يظهر أن المسرح المغربي عرف بشكل ما في وقت مبكر جدا، وأن المغاربة ذوو أصالة وميول وفطرية في هذا المجال كما يبدوا ذلك من ملاحظة مظاهر ثرائهم الفلكلوري وتظاهراتهم الشعبية ومن خلال المسارح التي تركها الرومان ببلادنا (1).
لن أتحدث عن هذه المرحلة التي لم تحتفظ لنا التسجيلات بشيء عنها وصفا أو نصوصا وإنما سأحاول استكشاف بعض المظاهر المسرحية التي عرفها جيل آبائنا وسجلت عنها بعض التقييدات، بل قد يكون الحظ قد أسعف بعضا من جيلنا فحضر عروضا عن هذا المسرح التراث.
هذه المرحلة مغربية صرفة، فهي تبدأ بعض الامتزاج الحاصل بين العناصر المتساكنة بالمغرب من عرب وبربر وأندلسية، وتكوين القومية المغربية.
إذا نحن تركنا جانبا من مظاهر الفلكلور، فسيبقى أمامنا عدة مظاهر مسرحية عرفها المغرب عبر تاريخه المذكور من جملتها الحلقة، البساط، سيدي الكتفى، سلطان الطلبة وغيرها ؟. نكتفي بالحديث عن بعضها.
الحلقة، وهي عبارة عن مسرح شعبي يشرف على تقديم مسرحياته بعض الأفراد المختصين في فن الحكاية والإيماء والألعاب البهلوانية ويعرض إبداعاته في الأسواق وساحات المدن الكبرى كباب الفتوح وباب عجيسة بفاس وباب منصور العلج بمكناس وساحة جامع الفنا بمراكش (2) وهو مسرح خليط من الهزل والدراما والشعر والغناء والرقص والحكاية، يشارك فيه أحيانا حتى الجمهور، ويجسد غالبا أساطير عربية كالعنقرية وسيرة سيف بن ذي يزن وحكايات ألف ليلة وليلة وغيرها ...
أما البساط، فكان في البداية مجرد تمثيل تقليدي لتسلية السلاطين ورجال الدولة من جهة ولتسلية عامة الشعب من جهة أخرى، كتشخيص حكاية البلارج على رنات البندير ونغمات المزمار في (الحلاقي) بالساحات العمومية وبراعة المسيحيين (3).
وأولى حفلات مسرح البساط بالمغرب قدمت أمام السلطان محمد بن عبد الله 1557-1790 (4) وكان يستعمل للوعظ والإرشاد بطريقة ترفيهية، وقد تطور هذا الفن من هذه المشاهدة القصيرة مع توالي السنين وبفضل تشجيع السلاطين (5).
ولفظ البساط عربي من البساط وهو المزاج والفكاهة وترك الاحتشام، وقد كانت تؤلف الفرق منه لتسلية السلاطين في الأعياد والمواسم، وتقدم العروض أحيانا المنطوية على الانتقاد الاجتماعي في قالب بعيد عن الحشمة، وعلى مشاهد في انتقاد المعروفين من الأشخاص الوجهاء، تارة بالتصريح وتارة بالتلميح، كما كان المبسطون يتخذون من معارفهم وبعض المتهورين في المدينة مواضع مستملحاتهم ومضحكاتهم، كما كانوا يأتون بحركات وأفعال سوقية في تشخيصهم، ولكنها تدخل في نطاق الفكاهة (6).
وقد كان هؤلاء الفنانون يقدمون إلى الرباط بمناسبة عاشوراء فيقصدون القصر الملكي في جو من الفكاهة والمرح وسط فضول الكبار والصغار من عامة الشعب (7) وحين يصلون إلى المشور السلطاني يشرعون في أداء ألعابهم ورقصاتهم وفكاهاتهم وتمثيلهم.
وإذا كان لكل فرقة اختصاصها الذي يميزها، فقد كانت فرقة أهل فاس مختصة في التمثيل، ويروى أن مواضيع التمثيليات التي قدموها أواخر العهد بالبساط أصبحت اجتماعية وطنية فضلا عن طابعها الهزلي (8)، وكان الممثلون يقدمون اسكيتشات يطرحون فيها مشاكل اجتماعية باتفاق مع أصحابها في قالب مسلي أمام الملك الذي يدرك مآسي أصحابها الخفية، فيبحث عنها ويمكنهم من حقوقهم (9).
فهو إذن مسرح ملتزم استطاع أن يجمع بين الفرجة والهدف النبيل، وقد عرف عصره الذهبي طوال حكم السلطان عبد العزيز 1895- 1409 وقام بدور فعال في نطاق الحركة الوطنية إلى أن انحرف عن قصده، فتوجه وفد من أهل فاس إلى قصر محمد الخامس سنة 1926 وطلبوا منه إيقاف عروض السفهاء (10).
سيدي الكتفي، هو لون تولد عن البساط لكن اختصت به مدينة الرباط، وقد نشأ في العهد الذي انتظمت فيه الحرف الصناعية في المغرب وأصبحت منسقة وذات تقاليد، وهذه الجماعة اشتهرت من بين المعلمين الخرازة وأطلقت على نفسها مجموعة سيدي الكتفي، وعرف هذا الفن على عهد السلطان المولى يوسف (11).
تتألف طائفة سيدي الكتفي من إثنى عشر فردا يترأسهم مقدم كما هو شأن البساط، يجتمعون في بيته، ولهم آداب خاصة تتكرر في كل حفلة تمثيلية، من ذلك أنه عندما يلتئم الجمع يفتح المقدم الجلسة بتعليمات تتعلق بطريقة سر التمثيل موصيا إياهم بالتزام الجد وإبعاد الضحك، وبالارتخاء، وتقمص الدور على أحسن وجه، وينذرهم بالعقاب الشديد الذي ينتظر كل من تسول له نفسه من بينهم أن يضحك أو يسيء التمثيل، ثم يشرعون في أداء القصيدة التمثيلية، وهي التعريض والتشهير ببعض الأفراد المعروفين في المدينة من أصحاب السلوك المشين، ثم تبدأ الحضرة متمهلة يتبعها الدخول في الموضوع ثم الانصراف بجذبة (12).
