رسالة غير منشورة لطه حسين الى رئيس تحرير المصور المصرية

"سيدي الأستاذ رئيس التحرير،
ألست توافقني على أن من الخير أن نضع حداً لهذا الحوار السخيف في أمر يقوم كله على التجني والكذب وعلى شيء آخر غير التجني والكذب يقال إنه يأكل القلوب كما تأكل النار الحطب ويقال ان الجاحظ قد ألف فيه رسالة من رسائله الرائعة.
وهل تأذن لي في أن أقترح عليك أن تكون هذه الكلمة خاتمة لهذا الحوار الذي لن ينفع المصريين و لا اللبنانيين في شيء.
ان صاحبك اللبناني الذي ما زلت أراه غريباً لا ينبغي له أن يتدخل في شؤوننا وإن لم يعجبك هذا الرأي هو الذي بدأ بالعدوان ولا ينبغي أن تكون له الكلمة الأخيرة. فأنت بين اثنتين إما تختم هذا الحوار بهذه الكلمة وإما أن تدفعه يمضي الى غايته حتى تسأمه ويسأمه القراء.
وأحب أن أسجل في هذه الكلمة أمرين، الأول أن صاحبك اللبناني الغريب قد كذب وتجنى حين زعم أني دافعت عن تصرف الفرنسيين مع إخواننا السوريين وعن ضربهم مدينة دمشق. فإني أتحداه وأتحدى غيره من الذين يحبون التجني هنا وهناك أن يجدوا فيما كتبت حول هذا الموضوع تصريحاً أو تلميحاً بالدفاع عن هذا التصرف الذي أنكرته إنكاراً لا يحسن أن ينكره صاحبك هذا اللبناني الغريب. الثاني أن الجملة التي نقلها صاحبك في كلمته الأخيرة لا تتصل من قريب ولا من بعيد بتصرف الفرنسيين مع السوريين وإنما تتصل بما كان من الخلاف بين لندرة وباريس في الإجراء الديبلوماسي لا في شيء آخر ومن الحق علي ومن الحق لي حين أكتب للمصريين أن أبصر قرائي بحقائق الأمور كما أراها أنا لا كما يراها فلان وفلان من الذين يحبون الكذب والتجني. فمن الإثم ومن العبث بعقول القراء ومن الازدراء للخلق الكريم أن تقتطع هذه الجملة مما قبلها ومما بعدها وتذاع في الناس على أنها دفاع عن تصرف الفرنسيين في سوريا مع أنها أوضح وأصرح من أن تدل على هذا السخف.
وأخرى أحب أن أسجلها وهي أن صاحبك اللبناني الغريب يذكر أني هانئ وادع في منزلي الجميل في القاهرة. والحمد لله على هذه النعمة التي لم تأتني من صاحبك هذا اللبناني كما أنها لم تأتني من الفرنسيين ولا من البريطانيين وإنما جاءتني من فضل الله أولاً وعمل متصل تعرفه أنت ويعرفه غيرك. ولست أبيح لأحد أن يدخل فيه أو يعرض له إلا إن استطاع أن يثبت أنه جاء من مذهب في الحياة غير شريف. وليس المهم هو أني أنعم بالحياة الهانئة في منزلي الجميل أو لا أنعم ولكن المهم هو أن مصر لم تقصّر ولا ينبغي لها أن تقصّر في ذات سوريا أو في ذات لبنان. فليقف صاحبك وأضرابه عند هذا الحد ولا يتجاوزوه. وقد اعترف صاحبك بأنه لم يهد الي الوسام المشهور وإنما أهدته الي حكومته مشكورة وبأنه لا يتكلم باسم حكومته ولكنه يزعم أنه يتكلم باسم لبنان وباسم الشعب اللبناني الكريم أكثر مما أتكلم أنا باسم المصريين. وما زعمت قط لصاحبك بأني أتكلم باسم المصريين ولكني أعلم أن صاحبك عضو في مجلس النواب اللبناني وإذا كان يتكلم باسم الشعب هناك وهو يملك حق الاستجواب فإني أرجو منه أن يتفضل فيستجوب حكومته ويحمل مجلس النواب على أن يطالب هذه الحكومة باسترداد هذا الوسام فإني لا أريد أن أبتدئ بالعقوق ولا أن أسوء اللبنانيين بأن رجلاً منهم تحدث عنهم بغير علم ولا بصيرة.
وبعد، فإني أحب لهذا الكاتب اللبناني أن يذكر قول الشاعر العربي القديم.
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة = قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان أولهم = يا للرجال لشعر غير مشؤوم".

طه حسين

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...