مقتطف النبي الذي رفض أن يكون ترزيا للفتوى

هو، لم يتخل عن مبادئه أو عقيدته، فدفع ثمنا غاليا جدا !!
قال كلمة الحق، ولم يستسلم لغواية سالومي، تلك الفاتنة التي عشقها هيرودس حاكم فلسطين، وأراد أن يتزوجها وهي لا تحل له !!
قربه هيرودس منه، وجعله مستشارا له، ولما أخبره، بنيته في الزواج من سالومي، نهره بشدة وأعلمه أنها لا تحل له، فهي ابنة أخيه.
ويقال أنها ربيبته أي ابنة زوجته من زوجها السابق، وقد تربت في بيته،وأن أمها عندما كبرت وشاخت أرادت لابنتها أن تأخذ مكانتها في قصر الحاكم.
***
علمت سالومي برفضه لهذه الزيجة الملعونة، فقررت أن تذهب له وهي في قمة جمالها وفتنتها، لتقنعه أن يصدر فتوى تبيح زواجها بعمها، ولكنها هي التي فتنت به ووقعت في غرامه وعشقه حتى عرضت نفسها عليه، إلا أنه رفضها، ولم يرفع حتى بصره إليها، وهي ملكة الفتنة في عصرها، َوصاحبة ذلك الجمال المذهل وتلك الجاذبية الطاغية، التي تدير رؤس أعتى الرجال .
أعلمها أن قلبه ليس ملكه، فهو ملك الله وحده..
و لم يكن منها، إلا أن غضبت لكرامتها ،وضمرت في نفسها أن تنتقم منه أشد الانتقام.
فكيف لرجل حتى لو كان نبيا، أن لا ينحني لجمالها، بل ويرفضها بمنتهى الإباء؟!
***.
ارتدت سالومي سبعة أثواب حريرية ورقصت للحاكم، بعد أن أسكرته، وتسمى هذه رقصة الوداع، والتي استلهم منها العديد من المبدعين أعمالا راقية، وفي رقصتها،هذه، جعلت تخلع ثوبا بعد ثوب إمعانا في إغراء وإثارة الحاكم حتى وصلت إلى الثوب الأخير، ورفضت أن تخلعه حتى يأتيها برأسه.
ولم يستطع الحاكم أن يقاوم اغرائها، رغم علمه بخطورة ومغبة قتله لنبي من أنبياء الله، حاول أن يسترضيها، وأن يقدم لها أي شيء مهما بلغ قيمته عوضا عن قتل يحي، على أن تسلمه نفسها، إلا أنها لم تنس رفضه لها وعودتها من عنده ذليلة منكسة الرأس.
***
إنه ابن خالة المسيح وصديقه المقرب، إنه النبي العظيم يحي المعمدان،عليه السلام.
كان يحي يكبر النبي عيسى ، بعدة سنوات يقال أنها ثلاث، وقد لقب بالمعمدان لأنه حظي بشرف تعميد المسيح، الذي ارتبط به ارتباطا روحيا راقيا فلازما بعضهما معظم الأوقات ،وكانا يأمران بني إسرائيل بالالتزام بكتاب الله، والدعوة الخالصة لعبادته وحده والبعد عن المعاصي.
هو ابن النبي زكريا، الذي انجبه وهو شيخ كبير وزوجته عاقر، ليكن مولده معجزة سماوية ، من معجزات الله...
كما أنه سمي (يحي) من قبل الرحمن ولم يسمي أحد من قبل بهذا الاسم.
كان يحي يقضي أياما طوالا في عبادة الله سائحا في أرضه، وقد يكتفي بأوراق الشجر كطعام له...
أحبه الجميع وأنصتوا لبلاغته، وحكمته، وفصاحته .
حتى الوحوش في البرية، كانت لا تقربه، وإنما تقوم بحراسته، وهو يؤدي صلواته .
ولعلنا نلاحظ أنه جاء من أب شيخ طعن في السن، وأم عجوز عاقر، كمعجزة تمهيدية لولادة المسيح الذي أنجبته السيدة مريم العذراء دون أن يمسسها رجل ، كمعجزة كبرى ، تشابه معجزة خلق آدم عليه السلام....
وكأن الله يمهد لعبيده حتى يدركوا أنه قادر على كل شيء، فهو خلق آدم عليه السلام بدون أبوين وخلق يحيى من شيخ طاعن في السن، و عجوز عاقر ليقطع عليهم عبادة المبدأ المادي ،وخاصة وأنهم اتبعوا سبيلا دنيويا ينتهج، التخلي عن كل ما هو غيبي .
بينما الحق هو عبادة رب الأسباب، وخالق المنطق نفسه، والقادر على أي فعل سواء كان يخضع للعلم البشري ، أو حتي غير الخاضع لأي سبب أو منطق دنيوي، والذي يدخل في نطاق يتجاوز قدرات العقل الذي هو في الأساس مخلوق تابع لخالقه.
(يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك)
حتى تجلت المعجزة الكبرى والتي ليس لها مثيل على مدار الزمن، ألا وهي خلق المسيح بدون أب ....
تلك المعجزة التي حطمت وزلزلت كل قواعد المنطق البشري القاصر، ونزعت عنه قدسيته وعبادة اليهود له.
***
كان يحي يدعوا الناس لعبادة الله وحده لا شريك له، وأن يحافظوا على صلواتهم.
فهو الحافظ للتوراة المنفذ لما فيها من تعاليم والذي اخذ كتابه بقوة....
يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)
***.
وقد ماتت سالومي شر ميتة إذ سقطت من شرفة القصر ونهشتها الكلاب الضالة وهي حية ، بمجرد أن أتوا إليها برأس يحي عليه السلام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...