لقد كان التمثيل إذن معروفا بالمغرب قبل عصر النهضة بشكل ما، وكان المغاربة يمثلون فصولا هزلية انتقادية في المهرجانات الشعبية الكبيرة، واشتهر من ممثليهم في البساط الحاج محمد الفاتحي برادة وشقيقه الحاج إدريس المطرب الشهير والسي التهامي وكلهم من فاس، وكانوا يمثلون الوزراء والقضاة والحكام بأسمائهم الحقيقية وبمحضرهم، ويقلدونهم في الحركات واللهجة، وينتقدون أحكامهم من الانتقاد، ومع ذلك لم يكونوا يتعرضون لهم بعقاب، بل يمنحونهم الجوائز المالية على إتقانهم محاكاتهم (13) كما عرف من أفراد سيدي الكتفي، المفضل الدغمي والد الممثل الإذاعي العربي الدغمي.
وإذا كان الفن المسرحي يمتاز عن سائر الفنون الأدبية الأخرى بأنه ليس فنا يطالع أو يسمع فحسب بل ويرى أيضا بتشخيص المسرحية على خشبة المسرح من طرف ممثلين يعتمدون في أداء أدوارهم على الحوار والحركة، عارضين الأخلاق والعادات والطبائع والتقاليد من حاضر الحياة أو ماضيها، ضمن مدة محدودة إذا كان الفن المسرحي كذلك، فلا شك أن الأنواع المختلفة التي عرفها المسرح المغربي في أشكاله السابقة تجمع أغلب العناصر الفنية الحديثة لهذا الفن، ويبقى فقط، فارق التطور الذي انعدم بفعل الانكماش والجمود.
إن الانعزال السياسي والحضاري الذي عرفه المغرب في القرنيين الماضيين نتيجة النهضة الأوربية، والتخلف العربي، والتكالب الاستعماري، كلها كانت عوامل فعالة في عدم تطور هذه الحركة المحلية وإيصالها بما بلغته الشعوب الأوربية في هذا المضمار، لذا كان على المغرب أن ينتظر انفتاحه على العالم الغربي لتشهد طنجة افتتاح مسرح سرفانطيس سنة 1912 مما أتاح للسكان مشاهدة مسرحيات قدمتها فرق قدمت من إسبانيا وفرنسا والقاهرة (14) ولتستقبل فرق العالم العربي، التي وجدت المجال الحي لنشاطها، كفرق جوق النهضة العربية، التي كان أفرادها مزيجا من الفرنسيين والمصريين والتي كان على رأسها المغني اللامع محمد عز الدين المصري (15) يساعده مصطفى الجزار الذي كان يقوم بتقديم مسليات هزلية بين الفصول، وقد وصلت هذه الفرقة إلى المغرب سنة 1923 قادمة من تونس عبر الجزائر لتقدم مسرحية صلاح الدين (16).
وقد لقيت هذه الفرقة ترحيبا حارا، وتوجه لمشاهدتها العلماء والأدباء والوجهاء، ومثلث في القصر السلطاني، ونال رئيسها وساما من السلطان يوسف (17).
وقامت الفرقة بجولة عبر أهم المدن تركت أثرا طيبا، وتحدثت عنها الصحف وهذا شيء لم يحصل حتى بمصر التي فشلت فيها عدة فرق لم تستطع مواصلة عملها نظرا لغياب الجمهور كما حصل لجورج أبيض مما دفعه للسفر إلى تونس (18).
إن التأثير العميق الذي خلفته هذه الفرقة المسرحية كان من العوامل التي وزعت بذور الثقافة المسرحية وسط الشبان المغاربة الذين كانوا يتخبطون في محاولات مهزوزة تخلو من الجمالية المتطلبة.
وما إن مضت سنة على جولة محمد عز الدين وفرقته المختلطة جوق النهضة العربية حتى قدمت سنة 1924 فرقة مختلطة أخرى بتعاقد مع بلدية فاس، وكان من جملة أفرادها، عبد الرزاق كرباكة وحسن بنان وزوجته علياء، ورافول وزوجته بهية الشامية (19)
وقد انقسمت هذه الفرقة على نفسها، وظل بعض أفرادها في مراكش، وخاصة حسن بنان الذي كون مع بعض المغاربة فرقة ظلت لبعض الوقت تعمل في جنان الحارثي (20)، كما نجد بعض المشارقة الذين استوطنوا العاصمة يشجعون على تنظيم الجمعيات، نذكر من بينهم (أدمون خياط) الذي كان موزعا للأفلام، وأخته (ميرية الصايغ) التي كانت منتجة ومخرجة، فهذه المرأة كانت تستدعي من حين إلى لآخر بعض الممثلين الشباب وتكلفهم بإعداد إنتاجات درامية، كان من نتائجها مسرحية الأيدي المحترقة التي ألفها محمد الزيزي (21).
وعلى أي فقد انطلقت التجربة المسرحية الأولى بالمغرب على يد تلاميذ القرويين (22) وثانوية المولى إدريس بفاس (23) الذين كانوا يعبئون من طرف الفرق الأجنبية لتأدية بعض الأدوار (24)، فاستطاعوا بفضل ثقافتهم المزدوجة، واستيعابهم للفتيات التي استكشفوها من الفرق الزائرة أن يألفوا فرقة باسم الجوق الفاسي (25) برئاسة عبد الواحد الشاوي أصبحت فيما بعد فرقة الاتحاد المسرحي (26)
ومنذ هذا التاريخ، أخذت تلمع بعض الأسماء كمحمد القري والمهدي المنيعي ومحمد بن الشيخ وعبد الواحد الشاوي وغيرهم (27) وكان الناس يتحدثون عن أعمال هذه النخبة وتضحياتها بكثير من الإعجاب.
