رياض العلي - شئ عن جماعة كركوك قراءة في التاريخ الادبي

شئ عن جماعة كركوك قراءة في التاريخ الادبي
صورة قلم الفكر بوست قلم الفكر بوست أرسل بريدا إلكترونيا 4 يونيو، 2021آخر تحديث: 5 يونيو، 2021


مما يميز جماعة كركوك انها اتخذت من التحديث والتنوير الثقافي طريقا لها بدون ان يتراجع احد من الجماعة او يحيد عن هذا الطريق وايضا مما يثير الانتباه هو التلاحم الشخصي بين افرادها وندرة المشاكل والمشاحنات بينهم عكس الادباء الاخرين الذين كانوا يضمرون في الاغلب بعض الكراهية ضد البعض الاخر لاسباب عديدة منها الاختلاف الايديولوجي والحسد الشخصي كما حدث مع سامي مهدي في حديثه عن هذه الجماعة بشكل مستفز جدا.
لكن هذا التلاحم الشخصي لم يكن يعني توحد تجربتهم الشعرية والادبية بشكل عام بل كان لكل شاعر منهم اسلوبه الفريد وطريقته المميزة فسركون بولص غير صلاح فائق وفاضل العزاوي يختلف عن مؤيد الراوي.

هذه الجماعة نزح افرادها من وطنها (القديم) الى العاصمة بشكل تدريجي الا أن نصوصهم سبقتهم الى هناك فكانوا معروفين بشكل واضح في الوسط الثقافي الذي كان يبحث عن تغيير في البنية الثقافية بعيداً عن الصراع السياسي الذي وصل الى مرحلة كسر العظم والسحل في الشوارع وتدمير الحياة الليبرالية ذات الصبغة الاقطاعية.
ارهاصات تلك الجماعة بدأت في مقاهي كركوك البسيطة وشوارعها المتربة وبيوتها الضيقة .

