسياسي: نظام رأسمالي تابع يحميه استبداد سياسي.
وجوابنا نحن أنصار النضال العمالي والشعبي سيكون مزيدا من تسييس جماهير كرة القدم، بكسبهم للنضال السياسي والاجتماعي الشامل والعميق.
فصائل الالتراس تخطو خطوة أولى في الطريق الصحيح، لكنها لم تتسيّس بعد، فالسياسة الحقيقية-التي ترعب ساكني القّصور- ليست ترديدُ الشّعارات في المدرجات، بل «اقتحام الشوارع والساحات ليس بالألاف، بل بالملايين».
من أجل الترفيه.. والتسلية.. ولكن، الأهم من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية
عاش الشعب.. ولا عاش من خانه
محمد الساعي
مُدرّجات كُرة القدم: فضاءٌ للتّعبير عن القهر الطبقي - المناضل-ة
ارتبطت كُرة القدم التنافسية في المغرب بالواقع الاستعماري، وتمُدّ جذورها إلى ما بين سنتي 1913 و1916. سنة 1913 تأسس أول الأندية، «الاتحاد الرياضي المغربي» بمدينة الدار البيضاء. والمنافسات الرسمية في البطولة المغربية كانت مفتوحة بوجه اللاعبين المعمّرين. كانت البطولة المغربية تحت إشراف الجامعة...