وقد قدمت الجوق الفاسي عددا مهما من الروايات التمثيلية ما بين مترجمة ومقتبسة ومؤلفة لمشارقة ومغاربة (28) وكانت هذه الفرقة تضم باقة من الشباب منهم من كان يقوم بدور المؤلف ومنهم من يقوم بدور الممثل ومنهم من يقوم بدور المخرج وكان منهم أحيانا من يجمع الأدوار كلها كعبد الواحد الشاوي ومنهم من اشتهر بالغناء والقيام بأدوار النساء لانعدام العنصر النسوي حينذاك كالحاج محمد بوعياد، ومنهم من اشتهر بالأدوار الهزلية كأحمد الحريشي، وهناك من غلب عليه دور التأليف كالمهدي المنيعي وبوطالب وابن الشيخ ومحمد الزغاري (29).
لقد كانت هذه الفرقة تسعى لبلورة مشاكل البلاد وإبراز الصراعات الاجتماعية، كما كانت موضوعات التأليف بدورها تستمد مضامينها عندهم من تاريخ الإسلام والأحداث السياسية المعاشة (30) وذلك لحث المغاربة على طرد المستعمر وفضح أساليبه واطلاع المواطنين على تاريخهم المجيد. وقد أحس المستعمر بهذا التخطيط المدبر، فصادر المسرحيات، وطارد أصحابها، كما حدث للقري الذي تحمل أنواع التعذيب والنفي الغامضة حتى عرف بدفين الصحراء (31)
لقد كان هذا الشهير مرشد الفرقة يثقفها برواياته المقتبسة، ويصنع لها الحوار والأناشيد المناسبة (32) ويعد أول من تعاطى التأليف المسرحي فقد وضع سنة 1923 رواية اليتيم المهمل، ورواية العلم ونتائجه، والأوصياء وكثيرا ما كان يكتب مسرحياته ويوقعها باسم عبد الواحد الشاوي كما كان يذكر بعض معاصريه وذلك حتى يفلت من عقاب السلطة (33).
ثم تأسست جمعية قدماء المدرسة الثانوية الفاسية سنة 1928 (34) تحت إدارة السيد الزغاري فقامت بتمثيل عدة روايات : كصلاح الدين لولتر سكوت، وانتصار البراءة والشهيد لمحمد الزغاري، وترتوف للمهدي المنيعي (35) وأميرة الأندلس لأحمد شوقي، ولم يكن يخلوا هذا الجهد من لسعات نقدية نشيطة فقد أثارت الصحافة عاصفة من الإنكار والاحتجاج حول رواية أحمد شوقي (أميرة الأندلس) أثناء تمثيل الفرقة الفاسية لها بمراكش، حيث رأت فيها مسا بمكانة ابن تاشفين، ورميه بسوء المعاملة للمعتمد، وكان أول مهاجمي شوقي، شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم الذي رحب بالفرقة واعترف لشوقي بالشاعرية ولكنه رماه بالجهل بالتاريخ فقال :
تأمل شوقي عن قريب فما اهتدى
وما ضر عن شوقي لو تأمل عن بعد
أأحمد شوقي للقوافي رجالهـــــا
كانت وللتاريخ ذو الأخذ والرد (36)
ومن نشاط جمعية قدماء تلاميذ المدرسة الثانوية الفاسية تنظيمها لمسابقة في التأليف المسرحي سنة 1929 (37) لقصة أخلاقية اجتماعية لم تفز فيها سوى قصة واحدة عنوانها (إلى الفضيلة) للأستاذ عبد الله الجراري (38).
وفي الوقت الذي كان قدماء تلاميذ ثانوية المولى إدريس يعنون بإقامة مسرح فاس، كان مصطفى الجزار، الذي قرر الإقامة بالمغرب يعمل على تأسيس فرقة تمثيلية بمراكش سنة 1927 (39) بعد أن انفصل عن محمد عز الدين المصري. وعلى غرار طلبة فاس تأسست جمعية العاصمة الرباطية التي قدمت أربع مسرحيات تحت إشراف رئيسها محمد اليزيدي (40) سنة 1927 وكان يشرف عليها مجموعة من المختصين من جملتهم علماء بقواعد اللغة والنحو يحضرون ساعة التدريب لتصحيح أخطاء الممثلين، ويذكر الأستاذ عبد الله شقرون من بينهم الشيخ المدني الحسني وعبد الله الجراري.
وبعد ذلك بثلاث سنوات شاهدت مدينة سلا ميلاد جوق التمثيل الذي قدم مسرحية ملك وشعب وغيرها، والتي كان لها بدورها فنيون وملاحظون أمثال توفيق الخياط.
ونذكر بالبيضاء قدماء التلاميذ الذين، ألفوا أجواقا تحت إدارة الحاج المختار بن عبد السلام المثري الشهير (41) وجمعية تلاميذ مدرسة الأعيان التي اكتسحت الخشبة بضع سنوات من 1936 إلى 1940وغيرت إسمها إلى فرقة الهلال، وكان مديرها محمد الهرابلي (42).
وعرفت مدينة طنجة حركة فنية حقيقية وممارسة جد متقنة لفن الدراما (43) وأول مبادرة مسرحية بها كانت من جمعية الهلال التي أسسها أحمد ياسين سنة 1927 ، وجعل لها فروعا ثقافية وترفيهية متعددة (44) مما مكنها من مشاهدة روائع أدبية كانت تقدمها في عيد المولد النبوي الذي كان يجلب إلى طنجة عددا من المواطنين، ومن فنييها اللغويين، أحمد ابن احساين والعربي والتمتماني وعبد الله كنون وفي سنة 1936 وفدت على المغرب الممثلة المصرية فاطمة رشدي وزوجها عزيز عيد وزارت جل مدن المغرب حيت تركت أثرا طيبا وخاصة في تطوان، كان من نتائجه تكوين فرقة الطالب المغربي، وكان من المعنيين بتشجيعها والتأليف لها، رئيسها الأديب عبد الخالق الطريس، إذ قدم لها رواية من إنتاجه موضوعها الحض على التعليم العصري تحت عنوان : انتصار الحق بالباطل (45).
ثم تكونت سنة 1936 جماعة هواة المسرح بمساعدة الحاج محمد بنونة، بل أن أحد أفراد الجماعة وهو أحمد مدينة أنشأ مجلة للمسرح والسينما في يناير 1946 هي مجلة الأنوار.
