نلاحظ كثرة الأخطاء اللغوية في كتاباتنا وفي كلامنا وفي وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحف، حتى في البرامج الأدبية والسياسية ونشرات الأخبار، وحتى في الجامعات والمنتديات والملتقيات الثقافية. ولا يقتصر الخطأ اللغوي على العامة بل لا يسلم منه المثقفون والمتخصصون في اللغة. وهذه الظاهرة بدأت تتزايد باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ فتعدّت مستويات الخطأ اللغوي إلى عدم الاهتمام باللغة الفصحى واستخدام العامية وكتابة الكلمات العربية بالحروف الأجنبية.
لعل أبرز الأخطاء اللغوية التي يقع فيها المتكلمون والكتاب هي الأخطاء النحوية، أي في الحركات التي تظهر في أواخر الكلمات، والمثنى وجمع المذكر السالم والأسماء الخمسة والأفعال الخمسة؛ فلغتنا العربية تتصف بخصيصة الإعراب، لهذا فإن تجنب الخطأ النحوي يحتاج ليس إلى معرفة بعلم النحو فحسب بل إلى انتباه كبير ودربة أيضًا، ولا يستطيع أحد أن يدعي بأنه لا يخطئ في النحو، وبخاصة في أثناء الكلام. ونحن نرى بعض المتخصصين في النحو والأكاديميين عندما يتكلمون يكون كلامهم بطيئًا وحذرًا لتجنب الوقوع في الخطأ النحوي، وفي خضم اهتمامهم بالنحو يضيع المعنى؛ فيأتي كلامهم متقطعًا وأفكارهم غير متماسكة. وقد تجلت هذه الظاهرة في كثير من الكتابات العربية؛ فنرى بعضها خاليًا من الخطأ النحوي لكنه ضعيف المعنى ومشتت الأفكار.لقد حوفظ على النحو وضاعت الأفكار أو ضعف المعنى.
نحن نعجب من بعض النقاد والمثقفين الذين يدّعون الحرص على اللغة العربية أنهم يهتمون كثيرًا برصد الأخطاء اللغوية والنحوية التي يقع فيها المتكلمون والكتاب ويتهمونهم بعدم الفهم وضعف الثقافة؛ فعندهم أن الخطأ النحوي أولى بتجنبه من سوء الأفكار وخطورتها في بعض الأحيان. ونلاحظ في ذروة تفشي جائحة كورونا الاهتمام بالأخطاء النحوية واللغوية في المؤتمرات التي يعقدها المسؤولون عن الصحة والإعلام للحديث عن جائحة كورونا أكثر من الاهتمام بفهم خطورة تلك الجائحة وطرق مقاومتها.
في هذا المقال لا ندعو كما دعا عالم الاجتماع علي الوردي إلى التخلص من النحو الذي رأى أنه ألحق ضررًا كبيرًا باللغة العربية، واتهم نحاة العصر العباسي، سيبويه ومدرسته بأنهم متحذلقون ومرتزقة هدفوا من صناعتهم النحو أن يصعب على العامة فهم اللغة؛ ليرسخوا الطبقية في المجتمع. كما لا ندعو إلى ما دعا إليه زكريا أوزون في كتابه «جناية سيبويه» إلى إلغاء النحو؛ لأنه -كما يرى- يضعف اللغة العربية، ويقلل من أهميتها وتطورها، ويحد من انتشارها، كما لا نطمح إلى تجديد النحو العربي وتيسيره مما فيه من تعقيد وعسر، كما طمح شوقي ضيف في كتابه «تجديد النحو» بل ندعو، إذا ما أردنا للغتنا أن تواكب العصر، وتنجح في التعبير عن حاجتنا وعواطفنا بسهولة إلى التسامح في قبول الأخطاء اللغوية عامة والنحوية خاصة؛ فمن المعروف أن النحو إنما وضع شأنه شأن علوم اللغة الأخرى من بلاغة وصرف وعلم أصوات لتسهيل الوصول إلى المعنى الذي من أجله وضعت هذه العلوم. حتى في التعريف القديم للبلاغة يقولون إنها العلم الذي يجعلنا نصل إلى المعنى بسهولة ويسر مع مراعاة الكلام لمقتضى الحال.
لعل من الصواب أن تتسامح مجامع اللغة العربية في الأخطاء النحوية مادامت المعاني واضحة لا لبس فيها، وأن تهتم بجوانب أخرى في لغتنا، وتنتبه إلى خطورة استخدام اللغة العامية واستخدام الكلمات الأجنبية التي باتت تكتسح قاعات الدرس الجامعي والقنوات الفضائية فضلًا عن وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن من الصواب ألا يركز النقاد في أعمالهم النقدية على بيان الأخطاء النحوية فيما ينقدون، وأن يهتموا بنقد الأفكار والمعاني وطرق القول، ذلك أجدى من الوقوف على كسر همزة إنَّ وفتحها أو علامات إعراب الأسماء الخمسة وغيرها.