يقول صلاح فائق ( لا اعتقد ان تاثيراً لأدونيس او مجلة شعر ظهر في كتابات جماعة كركوك ، كنا ماركسيين ومصادر قراءاتنا مختلفة وغنية وكنا في قطيعة مع ماكان رائجاً ، كلنا من اصول كردية وتركمانية وآشورية ولكن قراءاتنا خارج اللغة القومية والدينية وكنا على تواصل مع افضل الكتابات الحديثة في اوربا وامريكا اللاتينية).
يمكن القول ان ما تحدث به صلاح فائق في مقاطعه اليومية يمثل اختصار وموجز لهذه الجماعة التي قلبت مفاهيم الشعر التفعيلي وجلبت الى العراق قصيدة النثر باسلوب مجلة شعر اللبنانية ضارية عرض الحائط كل التحديث السيابي مقاطعة كذلك بشكل مؤكد التراث الشعري العربي المحمل بالمضامين التعبوية النابعة من متطلبات البيئة الخارجية للشاعر وليس من الارهاصات الداخلية للشاعر.
من خلال نصوص هذه الجماعة شهد الشعر العراقي لأول مرة جنوح نحو الصورة البصرية والخفة والمفاجأة الشعرية بعيدا عن البلاغة اللغوية التقليدية التي لم يتخلص منها حتى شعراء التفعيلة الذين يعدون شعراء تحديثيون قياساً الى الشعر العربي القديم.
وايضا مما يميز نصوص جماعة كركوك انهم كانوا يستخدمون عناوين جديدة لقصائدهم غير مألوفة فعلى سبيل المثال هذه العناوين:(أنا الصرخة أي حنجرة تعزفني ، وتعاليم فاضل العزاوي إلى العالم ، ونزهة المحارب ، وعويل العنقاء ، هناك رحلات ، لن أنتظر أكثر ، قصيدة في كل لحظة ، وقصيدة عندما تنطلق صرخة) .
ومما يلفت الانتباه كذلك ان هذه الجماعة تعرضت الى التعتيم والتشويه من قبل السلطة الثقافية في العراق وكذلك من الادباء الاخرين انفسهم ، يقول صلاح فائق عن هذا :(لم نأخذ حقنا في التداول الثقافي بسبب كوننا مجموعة يسارية تضم أعضاء من كافة الانتماءات الدينية والقومية والثقافية، وعلى الضد مما كان سائدا آنذاك من هيمنة الأفكار القومية وأوهامها).
فالجيل اللاحق لهم وحتى مجايليهم كانوا يقفون بالضد من تجربتهم الشعرية وخاصة قصائد صلاح فائق وسركون بولص والثقافة العالية التي كان يتمتع بها فاضل العزاوي التي اهلته بان يكتب اهم تنظير للشعر العراقي في القرن العشرين الا وهو البيان الشعري.
شعراء جماعة كركوك فاجأوا شعراء العاصمة بما لديهم من نصوص غير مالوفة او ثابتة بل انها نصوص يمكن ان نطلق عليها نصوص غير مطمئنة.
يقول صلاح فائق :(اعتقد اني وصلت الى المجرة او المكان او فضاء أو افق ، هو الشعر، نحن لانذهب الى الشعر هو الذي يأتي الينا ، هناك اعمال قمت بها في ماضي لا احتملها الان حيث تجربتي الحالية في وقتها كانت شيئا جديدا ومختلفا ، هكذا يتم التطور والانتقال الى شكل جديد ، لايوجد نص خارق، النص دائما منقوص ، وكماله في نقصه ، لست راضياً عن شعري الى الان ).
لكن بمن تأثرت جماعة كركوك؟
طبيعة مدينة كركوك ذات التنوع القومي والديني وكذلك وجود شركات النفط الاجنبية التي كانت متداخلة مع المجتمع وكثرة الكتب الاجنبية جعلت من جماعة كركوك تتبنى الافق المفتوح بعيداً عن الانغلاق المكاني والثقافي بل وحتى الايديولوجي على الرغم من شيوع الافكار الماركسية بينهم الا أن هذه الافكار لم تمنع جماعة كركوك من الاستفادة من كل النتاج الثقافي للدول الرأسمالية فجماعة كركوك لم يكونوا يحملون المضلات حينما تمطر في موسكو عكس غيرهم من الماركسيين الذين تشبعوا بالماركسية حد الاختناق ، حتى ان معظم افراد جماعة كركوك غادروا العراق الى تلك الدول التي كانوا يقرأون ثقافتها ولم يتجه اي منهم الى أية دولة ماركسية او شمولية فماركسية الجماعة التي يشير اليها صلاح فائق هي ماركسية الموضة التي كانت شائعة في تلك المرحلة بين اوساط الشباب وخاصة ممن اتخذوا الادب والثقافة منهجاً في الحياة.
يقول الدكتور عبد الله ابراهيم :(فحال كركوك وسم الجماعات الأدبية فيها بهويتها الثقافية المفتوحة عرقياً ودينياً وثقافياً، وهو ما يندر توافره في المدن العراقية الأخرى حيث يسود شبه صفاء عرقي أو ديني أو لغوي، وحينما نتحدث عن تلك التنوعات في كركوك فإنما لأنها أثرت الجماعة وأغنتها، فالتقى أفرادها في منطقة المشتركات الكبرى حيث نزعت عنهم هوياتهم الضيقة، ومنحتهم هويتها المفتوحة، فجعلتهم ينتمون إلى هوية ثقافية مركّبة تتداخل فيها أطياف المدينة بأجمعها، وذلك هو الذي جعل الأدب الذي كتبه أدباء كركوك يتنزّه عن التعصّب والتطرّف والعنصرية، فلا وجود لنبرات التعالي أو الشعور بالدونية في وسط جماعة تتحدر من خلفيات متنوعة، وإلى تلك السمة المشتركة الجامعة أعزو أهمية الجماعات الأدبية في كركوك).
الآباء المؤسسين الأوائل لهذه الجماعة هم جليل القيسي، وفاضل العزاوي، ومؤيد الراوي وسركون بولص، وجان دمو، ويوسف الحيدري، وصلاح فائق، وانور الغساني، ويوسف سعيد وفاروق مصطفى.
يعلق فاروق مصطفى وهو من أرخ لهم في كتابه ـ المعنون (جماعة كركوك : الاستذكارات الناقصة) والذي طبعه في كركوك سنة 2005، على سبب تسميتهم بجماعة كركوك بالقول (إن جماعة كركوك لا تعني ان رابطة او جمعية جمعت أصحاب تلك الأسماء، إلا أن شيئا من هذا لم يحصل وشيوع مصطلح جماعة كركوك يعود الى أمرين رئيسيين : اولهما انهم ينتسبون الى مدينة كركوك وثمة وشائج ود وصحبة طيبة تجمعهم. وثانيهما يرجع الى محاولتهم تجديد الأدب العراقي وتحديثه وقد اثبت بعضهم الجدارة فـي هذا المضمار).
كانت المجموعة، على حد قول الناقد الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي، مثار إعجاب وجدل كبيرين، ويرى حمودي ان سبب شهرة القيسي وزملائه هو أنهم خرجوا عن المألوف، فقد كانوا يكتبون بحرارة ودم مثقل بالعاطفة والأمل في تغيير العالم وتشظية تاريخ العلاقات الاجتماعية وإعادة تشكيلها كما يذكر ابراهيم العلاف في مقالته الاستذكارية عن هذه الجماعة.
يذكر فاضل العزاوي في كتابه “الروح الحية” انه مع الشاعر مؤيد الراوي قد تعارفا معا في العام 1955 مشكلين نواة اولى في تأسيس جماعة كركوك منذ دراستهما الاولية في المتوسطة الغربية في كركوك. ويعترف بأنه مع الراوي قد ساهما معا في تشكيل هذه الجماعة تباعاً، خصوصا بعد تعرفهما على يوسف الحيدري وانور الغساني وقحطان الهرمزي، وهم من طلبة دوام المدرسة المسائية وقتذاك. وكان الثلاثة قد اعتقلوا لبضعة ايام قبل ذلك لتسلمهم منشورات شيوعية من شخص وشى بهم.


اقتراحات القراءة :
1- التجريب في الشعر العراقي المعاصر (جماعة كركوك أنموذجا) اطروحة تقدم بها إبراهيم خليل عجيمي.
2-ابعاد التجربة الفنية في شعر صلاح فائق / اطروحة تقدم بها غازي هلال مخلف الدليمي.
3-جماعة كركوك (الأدبية): فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر / ابراهيم خليل العلاف/ الحوار المتمدن.
4-حول الجماعات الأدبية والفنية في العراق.. جماعة كركوك أنموذجاً / عدنان منشد/موقع الحزب الشيوعي العراقي.
5- كتاب جماعة كركوك التتمات اللاحقة / فاروق مصطفى.
6-كتاب جماعة كركوك وقصيدة النثر / عمر ابراهيم توفيق.

د. رياض العلي



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...