محمد علي الرباوي - الأَسْــوار

سُفُنٌ تَتَسَكَّعُ فِي أَرْصِفَةِ الْمِينَاءْ
لَفَظَتْ مِنْ فَمِهَا الْمَجْنُونِ رِجَالاً
فِي لَوْنِ الصَّحْرَاءْ
رِزَماً رِزماً
تَرَكَتْهُمْ فِي أَرْضِ الْغُرْبَهْ
هِيَ أَرْضٌ
يَحْتَرِقُ الظِّلُّ الْهَادِئُ
فِي ثَدْيَيْهَا
يَحْتَرِقُ الْحُبُّ الدَّافِئُ
فِي كَفَّيْهَا الْوَاسِعَتَيْنِ
وَفِي عَيْنَيْهَا يَحْتَرِقُ الْمَاءْ
لَكِنْ سَمَحَتْ لِأُنُوفِهِمُ الْمَنْفُوشَةِ
أَنْ تَتَشَمَّمَ مِنْ تُرْبَتِهَا الصُّلْبَهْ
رَائِحَةَ الْأَحْبَابِ
وَرَائِحَةَ الْأَمْطَارِ الْعَذْبَهْ
****
أَنَا لَمْ أَقْطَعْ بَحْرَا
لَمْ أَرْكَبْ بَرَّا
لَكِنِّي فِي فَاسَ تَغَرَّبْتُ
وَفِي إِسْفَلْتِ شَوَارِعِهَا
كَالْكَأْسِ تَحَطَّمْتُ
وَدَاسَتْ أَرْجُلُ كُلِّ الرَّجْلِ زُجَاجَةَ ذَاتِي
هَلْ أَحَدٌ يَا فَاسُ بَكَى وَتَوَجَّعَ مِنْ أَلَمِ
ضُمِّينِي حَتَّى أَشْعُرَ أنَّ ضُلُوعِي
تَتَكَسَّرُ ضِلْعاً ضِلْعاً
إِنِّي فِي عَيْنَيْكِ تَغَرَّبْتُ تَسَاءَلْتُ مِرَاراً:
مَاذَا يَفْصِلُ وَجْدَةَ عَنْ
رَبَوَاتِكِ يَا فَاسُ الْمُغْلَقَةُ الْمَفْتُوحَةُ
بَيْنَكُمَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ
لَا يَتَعَدَّى إِذْ يَمْتَدُّ مَدَى الْآهْ
فَلِمَاذَا هَذا الْبُلْبُلُ
لَمَّا يُلْقَى بَيْنَ ذِرَاعَيْكِ
كَطِفْلٍ يَحْلُمُ بِالْوَقْدِ
لَا يَتَشَمَّمُ عِطْرَ الْحُبِّ
وَلَا يَلْمَحُ فِي أَدْغَالِكِ أَوْرَاقَ الْوَرْدِ
وَلَا يَسْمَعُ فِي شَارِعِكِ الْوَاسِعِ
سَقْسَقَةَ الْغيْمِ
وَلَا قَهْقَهَةَ الرَّعْدِ
فَضُمِّينِي...
ضُمِّينِي حَتَّى أَشْعُرَ أَنَّ ضُلُوعِي
تَتَكَسَّرُ ضِلْعاً ضِلْعاً
إِنِّي مُنْذُ دَخَلْتُ سَرَادِيبَكِ يَا فَاسُ
أَذِنْتُ لِأَنْفِي أَنْ يَسْرَحَ
فِي كُلِّ شَوَارعِكِ الْمُورِقَةِ الْأَشْجَارِ
فَلَمْ أَعْثُرْ فِيكِ عَلى رَائِحَةِ الْأَحْبَابِ
وَلَا رَائِحَةِ الْأَعْشَابِ
وَلَا رَائِحَةِ الْأَمْطَارْ
مَا أَطْوَلَ أَسْوَارَكِ يَا فَاسُ
وَما أَكْثَرَ أَبْوَابَكِ يَا فَاسُ
لِمَاذَا حَوْلِي تَتَزَاحَمُ هَذِي الْأَسْوَارُ
وتُغْلَقُ فِي وَجْهي هَذِي الْأَبْوَابُ
وَتُفْتَحُ مِنْ خَلْفِي
وَتَلِينُ لِغَيْرِي الْأَسْوَارُ
لِمَاذَا
آهِ لِمَاذَا
****
يَا سُفُناً تَتَسَكَّعُ فِي أَرْصِفَةِ الْمِينَاءْ
بِاللهِ عَلَيْكِ، بِنَفْطِ الصَّحْرَاءْ،
لَا تَغْتَسِلِي
أَخْشَى أَنْ تَشْتَعِلِي
****
يَا سُفُنَ الفُقَرَاءِ
أَعِيدِي السَّفْرَ العُفْرَ إِلَى
قَلْبِ الْبَطْحَاءِ
فَرُبَّتَمَا فِيهِمْ زُمرٌ تَحْمِلُ عَنِّي
هَذَا الْهَمَّ القَاتِلَ
أَوْ تَحْمِلُ هَذَا الْهَمَّ الْقَتَّالَ مَعِي
لَا تَشْتَعِلِي
وَأَعِيدِي السَّفْرَ الْعُفْرَ إِلَى فَاسَ
لَعَلَّ شَوَارِعَهَا تَتَأَجَّجُ حُبَّا
وَلَعَلَّ عُيُونَ الْمَارَّةِ
بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى
تَتَحَوَّلُ أُمًّا وَأَبَا
****
يَا سُفُنَ الْفُقَرَاءِ ﭐنْتَفِضِي
وَأَعِيدِي السَّفْرَ وَلاَ تَشْتَعِلِي

فاس: 16/11/1982


- نشر بمجلة الآداب البيروتية يناير 1985 الأَسْــوار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...