وقد كان الظهير البربري سنة 1930 والرفض الذي قوبل به عاملا من عوامل تضييق الخناق على العمل المسرحي الذي بدأ نشاطه يتقلص باضمحلال فرقه الواحدة تلو الأخرى إلى أن كانت عريضة الاستقلال التي قدمها الوطنيون في 11 يناير 1944 فكانت فرصة الاستعمار للإجهاز على النشاط المسرحي والصحفي.
نستخلص مما مر أن المسرح لم يكن فنا غريبا على المغاربة، وأنه رغم الفارق الذي كان بين الفنون المحلية التي قدمنا بها حديثنا والمسرح بمعناه الحديث فإن هذا لم يكن ينفي بأن المغاربة كانت لهم رؤيا قريبة إلى حد ما من هذا الفن، كما أن ارتباط الفقرة التي أدخلت فيها الفرق الشرقية المسرح الحديث إلى المغرب باستعمار البلاد، وجيشان النفوس وغضبها، وما صاحب ذلك من حركة رد فعل، كل ذلك عمل على الدفع بعجلة الحركة المسرحية إلى الأمام وخدمتها بإخلاص يجمع بين الغيرة الإسلامية والوطنية مما دفع الدراميون المغاربة إلى أن يبدعوا إنتاجات نابعة من تاريخ بلادهم كمسرحية المنصور الذهبي التي ألفها ابن الشيخ، ومسرحية العلم ونتائجه التي أحرزت على الجائزة الأولى للتأليف سنة 1929 والتي تبرز أهمية التعليم في تحقيق أهداف الأمة وتحريرها وغيرها من المسرحيات.
لقد كان المسرح المغربي مسرح هواة يرمي إلى بث الوعي الفني والوطني في نفوس المواطنين، وقد لاقى رجاله كثيرا من العنف بالمحاكمات والغرامات فكان ينتكس ويزدهر طبقا للضغوط وخفقتها ورغم ذلك استطاع تأدية رسالته في حث الجمهور على المشاركة الفعلية بالحضور بالمآت لعروضه، وفي إيقاظ وعيه الوطني والقومي، وبإيقاد جذوة التحرير والكفاح التي استجاب لها حين دعا إلى الوطنية.
وكان بإمكان هذه الحركة أن تؤثر تأثيرا إيجابيا في اتجاه كتابة المسرحية، لولا الخنق الذي فرضته السلطات الاستعمارية إذ ذاك، مما دعاها إلى انتظار مرحلة أخرى.
مراجع البحث :
1-من تاريخ القصة والمسرحية في الأدب المغربي للأستاذ الحسن السائح ص 13-16 ص 15
2-أبحاث في المسرح المغربي د. حسن المنيعي
3-مجلة الفنون عدد1-2 السنة الثانية : لمحات من تاريخ المسرح المغربي للأستاذ عبد الله شقرون
4-أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 17
5-أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 17
6-عبد الله شقرون –كجلة الفنون
7-عبد الله شقرون – مجلة الفنون –
8-عبد الله شقرون – مجلة الفنون –
9-أبحاث في المسرح المغربي للأستاذ حسن المنعي ص 9
10-أبحاث في المسرح المغربي للأستاذ حسن المنيعي ص 22
11- أبحاث في المسرح المغربي للأستاذ حسن المنيعي ص 24 وعدد 1-2 من مجلة الفنون – عبد الله شقرون
12- مجلة الفنون لمحات من تاريخ المسرح المغربي عبد الله شقرون
13- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني ص 83
14- أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 34
15- أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 35
16- لمحات من تاريخ المسرح المغربي ذ عبد الله شقرون عدد 1-2 سنة 2 مجلة الفنون.
17- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 15 ولمحات ذ. عبد الله شقرون
18- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 33
19- لمحات من تاريخ المسرح ذ. عبد الله شقرون وأبحاث الأستاذ المنيعي ص 36.
20- نشأة المسرح المغربي ذ. عثمان بن خضراء مجلة الفنون سنة 2 عدد 7-8 وأبحاث ذ. المنيعي ص 37
21- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني عدد 7-8 سنة 1
22- الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي 1900-1965 ذ. الصادق عفيفي
23- أبحاث ذ. المنيعي ص 37
24- أبحاث ذ. المنيعي ص 37
25- الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي ذ. محمد الصادق عفيفي ص 170 -173 ومجلة الفنون عدد 7-8 سنة 1
27- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني مجلة الفنون عدد 7-8 سنة 1 وأبحاث ذ. المنيعي ص 38
28- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني مجلة الفنون والفن القصصي ص 171
29- أبحاث ذ. المنيعي ص 38
30- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 38
31- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 38
32- الفن القصصي ذ. محمد الصادق عفيفي ص 170
33- أبحاث ذ. المنيعي ص 38
34- الفن القصصي ذ. عفيفي ص 173
35- الفن القصصي ذ. عفيفي ص 173
36- هل حاول شاعر الحمراء أن يكون ناقدا مسرحيا ؟ ذ. زين العابدين الكتاني في مجلة الفنون سنة 1 عدد 4 والفن القصصي ذ. عفيفي ص 174
37- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني مجلة الفنون سنة 1 عدد 9-10
38- القصة المغربية الحديثة ذ. محمد الصادق عفيفي ص 19 ومجلة الفنون سنة 1 عدد 9-10
39- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 42
40- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 42
41- فهرس للمسرح المغربي ذ. الكتاني عدد 5-6- سنة 1
42 و43و 44 – أبحاث الأستاذ المنيعي ص 42 -43-44
45- الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي ذ. محمد الصادق عفيفي ص 76.
قال أكثم بن صيفي حكيم العرب : ذللوا أخلاقكم للمطالب، وقودها إلى المحامد، وعلموها المكارم، ولا تقيموا على خلق تذمونه من غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتحلوا بالجود يلبسكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل، فتتعجلوا الفقر ...
وقد أخذ هذا المعنى شاعر فقال :
أمن خوف فقر تعجلته = وأخرت إنفاق ما تجمع
فصرت الفقير وأنت الغني = وما كنت تعدوا الذي تصنع
يريد الشاعر أن يجود الإنسان من ماله ليبارك له ما فيه.
