رسائل الأدباء رسالة من أنور المعداوي الى فدوى طوقان

فدوى العزيزة؛
مرة أخرى أين أنت؟ لقد كتبت إليك منذ شهر على وجه التقريب، وحتى الآن لم أتلق منك ما يطمئنني على أن رسالتي قد وقعت بين يديك، لقد بعثت بها إليك ردا على رسالتك الأخيرة، تلك الرسالة التي تلقيت معها قصيدتك "في سفح عيبال"، ترى هل تلقيت رسالتي وهل كتبت إلي؟ أخشى أن تكون إحدى الرسالتين قد فقدت كما حدث ذلك من قبل وعندئذ أسأل الله أن يجزي مصلحة البريد "خير" الجزاء، سواء أكانت في نابلس أم كانت في القاهرة!
وأعود فأسأل عنك وأقول: كيف حالك؟ وقد تسألين عن حالي فأقول لك: أنني منذ أسبوعين وأنا مشغول بأمر ديوانك.. قرأت خبرا في مجلة "الأديب" يحمل بشرى جميلة، هي أن الديوان قد بات قريب الصدور عن لجنة النشر للجامعيين، وذلك بفضل جهودي المتواضعة! قرأت هذا الخبر فأسرعت إلى المطبعة ومعي ديوانك الحبيب.
وبدأت الطبع! لقد كنت أريد كما أخبرتك في رسالتي الماضية، أن أرجئ طبعه بعض الوقت حتى أفرغ من هذا الكتاب الذي بين يدي، بغية أن يطبع ديوانك وكتابي في يوم واحد، ويدفع بهما إلى أيدي القراء في يوم واحد، ولكن، ولكنك أسرعت بالخبر إلى "الأديب" فلم أجد بدا من أن أسرع بديوانك إلى المطبعة! لا يهمني أن يصدر كتابي في أي وقت، بقدر ما يهمني أن يصدر ديوانك في وقت قريب. حسبي أن تكوني أنت راضية، وأن أكون عند حسن ظنك وظن الذين طالعوا الخبر على صفحات "الأديب"! ولقد أشرت يا فدوى إلى جهودي المتواضعة، ولكم كنت أرجو أن ينشر الخبر وهو خال من تلك الإشارة لأنني -وأقسم لك- لا أشعر أبدا بأن لي جهودا تستحق أن يشار إليها حين تذكر الجهود.
أمامي الآن وأنا أكتب "الملزمة" الرابعة من الديوان وقد فرغت من مراجعتها وتصحيحها منذ دقائق. إنني لا أكتفي بمراجعة المصححين في المطبعة حرصا على تجنب ما قد يغفلون عنه من أخطاء مطبعية، ولقد تخيرت الورق الذي سيطبع عليه الديوان بنفسي، وأشرفت وما أزال أشرف على إخراجه الفني مز جميع نواحيه، حتى يظهر في ثوب جظيل يرضي عشاق الطباعة الأنيقة، وتستطيعين أن تتصلي بالأستاذ ألبير أديب، لينشر لك إعلانا في العدد القادم من مجلته يشير فيه إلى صدور الديوان! إن أمامنا شهرا واحدا ليكون ديوانك بين أيدي القراء، فإذا ظهر العدد الشهري من "الأديب" في أول يونيه القادم وهو يحمل الإعلان المنشود، وافق موعد ظهوره موعد ظهور الديوان حيث أكون أنا في نفس الوقت قد نشرت لك إعلانا مماثلا على صفحات "الرسالة". ما رأيك في هذا الاقتراح؟ وسنرسل إليك مائة نسخة على عنوانك بنابلس لتهدي منها إلى من تشاءين من الأدباء والأصدقاء.. ترى هل يكفي هذا العدد من الاهداءات أم نرسل إليك كمية أخرى من النسخ؟ أنا في انتظار رأيك!
ومرة أخرى أعود فأسأل: هل أرسل إليك صديقي إبراهيم نجا أشياءك التي وعدني بإرسالها كما قلت لك في رسالتي الماضية؟ وأرجو أن يكون قد فعل، وإلا اضطررت إلى السفر إليه لآخذها منه بنفسي وأوافيك بها في الغد القريب. مهما يكن من شيء فستصلك هذه الأشياء يا فدوى لأن إبراهيم لا يعصي لي أمرا وأنا أعني ما أقول.
ماذا تصنعين الآن؟ هل تكتبين قصيدة جديدة؟ إن قصيدتك الأخيرة التي بعثت بها إلي والتي نشرت في "الأديب" قد ضمت إلى شعر الديوان، ولا تنسي أن اسم الديوان هو (وحدي مع الأيام). ولا تنسي أيضا أن تهدي نسخة منه إلى سعيد تقي الدين! أما هذا الكتاب الذي بين يدي: (علي محمود طه شاعر الأداء النفسي) فقد أوشكت أن أنتهي منه، لقد أرهقني هذا الكتاب يا فدوى، أرهقني حتى لأشعر أنني بذلت فيه من الجهد ما يبذله غيري في عشرة كتب.. إن الناس هنا لا يذكرون في أدب التراجم غير كتابين: "ابن الرومي" للعقاد، و"جبران" لميخائيل نعيمه، لقد قررت بيني وبين نفسي أن أقنع الناس بأن هناك كتابا واحدا يجب أن يذكروه، لأن فيه فصلا واحدا يتحرج من التطلع إليه هذا الكتاب الذي ألفه نعيمه أو ذلك الذي ألفه العقاد، وسأنشر هذا الفصل في "الرسالة" قبيل صدور الكتاب، وستحكمين ويحكم القراء! ومعذرة إذا اختصرت الحديث لأن المطبعة في انتظاري ومعها بعض الصفحات الجديدة التي تم طبعها من الديوان، لكم كنت أود أن تكوني معي وأنا ذاهب إلى هناك، لأطمئن إلى أنك راضية عن هذا الجهد الضئيل، الجهد الذي يسعدني أن أبذله في سبيل الفن الجميل.
ودمت للذي يذكرك ويقدرك
أنور المعداوي
بتاريخ؛ 1952/4/26



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...