من الملاحظ أن الكتابة الساخرة من أكثر الكتابات التي تعلو سطح حياتنا الثقافية؛ لتعبر عن هذا الواقع الذي تتكالب فيه على الإنسان المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية. وجاءت جائحة كورونا لتزيد هذه المشاكل تعقيدًا وضراوة، وتترك آثارها على حياة الناس جميعًا، وبخاصة المعيشية والنفسية.
لا شك في أن السخرية كما يقول غوته الأديب الألماني المعروف: ذرة الملح التي تجعل ما يواجهنا مستساغًا. فهي من أنجح الأدوات في مواجهة واقعنا المعقد. ولعل الكتابة الساخرة تقوم مقام التراجيديات القديمة في تطهير الإنسان من مكبوتاته. إنها تريحه وتخفض من توتره، وتبعده عن الكآبة والحزن، وتساعده على تحمل ما في واقعه من مساوئ وأضرار، وتجعله يتعالى عن واقعه المؤلم، ويحس بمشاركة الآخرين له فيما يعاني؛ فليس وحده من يرزح تحت وطأة المشاكل؛ فهو جزء من مجتمع يعاني.
لم تعد الكتابة الساخرة،في هذه الأيام التي تشهد التطور الهائل في التكنولوجيا الإلكترونية، ووسائل الاتصال مقتصرة على ما يقدمه الكتاب الساخرون في الصحف اليومية، بل تعدى ذلك إلى ظهور كتابات تسخر من هذا العالم على منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لكتاب لم يمارسوا هذا النوع من الكتابة من قبل،كما لاحظنا كثيرين يقتحمون الكتابة الساخرة من عامة الناس القادرين على استخدام التكنولوجيا الرقمية. وفي خضم هذه الفوضى الكتابية تنوعت الكتابة الساخرة؛ فصرنا نقرأ فضلًا عن المقالات خواطر وقصصًا وحكايات وأخبارًا، ترافقها أحيانا الصور ومقاطع الفيديو وغيرها. واستخدمت فيها الألفاظ العامية والمبتذلة، وتركزت في معظمها على السخرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
نلاحظ على الكتابات الساخرة غالبًا، سواء تلك التي يكتبها الكتاب الساخرون المتمرسون أمثال نصيرات والزعبي وغيرهما أم تلك التي يكتبها الآخرون من الكتاب أو عامة الناس تنحصر في أداء وظيفة نفسية،وهي تخليص الإنسان من مشاعر القلق والغضب، أي التنفيس الذي يريح الأطراف التي تتصل بالنص الساخر من الكاتب، إلى القارئ، إلى من له علاقة بالموضوع المسخور منه. والمعروف أن عملية التنفيس لا تساعد الإنسان على حل مشاكله بل على تحمل وجودها وبقائها دون حل.
كما نلاحظ أن كتاباتنا الساخرة تتناول، في الغالب،الموضوعات السياسية والاجتماعية،ولا تتناول الموضوعات الثقافية والتربوية، مع أن مشاكلنا، مثل: العنف المجتمعي، والكراهية، والحقد، والتطرف، والنظرة الدونية للمرأة..كلها في الأساس تنسل من تحت عباءات الثقافة والتربية التي تتولاها الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الإعلامية. لهذا لا بد للكتابة الساخرة، وبخاصة التي ينهض بها المتخصصون، كما يقول الدكتور محمد جرادات في كتابه «الكتابة الساخرة في الصحافة» أن تكون بمنتهى الجدية، وليست دعوة إلى الضحك والترفيه؛ فهي، كما يرى، حالة ثورية نقدية تسعى إلى التغيير،وإلى تحقيق ما هو أفضل للمصلحة العامة، ونقد الواقع.
هكذا نريد الكتابة الساخرة أن توجه سهامها إلى الموضوعات الثقافية والتربوية، وتعي أن وظيفتها الرئيسية،من خلال تقديم عالمها الساخر بطريق فنية رائعة،هيحث الإنسان على تغيير واقعه إلى الأجمل والأحسن. إن القارئ يحتاج إلى كتابة تهزه من الأعماق؛ كي ينتقل إلى مرحلة يتخلص فيها من شوائب العقل والروح، ويزيل البقع المظلمة من حياته، ويراجع مسلماته الماضوية التي تعيق تقدمه وتطوره.
ما نريد أن نقوله: إننا نحتاج إلى جرعات من الفن الساخر الذي ليس في ثناياه الضحك والهزل والترفيه بل الرفض لما هو سيئ ومتخلف؛ لأننا لا نريد كتابة تخدرنا، وتخدعنا بحمال الفن بل كتابة تبعث فينا الحيوية، وتدفعنا إلى الفعل لا إلى الاسترخاء والكسل والتواكل.