الدكتور محمد عبدالله القواسمة
www.facebook.com
لعل أبرز الأخطاء اللغوية التي يقع فيها المتكلمون والكتاب هي الأخطاء النحوية، أي في الحركات التي تظهر في أواخر الكلمات، والمثنى وجمع المذكر السالم والأسماء الخمسة والأفعال الخمسة؛ فلغتنا العربية تتصف بخصيصة الإعراب، لهذا فإن تجنب الخطأ النحوي يحتاج ليس إلى معرفة بعلم النحو فحسب بل إلى انتباه كبير ودربة أيضًا، ولا يستطيع أحد أن يدعي بأنه لا يخطئ في النحو، وبخاصة في أثناء الكلام. ونحن نرى بعض المتخصصين في النحو والأكاديميين عندما يتكلمون يكون كلامهم بطيئًا وحذرًا لتجنب الوقوع في الخطأ النحوي، وفي خضم اهتمامهم بالنحو يضيع المعنى؛ فيأتي كلامهم متقطعًا وأفكارهم غير متماسكة. وقد تجلت هذه الظاهرة في كثير من الكتابات العربية؛ فنرى بعضها خاليًا من الخطأ النحوي لكنه ضعيف المعنى ومشتت الأفكار.لقد حوفظ على النحو وضاعت الأفكار أو ضعف المعنى.
نحن نعجب من بعض النقاد والمثقفين الذين يدّعون الحرص على اللغة العربية أنهم يهتمون كثيرًا برصد الأخطاء اللغوية والنحوية التي يقع فيها المتكلمون والكتاب ويتهمونهم بعدم الفهم وضعف الثقافة؛ فعندهم أن الخطأ النحوي أولى بتجنبه من سوء الأفكار وخطورتها في بعض الأحيان. ونلاحظ في ذروة تفشي جائحة كورونا الاهتمام بالأخطاء النحوية واللغوية في المؤتمرات التي يعقدها المسؤولون عن الصحة والإعلام للحديث عن جائحة كورونا أكثر من الاهتمام بفهم خطورة تلك الجائحة وطرق مقاومتها.
في هذا المقال لا ندعو كما دعا عالم الاجتماع علي الوردي إلى التخلص من النحو الذي رأى أنه ألحق ضررًا كبيرًا باللغة العربية، واتهم نحاة العصر العباسي، سيبويه ومدرسته بأنهم متحذلقون ومرتزقة هدفوا من صناعتهم النحو أن يصعب على العامة فهم اللغة؛ ليرسخوا الطبقية في المجتمع. كما لا ندعو إلى ما دعا إليه زكريا أوزون في كتابه «جناية سيبويه» إلى إلغاء النحو؛ لأنه -كما يرى- يضعف اللغة العربية، ويقلل من أهميتها وتطورها، ويحد من انتشارها، كما لا نطمح إلى تجديد النحو العربي وتيسيره مما فيه من تعقيد وعسر، كما طمح شوقي ضيف في كتابه «تجديد النحو» بل ندعو، إذا ما أردنا للغتنا أن تواكب العصر، وتنجح في التعبير عن حاجتنا وعواطفنا بسهولة إلى التسامح في قبول الأخطاء اللغوية عامة والنحوية خاصة؛ فمن المعروف أن النحو إنما وضع شأنه شأن علوم اللغة الأخرى من بلاغة وصرف وعلم أصوات لتسهيل الوصول إلى المعنى الذي من أجله وضعت هذه العلوم. حتى في التعريف القديم للبلاغة يقولون إنها العلم الذي يجعلنا نصل إلى المعنى بسهولة ويسر مع مراعاة الكلام لمقتضى الحال.
لعل من الصواب أن تتسامح مجامع اللغة العربية في الأخطاء النحوية مادامت المعاني واضحة لا لبس فيها، وأن تهتم بجوانب أخرى في لغتنا، وتنتبه إلى خطورة استخدام اللغة العامية واستخدام الكلمات الأجنبية التي باتت تكتسح قاعات الدرس الجامعي والقنوات الفضائية فضلًا عن وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن من الصواب ألا يركز النقاد في أعمالهم النقدية على بيان الأخطاء النحوية فيما ينقدون، وأن يهتموا بنقد الأفكار والمعاني وطرق القول، ذلك أجدى من الوقوف على كسر همزة إنَّ وفتحها أو علامات إعراب الأسماء الخمسة وغيرها.
الدكتور محمد عبدالله القواسمة
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.