دعوة الحق
181 العدد
habous.gov.ma
لن أتحدث عن هذه المرحلة التي لم تحتفظ لنا التسجيلات بشيء عنها وصفا أو نصوصا وإنما سأحاول استكشاف بعض المظاهر المسرحية التي عرفها جيل آبائنا وسجلت عنها بعض التقييدات، بل قد يكون الحظ قد أسعف بعضا من جيلنا فحضر عروضا عن هذا المسرح التراث.
هذه المرحلة مغربية صرفة، فهي تبدأ بعض الامتزاج الحاصل بين العناصر المتساكنة بالمغرب من عرب وبربر وأندلسية، وتكوين القومية المغربية.
إذا نحن تركنا جانبا من مظاهر الفلكلور، فسيبقى أمامنا عدة مظاهر مسرحية عرفها المغرب عبر تاريخه المذكور من جملتها الحلقة، البساط، سيدي الكتفى، سلطان الطلبة وغيرها ؟. نكتفي بالحديث عن بعضها.
الحلقة، وهي عبارة عن مسرح شعبي يشرف على تقديم مسرحياته بعض الأفراد المختصين في فن الحكاية والإيماء والألعاب البهلوانية ويعرض إبداعاته في الأسواق وساحات المدن الكبرى كباب الفتوح وباب عجيسة بفاس وباب منصور العلج بمكناس وساحة جامع الفنا بمراكش (2) وهو مسرح خليط من الهزل والدراما والشعر والغناء والرقص والحكاية، يشارك فيه أحيانا حتى الجمهور، ويجسد غالبا أساطير عربية كالعنقرية وسيرة سيف بن ذي يزن وحكايات ألف ليلة وليلة وغيرها ...
أما البساط، فكان في البداية مجرد تمثيل تقليدي لتسلية السلاطين ورجال الدولة من جهة ولتسلية عامة الشعب من جهة أخرى، كتشخيص حكاية البلارج على رنات البندير ونغمات المزمار في (الحلاقي) بالساحات العمومية وبراعة المسيحيين (3).
وأولى حفلات مسرح البساط بالمغرب قدمت أمام السلطان محمد بن عبد الله 1557-1790 (4) وكان يستعمل للوعظ والإرشاد بطريقة ترفيهية، وقد تطور هذا الفن من هذه المشاهدة القصيرة مع توالي السنين وبفضل تشجيع السلاطين (5).
ولفظ البساط عربي من البساط وهو المزاج والفكاهة وترك الاحتشام، وقد كانت تؤلف الفرق منه لتسلية السلاطين في الأعياد والمواسم، وتقدم العروض أحيانا المنطوية على الانتقاد الاجتماعي في قالب بعيد عن الحشمة، وعلى مشاهد في انتقاد المعروفين من الأشخاص الوجهاء، تارة بالتصريح وتارة بالتلميح، كما كان المبسطون يتخذون من معارفهم وبعض المتهورين في المدينة مواضع مستملحاتهم ومضحكاتهم، كما كانوا يأتون بحركات وأفعال سوقية في تشخيصهم، ولكنها تدخل في نطاق الفكاهة (6).
وقد كان هؤلاء الفنانون يقدمون إلى الرباط بمناسبة عاشوراء فيقصدون القصر الملكي في جو من الفكاهة والمرح وسط فضول الكبار والصغار من عامة الشعب (7) وحين يصلون إلى المشور السلطاني يشرعون في أداء ألعابهم ورقصاتهم وفكاهاتهم وتمثيلهم.
وإذا كان لكل فرقة اختصاصها الذي يميزها، فقد كانت فرقة أهل فاس مختصة في التمثيل، ويروى أن مواضيع التمثيليات التي قدموها أواخر العهد بالبساط أصبحت اجتماعية وطنية فضلا عن طابعها الهزلي (8)، وكان الممثلون يقدمون اسكيتشات يطرحون فيها مشاكل اجتماعية باتفاق مع أصحابها في قالب مسلي أمام الملك الذي يدرك مآسي أصحابها الخفية، فيبحث عنها ويمكنهم من حقوقهم (9).
فهو إذن مسرح ملتزم استطاع أن يجمع بين الفرجة والهدف النبيل، وقد عرف عصره الذهبي طوال حكم السلطان عبد العزيز 1895- 1409 وقام بدور فعال في نطاق الحركة الوطنية إلى أن انحرف عن قصده، فتوجه وفد من أهل فاس إلى قصر محمد الخامس سنة 1926 وطلبوا منه إيقاف عروض السفهاء (10).
سيدي الكتفي، هو لون تولد عن البساط لكن اختصت به مدينة الرباط، وقد نشأ في العهد الذي انتظمت فيه الحرف الصناعية في المغرب وأصبحت منسقة وذات تقاليد، وهذه الجماعة اشتهرت من بين المعلمين الخرازة وأطلقت على نفسها مجموعة سيدي الكتفي، وعرف هذا الفن على عهد السلطان المولى يوسف (11).
تتألف طائفة سيدي الكتفي من إثنى عشر فردا يترأسهم مقدم كما هو شأن البساط، يجتمعون في بيته، ولهم آداب خاصة تتكرر في كل حفلة تمثيلية، من ذلك أنه عندما يلتئم الجمع يفتح المقدم الجلسة بتعليمات تتعلق بطريقة سر التمثيل موصيا إياهم بالتزام الجد وإبعاد الضحك، وبالارتخاء، وتقمص الدور على أحسن وجه، وينذرهم بالعقاب الشديد الذي ينتظر كل من تسول له نفسه من بينهم أن يضحك أو يسيء التمثيل، ثم يشرعون في أداء القصيدة التمثيلية، وهي التعريض والتشهير ببعض الأفراد المعروفين في المدينة من أصحاب السلوك المشين، ثم تبدأ الحضرة متمهلة يتبعها الدخول في الموضوع ثم الانصراف بجذبة (12).