د. محمد عبدالله القواسمة
www.facebook.com
لا شك في أن السخرية كما يقول غوته الأديب الألماني المعروف: ذرة الملح التي تجعل ما يواجهنا مستساغًا. فهي من أنجح الأدوات في مواجهة واقعنا المعقد. ولعل الكتابة الساخرة تقوم مقام التراجيديات القديمة في تطهير الإنسان من مكبوتاته. إنها تريحه وتخفض من توتره، وتبعده عن الكآبة والحزن، وتساعده على تحمل ما في واقعه من مساوئ وأضرار، وتجعله يتعالى عن واقعه المؤلم، ويحس بمشاركة الآخرين له فيما يعاني؛ فليس وحده من يرزح تحت وطأة المشاكل؛ فهو جزء من مجتمع يعاني.
لم تعد الكتابة الساخرة،في هذه الأيام التي تشهد التطور الهائل في التكنولوجيا الإلكترونية، ووسائل الاتصال مقتصرة على ما يقدمه الكتاب الساخرون في الصحف اليومية، بل تعدى ذلك إلى ظهور كتابات تسخر من هذا العالم على منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لكتاب لم يمارسوا هذا النوع من الكتابة من قبل،كما لاحظنا كثيرين يقتحمون الكتابة الساخرة من عامة الناس القادرين على استخدام التكنولوجيا الرقمية. وفي خضم هذه الفوضى الكتابية تنوعت الكتابة الساخرة؛ فصرنا نقرأ فضلًا عن المقالات خواطر وقصصًا وحكايات وأخبارًا، ترافقها أحيانا الصور ومقاطع الفيديو وغيرها. واستخدمت فيها الألفاظ العامية والمبتذلة، وتركزت في معظمها على السخرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
نلاحظ على الكتابات الساخرة غالبًا، سواء تلك التي يكتبها الكتاب الساخرون المتمرسون أمثال نصيرات والزعبي وغيرهما أم تلك التي يكتبها الآخرون من الكتاب أو عامة الناس تنحصر في أداء وظيفة نفسية،وهي تخليص الإنسان من مشاعر القلق والغضب، أي التنفيس الذي يريح الأطراف التي تتصل بالنص الساخر من الكاتب، إلى القارئ، إلى من له علاقة بالموضوع المسخور منه. والمعروف أن عملية التنفيس لا تساعد الإنسان على حل مشاكله بل على تحمل وجودها وبقائها دون حل.
كما نلاحظ أن كتاباتنا الساخرة تتناول، في الغالب،الموضوعات السياسية والاجتماعية،ولا تتناول الموضوعات الثقافية والتربوية، مع أن مشاكلنا، مثل: العنف المجتمعي، والكراهية، والحقد، والتطرف، والنظرة الدونية للمرأة..كلها في الأساس تنسل من تحت عباءات الثقافة والتربية التي تتولاها الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الإعلامية. لهذا لا بد للكتابة الساخرة، وبخاصة التي ينهض بها المتخصصون، كما يقول الدكتور محمد جرادات في كتابه «الكتابة الساخرة في الصحافة» أن تكون بمنتهى الجدية، وليست دعوة إلى الضحك والترفيه؛ فهي، كما يرى، حالة ثورية نقدية تسعى إلى التغيير،وإلى تحقيق ما هو أفضل للمصلحة العامة، ونقد الواقع.
هكذا نريد الكتابة الساخرة أن توجه سهامها إلى الموضوعات الثقافية والتربوية، وتعي أن وظيفتها الرئيسية،من خلال تقديم عالمها الساخر بطريق فنية رائعة،هيحث الإنسان على تغيير واقعه إلى الأجمل والأحسن. إن القارئ يحتاج إلى كتابة تهزه من الأعماق؛ كي ينتقل إلى مرحلة يتخلص فيها من شوائب العقل والروح، ويزيل البقع المظلمة من حياته، ويراجع مسلماته الماضوية التي تعيق تقدمه وتطوره.
ما نريد أن نقوله: إننا نحتاج إلى جرعات من الفن الساخر الذي ليس في ثناياه الضحك والهزل والترفيه بل الرفض لما هو سيئ ومتخلف؛ لأننا لا نريد كتابة تخدرنا، وتخدعنا بحمال الفن بل كتابة تبعث فينا الحيوية، وتدفعنا إلى الفعل لا إلى الاسترخاء والكسل والتواكل.
د. محمد عبدالله القواسمة
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.