لقد كان التمثيل إذن معروفا بالمغرب قبل عصر النهضة بشكل ما، وكان المغاربة يمثلون فصولا هزلية انتقادية في المهرجانات الشعبية الكبيرة، واشتهر من ممثليهم في البساط الحاج محمد الفاتحي برادة وشقيقه الحاج إدريس المطرب الشهير والسي التهامي وكلهم من فاس، وكانوا يمثلون الوزراء والقضاة والحكام بأسمائهم الحقيقية وبمحضرهم، ويقلدونهم في الحركات واللهجة، وينتقدون أحكامهم من الانتقاد، ومع ذلك لم يكونوا يتعرضون لهم بعقاب، بل يمنحونهم الجوائز المالية على إتقانهم محاكاتهم (13) كما عرف من أفراد سيدي الكتفي، المفضل الدغمي والد الممثل الإذاعي العربي الدغمي.
وإذا كان الفن المسرحي يمتاز عن سائر الفنون الأدبية الأخرى بأنه ليس فنا يطالع أو يسمع فحسب بل ويرى أيضا بتشخيص المسرحية على خشبة المسرح من طرف ممثلين يعتمدون في أداء أدوارهم على الحوار والحركة، عارضين الأخلاق والعادات والطبائع والتقاليد من حاضر الحياة أو ماضيها، ضمن مدة محدودة إذا كان الفن المسرحي كذلك، فلا شك أن الأنواع المختلفة التي عرفها المسرح المغربي في أشكاله السابقة تجمع أغلب العناصر الفنية الحديثة لهذا الفن، ويبقى فقط، فارق التطور الذي انعدم بفعل الانكماش والجمود.
إن الانعزال السياسي والحضاري الذي عرفه المغرب في القرنيين الماضيين نتيجة النهضة الأوربية، والتخلف العربي، والتكالب الاستعماري، كلها كانت عوامل فعالة في عدم تطور هذه الحركة المحلية وإيصالها بما بلغته الشعوب الأوربية في هذا المضمار، لذا كان على المغرب أن ينتظر انفتاحه على العالم الغربي لتشهد طنجة افتتاح مسرح سرفانطيس سنة 1912 مما أتاح للسكان مشاهدة مسرحيات قدمتها فرق قدمت من إسبانيا وفرنسا والقاهرة (14) ولتستقبل فرق العالم العربي، التي وجدت المجال الحي لنشاطها، كفرق جوق النهضة العربية، التي كان أفرادها مزيجا من الفرنسيين والمصريين والتي كان على رأسها المغني اللامع محمد عز الدين المصري (15) يساعده مصطفى الجزار الذي كان يقوم بتقديم مسليات هزلية بين الفصول، وقد وصلت هذه الفرقة إلى المغرب سنة 1923 قادمة من تونس عبر الجزائر لتقدم مسرحية صلاح الدين (16).
وقد لقيت هذه الفرقة ترحيبا حارا، وتوجه لمشاهدتها العلماء والأدباء والوجهاء، ومثلث في القصر السلطاني، ونال رئيسها وساما من السلطان يوسف (17).
وقامت الفرقة بجولة عبر أهم المدن تركت أثرا طيبا، وتحدثت عنها الصحف وهذا شيء لم يحصل حتى بمصر التي فشلت فيها عدة فرق لم تستطع مواصلة عملها نظرا لغياب الجمهور كما حصل لجورج أبيض مما دفعه للسفر إلى تونس (18).
إن التأثير العميق الذي خلفته هذه الفرقة المسرحية كان من العوامل التي وزعت بذور الثقافة المسرحية وسط الشبان المغاربة الذين كانوا يتخبطون في محاولات مهزوزة تخلو من الجمالية المتطلبة.
وما إن مضت سنة على جولة محمد عز الدين وفرقته المختلطة جوق النهضة العربية حتى قدمت سنة 1924 فرقة مختلطة أخرى بتعاقد مع بلدية فاس، وكان من جملة أفرادها، عبد الرزاق كرباكة وحسن بنان وزوجته علياء، ورافول وزوجته بهية الشامية (19)
وقد انقسمت هذه الفرقة على نفسها، وظل بعض أفرادها في مراكش، وخاصة حسن بنان الذي كون مع بعض المغاربة فرقة ظلت لبعض الوقت تعمل في جنان الحارثي (20)، كما نجد بعض المشارقة الذين استوطنوا العاصمة يشجعون على تنظيم الجمعيات، نذكر من بينهم (أدمون خياط) الذي كان موزعا للأفلام، وأخته (ميرية الصايغ) التي كانت منتجة ومخرجة، فهذه المرأة كانت تستدعي من حين إلى لآخر بعض الممثلين الشباب وتكلفهم بإعداد إنتاجات درامية، كان من نتائجها مسرحية الأيدي المحترقة التي ألفها محمد الزيزي (21).
وعلى أي فقد انطلقت التجربة المسرحية الأولى بالمغرب على يد تلاميذ القرويين (22) وثانوية المولى إدريس بفاس (23) الذين كانوا يعبئون من طرف الفرق الأجنبية لتأدية بعض الأدوار (24)، فاستطاعوا بفضل ثقافتهم المزدوجة، واستيعابهم للفتيات التي استكشفوها من الفرق الزائرة أن يألفوا فرقة باسم الجوق الفاسي (25) برئاسة عبد الواحد الشاوي أصبحت فيما بعد فرقة الاتحاد المسرحي (26)
ومنذ هذا التاريخ، أخذت تلمع بعض الأسماء كمحمد القري والمهدي المنيعي ومحمد بن الشيخ وعبد الواحد الشاوي وغيرهم (27) وكان الناس يتحدثون عن أعمال هذه النخبة وتضحياتها بكثير من الإعجاب.
وقد قدمت الجوق الفاسي عددا مهما من الروايات التمثيلية ما بين مترجمة ومقتبسة ومؤلفة لمشارقة ومغاربة (28) وكانت هذه الفرقة تضم باقة من الشباب منهم من كان يقوم بدور المؤلف ومنهم من يقوم بدور الممثل ومنهم من يقوم بدور المخرج وكان منهم أحيانا من يجمع الأدوار كلها كعبد الواحد الشاوي ومنهم من اشتهر بالغناء والقيام بأدوار النساء لانعدام العنصر النسوي حينذاك كالحاج محمد بوعياد، ومنهم من اشتهر بالأدوار الهزلية كأحمد الحريشي، وهناك من غلب عليه دور التأليف كالمهدي المنيعي وبوطالب وابن الشيخ ومحمد الزغاري (29).
لقد كانت هذه الفرقة تسعى لبلورة مشاكل البلاد وإبراز الصراعات الاجتماعية، كما كانت موضوعات التأليف بدورها تستمد مضامينها عندهم من تاريخ الإسلام والأحداث السياسية المعاشة (30) وذلك لحث المغاربة على طرد المستعمر وفضح أساليبه واطلاع المواطنين على تاريخهم المجيد. وقد أحس المستعمر بهذا التخطيط المدبر، فصادر المسرحيات، وطارد أصحابها، كما حدث للقري الذي تحمل أنواع التعذيب والنفي الغامضة حتى عرف بدفين الصحراء (31)
لقد كان هذا الشهير مرشد الفرقة يثقفها برواياته المقتبسة، ويصنع لها الحوار والأناشيد المناسبة (32) ويعد أول من تعاطى التأليف المسرحي فقد وضع سنة 1923 رواية اليتيم المهمل، ورواية العلم ونتائجه، والأوصياء وكثيرا ما كان يكتب مسرحياته ويوقعها باسم عبد الواحد الشاوي كما كان يذكر بعض معاصريه وذلك حتى يفلت من عقاب السلطة (33).
ثم تأسست جمعية قدماء المدرسة الثانوية الفاسية سنة 1928 (34) تحت إدارة السيد الزغاري فقامت بتمثيل عدة روايات : كصلاح الدين لولتر سكوت، وانتصار البراءة والشهيد لمحمد الزغاري، وترتوف للمهدي المنيعي (35) وأميرة الأندلس لأحمد شوقي، ولم يكن يخلوا هذا الجهد من لسعات نقدية نشيطة فقد أثارت الصحافة عاصفة من الإنكار والاحتجاج حول رواية أحمد شوقي (أميرة الأندلس) أثناء تمثيل الفرقة الفاسية لها بمراكش، حيث رأت فيها مسا بمكانة ابن تاشفين، ورميه بسوء المعاملة للمعتمد، وكان أول مهاجمي شوقي، شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم الذي رحب بالفرقة واعترف لشوقي بالشاعرية ولكنه رماه بالجهل بالتاريخ فقال :
تأمل شوقي عن قريب فما اهتدى
وما ضر عن شوقي لو تأمل عن بعد
أأحمد شوقي للقوافي رجالهـــــا
كانت وللتاريخ ذو الأخذ والرد (36)
ومن نشاط جمعية قدماء تلاميذ المدرسة الثانوية الفاسية تنظيمها لمسابقة في التأليف المسرحي سنة 1929 (37) لقصة أخلاقية اجتماعية لم تفز فيها سوى قصة واحدة عنوانها (إلى الفضيلة) للأستاذ عبد الله الجراري (38).
وفي الوقت الذي كان قدماء تلاميذ ثانوية المولى إدريس يعنون بإقامة مسرح فاس، كان مصطفى الجزار، الذي قرر الإقامة بالمغرب يعمل على تأسيس فرقة تمثيلية بمراكش سنة 1927 (39) بعد أن انفصل عن محمد عز الدين المصري. وعلى غرار طلبة فاس تأسست جمعية العاصمة الرباطية التي قدمت أربع مسرحيات تحت إشراف رئيسها محمد اليزيدي (40) سنة 1927 وكان يشرف عليها مجموعة من المختصين من جملتهم علماء بقواعد اللغة والنحو يحضرون ساعة التدريب لتصحيح أخطاء الممثلين، ويذكر الأستاذ عبد الله شقرون من بينهم الشيخ المدني الحسني وعبد الله الجراري.
وبعد ذلك بثلاث سنوات شاهدت مدينة سلا ميلاد جوق التمثيل الذي قدم مسرحية ملك وشعب وغيرها، والتي كان لها بدورها فنيون وملاحظون أمثال توفيق الخياط.
ونذكر بالبيضاء قدماء التلاميذ الذين، ألفوا أجواقا تحت إدارة الحاج المختار بن عبد السلام المثري الشهير (41) وجمعية تلاميذ مدرسة الأعيان التي اكتسحت الخشبة بضع سنوات من 1936 إلى 1940وغيرت إسمها إلى فرقة الهلال، وكان مديرها محمد الهرابلي (42).
وعرفت مدينة طنجة حركة فنية حقيقية وممارسة جد متقنة لفن الدراما (43) وأول مبادرة مسرحية بها كانت من جمعية الهلال التي أسسها أحمد ياسين سنة 1927 ، وجعل لها فروعا ثقافية وترفيهية متعددة (44) مما مكنها من مشاهدة روائع أدبية كانت تقدمها في عيد المولد النبوي الذي كان يجلب إلى طنجة عددا من المواطنين، ومن فنييها اللغويين، أحمد ابن احساين والعربي والتمتماني وعبد الله كنون وفي سنة 1936 وفدت على المغرب الممثلة المصرية فاطمة رشدي وزوجها عزيز عيد وزارت جل مدن المغرب حيت تركت أثرا طيبا وخاصة في تطوان، كان من نتائجه تكوين فرقة الطالب المغربي، وكان من المعنيين بتشجيعها والتأليف لها، رئيسها الأديب عبد الخالق الطريس، إذ قدم لها رواية من إنتاجه موضوعها الحض على التعليم العصري تحت عنوان : انتصار الحق بالباطل (45).
ثم تكونت سنة 1936 جماعة هواة المسرح بمساعدة الحاج محمد بنونة، بل أن أحد أفراد الجماعة وهو أحمد مدينة أنشأ مجلة للمسرح والسينما في يناير 1946 هي مجلة الأنوار.
وقد كان الظهير البربري سنة 1930 والرفض الذي قوبل به عاملا من عوامل تضييق الخناق على العمل المسرحي الذي بدأ نشاطه يتقلص باضمحلال فرقه الواحدة تلو الأخرى إلى أن كانت عريضة الاستقلال التي قدمها الوطنيون في 11 يناير 1944 فكانت فرصة الاستعمار للإجهاز على النشاط المسرحي والصحفي.
نستخلص مما مر أن المسرح لم يكن فنا غريبا على المغاربة، وأنه رغم الفارق الذي كان بين الفنون المحلية التي قدمنا بها حديثنا والمسرح بمعناه الحديث فإن هذا لم يكن ينفي بأن المغاربة كانت لهم رؤيا قريبة إلى حد ما من هذا الفن، كما أن ارتباط الفقرة التي أدخلت فيها الفرق الشرقية المسرح الحديث إلى المغرب باستعمار البلاد، وجيشان النفوس وغضبها، وما صاحب ذلك من حركة رد فعل، كل ذلك عمل على الدفع بعجلة الحركة المسرحية إلى الأمام وخدمتها بإخلاص يجمع بين الغيرة الإسلامية والوطنية مما دفع الدراميون المغاربة إلى أن يبدعوا إنتاجات نابعة من تاريخ بلادهم كمسرحية المنصور الذهبي التي ألفها ابن الشيخ، ومسرحية العلم ونتائجه التي أحرزت على الجائزة الأولى للتأليف سنة 1929 والتي تبرز أهمية التعليم في تحقيق أهداف الأمة وتحريرها وغيرها من المسرحيات.
لقد كان المسرح المغربي مسرح هواة يرمي إلى بث الوعي الفني والوطني في نفوس المواطنين، وقد لاقى رجاله كثيرا من العنف بالمحاكمات والغرامات فكان ينتكس ويزدهر طبقا للضغوط وخفقتها ورغم ذلك استطاع تأدية رسالته في حث الجمهور على المشاركة الفعلية بالحضور بالمآت لعروضه، وفي إيقاظ وعيه الوطني والقومي، وبإيقاد جذوة التحرير والكفاح التي استجاب لها حين دعا إلى الوطنية.
وكان بإمكان هذه الحركة أن تؤثر تأثيرا إيجابيا في اتجاه كتابة المسرحية، لولا الخنق الذي فرضته السلطات الاستعمارية إذ ذاك، مما دعاها إلى انتظار مرحلة أخرى.
مراجع البحث :
1-من تاريخ القصة والمسرحية في الأدب المغربي للأستاذ الحسن السائح ص 13-16 ص 15
2-أبحاث في المسرح المغربي د. حسن المنيعي
3-مجلة الفنون عدد1-2 السنة الثانية : لمحات من تاريخ المسرح المغربي للأستاذ عبد الله شقرون
4-أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 17
5-أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 17
6-عبد الله شقرون –كجلة الفنون
7-عبد الله شقرون – مجلة الفنون –
8-عبد الله شقرون – مجلة الفنون –
9-أبحاث في المسرح المغربي للأستاذ حسن المنعي ص 9
10-أبحاث في المسرح المغربي للأستاذ حسن المنيعي ص 22
11- أبحاث في المسرح المغربي للأستاذ حسن المنيعي ص 24 وعدد 1-2 من مجلة الفنون – عبد الله شقرون
12- مجلة الفنون لمحات من تاريخ المسرح المغربي عبد الله شقرون
13- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني ص 83
14- أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 34
15- أبحاث الأستاذ حسن المنيعي ص 35
16- لمحات من تاريخ المسرح المغربي ذ عبد الله شقرون عدد 1-2 سنة 2 مجلة الفنون.
17- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 15 ولمحات ذ. عبد الله شقرون
18- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 33
19- لمحات من تاريخ المسرح ذ. عبد الله شقرون وأبحاث الأستاذ المنيعي ص 36.
20- نشأة المسرح المغربي ذ. عثمان بن خضراء مجلة الفنون سنة 2 عدد 7-8 وأبحاث ذ. المنيعي ص 37
21- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني عدد 7-8 سنة 1
22- الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي 1900-1965 ذ. الصادق عفيفي
23- أبحاث ذ. المنيعي ص 37
24- أبحاث ذ. المنيعي ص 37
25- الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي ذ. محمد الصادق عفيفي ص 170 -173 ومجلة الفنون عدد 7-8 سنة 1
27- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني مجلة الفنون عدد 7-8 سنة 1 وأبحاث ذ. المنيعي ص 38
28- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني مجلة الفنون والفن القصصي ص 171
29- أبحاث ذ. المنيعي ص 38
30- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 38
31- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 38
32- الفن القصصي ذ. محمد الصادق عفيفي ص 170
33- أبحاث ذ. المنيعي ص 38
34- الفن القصصي ذ. عفيفي ص 173
35- الفن القصصي ذ. عفيفي ص 173
36- هل حاول شاعر الحمراء أن يكون ناقدا مسرحيا ؟ ذ. زين العابدين الكتاني في مجلة الفنون سنة 1 عدد 4 والفن القصصي ذ. عفيفي ص 174
37- فهرس للمسرح المغربي ذ. زين العابدين الكتاني مجلة الفنون سنة 1 عدد 9-10
38- القصة المغربية الحديثة ذ. محمد الصادق عفيفي ص 19 ومجلة الفنون سنة 1 عدد 9-10
39- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 42
40- أبحاث الأستاذ المنيعي ص 42
41- فهرس للمسرح المغربي ذ. الكتاني عدد 5-6- سنة 1
42 و43و 44 – أبحاث الأستاذ المنيعي ص 42 -43-44
45- الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي ذ. محمد الصادق عفيفي ص 76.
قال أكثم بن صيفي حكيم العرب : ذللوا أخلاقكم للمطالب، وقودها إلى المحامد، وعلموها المكارم، ولا تقيموا على خلق تذمونه من غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتحلوا بالجود يلبسكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل، فتتعجلوا الفقر ...
وقد أخذ هذا المعنى شاعر فقال :
أمن خوف فقر تعجلته = وأخرت إنفاق ما تجمع
فصرت الفقير وأنت الغني = وما كنت تعدوا الذي تصنع
يريد الشاعر أن يجود الإنسان من ماله ليبارك له ما فيه.
دعوة الحق
181 العدد
دعوة الحق - نشأة المسرح المغربي
يظهر أن المسرح المغربي عرف بشكل ما في وقت مبكر جدا، وأن المغاربة ذوو أصالة وميول وفطرية في هذا المجال كما يبدوا ذلك من ملاحظة مظاهر ثرائهم الفلكلوري...